عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-09-2020, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي الجدية في الالتزام

الجدية في الالتزام
محمد حسين يعقوب


إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله - تعالى - من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمد عبده ورسوله.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران/102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء /1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب/70-71].
أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كلام الله - تعالى -، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخوتي في الله..
والذي برأ الحبة وخلق النسمة إنِّي أحبكم في الله، وأسأل الله جل جلاله أن يجمعنا بهذا الحب في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، اللهم اجعل عملنا كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل فيه لأحد غيرك شيئًا.
أحبتي في الله..
كثيرًا ما سألتكم وما يزال السؤال مطروحًا إلى الآن، لماذا دبَّ الوهن فينا؟ لماذا لا يعتقد أي منَّا أنه أهل لأن يمكن له؟ لماذا انتكس من انتكس؟ لماذا تولى من تولى؟ لماذا صرنا إلى نقصان بعد أن كنا في زيادة؟ …. إنه داء الفتور في الالتزام.
أخي في الله..
هل كنت تحفظ القرآن ثم تركت؟!
هل كنت تقوم الليل ثم نمت؟!
هل كنت ممن يطلب العلم ثم فترت؟!
هل كنت ممن يعمل في الدعوة ثم تكاسلت؟!
هذا واقع مرير يمر به كثير من شباب الأمة، نسأل الله لنا ولكم العافية، وتمام العافية، ودوام العافية، والشكر على العافية.
فكم من أعمال بدأت ولم تتم بسبب مرض الفتور!!
وكم من أعمال بمجرد أن بدأت ماتت وانتهت، وهي مازالت مشروعات على الأوراق!
وكم من أناس ما زال الفتور بهم، وتقديم التنازلات حتى وصل إلى ترك الدين بالكلية، والبعد عن الدين بالمرة، ونسيان الله بالجملة.
كم من أناس هم موتى اليوم، وهم لا يشعرون ولا يعلمون، هل هم أحياء أم ميتون؟!! نسأل الله أن يحيي قلوبنا.
أحبتي في الله..
رسالتنا هذه تحمل اسم "الجدية في الالتزام"، فإنَّ أكبر سبب من أسباب الفتور هو فقدان الجدية، فأنت ترى الجدية واضحة عند كثير من المسلمين في طلب الدنيا، فهو إذا افتتح مصنعًا أو شركة أو دكانًا أو نحو ذلك فإنه يبذل أقصى جهده، ويستولي هذا العمل على جهده ليلاً ونهارًا، يستولي عمله على كل قوته، وكل تفكيره، وكل إمكانياته، فهو يعيش وينام لهذا العمل الدنيوي.
أما أهل الدين ففي الخذلان والكسل والتواني والإخلاد إلى الأرض والرغبة في الدعة والراحة.
إخوتاه..
إنني –والله- أتعجب من لاعبي الكرة كيف يبذلون جهدهم وطاقتهم إخلاصًا للكرة!! وهؤلاء الممثلون في إخلاصهم من أجل الشهرة، والمطربون والمغنيين إخلاصًا للموسيقى، ونفقد نحن هذا الإخلاص في الملتزمين بشريعة رب العالمين.
فمن يعملون لأجل جنة عرضها السماوات والأرض متكاسلون فاترون، وللأسف الشديد إنَّ أحدنا ليستحي من لاعب كرة يتدرب ليل نهار، ويلعب ليل نهار، من أجل حطام الدنيا الفاني، للأسف الشديد إنَّ أي طالب في الثانوية العامة يبذل جهدًا أضعاف أضعاف أي طالب علم يطلب العلم لله، أليس الأمر كذلك أم أنَّ هذا الكلام غير واقعي؟!
يا شباب الإسلام..
إنه واقع مر يستوجب منا وقفات، لماذا يدب الوهن في قلوبنا؟ لماذا تفتر سريعًا عزائمنا؟ لماذا يولي بعضنا الأدبار عند أول صدمة؟!!
والجواب: لأننا أخذنا ديننا بضعف، كانت لي محاضرة قديمة بعنوان "بين سحر الحواة ولعب الهواة ضاع الدين"، ضاع الدين لأن كثيرًا من شباب المسلمين حملوا هذا الدين هواية، كهواية جمع طوابع البريد، وهواية المراسلة، وهواية لعب الكرة، فدخل الدين هواية، ونحن نواجه ملحدين محترفين، نواجه كفارًا محترفين، ولا يمكن للهواة أن يقفوا في وجه هؤلاء، فلا بدّ –إخوتاه- من احتراف الدين.
إنني لا أطلب منك أن تترك دراسة الهندسة، ولا الطب، ولا الزراعة؛ لتطلب العلم الشرعي، لا أطالبك بشيٍء من هذا، وإنما أطالبك أن تكون مهندسًا محترفًا في أعمال الهندسة وإخضاعها للدعوة إلى الله، وخدمة الدين.
أطالبك أن تكون طبيبًا ولكنك احترفت الطب لخدمة الدين، أطالبك أن تكون تاجرًا ولكن عبدتّ المال لخدمة رب العالمين.
من أنت؟!!
أخي في الله..
لو أنني سألتك هذا السؤال وقلت لك: ما اسمك عند رب العالمين؟ فبم تجيب؟ من أنت؟!!
هل أنت فلان الكذاب، أو الغشاش، أو المرائي، أو المنافق، أو.. أو؟!
أم أنت فلان المؤمن، أو الموحد، أو القوَّام، أو الصوام، أو القائم بالقسط، أو الذكير، أو الصديق.. آهٍ.. آهٍ من أنت؟!
أجبني –أخي- الآن، قبل أن تنبأ به غدًا على رؤوس الأشهاد يوم تبلى السرائر، يوم الفضيحة الكبرى فلا أبأس ولا أشقى ولا أذل منك يومئذٍ.
إني أريد أن أسألك ما هي وظيفتك عند الله؟!!
إن أكثرنا يعمل لحساب نفسه، ونسي الله الذي خلقه، ما هي وظيفتك في خدام الله؟! إن قلت لي: لا شيء. فأنت –أيضًا- لا شيء، فإن لم يكن لك وظيفة عند ربك فلا نفع لك في هذه الدنيا، ولا قيمة لك عند الله، فإنما قيمة العبد عند الله حين يعظم العبد الله، فيعظم الله في قلبه، وإذا عظم الله في قلبك فأبدًا لا تطيق ولا تستطيع أن تجلس هكذا لا تدعو إلى طريق مولاك.
أخي الحبيب..
لا تخادع نفسك، فأنت على نفسك بصير، لا تقل: كنت وكان وسوف، فإنها حبائل الشيطان، بل سل نفسك بصدق وفي الحال: من أنا عند الله؟!
فإن أدركت أنك في الحضيض، فقل لها: وحتى متى؟! فإن تسرب إليك هاتف من يأس فذكرها بالله الرحيم، فإن تعلقت بالرحمة ولم تعمل فهذا عين الغرور، فمن يحسن الظن بالله يحسن العمل، وما مآل المغترين إلا أن يبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.
وإن كنت على خير فإياك أولاً أن تغتر أو تعجب، بل سل نفسك حينئذٍ: أين شكر النعم؟! وهل ما أنا فيه استدراج؟ ومدار النجاة في أن تكون دائمًا في زيادة، فإن كنت في نقصان فهنا البلية الكبرى، لأنَّ الموت قد يفجأك على هذه الحالة، ومازلت أنت تذكر ليلة قمتها، ويوم بعيد صمته، وتركن على أعمال هزيلة لا تغني عنك من الله شيئًا، فما عساك تصنع حينها؟
قال ابن مسعود –رضي الله عنه-: "إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيراً فيوشك أن يحصد رغبته، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له".
أخي..
أفق من غفوتك، وانهض من رقدتك، فالعمر قليل، والعمل كثير، فإلى متى النكوص والفتور والتواني والكسل، إلى متى هجران الطاعات؟ وترك المندوبات؟ بل قل: ترك الواجبات، وآكد الفرائض المحتمات، واستمراء المعاصي والسيئات، والاجتراء على الوقوع في المهلكات.
إلى متى؟! إلى متى؟
يا نفس: بالله أجيبيني!! مادمت تعرفين أنَّك لا تساوين شيئًا عند الله، وأنَّك رضيت بالهوان فآثرت نعيمًا فانيًا، وزهدت في جنات خالدة، أما تنظرين إلى من ساروا في هذا الدرب كيف فتنوا؟ كيف ذلوا وصغروا؟ كيف شقوا فما والله سعدوا؟
ثمَّ بعد ذلك إلى الردى تريدين!!
لا.. لا لن أنصت لحديثك مرة أخرى. بل سأبدأ من اللحظة، سأبدأ في الحال صفحة جديدة في عمري لا شعار لي فيها إلا الجدية في الالتزام.
ومن هنا البداية، فاعرف أولًا من أين أوتيت؟ وكيف قهرت جيوش النفس والشيطان حصون قلبك فأردتك، ضع يدك في يدي، وتعال نعمل سويًا لأجل رضا ربنا، حتى نصل -بإذن الله- إلى الجنة.
أسباب ضعف الالتزام:
إخوتاه..
ما هي الأسباب وراء ضعف الالتزام؟
السبب الأول: عدم الجدية في أخذ الدين.
فإننا لم نأخذ هذا الدين في الأصل بجد، بل دخلنا فيه هوى وهواية، وكثيرًا جدًا ما أطالبكم بأن يراجع كل منا نفسه، فيبدأ بسبب التزامه الأول، تدري عندما أصرخ فيمن لا يصلي لماذا لا تصلي؟ أحتاج –أيضًا- أن أوجه صرخة أخرى لمعاشر المصلين وأنتم لماذا تصلون؟
نعم لماذا تصلي؟! نعم يا من أعفيت لحيتك لماذا أعفيتها؟ لماذا –أخي- قصرت ثوبك؟! لماذا تركت أشرطة الأغاني وأقبلت على سماع القرآن؟! لماذا خلا بيتك من الدش والفيديو والتليفزيون؟ لماذا؟!!
لماذا اقتنيت مصحفًا؟ لماذا بدأت تقرأ القرآن؟ لماذا تحفظ القرآن؟ لماذا تحضر دروس العلم؟ لماذا لا تصاحب إلا مؤمنًا؟ …. لماذا.. لماذا؟
إن لم يكن كل هذا لله فإنه مردود عليك، فيضمحل ويتلاشى ويتواري ويعود كأن لم يكن.
قال - تعالى -: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا) [الفرقان / 23].
لا بدّ أن نمحص نياتنا على جمرات الإخلاص، ارجع إلى البدايات الأولى، اتهم نيتك، فكثير منا التزم الدين في ظروف غير طبيعية قد تكون دفعته أو اضطرته إلى الالتزام، وبعضنا -ولله الحمد- التزم لله مخلصًا، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، لكن ارجع وصحح نيتك فهذه هو الأصل.
السبب الثاني: الترف.
والترف مفسد أي مفسد، إذ يتعلق قلب صاحبه بالدنيا، وللأسف الشديد إنَّ أكثر الأمة اليوم يعيش ترفًا غريبًا عجيبًا دخيلاً علينا.
فالفقراء يحاولون أن يفتعلوا الترف، ولو في بعض الأشياء، تجده لا يجد إلا قوته الضروري ولكنه يقتطع منه من أجل أن يقتني المحمول، ويشتري أفخر الأثاث، ويشتري أحدث الأجهزة، ليشتري الدش فيدخل الفساد على أهله ويقره في بيته دياثة، وهذا يقتطع من قوت أطفاله لكي يصيّف هنا أو هناك، والقائمة طويلة تعرفونها جيدًا، وإلى الله المشتكى.
ترف وللأسف الشديد أمر يخجل، فلأجل الله يشح ويبخل، ويقدم لك الاعتذارات لضيق الوقت وضيق ذات اليد و … و… الخ لكن للدنيا وللشهوات يحارب ويدبر ويفكر.
إنه التنافس على الدنيا، وكأنه لو لم يحصل هذه الأمور سيعيش في الضنك، وسيبلغ به الحرج المدى، ولا والله فما الزيادة في الدنيا إلا زيادة في الخسران.
فالغني يصاب بالبطر والكبر، ويصبح ماله نقمة عليه في الآخرة فيصرخ يوم القيامة: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ) [الحاقة /28-37].
والفقير يحلق دينه بالحقد والحسد، ناهيك عمَّن يتكبر وهو معوز فيدخل في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر))[1].
فرجل كبير السن يزني، وملك يكذب على رعيته ولا يحتاج لذلك فإذا كذب غش، فهنا -كما يقول العلماء- ضعف الداعي، وتم الفعل، فعظم الوزر.
إنها عقوبة تروع قلب أي مسلم ألا يكلمه الله، انظر لكعب بن مالك –رضي الله عنه- لما خاصمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كادت روحه تزهق، تفكر في حالك ولو أتيت من تحب فوجدته معرضًا عنك أو خاصمك كيف تكون حينها؟! ألا تشعر أنَّ الدنيا اسودت في وجهك، ويحل بك من الضيق والحزن ما يقطع قلبك، فما بالك أن يقاطعك الله، لا يكلمك، لا ينظر إليك، يعرض عنك، لا يزكيك، هذا أشد من عذاب جهنم عند الموقنين المحبين الموحدين.
والثالث: عائل، أي فقير وهو مع هذا مستكبر، فأن يطغى الغني بالمال، هذا أمر معروف قال - تعالى -: (إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) [العلق/ 6-7]. لكن فقير يتكبر فلماذا -يا عبد الله-؟!! وكذلك فقير مترف هذا شيء يبغضه الله - تعالى -.
إخوتاه..
ولا شك أنَّ الترف أفسد أبناءنا، فوجدنا فينا من يتفاخر يقول: أنا لا أجعل ابني في احتياج إلى شيء أبدًا فأنا ألبي له جميع طلباته ورغباته.
ومثل هذا يظن أنه أحسن إلى ولده، وأنا أعرف أنَّ العاطفة لها دخل كبير في هذا، بل من لا يستطيع أن يفعل ذلك يظل مهمومًا بهذه الرغبات من الأولاد والتي لا يستطيع أن يلبيها لهم، والحقيقة أنَّ هذا ليس من التربية في شيء، فأنت بذلك تفسد الولد، إننا نفتقد الحكمة في التربية، نفتقد التربية الإيمانية الصحيحة لأولادنا.
لماذا لا تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق بالله، فإذا طلب شيئًا مفيدًا ولم تستطع أن تجيبه فقل له: هيا يا بني نصلي ركعتين وندعو الله فيهما، فإنَّ الله هو الرزاق، وهو ربنا المدبر لأمورنا، فإذا لم يمنحنا المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد، فاعلم أنَّ هذا ليس مفيدًا لنا الآن؛ لأنَّ الله صرفه عنَّا.
فتعلمه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله))[2]، وليس من التربية أن تلبي جميع متطلبات أولادك فينشأ الواحد منهم عبد شهواته، كلما تاقت نفسه إلى شيء طلبه فإنَّه إن لم يجده سيسرق ويزنى ويخون من أجل أن يحقق ما يشتهي.
إن لابنك حقًا أعظم من الدنيا، وهو أن تعلمه كيف ينجو من النار، اللهم نجنا وأولادنا من النار. قال الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون) [التحريم / 6].
إخوتاه..
نحتاج إلى صفات "الرجولة"، والرجل الحق لا يعرف الترف.
قال عمر –رضي الله عنه-: "اخشوشنوا فإنَّ النعمة لا تدوم".
وقالت العرب قديماً: "وعند الصباح يحمد القوم السُّري"[3].
قال الشاعر:
ليسَ أمرُ المرءِ سهلاً كله *** إِنَّما الأمرُ سهولٌ وحزونْ
ربما قرَّتْ عيونٌ بشجى *** مُرْمضٍ قد سخنتْ عنه عيونْ
تطلبُ الراحةَ في دارِ العنا *** خابَ من يطلبُ شيئاً لا يكونْ
أيها الأحبة في الله..
موقف لطيف جرى بين عالمين جليلين، فقد اجتمع يومًا ابن حزم الأندلسي الفقيه الظاهري مع أبي الوليد الباجي الفقيه المالكي، وجرت بينهما مناظرة سنة (440) من الهجرة، فلما انقضت المناظرة قال أبو الوليد الباجي لابن حزم: "تعذرني فإن أكثر مطالعاتي كانت على سرج الحراس".
فأبو الوليد الباجي كان فقيرًا لا يجد مالاً، لا يجد مصباحًا في بيته، فاعتذر لابن حزم لأن قراءته ومذاكرته وطلبه للعلم كان على مصابيح الحراس، فالحراس كانوا يمشون في الليل بمشاعل لحماية البلاد من اللصوص، فكان هو يسير وراءهم يقرأ في الكتاب، ويذاكر على ضوء مصابيح الحراس.
سبحان الله العظيم!! وهذا بقي بن مخلد المحدث المشهور صاحب المسند، وهو أكبر من مسند الإمام أحمد بن حنبل، الشاهد قال لتلاميذه يومًا: "أنتم تطلبون العلم!! إنني كنت أطلب العلم فلا أجد ما أتقوت به فأجمع من على المزابل أوراق الكرنب الخضراء لآكلها، وأتعشى بها، حتى أتى اليوم الذي بعت فيه سراويلي من أجل أن أشتري أوراقًا أكتب بها، وجلست بلا سراويل".
قال ياقوت الحموي: "فالغني أضيع لطلب العلم من الفقر".
وقال بعض المحققين: "كثرة المال وطيب العيش تسد مسالك العلم إلى النفوس، فلا تتجه النفوس إلى لعلم مع الترف غالبًا، فإن الغني قد يسهل اللهو ويفتح بابه، وإذا انفتح باب اللهو سد باب النور والمعرفة، فلذائذ الحياة وكثرتها تطمس نور القلب، وتعمي البصيرة، وتذهب بنعمة الإدراك، أما الفقير وإن شغله طلب القوت، فقد سدت عنه أبواب اللهو، فأشرقت النفس، وانبثق نور الهداية، والله الموفق والمستعان".
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.75%)]