عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-03-2020, 08:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي شرح باب الاستقامة من كتاب رياض الصالحين

شرح باب الاستقامة من كتاب رياض الصالحين





سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين


باب الاستقامة

قَالَ اللهُ تَعالَى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: من الآية 112]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأحقاف: 13، 14].



قال العلامةُ ابن عثيمين - رحمه الله -:

«الاستقامة»: هي أن يَثْبتَ الإنسان على شريعة الله - سبحانه وتعالى - كما أمر الله، ويتقدَّمها الإخلاص لله عزَّ وجلَّ.



ثم ذكر المؤلفُ عدَّة آيات في هذا، فذكر قولَ الله - تعالى -: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾؛ الخطاب هنا للنبيِّ صلي الله عليه وسلم يكون له ولأُمَّته، إلّا إذا قام دليل علي أنَّه خاص به؛ فإنَّه له ولأُمَّته.



فمما دلَّ الدليل على أنَّه خاصٌ به قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ [الشرح: 1 – 3]، فإنَّ هذا خاصٌّ بالنبيِّ صلَّي اللهُ عليه وسلَّم.



ومثل قولِه: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾ [الحجر: 87]، هذا أيضًا خاصٌّ بالرَّسولِ صلي الله عليه وسلم.



وأمَّا إذا لم يقمِ الدليل على أنَّ الخطاب للخصوصيَّةِ، فهو له ولأمَّتِه، وعلى هذه القاعدةِ يكون قوله: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ عامًّا له ولأُمَّتِه، كلُّ واحدٍ يجب عليه أن يستقيمَ كما أُمِر، فلا يُبدِّلْ في دين الله، ولا يزيد فيه ولا ينقص، ولهذا قال في آية أخرى: ﴿ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [الشورى: من الآية 15].



الآية الثانية قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا... ﴾ [فصلت: 30 - 33].

﴿ رَبُّنَا اللَّهُ ﴾؛ أي: خالقُنا ومالكُنا ومدَبِّرُ أمورِنا، فنحن نخلص له، ﴿ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ علي ذلك، على قولهم ربُّنا الله، فقاموا بشريعةِ الله. هؤلاء الذين اتَّصفوا بهذين الوَصْفين: ﴿ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُو ﴾ ﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ﴾ مَلكًا بعد مَلكٍ ﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ﴾ لا تخافوا: فيما تستقبلون من أموركم، ولا تحزنوا علي ما مضي من أموركم، ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾؛ لأنَّ كلَّ من قال ربي الله، واستقام علي دين الله، فإنَّه من أهلِ الجنَّة، ويقولون لهم أيضا: ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ فالملائكة أولياء للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا في الحياة الدنيا، تسدِّدُهم وتساعدهم وتعينُهم، وكذلك في الآخرة تتلقَّاهم الملائكة يوم البعث والحساب ﴿ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: من الآية 103] فيبشرُّوهم بالخير في مقام الخوف والشدَّةِ.



قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ [فصلت: من الآية31]، ﴿ لَكُمْ فِيهَا ﴾؛ أي: في الآخرة ما تشتهي أنفسُكم، وذلك في نعيم الجنَّة، لأنَّ الجنَّة فيها ما تشتهيه الأنفسُ وتلذُّ الأعين.



﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ [فصلت: من الآية31]، أي: تطلبون، بل لهم فوق ذلك: ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 35]، لهم زيادة علي ما يدَّعونه ويطلبونه ويتمنونه.



﴿ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 32]، يعني: أنَّ الجنَّة نُزلٌ لهم وضيافةٌ مِنْ غفور رحيم.



﴿ غَفُورٍ ﴾: غفر لهم سيئاتهم. ﴿ رَحِيمٍ ﴾: بهم، رفع لهم درجاتهم، هذا جزاء الذين يقولون ربُّنا الله ثم يستقيمون.



وفي هذا دليل علي أهمية الاستقامة على دين الله، بأن يكونَ الإنسانُ ثابتًا لا يزيد ولا ينقص ولا يُبدِّلْ، ولا يغير، فأمَّا من غلا في دين الله، أو جفا عنه، أو بدَّل فإنَّه لم يكن مستقيمًا على شريعة الله عزَّ وجلَّ، والاستقامة لابدَّ لها من الاعتدال في كلِّ شيءٍ، حتى يكون الإنسانُ مستقيمًا على شريعة الله عزَّ وجلَّ.




المصدر: «شرح رياض الصالحين» (1 / 568 - 570)





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.74 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.21%)]