حياكم الله تعالى و بارك الله فيكم..
ننتقل بإذن الله سبحانه للجزء الأخير من الموضوع.
***************************
ومنها :- الحق الذي لا ينبغي القول بغيره هو أن التعصب للمذهب أمر محرم وقبيح فلا يجوز لأحد أن يتعصب لمذهب إمامه الذي يتبعه ، هذا لا يجوز ، لما في ذلك من عدة مفاسد , الأولى :- أن فيه ادعاء لعصمة هذا الإمام ، وهو وإن لم يقلها بلسانه في إمامه إلا أن أفعاله وتعصبه وأخذه بكل أقواله من غير نظر في الدليل تفيد ذلك ، وهذا أمر لا يجوز ، فإن العصمة على الانفراد ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الثانية :- أن فيه دعوى أنه مشارك للنبي صلى الله عليه وسلم في التشريع ، وهذا أمر من أمور الكفر ، لأن المستقل بالطاعة المطلقة هو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأما غيرهما فله مطلق الطاعة ، فمن جعل إمامه يطاع الطاعة المطلقة ، فقد أنزله في منزلة الرسول صلى الله عليه وسلم وما رأيك أنت في هذا ؟ لا جرم أنك تقول إنه من الكفر فأقول:- هذا صحيح ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله تعالى ، فمن اعتقد أن إمامه الذي يقلده يطاع الطاعة المطلقة ، وأنه يجب على الغير اتباعه في كل ما يقول ، بغض النظر عن موافقة الكتاب والسنة أو مخالفتهما ، فهذا صورة من صور الكفر ، والعياذ بالله تعالى ، وعليه فهذا التعصب للمذاهب من المحرمات التي قد توصل صاحبها في بعض صورها إلى الكفر ، الثالثة :- أنه مفض إلى كثرة النزاع والاختلاف في الدين ، وموجب للتباغض والتدابر والتشاحن ، والتفرق والاعتداء باللسان والفعل ، وهل يخفاك بالله عليك ما أوجبه التعصب المقيت في كثير من أزمنة الجمود التي مرت بها الأمة ؟ حتى إن كان في الحرم الشريف تقام أربع جماعات ، للمذاهب الأربعة لأن بعض أهل العلم في ذلك الزمان أفتى بأنه لا يصلي أهل مذهب وراء أهل مذهب آخر ، بل وتعدى الأمر والتعصب حتى وصل ذروته ، فكان بعض الأحناف يفتي بأن لا يتزوج الحنفي من شافعية ، والعكس ، فانظر كيف وصلت الحال ، وكل هذا بسبب التعصب للمذهب المتبع ، فضلا عن تراشق التهم ، وفساد النوايا ، وامتلاء القلوب على بعض ، والتدابر والوشاية لولاة الأمور على من يخالفك في المذهب ، وقد تقرر في الشريعة أن أي سبب يفضي إلى ذهاب أخوة الإيمان وفساد علائق الدين فإنه ممنوع ، فلما كان التعصب يوجب ذلك صار ممنوعا في الشرع ، الرابعة :- أن التعصب للمذاهب أوجب تحريف الأدلة وتأويلها على غير دلالتها الصحيحة ، ولي أعناقها حتى توافق المذهب ، أو ردها وعدم قبولها ، وهذا في حد ذاته محرم ، والمتقرر أن ما أفضى إلى الحرام فهو حرام ، ومفاسد التعصب كثيرة ، فلما كان التعصب للمذهب يحمل في طياته هذه المفاسد قلنا بأنه محرم , لا يجوز ، سدا للذريعة ، وحماية لجناب الدين ، وإغلاقا لأبواب تحريش الشيطان بيننا والله أعلم .