عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-04-2024, 10:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره... }

ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى:

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا ‌قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].

د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
الجزء الثاني: (2-2)



تاسعًا: توجد علاقة قوية للغاية بين القرآن الكريم وتعظيم الله تعالى حق عظمته وتقديره حق قدره، فالقرآن الكريم كلام الله تعالى، وأعظم كتبه، وفيه من الفضائل ما لا يحصى، بل هو معين لا ينضب من الغنائم والخيرات في كل مجال واتجاه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي ‌هِيَ ‌أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 9]، قال الشنقيطي رحمه الله: ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم الكتب السماوية، وأجمعها لجميع العلوم، وآخرها عهدًا برب العالمين جلَّ وعلا يهدي للتي هي أقوم؛ أي: الطريق التي هي أسد وأعدل وأصوب، وأقوم الحالات، وهي توحيد الله والإيمان برسله، وهذه الآية الكريمة أجمل الله جلَّ وعلا فيها جميع ما في القرآن من الهدى إلى خير الطرق وأعدلها وأصوبها، لو تتبعنا تفصيلها على وجه الكمال لأتينا على جميع القرآن العظيم؛ لشمولها لجميع ما فيه من الهدى إلى خيرَي الدنيا والآخرة؛ (انظر شرح الآية بتوسع: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، سورة الإسراء، الآية: 9).


عاشرًا: إن هداية القرآن الكريم والانتفاع بما فيه من خير عظيم لا يحصل لكل أحد، فقد خص الله تعالى الانتفاع به لعباده المتقين وحدهم دون غيرهم، قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ ‌لَا ‌رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة: 2]، قال الطبري رحمه الله: والقرآن هدًى للمتقين، وشفاءٌ لما في صدور المؤمنين، وَوَقْرٌ في آذان المكذبين، وعَمًى لأبصار الجاحدين، وحجةٌ لله بالغةٌ على الكافرين، فالمؤمن به مُهتدٍ، والكافر به محجوج، وقال السعدي رحمه الله: في نفسه هدى لجميع الخلق، فالأشقياء لم يرفعوا به رأسًا، ولم يقبلوا هدى الله، فقامت عليهم به الحجة، ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر، لحصول الهداية، وهو التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه، بامتثال أوامره، واجتناب النواهي، فاهتدوا به، وانتفعوا غاية الانتفاع.

الحادي عشر: يُعد القرآن الكريم رافدًا مهمًّا لبيان عظمة الله تعالى لما يتضمن من وجوه الإعجاز المتنوعة، فقد اعتنى المختصون ببيان وجوه الإعجاز في القرآن، وأوضح مصطفى مسلم أن هناك أقوالًا متباينة في تحديد أوجه الإعجاز، ويمكن جمعها في أربعة وجوه:
الإعجاز البياني.
الإعجاز العلمي (التجريبي).
الإعجاز التشريعي.
الإعجاز الغيبي (مباحث في إعجاز القرآن، ص 113).

ولذلك ينبغي للمسلم العناية بالتعرف على وجوه الإعجاز في القرآن الكريم وما كتبه أهل العلم الثقات في هذا المجال ليزداد معرفة بالله تعالى وتعظيمًا له.

الثاني عشر: أمر الله تعالى بتدبُّر القرآن الكريم، لحاجة الناس له في توجيه حياتهم لخيرَي الدنيا والآخرة، وصدق الله العظيم: ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ ‌فَلَا ‌يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]، قال ابن باز رحمه الله: وهدى الله هو ما دلَّ عليه كتابه العظيم القرآن وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- من فعل الأوامر، وترك النواهي، وتصديق الأخبار التي أخبر الله بها ورسوله، والإقامة عند حدود الله، وعدم تجاوزها، هذا هو الهدى، ومن توجيهات القرآن العظيم في الحث على تدبر القرآن، قوله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ ‌إِلَيْكَ ‌مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29]، قال السعدي رحمه الله: فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة، تدرك بركته وخيره، وهذا يدل على الحث على تدبُّر القرآن، وأنه من أفضل الأعمال.

الثالث عشر: من جوانب تدبُّر القرآن الكريم المهمة للغاية في تعظيم الله حق تعظيمه؛ الربط المبهر للعقول في خواتيم الآيات بأسماء الله الحسنى، فمن تأمَّله وتدبَّره بعقله ووجدانه ملأ قلبه إيمانًا ويقينًا وفهمًا لمعاني الآيات، قال السعدي رحمه الله: وهذا باب عظيم في معرفة الله ومعرفة أحكامه، وهو من أجلِّ المعارف وأشرف العلوم، فتجد آية الرحمة مختومةً بصفات الرحمة، وآيات العقوبة والعذاب مختومة بأسماء العزة والقدرة والحكمة والعلم والقهر، ومن الأمثلة؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ‌اللَّطِيفُ ‌الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، فخلقه للمخلوقات وتسويتها على ما هي عليه من إنسان وحيوان ونبات وجماد من أكبر الأدلة العقلية على علمه، فكيف يخلقها وهو لا يعلمها؟ (انظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن، ص: 53).

الرابع عشر: التفكر في خلق الله تعالى وقدرته مدعاة لتعظيمه وتقديره حق قدره، وقد حث الله تعالى عباده على التفكُّر في خلقه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ‌وَاخْتِلَافِ ‌اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، قال السعدي رحمه الله: وفي ضمن ذلك حث العباد على التفكر فيها، والتبصُّر بآياتها، وتدبر خلقها، وأبهم قوله: ﴿ لَآيَاتٍ ﴾، ولم يقل: "على المطلب الفلاني" إشارة لكثرتها وعمومها، وذلك لأن فيها من الآيات العجيبة ما يبهر الناظرين، ويقنع المتفكرين، ويجذب أفئدة الصادقين، وينبه العقول النيرة على جميع المطالب الإلهية، وخص الله بالآيات أولي الألباب، وهم أهل العقول؛ لأنهم هم المنتفعون بها، الناظرون إليها بعقولهم لا بأبصارهم.

الخامس عشر: إن النظر والتأمل والتدبر في آيات الكون والنفس والتفكر في خلقها زاد مهم يُعين العبد على توحيد الله تعالى وتعظيمه وتقديره حق قدره، قال تعالى: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ ‌فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [النمل: 93]، وقال سبحانه: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ‌حَتَّى ‌يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]، قال القرطبي رحمه الله: أي: علامات وحدانيتنا وقدرتنا في الآفاق، يعني أقطار السماوات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والرياح والأمطار والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، أولم يكفهم ربك بما دلهم عليه من توحيده؛ بأنه على كل شيء شهيد؛ (بتصرف، تفسير القرطبي، فصلت: 53).

السادس عشر: من أنجع وسائل تعظيم الله تعالى الدعاء، وما أدراك ما الدعاء! فهو مخ العبادة، والاعتناء به دليل إيمان وتعظيم لله سبحانه بأنه القادر على تحقيق المرغوب ودفع المرهوب، وبالإضافة إلى ما يحرص عليه العبد في دعائه بطلب توفيقه لمطالب الدنيا والآخرة، كذلك يحرص على سؤال الله جل جلاله الإعانة على خشيته وتعظيمه، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "وأسألُكَ خشيتَكَ في الغيبِ والشَّهادة"؛ (الألباني، صحيح النسائي، حديث رقم: 1305)، وجميل أن يدعو المسلم بهذا الدعاء النبوي؛ لأن خشية الله تعالى في الغيب والشهادة من كمال إيمان العبد، ودليل تعظيم الله تعالى والحياء منه، وقد رتَّب الله تعالى على خشيته والخوف منها الخير الكثير، قال تعالى: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ‌جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46]، قال ابن القيم رحمه الله: قيل هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه في الدنيا ومقامه بين يديه في الآخرة فيتركها لله، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ ‌يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12]، قال ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى مخبرًا عمن يخاف مقام ربه فيما بينه وبينه إذا كان غائبًا عن الناس، فينكف عن المعاصي ويقوم بالطاعات، حيث لا يراه أحد إلا الله، بأنه له مغفرة وأجر كبير.

السابع عشر: من أجل فوائد تعظيم الله وتقديره حق قدره ما يشعر به العبد في حياته بالراحة والسعادة والهدوء النفسي، وكلما ازداد معرفة بربه ازداد تعظيمًا له، وكلما ازداد تعظيمًا لربه ازداد سعادة واطمئنانًا، وفي الحديث القدسي: "وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِليَّ بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه"؛ (صحيح البخاري، حديث رقم: 6502)، فمن اقترب من الله تعالى الذي بيده السعادة الحقيقية وأطاعه سبحانه واستجاب لأوامره ونواهيه نال منه قمة السعادة، ليست سعادة دنيوية عابرة فقط، بل كذلك سعادة أخروية أكمل وأبقى؛ جنة عرضها السموات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا ‌فَفِي ‌الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [هود: 108]، قال ابن باز رحمه الله: فأهل الجنة ينعمون فيها وخالدون أبد الآباد، لا موت ولا مرض، ولا خروج، ولا كدر، ولا حزن، ولا حيض، ولا نفاس، ولا شيء من الأذى أبدًا، بل في نعيم دائم وخير دائم.

الثامن عشر: هناك تلازم قوي وارتباط وثيق بين تعظيم الله تعالى وتقديره حق قدره وبين شكره على نعمه التي لا تُعد ولا تُحصى، فقد أوجبت الشريعة شكر من أسدى إلينا معروفًا، قال صلى الله عليه وسلم: "ومن صَنَع إليكم معروفًا فكافِئوه، فإنْ لم تَجِدوا ما تكافِئونَه فادْعُوا له حتى تَرَوا أنَّكم قد كافَأْتُموه"؛ (الألباني، صحيح أبي داود، حديث رقم: 5109)، وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يَشْكُرُ اللهَ مَن لا يَشْكُرُ الناسَ"؛ (الألباني، صحيح أبي داود، حديث رقم: 4811)، وإذا كانت الشريعة السمحة أكدت عن شكر المخلوق الذي يقدم معروفًا ولو محدودًا، فكيف بمن أسدى إلينا نعمًا لا حدود لها؟! أليس هو الأولى بالشكر؟! وقد جاء القرآن الكريم بتوجيهات عدة تؤكد على العناية بشكر الله تعالى على نعمه، قال تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي ‌وَلَا ‌تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، قال ابن كثير رحمه الله: وقوله تعالى: ﴿ وَاشْكُرُوا لِي ‌وَلَا ‌تَكْفُرُونِ ﴾ أمر الله تعالى بشكره، ووعده على شكره بمزيد الخير، فقال: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ ‌عَذَابِي ‌لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقد ذم الله تعالى الغافلين عن شكره وهم كُثر، فقال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ ‌الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، قال ابن القيم رحمه الله: إن مقام الشكر جامع لجميع مقامات الإيمان؛ ولذلك كان أرفعها وأعلاها، وهو فوق الرضا، والإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر، والصبر داخل في الشكر، فرجع الإيمان كله شكرًا، والشاكرون هم أقل العباد، كما قال تعالى: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ ‌الشَّكُورُ ﴾؛ (انظر بتوسع: مدارج السالكين، 1/152).

"اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، وهذا الدعاء المبارك وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه دبر كل صلاة؛ (الألباني، صحيح أبي داود، حديث رقم: 1522).

التاسع عشر: إذا ارتقى العبد في إيمانه ووصل إلى درجة الكمال واليقين، كان أكثر خوفًا لله تعالى ويجد رقة في قلبه لا يجدها غيره، وهذا من دلائل تعظيم الله جل جلاله، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ ‌وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]، قال البغوي رحمه الله: ليس المؤمن الذي يخالف الله ورسوله، إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم، ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ ‌وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾خافت وفَرَقَت قلوبهم، وقيل: إذا خوفوا بالله انقادوا خوفًا من عقابه، ﴿ وَإِذَا ‌تُلِيَتْ ‌عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ تصديقًا ويقينًا، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ؛ أي: يفوضون إليه أمورهم ويثقون به ولا يرجون غيره.


العشرون: إن الوجل الذي يشعر به المؤمنون عند سماعهم لذكر الله تعالى وتلاوة آياته، قد يأتي من شعورهم بالهيبة من إجلال الله وعظمته، ومن خوفهم من التقصير، وهو حاصل لا محالة في حق عبودية الخالق الرازق المدبر المنعم الذي تفضل عليهم بنعم لا تُعد ولا تُحصى، وهم لم يحققوا في ذات الوقت العبادة اللائقة بهذا الإنعام والإكرام، فالإنسان إذا امتلأ قلبه إيمانًا وعظمة لله تعالى وتقديرًا له سبحانه يشعر بتقصيره؛ ولذلك قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ ‌وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]، قال ابن كثير رحمه الله: أي: يعطون العطاء وهم خائفون ألا يُتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط.

هذا ما يسَّر الله إيراده، والله أسأل بمنه وكرمه أن يوفقنا لتعظيمه حق عظمته وتقديره حق قدره، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.30%)]