عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19-01-2021, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي الحث على إكرام الأبناء عموما والبنات خصوصا

الحث على إكرام الأبناء عموما والبنات خصوصا
محمد منير الجنباز



أكد الإسلام على تكريم الأبناء، ورفع شأنهم، وتربيتهم التربية القويمة؛ وذلك ردًّا على عادات الجاهلية التي استهانت بهم أحيانًا، وخصوصًا البنات؛ فقد ذكر في تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم حسن: "ومن عادات العرب المستقبحة وأدُ البنات مخافةَ المذلة أو العار، على أن هذا الأمر لم يكن شائعًا عند العرب، بل كان في بعضِ الطبقات المنحطَّة منهم؛ خشية الفقر، وعلى الأخصِّ في بني أسد وتميم، وقد نهى عن ذلك القرآنُ الكريم في قوله - تعالى -: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)[التكوير: 8- 9]].
أما معاملةُ العرب لأبنائهم الذكور، فكانت تنطوي على الحَنَان والمحبة، إلا قليلاً من الفقراء والضعفاء الذين كانوا يقتُلونَ أولادهم مخافةَ الإملاق، وقد سفَّههم اللهُ في ذلك، ونهى عن هذه العادة المرذولة بقوله: (وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)[الأنعام: 151].
ولقد أبصَر الأقرعُ بن حابسٍ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يقبِّلُ الحسن، فقال: إن لي من الولد عشَرة، ما قبَّلتُ أحدًا منهم، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنه من لا يرحَم لا يرحم))[1].
وهذا يدلُّ على رحمةِ الإسلام بالأبناء، كما يُبيِّنُ لنا كيف كان تصرُّفُ أهل الجاهلية معهم؛ فالأقرعُ بن حابس كان حديثَ عهدٍ بالإسلام، وكان يُعَد من المؤلَّفة قلوبُهم، فأعطاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من غنائمِ غزوة حُنَين.
وفي الأثر الذي يرويه أبو داود عن البراءِ بن عازب قال: دخلتُ مع أبي بكر أول ما قدِم المدينة، فإذا عائشةُ ابنته مُضطجعة قد أصابتها حُمَّى، فأتاها أبو بكر فقال لها: كيف أنتِ يا بنيَّة؟ وقبَّل خدَّها"[2]، وإسناده حسن.
فهذا يدلُّ على حنان الأبوة، وتكريم الأولاد في ظلِّ الإسلام، وفي الصحيحين عن عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: دخلَتْ عليَّ امرأة ومعها ابنتانِ لها، تسأل، فلم تجِدْ عندي شيئًا، غير تمرة واحدةٍ، فأعطيتُها إياها، فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكُلْ منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرتُه، فقال: ((مَن ابتُلي من هذه البنات بشيءٍ، فأحسَن إليهن، كُنَّ له سترًا من النار))[3].
وفي رواية أخرى لمسلم قالت: جاءتني مسكينةٌ تحمل ابنتينِ لها، فأطعمتُها ثلاث تمراتٍ، فأعطت كلَّ واحدة منهما تمرةً، ورفعت إلى فيها تمرةً لتأكلَها، فاستطعمَتْها ابنتاها، فشقَّت التمرةَ التي كانت تريد أن تأكلَها بينهما، فأعجبني شأنُها، فذكرتُ الذي صنعَتْ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((إن اللهَ - عز وجل - قد أوجَب لها بها الجنة، وأعتَقها بها من النار)).
وهكذا جعَل الإسلام مَن ينفق على بناته ويُربِّيهن التربية الحسنة: الجنَّةَ، فأيُّ فضلٍ أعظمُ من هذا؟
وعند مسلم أيضًا عن أنسِ بن مالك أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من عال جاريتينِ حتى تبلغا، جاء يوم القيامة وأنا وهو، وضمَّ أصابعه)).
وفي رواية الترمذي: ((من عال جاريتينِ، دخلتُ أنا وهو الجنَّةَ كهاتين، وأشار بأصبعيه)).
وعند أبي داود قال: ((من عال ثلاث بناتٍ، أو ثلاث أخواتٍ، أو أختَيْن، أو ابنتين، فأدَّبَهن وأحسن إليهن وزوَّجهن، فله الجنةُ))[4].
وعال: بمعنى أنفَق عليهم وقام بأمرِهم.
وعن سعيد بن العاص أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما نحَل والدٌ ولدًا مِن نُحْلٍ أفضلَ من أدبٍ حسَن)).
ونحَل بمعنى أعطى؛ فالصورة في ظل الإسلام مشرِقة زاهية، بر بالوالدين من الأبناء، ومحبة وعطفٌ وحنان من الوالدين للأولاد، ولقد بلغ من محبة المسلمين لأولادهم أنْ دفَعوهم لطلب العلم عند مَن يُحسِن تعليمهم، ودفَعوا بسخاء لمن يعلِّمهم ويؤدِّبهم، كما كان بعضهم يزوِّد المعلِّم بنصائحَ لتعليم ابنه، تدل على ما يريد لابنه أن يكون، وكان جلُّ اهتمامهم أن يلمَّ بعلوم الدين والأدب، وحُسن الأخلاق، فهذا عتبةُ بن أبي سفيان - أخو معاوية - يوصي معلِّم أولاده عبدالصمد، فيقول له: "ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بنيَّ إصلاح نفسك؛ فإن أعينَهم معقودة بعينك؛ فالحُسن عندهم ما استحسنتَ، والقُبح عندهم ما استقبحتَ، وعلِّمهم كتاب الله ولا تكرِهْهم فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم رَوِّهم من الشِّعر أعفَّه، ومن الحديث أشرفَه، ولا تخرجهم من علمٍ إلى غيره حتى يحكِموه؛ فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، وتهدَّدْهم بي، وأدِّبْهم دوني، وكن لهم كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء قبل معرفة الداء، وجنِّبْهم محادثة النساء، وروِّهم سير الحكماء، وزِدْ في تأديبهم أزِدْكَ في بري"، وكذلك أوصى الخليفةُ الرشيدُ معلِّمَ ابنه خلفًا الأحمر فقال له: "إن أميرَ المؤمنين رفَع إليك مهجةَ نفسه، وثمرة قلبه، وصيَّر يدَك عليه مبسوطة، ومقالتَك فيه مصدَّقة، وطاعتَك عليه واجبة، فكُنْ له بحيث وضَعك أمير المؤمنين، أقرِئْه القرآن، وعلِّمه الآثارَ والأخبار والسُّنن، وروِّه الأشعار، وبصِّره بمواقع الكلام، ومُرْه بالرزانة في مجلسه، والاقتصادِ في نظرِه وسمعِه، فلا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنمٌ فيها فائدة تُفيده إياها، وكلمة نافعة يَعيها ويحفظها، ولا تُمعِنْ في مسامحته فيستحليَ الفراغَ ويألَفه، وقوِّمْه بالتقريب والمُلاينة، فإن أبى فبالشِّدَّة".
وأما القاضي شريح فكانت وصيتُه من نوع آخر؛ حيث رأى ولدَه يُهارش كلبًا له، فكتب رقعة إلى معلِّمِه يقول فيها:
ترَك الصلاةَ لأكلبٍ يسعى بها *** طلبَ الهِراشِ مع الغواة الرُّجَّسِ
فإذا أتاك فعَضَّه بملامةٍ *** أو عِظْهُ موعظةَ الرَّفيقِ الأكيَسِ
وإذا همَمْتَ بضربِه فبِدِرَّة *** وإذا ضربتَ بها ثلاثًا فاحبِسِ
واعلَمْ بأنك ما أتَيْتَ فنفسُه *** مع ما يُجرِّعُني أعزُّ الأنفُسِ
فكان في البيت الأخير رقةٌ وحنان وعطف رغم شدَّة ما تقدم، وفيه يعلِّمه أنه مهما قسا عليه، فليعلم أنه ولَدُه ومهجته، ونفسُه من أعز الأنفس عليه، بمعنى أنك إن أدَّبتَه فلا تكسِر عظمًا، أو تُرِقْ له دمًا، ولما أوصل الولد الرسالة لأستاذه، ضربه عشرًا وعشرًا، فقال له شريحٌ: لم ثنَّيْتَ عليه الضرب؟ فقال: العشرُ الأولى للبطالة، والثانية للبلادة؛ حيث لا يدري ما يحملُ"[5].
وقد ورَد في الأخبار قصة عبدالمطلب جدِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما نذَر: لئن آتاه الله عشَرة من الأولاد يمنَعونه ويحمونه، لينحَرَنَّ أحدهم، فكان له ذلك، واقترع فيمن ينحَر من أولاده، فكانت القرعةُ على عبدالله والد النبيِّ، لكن قريشًا منعته من ذلك، وأشارت عليه بالفداء، فافتداه بمائةٍ من الإبل، من هذه القصة نستنتج أن مِن عادات الجاهلية مَن يُجيز لنفسه قَتْل ولده[6].
ولولا إلفة ذلك، لَمَا نذَر هذا النذر، وفي الإسلام لم نسمع بذلك، ولم نخبَرْ أن أحدًا نذَر ذَبْح ولده؛ وذلك لأن الإسلام منَع ذلك، ونهى عن هذا العمل القبيح؛ ولهذا لا نجد حتى الآن أمةً أرحم بأولادها من المسلمين، فمن الأمم من يفرِّق بين الأولاد بالمحبة والميراث، أو يحرِم بعضهم، ويعطي بعضهم، ومنهم من يُجبِرهم على أداء أعمال شاقة قبل سن البلوغ ليأتوه بالمال، وهو جالس لا عذر له من مرضٍ أو شيخوخة، ومنهم مَن يبيع أولاده؛ كما في جنوب شرق آسيا، ومنهم من يأكُل أولاده إذا جاع؛ كما في غابات إفريقيا، وعند الأسكيمو الأقزام في شَمال كندا.
_______________________
[1] رواه الترمذي عن أبي هريرة، وهو حديثٌ حسَن صحيح.
[2] جامع الأصول، ص416 ج1.
[3] جامع الأصول، ص441 ج1.
[4] جامع الأصول، ج1 ص213.
[5] من كتاب قطوف أدبية - عبدالسلام محمد هارون، ص190 - 191.
[6] يجب ألا تسحب هذه القصة على ما فعَله إبراهيم - عليه السلام -؛ حيث رأى في المنام أنه يذبَح ولدَه؛ فقصة إبراهيم حقيقية، وهي وحيٌ من الله، وأمرٌ له بذلك؛ لأمرٍ يُريده الله، ثم إن اللهَ فداه بذِبح عظيم، ونجى إسماعيلَ، ونجح إبراهيمُ في الاختبار.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]