عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 19-03-2019, 07:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (10) أليــس الصبـح بقـريب


د.وليد خالد الربيع



ختم الله عز وجل قصة لوط عليه السلام مع قومه في سورة هود بقوله تعالى: {قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ}.
قال الطاهر بن عاشور :» وجملة {إن موعدهم الصبح} مستأنفة ابتدائية قطعت عن التي قبلها اهتماما وتهويلا، والموعد: وقت الوعد. والوعد أعم من الوعيد فيطلق على تعيين الشر في المستقبل، والمراد بالموعد هنا موعد العذاب الذي علمه لوط عليه السلام إما بوحي سابق، وإما بقرينة الحال، وإما بإخبار من الملائكة في ذلك المقام طوته الآية هنا إيجازا، وبهذه الاعتبارات صح تعريف الوعد بالإضافة إلى ضميرهم.
وجملة {أليس الصبح بقريب} استئناف بياني صدر من الملائكة جوابا عن سؤال يجيش في نفسه من استبطاء نزول العذاب، والاستفهام تقريري؛ ولذلك يقع في مثله التقرير على النفي إرخاء للعنان مع المخاطب المقرر ليعرف خطأه. وإنما قالوا ذلك في أول الليل»اهـ.
فهاتان الجملتان ختمت بهما القصة الكريمة لتكونا منطلقا لكل من وقع في ضيق أو كرب أو شدة، فطال عليه الليل، وضاقت عليه الأرض برحبها، فضعف احتماله، ونفر صبره، فتراه حائر الطرف، ذاهب القلب، قد تساقطت نفسه حسرة، وكادت تزهق روحه من الهلع، وأوشك أن يقضى عليه من الغم، فتاتي مثل هذه المبشرات من الله عز وجل في كتابه الكريم وسنته نبيه [ لتفرج الهموم، وتهون الكروب، وتنفخ في النفوس الآمال، وتذكر بأن أشدّ ساعات الليل حلكةً هي تلك التي تسبق الفجر.
فمن أعظم البشائر القرآنية قوله عز وجل: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} قال الشيخ ابن سعدي : «بشارة عظيمة، أنه كلما وجد عسر وصعوبة، فإن اليسر يقارنه ويصاحبه، حتى لو دخل العسر جحر ضب لدخل عليه اليسر فأخرجه.
وتعريف «العسر» في الآيتين ما يدل على أنه واحد، وتنكير «اليسر» يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين، وفي تعريفه بالألف واللام الدالة على الاستغراق والعموم يدل على أن كل عسر ـ وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ ـ فإنه في آخره التيسير ملازم له.»اهـ.
وفي الموطأ أن أبا عبيدة بن الجراح كتب إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر:» أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله بعده فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين». وروي عن ابن عباس: «يقول الله تعالى:خلقت عسرا واحدا وخلقت يسرين ولن يغلب عسر يسرين».
ومن المبشرات القرآنية قوله عز وجل: {سيجعل الله بعد عسر يسرا}، قال الطاهر بن عاشور : «وهذا الكلام خبر مستعمل في بعث الترجي وطرح اليأس عن المعسر من ذوي العيال، ومعناه: عسى أن يجعل الله بعد عسركم يسرا لكم فإن الله يجعل بعد عسر يسرا. «اهـ.
وفي السنة المطهرة أيضا مبشرات وأسباب لتفريج الكربات منها حسن الظن بالله والتوكل عليه، فعن ابن مسعود قال : قال رسول الله [ : «من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله، فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل» أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
وقال [ :»جف القلم بما هو كائن، فلو أنّ الخلق كلهم جميعًا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه، وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا» خرّجه الترمذي.
ومن ذلك الدعاء والتوجه إلى الله وحده، كما قالت أسماء بنت عميس: إن رسول الله [ قال لي: «ألا أعلمك كلمات تقولينها عند الكرب أو في الكرب؟ الله ربي لا أشرك به شيئًا» خرجه أبو داود وصححه الألباني.
وكان رسول الله [ يقول عند الكرب:»لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم» متفق عليه. وقال [: «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت» خرجه أبو داود وحسنه الألباني.
قال أنس : كان رسول الله [ إذا كربه أمر يقول: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» أخرجه الإمام الترمذي.
ويقول ابن مسعود: إن رسول الله [ قال: «ما أصاب أحدا قطٌ هم ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله به فرحًا، فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ قال: بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها» خرجه الإمام أحمد في مسنده وقال شاكر: «إسناده صحيح».
فقرب الفرج ودنو الأمل سنة من الله تحمل البشرى لكل مسلم، قال مالك بن دينار قبل موته : «ما أقرب النعم من البؤس، يعقبان ويوشكان زوالا « أي لا شيء يدوم، فالنعم والبؤس مؤقتان ومتعاقبان.
وقال ابن رجب: «ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب، واليسر بالعسر، أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى، وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين، تعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أكبر الأسباب التي تطلب بها الحوائج؛ فإن الله تعالى يكفي من توكل عليه، كما قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}» اهـ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.30%)]