عرض مشاركة واحدة
  #273  
قديم 08-04-2008, 03:29 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ...... أصول الأمن الغذائي في القرآن والسنة

جوانب الأزمة الغذائية :
للتعرف على العوامل التي أدت بالأقطار العربية إلى حدوث الأزمة الغذائية التي تعاني منها الآن نستطيع التمييز بين جانبين رئيسيين لهذه الأزمة، ومن ثم التمييز بين مجموعتين رئيسيتين من العوامل : الجانب الأول هو جانب الاستهلاك والجاني الثاني هو جانب الإنتاج.
1.الجانب الأول : الاستهلاك العربي من الغذاء :
لدراسة مدى العجز، أو الإسراف، في الاستهلاك العربي من الغذاء فإن حجم هذا الاستهلاك يعتبر محصلة لكل من عدد السكان ومتوسط استهلاك الفرد.. وهنا نجد أن العالم العربي يتصف بارتفاع معدل نمو سكانه .. حيث يصل هذا المعدل في المتوسط للأقطار العربية إلى حوالي 2.9% سنوياً، ومن المؤكد أن هذه الزيادات السكانية الكبيرة تؤدي بالتالي إلى زيادة حجم الاستهلاك الكلي للأقطار العربية من الغذاء، مما يساهم بالتالي في الأزمة الغذائية، ولكننا لا يمكننا المطالبة بالحد من الزيادة السكانية بصفة عامة بين أقطار الوطن العربي، فهناك أقطار عربية تعاني من [ قلةالسكان ].
وإذا كان المستوى الغذائي يقاس بمقدار ما يخص الفرد من سعرات حرارية في اليوم، فمن المعلوم أن كمية السعرات الحرارية التي يحتاجها جسم الإنسان تتفاوت بحسب المناطق التي يعيش فيها وبحسب الفصول المختلفة وسن الإنسان ونوعه ونوع العمل الذي يزاوله .. إلى غير ذلك من الأمور.وبناء عليه، لا يمكن تحديد عدد السعرات التي يوصى بها لكل فرد بشكل مطلق، إلا أنه يمكن وضع مستويات التغذية عالمياً.
وباستعراض نصيب الفرد من السعرات في الأقطار العربية، نجد أنه يمكننا تقسيم الأقطار العربية – بحسب السعرات الحرارية التي يحصل عليها من كل السكان في المتوسط – إلى ثلاثة مستويات.
·الأول : وهو الذي يفوق المعدل العالمي، ويشمل الأقطار : الإمارات – الكويت – السعودية – سوريا – مصر – ليبيا
· الثاني : وهو يسير حسب المستوى العالمي ويشمل أقطار : المغرب – الجزائر – تونس – العراق – الأردن.
·الثالث : المستوى المنخفض عن المستوى العالمي، ويشمل الأقطار : السودان – الصومال – موريتانيا – اليمن (12).
وقد تم تقسيم الأقطار العربية على النحو السابق باعتبار أن المعدل العالمي للمستوى الغذائي هو 2665 سعراً حرارياً .. مع ملاحظة أن هذا هو المتوسط العالمي، في حين أن نصيب الفرد من السعرات الحرارية في أمريكا الشمالية يبلغ نحو 3652، وفي أوربا الغربية 3424 ( وفي الاتحاد السوفييتي سابقاً كان 3426).
2.الجانب الثاني : الإنتاج العربي من الغذاء :
يعود انخفاض مستوى الإنتاج من الغذاء في الأقطار العربية إلى عاملين رئيسيين :
الأول : ضيق الرقعة الزراعة المنزرعة.
الثاني : انخفاض مستوى الإنتاجية للموارد الزراعية.
وعلى حين تقدر المساحة الزراعية في الوطن العربي بحوالي 60.3 مليون هكتار، فإن المساحة المستغلة بالفعل لا تتعدى 38 مليون هكتار سنوياً .. كما تبلغ المساحة التي تحتلها المحاصيل الدائمة نحو 8.2% فقط من جملة الأراضي الزراعية.
مما يعني أن حوالي 91.8% من الأراضي الزراعة العربية لا تستغل بشكل منتظم، وإنما تترك في كثير من فصول السنة بوراً، بدون زراعة ..
كما أن الدارس لمستويات الإنتاجية للموارد الزراعية في البلدان العربية يخرج باستنتاجين رئيسيين.
أولهما : وجود تفاوت كبير بين مستويات الإنتاجية لمحصول ما، إما داخل البلد الواحد بين المناطق المختلفة، وإما بين الأقطار العربية وبعضها البعض.
وثانيهما : أن مستوى إنتاجية الموارد الزراعية العربية – بصورة عامة – يبدو دون مستوى الحدود الممكنة.
وتعتبر المستويات الإنتاجية حصيلة الموجودات المحلية والقومية من سياسات زراعية وجهود علمية وإدارات الموارد ومدى توافر الحوافز – إلى آخر قائمة كل الأعمال التي تتعلق بالإنتاج .. إن جانب الإنتاج يعد المسؤول الأول عن الأزمة الغذائية التي تعاني منها الأقطار العربية، فالإنتاج العربي من الغذاء منخفض للغاية، ولا يتناسب مع حجم الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة للأقطار العربية، كما لا يتناسب مع الزيادات الكبيرة والمستمرة للسكان.
عود على بدء :
إن أية قراءة عاجلة للصورة السياسية العالمية في الظروف الراهنة، وخاصة بعد التدخل الأمريكي الفعلي في أفغانستان والعراق والتهديد المستمر لدول عربية وإسلامية عديدة .. تظهر أهمية وجود ما يسمى بالأمن الغذائي .. إن الدول المتقدمة التي تتحكم في إنتاج الغذاء وتصديره، وتتحكم بالتالي في أسعاره، تتعمد في أغلب الأحيان تحطيم اقتصاديات الدول النامية وأنماط إنتاجها الزراعي وأنواعه وفئاته، وتتلاعب بالعلوم وبرامج المساعدة والتنمية والإصلاح وغير ذلك، لكي تفرض سلعتها هي ومواردها الغذائية والزراعية هي .. وتدمير ما عداها .. لكي يسهل عليها تنفيذ أغراضها السياسية.
وتبرز القراءة السريعة للصراعات السياسية في عالمنا المعاصر دور السلاح الغذائي والحروب التجارية في هذه الصراعات، بدءاً من التحكم في تقديم المساعدات وأحجامها وأنواعها، وانتهاء بالحصار الاقتصادي أو حرب التجويع، مروراً بالأسعار والأنظمة الدولية لتجارة وإيفاد الخبراء والبعثات والنصائح وتقديم الخطط وبيع التكنولوجيا والمنح الدراسية، وغير ذلك كثير.
إن كل شيء في هذه المأساة يشير إلى مسؤولية النظام العالمي الجديد في استمرارها وتفاقمها، سواء كانت هذه المسؤولية أخلاقية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية .. من هنا ولدت فكرة الأمن الغذائي .. وشاع استخدامها في العالم خلال العقود الأخيرة وتحولت إلى عنصر رئيسي في برامج واستراتيجيات الدول والأحزاب والثورات والمفكرين ... وللأسف، فإن صورة الأمن الغذائي في الوطن العربي مخيفة وقائمة، فالوطن العربي بل – والعالم الإسلامي – هو أكبر مستورد للحبوب في العالم مما يجعله – بلا أدنى شك – تحت رحمة الدول المصدرة لهذه الحبوب.
وفي حين تمتع الوطن العربي بمساحة غير محدودة من الأراضي الزراعية والمياه والتنوع البيئي والمناخي والتكامل البشري والثروات الطبيعية الكبيرة، فإن النظم العربية تستمر في إغفالها لبعد القومي في التنمية والأمن الغذائي .. في الوقت الذي يزداد فيه خضوع العرب – عموماً – لضغوط الدول المصدرة للغذاء، لفرض إرادتها على قضايا العالم العربي ... وحتى سلاح النفط نفسه لم يستفد منه العرب، بل إن عائدات النفط المستمرة لم تقدم لعالم العربي شيئاً يذكر في مجال الأمن الغذائي (13).
ومن الطبيعي أن كل دولة تسعى لتحقيق اكتفاء ذاتي غذائي، أي : الوصول إلى وضعية معينة تقوم على إنتاج كل ما يحتاجه مواطنيها من طعام وغذاء، وإذا لم يكن ذلك ممكناً نظراً لصعوبة إنتاج كل دولة لجميع العناصر والموارد والسلع الغذائية .. ونظراً إلى أن العالم قائم على التبادل فيكفي أن تصل الدولة إلى وضعية تقوم على التعادل بن قيمة ما تصدره وقيمة ما تستورده من سلع غذائية بحيث لا تشكل قيمة ما تستورده عبئاً على قطاعات الاقتصاد الأخرى.
وعندما تعجز الدولة عن تحقيق الاكتفاء الذاتي فهي لا بد أن تقع في أزمة توفير الغذاء من الخارج وتوفير الأموال اللازمة له .. فالأزمة الغذائية تعني عدم قدرة دولة ما على توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء للمواطنين، وضمان الحد المطلوب منها بانتظام وتوزيعها على المواطنين .. ومن المفترض لكي يتحقق الاكتفاء الغذائي ( أو الأمن الغذائي) أن يتناسب الإنتاج مع عدد السكان وتزايدهم من ناحية، ومع الطلب على الغذاء من ناحية أخرى ..
هل توقفتالأرض عن العطاء .. ؟
إن إمكانات كوكب الأرض غير محدودة – ولا تضن الأرض على ساكنيها .. ولكن لقد أجرى علماء مخلصون للجنس البشر والحياة أبحاثاً كثيرة وهامة حول قدرة الأرضعلى تلبية حاجات الناس الغذائية، في ضوء المعدلات المستمرة للتزايد السكاني، وكانت النتائج مبهرة .. شيء لا يتصوره عقل .. وفيما يلي بعض نتائجها ..
-تبلغ مساحة الأراضي اليابسة في العالم 13.2 بليون هكتار، نصفها غير قابل لزراعية وأكثر من ربعها (25.7%) مراع .. وأقل من ربعها الباقي (24.3 %) أراضي قابلة للزراعة، غير أن مساحة الأراضي المزروعة فعلاً أقل من نصف الأراضي القابلة لزراعة (43.5%)، وما زال القسم الأكبر ينتظر المبادرة الإنسانية لاستزراعه واستغلاله .. وعلى سبيل المثال، فإفريقيا التي تعاني من المجاعات المستمرة لم تستغل من أراضيها سوى 16%، وما تزال 84% من الأراضي تمثل احتياطياً هائلاً لإفريقيا والعالم (14).
-يحتاج سكان العالم إلى نحو 200 مليون طن من البروتين سنوياً – حسب تقديرات العلماء – وفي حين يبلغ العجز العالمي 22 مليون طن سنوياً، فإن العلماء يؤكدون أن في العالم ما يفوق احتياجاته السنوية بكثير، وهو متوفر في الطبيعة على هيئة مراع أو مصادر إنتاج أخرى، ويشيرون إلى وجود كميات ضخمة من البروتين الصالح لغذاء الإنسان، ولكن الدول التي تملكه تستخدمه في تغذية الماشية والحيوانات الأليفة وترفض طرحه في الأسواق من أجل البشر(15).
-يرى العلماء أن كوكب الأرض يستطيع إطعام 47 بليون نسمة، بالمستويات الممتازة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، و157 بليون نسمة، بمستويات التغذية في اليابان، ويرى علماء آخرون أن الأراضي الزراعية لو أحسن استغلالها لأطعمت عشرة أضعاف عدد السكان العالم حالياً (6 بليون نسمة)، وبمستوى استهلاكي مرتفع.
-ذهب علماء آخرون إلى مدى أبعد من كل ما سبق، حين قدروا أن كوكب الأرض يستوعب ويطعم ما يكفي لعدد 132.000 بليون نسمة، وهو رقم كبير جداً أشبه بالخيال، ذلك أن الإنسان لم يكتشف ولم يستثمر من طاقة الكون والطبيعة اللذين يعيش في كنفهما سوى 1% حتى الآن، رغم ثورات العلوم وقفزاتها الكبرى في القرن العشرين(16).
إنها إذن مسألة عجز الإنسان ومسؤوليته، لا فقر الطبيعة وشحها، فالعلم يبرهن يومياً أن الكون لا محدود، وموارده لا نهائية، وأن الفكر والعقل والعلوم والجهد والخيال التي يحوزها الإنسان تمكنه من فتح آفاق وراء آفاق أمامه، لا لسد حاجياته وحسب، بل للارتقاء بها وتوسيعها وتطويرها.
وإنها أيضاً مسألة تتعلق بعدالة التوزيع على كوكب الأرض كله، ما بين دول الشمال ودول الجنوب، فليس هناك سبب لأن تظل دول الجنوب تعاني المرض والفقر والجهل والإهمال المتعمد، بل والإهدار المتعمد للموارد المتاحة ... بينما تظل دول الشمال تعاني من التخمة والامتلاء، وتسرف في الإنفاق على الأجهزة والأدوية الخاصة بإنقاص الوزن والتخسيس وخلافه .. إنه في النهاية اختلال المعادلات على كوكب الأرض ...
ومما سبق يتضح ما يلي :
إن العالم الإسلامي – (والوطن العربي أهم أجزائه) يمتد في مناطق واسعة، وفي مساحة 13.5 مليون كيلو متر مربع، وبذلك يتفوق الوطن العربي من حيث المساحة على قارة أوربا بكاملها، بل ومساحة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
وبفضل هذا الامتداد الواسع للوطن العربي تتنوع المظاهر التضاريسية وتتباين الأنماط المناخية وتتعدد الموارد الطبيعية، مما يشجع على قيام أنشطة بشرية متنوعة ومتكاملة .. ولكن على الرغم من هذه الإمكانات – التي يتمتع بها الوطن العربي – إلا أن التخلف لا يزال السمة البارزة المميزة له، فالإنسان العربي لم يستثمر الموارد الطبيعية بشكل يحقق الرفاهة لمجتمعه حتى الآن .. بل إن الخلافات العربية المستمرة تسهم في تعطيل كل محاولات التعاون والتكامل الاقتصادي بين الأقطار العربية .. ؟!
ونتيجة للأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية لأقطار الوطن العربي، فقد برزت في العقدين الأخيرين من القرن العشرين مشاكل كثيرة أصبحت تهدد الأمة العربية في حياتها وبقائها .. وبعيداً عن السياسة ومشاكلها، فإن الأمن الغذائي يعتبر أخطر مشكلة يعاني منها الوطن العربي ..
ومن الناحية الاقتصادية يمكن القول بأن المشكلة تكمن في زيادة الفجوة بين العرض والطلب .. فزيادة استهلاك الأقطار العربية للطعام يفوق نسبة زيادة الإنتاج داخل حدود الوطن العربي، وتقدر نسبة الزيادة في إنتاج الغذاء نحو 2%، بينما يزداد الطلب عليه بنحو 5% سنوياً مما يجعل الفجوة في حدود 3%، ونتيجة لنمو الفجوة الغذائية، فإن نصف حاجة الوطن العربي من الطعام أصبح يستورد من الخارج، مما جعل المنطقة العربية أكبر منطقة في العالم مستوردة للغذاء .. ؟
وكما سبقت الإشارة، فإن الحبوب الغذائية تتصدر قائمة المستوردات الغذائية للبلاد العربية، ويعتبر القمح أهم الحبوب الغذائية المستوردة، حيث تبلغ نسبة الاكتفاء الذاتي منه في الوطن العربي، وفي عام 1984 نحو 34% فقط ل إن هذه النسبة في زيادة مستمرة بسبب الزيادة السكانية .. وعلى أية حال فقد أصبحت البلاد العربية اليوم مستوردة لكل أنواع السلع الغذائية ... !!
وعلى الرغم من أن مشكلة الغذاء اقتصادية في المقام الأول، إلا أن لها أبعاداً أخرى كثيرة، وبخاصة البعد الأمني والسياسي.ولذلك، فالمسألة ليست بهذه البساطة ولا يعبر عنها – كما يظن البعض – بالعجز الناجم عن تفوق الواردات على الصادرات، صحيح أن بعض الدول العربية تشكلعبء هذا العجز في إنتاج الغذاء مشكلة اقتصادية له، إلا أن البعض يستطيع دفع ثمن مستورداته من الغذاء دون مشقة .. لكن .. ليست هذه هي المشكلة، إنما المشكلة في المقام الأول هي مشكلة إنتاج غذاء من مصادر محلية، أكثر من كونها أزمة غذاء .. وجوهر هذه المشكلة يتلخص في أن الغذاء سلعة غير مرنة، لا يمكن استبدالها أو الاستغناء عنها ولو إلى حين، ولهذا السبب، فإن نقص الغذاء وارتفاع أسعاره كفيل بتوليد الكثير من المشاكل الأمنية، كالفوضى والاضطرابات واختلال الأمن داخل البلاد ... !!
كما أن الاعتماد المتزايد على الخارج لتلبية حاجات الدولة من الغذاء يعد مسألة خطرة .. فكما رأينا في الصفحات السابقة – أن الغذاء كثيراً ما يستخدم كسلاح تضغط به دول الفائض الغذائي على الدول المستوردة، لتذعن لرغباتها وتنفذ مخططاتها ... ومما يؤكد هذا القول أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كلفت خبرائها بوضع تقرير بناءً على طلب من وزير الخارجية الأسبق ( هنري كيسنجر) عشية انعقاد المؤتمر العالمي حول التغذية في مدينة روما عام 1974م.
وقد جاء في التقرير ما يلي :
( إن نقص الحبوب في العالم من شأنه أن يمنح الولايات المتحدة سلطة لم تكن تملكها من قبل، إنها سلطة تمكنها من ممارسة السيطرة الاقتصادية والسياسية تفوق تلك التي مارستها في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية .. ).
وهل تغيرت النظرة الأمريكية ؟ .. بالتأكيد لا، بل قامت بتدعيم هذه النظرية عن طريق المعونات التي تقدمها للدول، لضمان تأييدها.
ومن أجل مواجهة هذا التحدي الخطير الذي يفرض الأمن الغذائي العربي.ينبغي وجود تعاون وتضافر الشعوب العربية والإسلامية فيما بينها، لوضع استراتيجية غذائية موحدة تضع في اعتبارها النقاط التالية :
1-إنتاج الغذاء مسؤولية قومية.
2-تنمية الموارد المائية وصيانتها واستغلالها مسؤولية عربية إسلامية.
3-التعاون العربي في صناعة المستلزمات الزراعية.
4-التعاون العربي في بناء البنية التحتية.
5-الإصلاح الزراعي على المستوى العربي.
6-استثمار جزء من الإيرادات النفطية في تنمية القطاع الزراعي ونجاحه فيما يتعلق بإنتاج الغذاء (17).
إذا كانت المشكلة بهذا الحجم من الأهمية .. فإن السؤال هو : لماذا لا يقوم تكتل عربي إسلامي للاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية والخبرات الموجودة في العالم العربي والإسلامي، حتى يمكن لهذا العالم أن يتخطى هذه العقبة الكنود (18).
والسؤال الأهم هو :
لماذا فرط المسلمون – والعرب – في تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المشرقة حتى وصل بهم الحال إلى هذه الدرجة من التأخر والتخلف في كافة المجالات حتى يظل العالم الإسلامي بالذات يصنف في الدول النامية والمتخلفة .. ؟!!!
الفصل الثاني
أصول الأمن الغذائي في القرآن والسنة النبوية
/1/ الزراعة وأهميتها :
في واد غير ذي زرع في الجزيرة العربية بدأ الإسلام على يد النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عليه القرآن الكريم هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وألهمه التشريع والحديث، وعلمه ما لم يكن يعلم .. وشرح الله صدور قوم مؤمنين، وانطلق المجتمع الإسلامي يعمر ويوفر الخير لكل الناس في كل المجالات، مسترشداً بنور كتاب الله تبارك وتعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومستظلاً بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديد القوى، فالقرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة هما الأساس الفكري لكثير من العلوم الأساسية ثم لكثير من العلوم التطبيقية التي ترتبت عليها وتطورت منها نتيجة للدراسات المستفيضة، واكتشاف الكثير عن الحقائق العملية التي تذاع وتنشر.
والأمر الذي يجب تأكيده هنا هو أن القضايا التي كثر الحديث فيها كفضل العلم والعلماء في الإسلام، وعدم تعارض الدين مع العلم، أصبحت معلومات وقضايا محسومة، والعلم بها أصبح ضرورة من الضرورات لكل من يعنيه هذا الشأن، ويكفي أن القرآن الكريم قد قرر أن أكثر الناس خشية لله هم العلماء، قال الله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } [فاطر : 28].
ولا أدل على بطلان دعوى تعارض العلم مع الدين من أن الله سبحانه وتعالى هو المشرع والخالق، فهو الخالق لكل الكائنات، ومرسي الجبال، ومجري الأنهار والبحار والمحيطات، ورافع السماوات، وباسط الأرض.
وعلى العموم، فإن العقلانية في الإسلام أمر معترف به، اعترف به كل منصف، ومن المعلوم أيضاً أن الكنيسة ورجالها وآباءها السابقين الذين اخترعوا الدين من عند أنفسهم، هم الذين وقفوا في وجه العلم والعلماء، حتى كان الفصام المستمر بين العلم والكنيسة.
ومن المتفق عليه أن القرآن الكريم – كتاب الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه – ملئ بالآيات التي تدعو إلى التفكير في ملكوت السماوات والأرض، وفيهكثير من العبر التي تتصل بالنبات والحيوان، يقول الحق تبارك وتعالى : { وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ } [النحل : 13]، ويقول عز من قائل : { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [الجاثية : 4]، ويقول الحق سبحانه وتعالى : { وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ } [الذاريات : 20-23] ... ليس هذا فقط، بل إن كتاب الله المعجز مليء بالآيات الكونية التي تلفت أنظار المؤمنين إلى ما في هذا الكون من آيات تنطق بالوحدانية وتدعو المتأمل إلى الإيمان بالله تبارك وتعالى.
الزراعة ونشأة الحضارة .. !
وفي حديثنا عن أصول الأمن الغذائي نجد أن الزراعة تعتبر أول اصل من هذه الأصول، فهي بحق تعتبر البداية الحقيقية لقيام الحضاراتواستمراريتها ... والإنتاج الزراعي موسمي، فهذه الزراعة صيفية، تلك شتوية وهذه نيلية، وهكذا فمع أن الإنتاج موسمي، فإن الاستهلاك مستمر على مدار العام كله، لا فرق بين صيف وشتاء، وربيع وخريف، وهو ما يؤكد حتمية وجود ما يسمى بـ ( المخزون الاستراتيجي)، أو على الأقل المخزون الذي يكفي حتى يحين موعد موسم الحصاد التالي، ومن هنا كانت حتمية الاحتفاظ بالمنتجات سليمة لكي تفي بمتطلبات الاستهلاك ... ونتيجة حتمية أيضاً تنشأ وسائل التخزين وأنماطه وطرقه ودراساته، وغير ذلك كثير.
كذلك، فإن التخصص، والتمنطق، صفة من صفات الإنتاج الزراعي، فهذه الأرض الصفراء أو الطينية أو الخفيفة يجود فيها إنتاج الحبوب، وتلك يجود فيها إنتاج الفاكهة، وتلك يجود فيها إنتاج الألياف والسكريات ومحاصيل الزيوت .. وهذا الاختلاف يؤدي حتماً إلى ضرورة تكامل بين هذه المناطق، فهذه تصدر إلى تلك، وتلك تصدر إلى هذه، حتى تستمر الحياة، ومن هنا كان ( التبادل التجاري) حتمية اقتضتها خصائص الإنتاج الزراعي.
ولقد كانت التجارة بالمنتجات الزراعية عاملاً مهماً من عوامل انتشار الإسلام في منطقة آسيا، وبخاصة جنوب شرق آسيا، مثل : ماليزيا وإندونيسيا وغيرها.
وإذا كانت الزراعة أساس المنتجات، فإنها بل شك أساس التصنيع، وخاصة في الصناعات القائمة على المواد الخام الزراعية، غذائية كانت أم كسائية، بل لقد نشأت علوم التسويق والتعبئة والتغليف وغير ذلك، نتيجة لهذا التخصص والتمنطق (19).
أولا : الزراعة وفضلها وحث الإسلام عليها :
/1/ القرآن الكريم كثيراً ما يتحدث عن ضرورة الزراعة وأهميتها :
يقول الإمام القرطبي عند قول الله تبارك وتعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة : 261]، إن الآية دليل على أن اتخاذ الحرث من أعلى الحِرَف للمكاسب التي يشتغل بها العمال، ولهذا ضرب الله بها المثل (20).
كما أن كثيراً من الآيات القرآنية تتحدث عن المحاصيل الزراعة وتنويعها، بما يعط إشارة قوية إلى ضرورة الاقتداء والمحاكاة، حتى لا يكون الإنتاج الزراعي أو التصديري معتمداً على محصول واحد بما يكتنفها من المخاطر الاقتصادية المعلومة، يقول الحق تبارك وتعالى : { وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الأنعام : 99]، ويقول الحق تبارك وتعالى : { وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [الرعد : 4].
كما أن آيات القرآن الكريم فيها ما يربط الزراعة بغيرها، فهناك ما يربط الإنتاج الزراعي بالإنتاج الحيواني ويبين التلازم بينهما ..... يقول الحق تبارك وتعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ } [السجدة : 27].
كما أن بعض آيات القرآن الكريم يربط مراحل الإنتاج الزراعي، من حرث الأرض واستصلاحها وسقيها بالماء ثم بعد ذلك الحصاد والتخزين ... وهذا كله واضح في قوله الحق تبارك وتعالى : { فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً (27) وَعِنَباً وَقَضْباً } [عبس : 24- 28].وقول الحق تبارك وتعالى : { ...... فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ } [يوسف : 47].
/2/ أما السنة النبوية فيها من الحض على الزراعة والإعلاء من شأنها:
يقول عليه الصلاة والسلام : ( ما من مسلم يزرع زرعاً أو يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة )(21).
فقد تميزت الزراعة دون سائر أوجه النشاط الإنساني، بل دون سائر أوجه النشاطات الاقتصادية الأخرى ( كالتجارة والصناعة)، بأنها أساس الاستقرار والحضارة والتنمية، وقد تمارس ابتغاء المثوبة من الله سبحانه وتعالى، وهذا ظاهر في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يوضح أهمية هذا العمل ويتضح هذا بصورة رائعة حين نعلم أن مثوبة الزارع والفارس ممتدة إلى ما بعد الموت وصدقة جارية إلى يوم القيامة .. ففي رواية : ( فلا يغرس المسلم غرساً، فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا طير إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة )(22).
ولقد اهتم الإسلام في تشريعاته كثيراً بأمر الزراعة، وخاصة في المناطق الخالية – كما سنوضحه فيما بعد ..
/3/ إن أفعال الصحابة كلها تدل على الاهتمام بالزراعة وتنميتها والمحافظة عليها
وليس أدل على ذلك مما جاء في وصية الإمام علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – في كتابه لواليه على مصر، قال له : ( وتفقد أمر الخراج ما يصلح أهله، فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم، لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله، وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في جباية الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب الأرض) (23).
تقلص البقعة الزراعية وهدى الإسلام في زيادتها والمحافظة عليها ...
من المتفق عليه بأن مصر – مثلاً – تبلغ مساحتها مليون كيلو متر مربع، وأن المساحة التي يستفاد بها هي المنطقة في وادي النيل ودلتاه، وهي تبلغ 4.5% فقط من إجمالي المساحة، ولذلك – ومع الزيادة السكانية المستمرة، فإن مساحة الرقعة الزراعية تتقلص وتنكمش يوماً بعد يوم، ولهذا قامت خطط التنمية الشاملة على أساس زيادة مساحة الأراضي الزراعية من ناحية، ووقف الانفجار السكاني من ناحية أخرى ... وعلى الرغم من خطط التنمية المستمرة، فإن البلاد لم تصل إلى هذه النتيجة بعد، بل ما زالت التحذيرات المستمرة يومياً من الانفجار السكان وإهدار الموارد، وخاصة مياه النيل .. الخ، كانت الخطة الخمسية الأخيرة تهدف إلى زيادة الرقعة المستخدمة لتصل إلى 25 % من مساحة مصر الإجمالية، لكننا لم نصل إلى هذا الرقم بعد...
يأتي الإسلام – بما سن من تشريعات – ليعطي العالم كله البداية الحقيقية لحسن الاستفادة من الأرض، والعمل على الانتفاع الحقيقي من الموارد البشرية والطبيعية المتاحة، وذلك بإفساح الطريق أمام القادرين على العمل ليأخذوا مكانهم الصحيح وسط دولاب العمل، ليس عن طريق التوظيف ولكن عن طريق التمليك وشتان بين الاثنين.


يتبـــــــــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.47 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.44%)]