عرض مشاركة واحدة
  #14  
قديم 19-05-2019, 03:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد



شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن
د ناصر العمر
(14)

ومما يحسن التنبيه على أمور تتعلق بتلاوة القرآن في رمضان:
الأمر الأول:
أن يتعرف المرء على نفسه، فليس الناس ذوي حال واحدة في العبادة، لكن من الخسارة أن يمرَّ على المسلم رمضان ولم يختم فيه القرآن، وتلك سُنَّةٌ سنَّها جبريل ـ عليه السلام ـ في مراجعة القرآن في رمضان مع رسول صلى الله عليه وسلم، وهي سنة ماضية عند المسلمين منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم.
والملاحظ أنَّ كثيرًا من الناس ينشطون في أول الشهر في أعمال الخير، ومنها تلاوة القرآن، لكن سرعان ما يفترون بعد أيام منه، وترى فيهم الكسل عن هذه الأعمال باديًا.
ولأجل هذا فمن اعتاد من نفسه هذا الأسلوب فإن الأَولى له أن يرتِّب قراءته، ويخصِّص لكل يومٍ جزءًا، فإنه بهذا سيختم القرآن مرَّة في هذا الشهر، ولو استمرَّ على هذا الأسلوب في كل شهور السنة لاستطاع ذلك، والأمر يرجع إلى العزيمة
والإصرار.
ولو أنَّ المسلم خصَّص لكل وقت من أوقات الصلوات الخمس أربع صفحاتٍ، فإنه سيقرأ في اليوم عشرين صفحة، وهذا ما
يعادلُ جزءًا كاملاً في المصاحف الموجَّه المكتوبة في خمسة عشر سطرًا في الصفحة؛ كمصحف المدينة النبوية.
وبهذه الطريقة يكون مداومًا على عملٍ من أعمال الخير غير منقطع عنه، و"أحبَّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ " كما قال
صلى الله عليه وسلم.
الأمر الثاني:

يحسن بمن يقرأ القرآن عمومًا، وبمن يقرأه في رمضان على وجه الخصوص = أن يكون معه تفسيرٌ مختصرٌ يقرأ فيه ليعلم معاني ما يقرأ، وذلك أدعى إلى تذوُّق القراءة والإحساس بطعم قراءة القرآن، وليس من يدرك المعاني ويَعلمها كمن لا
يدركها.
ومع أهمية هذا الأمر، فإنك ترى كثيرًا من قارئي القرآن يغفل عنه، ولو خَصَّصَ القارئُ لنفسه كتابَ تفسيرٍ مختصرًا يرجعُ إليه
على الدَّوام لأدرك كثيرًا من معاني القرآن.
ولقد عُني المسلمون في هذا العصر بتأليف بعض التفاسير المختصرة، تجد ذلك في بعض بلدان المسلمين، ومنها بلاد
الحرمين التي أصدرت وزارتها للشؤون الإسلامية كتاب (التفسير الميسر) وهو اسم على مسمى، وهذا التفسير مع أنَّ الغرض منه الإفادة في الترجمة، إلا أنه نافع لعامة من يريد أن يعرف المعنى الجملي للآيات، ولا يعرف فضل الجهد الذي بُذِل فيه، والقيمة العلمية التي يحتويها إلا من مارس التعامل مع اختلاف المفسرين.
والمقصود أن يحرص المسلم على أن يكون له تفسير من هذه المختصرات يقرأ فيه ويداوم عليه كما يقرأ القرآن ليجتمع له
في قراءته الأداء وفهم المعنى.


الأمر الثالث:

في حال قراءة القرآن تظهر ـ على وجه الخصوص عند طلاب العلم ـ بعض الفوائد أو بعض المشكلات، ولابدَّ من التقييد لهذه الفوائد أو المشكلات؛ لئلا تضيع.
إن هذا القرآن لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الردِّ، وبما أنه قرآن كريم مجيد (أي: ذا شرف في مبناه ومعناه، وذا سعة وفضل في مبناه ومعناه)، فإن ما يتعلق به من المعاني والاستنباطات كذلك، فهي معانٍ واستنباطات شريفة لشرف ذلك الكتاب، وكثيرة متسعة لا يحدُّها حدٌّ لمجد ذلك الكتاب.
ولما كان هذا حاله، فَلَكَ أن تتصور: كم من الفوائد التي ستكون بين يدي طلاب العلم لو أن كل عالمٍ كتب ما يتحصَّل له من
التدبر أو المشكلات أثناء قراءته لكتاب الله تعالى؟!
مساعد الطيار.

فإن قلت: أيٌّ أفضل؟ أن يكثر الإنسان التلاوة أم يُقلِّلها مع التدبر و التفكر؟ قلت لك: اسمع ما قاله النووي.
قال النووي رحمه الله: و الاختيار أن ذلك يختلف بالأشخاص فمن كان من أهل الهم و تدقيق الفكر استحب له أن يقتصر
على القدر الذي لا يختل به المقصود من التدبر و استخراج المعاني و كذا من كان له شغل بالعلم و غيره من مهمات الدين و مصالح المسلمين العامة يستحب له أن يقتصر منه على القدر الذي لا يخل بما هو فيه، و من لم يكن كذلك فالأولى له الاستكثارُ ما أمكنه من غير خروجٍ إلى الملل، و لا يقرؤه هذرمة!
(عادل باناعمة).


مسارات ثلاثة:
وإذا كان هذا شأن القرآن في رمضان فما أجدر العبد المؤمن أن يقبل عليه، و يديم النظر فيه، و إني أقترح على الأخ المؤمن
الصادق أن يجعل له مع القرآن في هذا الشهر ثلاثة مسارات:
المسار الأول: مسار الإكثار من التلاوة و تكرار الختمات، فيجعل الإنسان لنفسه جدولا ينضبط به، بحيث يتمكن من ختم
القرآن مرات عديدة ينال خيراتها و ينعم ببركاتها.
المسار الثاني: مسار التأمل و التدبر، فيستفتح الإنسان في هذا الشهر الكريم ختمة طويلة المدى يأخذ منها في اليوم
صفحة أو نحوها مع مراجعة تفسيرها وتأمل معانيها، و التبصر في دلالاتها و استخراج أوامرها و نواهيها ثم العزم على تطبيق ذلك و محاسبة النفس عليه، و لا مانع أن تطول مدة هذه الختمة إلى سنة أو نحوها شريطة أن ينتظم القارئ فيها و يكثر التأمل و يأخذ نفسه بالعمل، و لعل في هذا بعض من معنى قول الصحابي الجليل: كنا نتعلم العشر آيات فلا نجاوزهن حتى نعلم ما فيهن من العلم و العمل.
المسار الثالث: مسار الحفظ و المراجعة، فيجعل لنفسه مقدارا يوميا من الحفظ و مثله من المراجعة، و إن كان قد حفظ و نسي فهي فرصة عظمى لتثبيت الحفظ و استرجاع ما ذهب، و لست بحاجة إلى التذكير بجلالة منزلة الحافظ لكتاب الله و رفيع مكانته، و حسبه أنه قد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى له.


المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه يرى حرصهم على التلاوة بتدبر وتأمل، وفهم وتذكر، أكثر من
حرصهم على كثرة القراءة وسرعتها، والإكثار من الختمات، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)} [سورة المزمل 73/ 1 - 4]. أي اقرأه بترسل وتمهل؛ لأنه يحصل بذلك التدبر والتفكر، وتحريك القلوب به.
وهكذا كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، كان يرتل السورة حتى تكون أطول من أطول منها، وكانت قراءته مدًا.

وقال ابن مسعود: "لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدَّقَل (15)، وقفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة".
وقرأ علقمة على ابن مسعود، وكان حسن الصوت، فقال: رتِّل فداك أبي وأمي؛ فإنه زين القرآن.
وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: دخلتْ عليَّ امرأة وأنا أقرأ سورة هود، فقالت: يا عبد الرحمن! هكذا تقرأ سورة هود؟! والله
إني فيها منذ ستة أشهر وما فرغت من قراءتها.


لكن لا يعني هذا أن المسلم لا يقرأ بسرعة في بعض الأحيان؛ لكي يضبط حفظه، أو يُنهي ورده اليومي، بل إن القراءة في
حد ذاتها ولو كانت سريعة فيها أجر وثواب، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولمن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) (16).
ولهذا قال شعبة: حدثنا أبو جمرة، قال: قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، وربما قرأت القرآن في ليلة مرة أو مرتين، فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة واحدة أعجب إلي من أن أفعل ذلك الذي تفعل، فإن كنت لا بد فاعلاً فاقرأ قراءةً تُسمِعُ أُذنيك، ويعِيها قلبُك (17).
وعلى هذا يمكن أن نقول: إن ثواب قراءة الترتيل والتدبر أجل وأرفع قدرًا، وثواب كثرة القراءة أكثر عددًا؛ فالأول: كمن تصدق
بجوهرة عظيمة، أو أوقف أرضًا في مكان مهم ترتفع قيمة العقار فيه، والثاني كمن تصدق بعدد كثير من الدراهم، أو أوقف عددًا من الأراضي كثيرة، لكنها في مكان بعيد، وقيمتها زهيدة (18).
وللحديث بقية إن شاء الله


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.97 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.91%)]