عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-11-2019, 03:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي المسائل الفقهية المتعلقة بالجندي المسلم في الحج

المسائل الفقهية المتعلقة بالجندي المسلم في الحج
د. عبدالعزيز بن سعود عرب



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، وبعد:
لقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه وخليله إبراهيم -عليه السلام- بالنداء في الناس بالحج بقوله: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"(1)، قال ابن كثير رحمه الله: "أي نادِ في الناس بالحج داعياً لهم إلى الحج إلى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذُكر أنّه قال: يا رب كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟ فقال: نادِ وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل: على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس إنَّ ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال إنّ الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أن يحج إلى يوم القيامة لبيك اللهم لبيك"(2).
فاستجاب الناس إلى دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام، فأتوا قاصدين بيت الله الحرام من كل قطر من أقطار الأرض، ملبين مكبرين، بأعداد كبيرة، وجموع غفيرة تقدر بالملايين، فحبى الله بلادنا المباركة خاصية خدمة هؤلاء الحجيج، ومن المعلوم أنه لا تستقيم أمور الحج؛ إلا بالقيام على تنظيمه وترتيبه، والعمل بما فيه مصلحة الحجيج.
ومن هؤلاء القائمين على أمور ومصالح الحجيج، الجنود ورجال الأمن، حيث أنيط بهم تنظيم سير الحجيج، وحمايتهم بعد حماية الله ولطفه، وإنقاذ مصابهم ودلالة تائههم، والحيلولة دون وقوع الحوادث والكوارث بعد توفيق الله ورعايته، من هنا كان وجود الجنود مع الحجيج أمر في غاية الأهمية والحاجة، ومما لاشك فيه أن الجندي المسلم هو في حقيقته فرد من عموم المسلمين، مخاطب بنصوص الشريعة، وتجري عليه جميع الأحكام الشرعية.
بيد أن هناك مسائل وأحكاماً فقهية، متعلقة بالجندي المسلم في الحج سببها طبيعة عمله وحاله، فكان لزاماً معرفة بعض هذه المسائل، وهي على النحو الآتي:
المسألة الأولى: حكم حج الجندي المشارك بمهمة في الحج:
بعض الجنود المشاركين بمهمة في الحج يرغبون في الحج، ولكن في بعض الأحيان يمنعهم المسئول عنهم من أداء نسك الحج، بحُجَّة الحاجة إلى تفرغ الجندي لأداء عمله المناط به، وأنّ ذلك أدعى للانضباط، فما حكم طاعة الجندي لرئيسه في هذا؟
الجواب: إنّ طاعة ولي الأمر القائم بشرع الله وحدوده، من الأمور الواجبة على كل مسلم، وذلك استجابة لنداء الله في قوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"(3)، قال ابن تيمية رحمه الله: " نزلت في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك؛ إلا أن يُؤمروا بمعصية الله، فإذا أُمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"(4)، فطاعة ولي الأمر، أو من ينيبه في غير معصية الله "هي من الأمور الضرورية، لتمكين الإمام من القيام بواجبه الملقى على عاتقه، وضرورية أيضاً لتمكين الدولة من تنفيذ أهدافها وتحقيق أغراضها، ورضي الله عن عمر بن الخطاب حيث يقول: (لا إسلام بلا جماعة، ولا جماعة بلا أمير، ولا أمير بلا طاعة)"(5).
فالواجب على الجندي المشارك بمهمة في الحج أن يطيع المسئول في هذا الأمر، إلا أن يأذن له، أو يجعل الأمر حسب الاختيار(6).
أما إذا حجَّ الجندي وهو مخالف لأمر رئيسه فهو آثم لمخالفته ولي الأمر أو نائبه، ولكن حجَّه صحيح من حيث الجملة؛ لتوفر شروطه والقيام بأركانه –والله أعلم–.
المسألة الثانية: حكم لبس اللباس العسكري للجندي الحاج:
بعض الجنود الحجاج الذين أذن لهم صاحب الصلاحية بالحج، طبيعة أعمالهم تستلزم منهم لبس اللباس العسكري أثناء الإحرام؛ كرجال الأمن القائمين على تنظيم السير، ورجال الدفاع المدني وأمثالهم، وذلك كي يُعرفوا فيطيعهم الناس، ويكون لهم هيبة واحترام؛ فينتظم حينئذ أمر الحجيج، وتتحقق المصالح، ويدرأ الفساد ، فما حكم لبس اللباس العسكري للجندي الحاج؟
قبل الإجابة على هذا؛ يحسن أن نعرف ما هي ممنوعات اللباس في الإحرام.
أجمع الفقهاء -رحمهم الله- على أن المحرم ممنوع من لبس القميص، والعمامة، والسراويل، والخفاف، والبرانس(7)، وذلك لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين، وليقطعهما أسفل الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس)(8)، قال ابن حجر رحمه الله: "أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وأنّه نبه بالقميص والسراويل على كل مخيط، وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس به مخيطاً أو غيره، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل"(9).
فهذا هو الواجب على كل محرم أن يتجرد من المخيط(10)، وأن يلبس الإزار والرداء، ولكن قد يحتاج المحرم إلى لبس المخيط لحاجة فإنه يجوز له ذلك؛ قال النووي رحمه الله: "لو احتاج الرجل إلى ستر الرأس أو لبس المخيط لعذر، كحر أو برد، أو مداواة، أو احتاجت المرأة إلى ستر الوجه، جاز ووجبت الفدية"(11).
وقد اتفق جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة(12)، على لزوم الفدية على من لبس المخيط، لفعله محذوراً من محذورات الإحرام سواء كان بعذر أم بغير عذر؛ فإن كان بعذر فلا إثم عليه، وإن كان بغير عذر فعليه إثم لمخالفته للواجب، وذلك قياساً على الحلق بسبب الأذى كما في قوله تعالى: "فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" (13)، قال ابن سعدي رحمه الله: "ومثل هذا كل ما كان في معنى ذلك، من تقليم الأظافر، أو تغطية الرأس، أو لبس المخيط، أو الطيب، فإنه يجوز عند الضرورة مع وجوب الفدية المذكورة، لأن القصد من الجميع إزالة ما به يترفه"(14)، ولما روي عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: أتى عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زمن الحديبية وأنا أوقد تحت قدر لي، والقمل يتناثر على وجهي، فقال: (أيؤذيك هوام رأسك؟) قال، قلت: نعم، قال: (فاحلق وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة)(15).
ومن هنا يظهر –والعلم عند الله– جواز لبس اللباس العسكري للجندي الحاج إذا كانت طبيعة عمله تستلزم منه لبس اللباس العسكري أثناء إحرامه، وذلك لدعاء الحاجة إلى ذلك، وأنَّ عليه الفدية للبسه للمخيط بناءً على قول جمهور الفقهاء.
ولكن إذا قلنا بقول جمهور الفقهاء بوجوب الفدية عليه، فإنه من المعلوم أن لباس الجندي يتكون من غطاء الرأس، و(البدلة)، والحذاء العسكري(16)، فهل يلزمه فدية لتغطية رأسه، وفدية للبسه للمخيط، وفدية للبسه الحذاء، أم تلزمه فدية واحدة؟.
قال الزيلعي رحمه الله من فقهاء الحنفية: " ولو لبس اللباس كلها من قميص وقباء وسراويل وخفين يوماً كاملاً يلزمه دم واحد؛ لأنه من جنس واحد، فصار كجناية واحدة "(17).
وقال النووي رحمه الله وهو من فقهاء الشافعية: "أو لبس أنواعاً كالعمامة، والقميص، والسراويل، والخف، أو نوعاً واحداً مرة بعد أخرى؛ نظر: فإن فعل ذلك في مكان على التوالي لم تتعدد الفدية، ولا يقدح في التوالي طول الزمان في مضاعفة القمص وتكوير العمامة..."(18).
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله: "وإذا لبس عمامة وقميصاً وسراويل وخفين، فعليه فدية واحدة، لأنه جنس واحد، فأشبه ما لو طيب رأسه وبدنه"(19).
فالذي يظهر –والعلم عند الله– بأنَّ على الجندي الذي احتاج إلى لبس اللباس العسكري وهو محرم، فدية واحدة؛ لأن فعله للمحظور كان من جنس واحد.
المسألة الثالثة: حكم الدفع للجنود من عرفة قبل الغروب:
أجمع الفقهاء رحمهم الله على أن الوقوف بعرفة للحجاج ركن من أركان الحج لا حج لمن فاته الوقوف بها(20)، مستدلين بأدلة منها:
- قول الله تعالى: "فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ" (21) قال ابن كثير رحمه الله: "وعرفة موضع الوقوف في الحج، وهي عمدة أفعال الحج"(22).
- عن عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه: أن ناساً من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فسألوه فأمر منادياً ينادي: (الحج عرفة، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج...)(23)، قال الترمذي رحمه الله: "والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم: أنه من لم يقف بعرفات قبل طلوع الفجر فقد فاته الحج "(24).
- عن عروة بن مضرس -رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبلي طيء، أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه، وقضى تفثه)(25).
إذا تقرر هذا؛ فإن بعض الجنود الحجاج يحتاجون إلى الدفع من عرفة قبل غروب الشمس من يومها، وذلك بعد وقوفهم فيها، وذلك لاستقبالهم للحجيج في مزدلفة لتنظيم سيرهم، أو لإنقاذ مصاب، أو إسعاف مريض، ونحو ذلك من المهام، فما حكم الدفع والحالة هذه؟
قبل الإجابة على هذا؛ يحسن أن نذكُر حكم البقاء بعرفة إلى غروب الشمس لمن وقف نهاراً فيها، وماذا يترتب عليه إن دفع قبل الغروب، وذلك كتأصيل للمسألة.
اختلف الفقهاء رحمهم الله على ثلاثة أقوال هي:
القول الأول: أن الوقوف إلى غروب الشمس واجب يجبر بدم.
وهو مذهب الحنفية، وقال به من فقهاء المالكية ابن العربي، ومال إليه ابن عبد البر، وهو قول عند الشافعية، ومذهب الحنابلة(26).
القول الثاني: أن الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس مستحب، والفدية فيه مستحبة.
وهو مذهب الشافعية(27).
القول الثالث: أن من دفع من عرفة قبل الغروب لا يجزئه، وعليه حج من قابل، وذلك لأن الوقوف ساعة بعد الغروب ركن لا ينجبر بدم، وأما الوقوف نهاراً فواجب ينجبر بالدم. وهو مذهب المالكية(28).
الأدلة:

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.26 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]