عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13-11-2019, 02:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي نحن أولى بسليمان عليه السلام منهم

نحن أولى بسليمان عليه السلام منهم(1)


أ. حسام الحفناوي




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه والسلام، وبعد؛

فإن توضيح الواضحات من أَعْضَل المُعْضِلات، وتَبيين المُسَلَّمات من أَشْكَل المُشْكِلات، وكم من الواضحات تَمَسُّ الحاجة إلى توضيحها عند فُشُو الجهل! وكم من المُسَلَّمات يَلْزَم أهل الحَقِّ تَبيينها إذا رُفع العلم!

والمَرْجُو من هذا المقال: إماطة اللِّثام عن مُسَلَّمَة من المُسَلَّمات، حالتْ دون إدراكها حُجُبٌ كثيفة، أَسْدَلَها انْهِيار صَرْح الولاء والبراء في قلوب أكثر المسلمين، تحت مَعاوِل الغَزْو الفِكْري، ومَرْدوداته التي لا تُحْصَى عَدَدًا، والمُبْتَغى من ورائه: إزالة اللَّبْس عن حقيقة رَّاسخة، غَشِيَها غُموض شديد، واعْتَراها تَخْلِيط كثير.

وقد ارْتَأيْتُ التَّقْديم بين يدي البَدَهِيَّة الشرعية المؤمَّل إجْلاؤها بثلاث مُقَدِّمات تَوْطِئةً وتَمْهيدًا.

المقدمة الأولى:
الإسلام دين جميع الرسل والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين:
من القَواطِع المعلومة بالضرورة من دين الإسلام أن أصل الدين لدى جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام واحد لا يتعدد، وإنما وقع التعدد في الشرائع المُنَزَّلَة من عند الله تعالى على رُسُله الكرام عليهم الصلاة والسلام.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ﴾ [آل عمران:19]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:85]، وقال عز وجل حكاية عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ﴿ ﴾[يونس:72]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة:131،130]، وقال عَزَّ مِنْ قائل عن الخليل عليه السلام: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عِمران:67]، وذكر الله تعالى من دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما يرفعان قواعد البيت قولهما: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ﴾ [البقرة:128]، وقالت الملائكة الكرام الذين أُرْسِلوا لمعاقبة قوم لوط حين نزلوا ضيوفًا على خليل الرحمن: ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ, فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الذريات:35-36] أي بيت قوم لوط عليه السلام، وامرأته مستثناة من ذلك كما هو مذكور في مواضع عدة من كتاب الله تعالى، وقال تعالى عن يعقوب عليه السلام وبَنِيه من الأسباط الذين جاء بنو إسرائيل جميعاً من نسلهم: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة:133]، وكان من دعاء يوسف بن يعقوب عليهما السلام الذي حكاه القرآن عنه: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف:101]، وقال تعالى واصفًا أنبياء بني إسرائيل: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة:44]، وقال موسى عليه السلام لقومه: ﴿ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴾ [يونس:84-86]، وقال فرعون حين أدركه الغرق: ﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس:90-91]، وأرسل سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ: ﴿ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل:31]، وقال سليمان عليه السلام: ﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل:42] أي من قبل ملكة سبأ، وقالت تلك الملكة حين رأت الآيات: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل:44]، وقال الله عز وجل عن المسيح عليه السلام حين أَحَسَّ الكفر من بني إسرائيل: ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:52].

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما ـ واللفظ لمسلم ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ».

فدين أنبياء الله تعالى واحد؛ وهو توحيد الله عز وجل، وإفراده سبحانه بالعبادة، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل:36]، وقال جل وعلا: {﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء:25] وكان أُسُّ دعوة كل نبي كريم وأساسه: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾.

والإخوة من عَلَّات: هم أبناء الرجل الواحد من أمهات شَتَّى، والعَلَّات هُنَّ الضَّرائِر. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ» عند أكثر أهل العلم: أن أصل دينهم واحد؛ وهو التوحيد، وإن اختلفت فُروع الشرائع، كما أن أولاد العَلَّات من أب واحد، وأمهات شَتَّى.[1]

المقدمة الثانية[2]:
استعلاء المؤمنين بإيمانهم:
قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنَافِقون:8]، وقال سبحانه: {﴿ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:139]، وقال عز وجل: ﴿ فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد:35]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا ﴾ [التّوبَة:40].

فالمؤمنون لا يُعْطون الدَنِيَّة في دينهم، ولا يتَزَلَّفون للكفار اسْتِجْداءً لمؤازرتهم، ولا يُطَوِّعون أحكام الشرع لأهواء المشركين تَمَلُّقًا ومُداهنة، ولا يُفَرِّطون في قليل ولا كثير مما يَدينون الله تعالى به تقريبًا للآراء كفعل المُنْهَزِمين نفسيًا.

وكيف تَنْهَزِم نُفوسهم وهم يَحُوزون بين ضُلوعهم إيمانهم الذي يأبى الخُنوع للباطل، ويَسْتَعْلِي بأصحابه عن الاسْتِخْذاء للكفر، ويوْرِث أَتْباعه العِزَّة والكرامة والسُّؤدد؟

﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾[فاطر:10] لا تُنال إلا بطاعته تبارك وتَقَدَّس، مَنْ رجاها عند غير الله تعالى، فقد رجا المُحال، وعَوَّل على الوهم، وسعى وراء السراب، قال الله تعالى عن المشركين: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ﴾[مريم: 81، 82]، وقال تعالى عن المنافقين: ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ﴾ [النساء:139].

إنه الإيمان الذي تَشْمَخ أُنوف أتباعه اسْتِنْكافًا عن الخُضوع لأهواء الذين لا يعلمون، قال تبارك وتعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية:19،18].

إنهم يَسْتَعْلون اسْتِعْلاء لا أَشَر فيه، ولا بَطَر، ويَشْمَخُون شُمُوخًا لا طُغيان فيه، ولا تَجَبُّر، فاسْتِعْلاء الإيمان مَمْزوجٌ بالخُشُوع لرب العالمين، وشُمُوخ المؤمنين مَقْرونٌ بالإخْبات لجَبَّار السماوات والأرض.

[1] شرح السُّنَّة للبغوي (13/200)، وشرح النووي على صحيح مسلم (15/119)، وفتح الباري (6/489).

[2] الأَلْيَق بهذه المقدمة أن تكون الثالثة، لكن اضطرني طول المقدمة المتعلقة بالمسجد الأقصى إلى إفرادها بمقال، وتقديم الثالثة عليها.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]