عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-08-2022, 07:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي الوجيز في حكم التهنئة في العيدين

الوجيز في حكم التهنئة في العيدين
د. عبدالسلام حمود غالب

التهنئة: خلافُ التعزية، تقول: هنَّأه بالأمر والولاية تهنئةً وتهنيئًا، ومعناها عند الفقهاء: المباركة للشخص بخيرٍ أصابه.
ولم ترد صيغة معينة للتهنئة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

حكم التهنئة:
والتهنئة بالعيد مشروعة عند الجمهور، فيجوز ذلك، وهي من العادات المباحات وليس العبادات، ويتوسع في العادات إلا ما خالف الشرع فلا عبرة بها، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، وهو ما نرجِّحه؛ حيث لم يرد نص أو حديث عن الرسول بالمنع أو الجواز، وإنما وردت آثارٌ عن الصحابة استدل بها الفقهاء على المشروعية والجواز، وهو فعل الصحابة في معظم مناسباتهم، وفعل الصحابة معتبر عند الفقهاء بالضوابط المعتبرة في الأصول، واستدل من قال بالجواز بورود آثار منقولة صحَّح سندها العلماء، منها:
1- عن محمد بن زياد الألهاني، قال: (رأيت أبا أمامة الباهلي يقول في العيد لأصحابه: تقبل الله منا ومنكم)؛ جوَّد إسناده الإمام أحمد كما في ((المغني)) (3/ 294)، وحسَّن إسناده الألباني في ((تمام المنة)) (355).

2- عن جبير بن نفير، قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم)؛ حسن إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (2/ 517)، وصحح إسناده الألباني في ((تمام المنة)) (354).

وعموم الأدلة السابقة تشير إلى الجواز ومشروعية التهنئة لما يحدث من نعمة، أو يندفع من نقمة، كما ورد في قصة المخلفين في تبوك؛ حيث جاء في قصة كعب بن مالك لما تخلَّف عن غزوة تبوك، فإنه لما بشِّر بقبول توبته ومضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قام إليه طلحة بن عبيد الله فهنَّأه؛ ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/ 316).

ومما نقل عن الفقهاء الأربعة في التهنئة ما يلي.

ما نُقل عن المالكية:
قال النفراوي: (ما سُئل عنه الإمام مالك رضي الله تعالى عنه من قول الرجل لأخيه يوم العيد: تقبل الله منا ومنك، يريد الصوم وفعل الخير الصادر في رمضان، غفر الله لنا ولك؟ فقال: ما أعرفه ولا أنكره، قال ابن حبيب: معناه لا يعرفه سنة ولا ينكره على من يقوله؛ لأنه قول حسن لأنه دعاء، حتى قال الشيخ الشبيبي: يجب الإتيان به لما يترتب على تركه من الفتن والمقاطعة، ويدل لذلك ما قالوه في القيام لمن يقدم عليه، ومثله قول الناس لبعضهم في اليوم المذكور: عيد مبارك، وأحياكم الله لأمثاله، ولا شك في جواز كل ذلك، ولو قيل بوجوبه لما بَعُدَ؛ لأن الناس مأمورون بإظهار المودة والمحبة لبعضهم)؛ ((الفواكه الدواني (2/ 652، 653)).

ما نُقل عن الحنابلة:
قال ابن قدامة: (قال أحمد: لا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد: تقبَّل الله منا ومنك، وقال حرب: سُئل أحمد عن قول الناس في العيدين: تقبل الله ومنكم، قال: لا بأس به، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة، قيل: وواثلة بن الأسقع؟ قال: نعم، قيل: فلا تكره أن يقال هذا: يوم العيد، قال: لا، وذكر ابن عقيل في تهنئة العيد أحاديث، منها: أن محمد بن زياد، قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض: تقبَّل الله منا ومنك، وقال أحمد: إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد، ورُوي عن أحمد أنه قال: لا أبتدئ به أحدًا، وإن قاله أحد رددته عليه)؛ ((المغني (2/ 295)).

وقال ابن تيمية: (أما التهنئة يوم العيد يقول بعضهم لبعض إذا لقيه بعد صلاة العيد: تقبل الله منا ومنكم، وأحاله الله عليك، ونحو ذلك، فهذا قد رُوي عن طائفة من الصحابة أنهم كانوا يفعلونه، ورخَّص فيه الأئمة كأحمد وغيره، لكن قال أحمد: أنا لا أبتدئ أحدًا، فإن ابتدأني أحد أجبته، وذلك لأن جواب التحية واجب، وأما الابتداء بالتهنئة، فليس سنة مأمورًا بها، ولا هو أيضًا مما نُهي عنه، فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فله قدوة)؛ ((مجموع الفتاوى (24/ 253)).

ما نُقل عن الشافعية:
قال الشربيني: (قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر، كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي: أنه أجاب عن ذلك بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة، وأجاب الشهاب ابن حجر بعد اطلاعه على ذلك بأنها مشروعة، واحتج له بأن البيهقي عقد لذلك بابًا، فقال: باب ما رُوي في قول الناس بعضهم لبعض في العيد: تقبل الله منا ومنك، وساق ما ذكر من أخبار وآثار ضعيفة، لكن مجموعها يحتج به في مثل ذلك، ثم قال: ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة، أو يندفع من نقمة بمشروعية سجود الشكر والتعزية، وبما في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة توبته لما تخلف عن غزوة تبوك أنه لما بشِّر بقَبول توبته، ومضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه طلحة بن عبيد الله فهنَّأه؛ ((مغني المحتاج(1/ 316)).

ما نقل عن الأحناف:
قال ابن عابدين: (قال المحقق ابن أمير حاج: بل الأشبه أنها جائزة مستحبة في الجملة، ثم ساق آثارًا بأسانيد صحيحة عن الصحابة في فعل ذلك، ثم قال: والمتعامل في البلاد الشامية والمصرية: عيد مبارك عليك، ونحوه، وقال: يمكن أن يلحق بذلك في المشروعية والاستحباب لما بينهما من التلازم، فإن من قُبلت طاعته في زمان، كان ذلك الزمان عليه مباركًا، على أنه قد ورد الدعاء بالبركة في أمور شتى، فيؤخذ منه استحباب الدعاء بها هنا أيضًا)؛ ((حاشية ابن عابدين (2/ 169)).

ويمكن مراجعة الموسوعة الفقهية الكويتية (14/ 99 - 101)، حول خلاصة ما ذكرنا.

فتوى ابن باز:
لا حرج أن يقول المسلم لأخيه في يوم العيد أو غيره: تقبَّل الله منا ومنك أعمالنا الصالحة، ولا أعلم في هذا شيئًا منصوصًا، وإنما يدعو المؤمن لأخيه بالدعوات الطيبة؛ لأدلة كثيرة وردت في ذلك، والله الموفق؛ (الفتاوى ابن باز المجلد 13).

فتوى ابن عثيمين:
التهنئة بالعيد قد وقعت من بعض الصحابة رضي الله عنهم، وعلى فرض أنها لم تقع، فإنها الآن من الأمور العادية التي اعتادها الناس، يهنئ بعضهم بعضًا ببلوغ العيد واستكمال الصوم والقيام.

لكن الذي قد يؤذي ولا داعي له هو مسألة التقبيل، فإن بعض الناس إذا هنَّأ بالعيد يقبل، وهذا لا وجه له، ولا حاجة إليه فتكفي المصافحة والتهنئة.
(فتاوى ابن عثيمين المجلد16).

وخلاصة ما سبق القول بالجواز والأمر فيه سَعة، وله أثرٌ وفعلٌ ورَد عن الصحابة وسلف هذه الأمة، وهي من العادات التي اعتاد عليها الصحابة ومن بعدهم إلى اليوم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.28%)]