عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-08-2022, 07:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي حميد لحمداني والصورة الروائية البوليفونية

حميد لحمداني والصورة الروائية البوليفونية


د. جميل حمداوي





توطئة:
يعد حميد لحمداني من أهم الدارسين المغاربة الذين اهتموا بالصورة الروائية من الوجهة الأسلوبية، متأثرا في ذلك بكتابات M.Bakhtine ميخائيل باختين [1] بصفة خاصة، كما يتبين ذلك واضحا في كتابه (أسلوبية الرواية)[2] الذي تناول فيه الباحث الصورة السردية البوليفونية، من خلال التركيز على صورة اللغة والأسلوب والمنظور السردي. ويعني هذا أن حميد لحمداني قد تعامل مع بلاغة الصورة السردية الموسعة في ضوء أسلوبية بوليفونية متعددة الأصوات، تمتح تصوراتها النظرية والتطبيقية من أفكار الروسي ميخائيل باختين، كما ضمنها في مجموعة من كتبه، مثل: (شعرية دويستفسكي)، و(الماركسية وفلسفة اللغة)[3]...


هذا، وقد توقف حميد لحميداني عند مجموعة من مكونات صورة اللغة وسماتها الفنية والجمالية، منها: الحوارية، والأسلبة، والتنضيد، والتناص، والتهجين، والباروديا، والتنويع...


إذاً، ما أهم مميزات الصورة البوليفونية عند حميد لحمداني بنية ودلالة ووظيفة؟ وما أهم مقوماتها النظرية والتطبيقية؟ وإلى أي مدى كان حميد لحمداني وفيا للصورة الروائية بالمفهوم الذي طرحه الناقد الأكاديمي محمد أنقار في كتابه القيم (صورة المغرب في الرواية الإسبانية)[4]؟ هذا ما سوف نستعرضه في المباحث التالية.

حميد لحمداني والبلاغة الموسعة:
لقد اهتم حميد لحمداني بالصورة السردية الموسعة، بشكل من الأشكال، بتوقفه عند صورة اللغة، وصورة الأسلوب، وصورة المنظور السردي، متأثرا في ذلك بالناقد الروسي ميخائيل باختين. بيد أن الصورة السردية التي تناولها في كتابه (أسلوبية الرواية) هي الصورة البوليفونية، ولم يتعامل معها نظريا ومنهجيا وحرفيا بطريقة الدكتور محمد أنقار في كتابه (صورة المغرب في الرواية الإسبانية)، والذي كان يربط الصورة السردية الموسعة بمجموعة من المقاييس النقدية هي: الطاقة البلاغية، والطاقة اللغوية، وقواعد الجنس، والسياق النصي، والسياق الذهني. ويعني هذا أن حميد لحمداني قد تصرف في معيار الصورة الروائية اجتهادا وتميزا وتفردا. وبالتالي، فقد كان يتعامل مع الصورة من خلال مبادئ الأسلوبية البوليفونية، كما يتجلى ذلك واضحا عند ميخائيل باختين في كتابيه (شعرية دويستفسكي)، و(الماركسية وفلسفة اللغة).


وعلى الرغم من ذلك، فقد تنبه حميد لحمداني إلى أهمية الصورة الروائية من خلال التركيز على مكونات الجنس الروائي وسماته النوعية، وتمثل الصورة الروائية بشكل نسبي عند مناقشته لصورة اللغة خصوصا، وحين تمييزه بين الرواية المنولوجية والديالوجية، والحديث عن التهجين والأسلبة، والتنضيد، والحوارية، والتناص، والتعددية الأسلوبية...


ويعني هذا كله أن حميد لحمداني كان سباقا إلى الحديث عن البلاغة السردية الموسعة، والحديث أيضا عن الصورة الروائية من خلال مناقشته لصورة اللغة والأسلوب في ضوء تحليل أسلوبي كلي وعام، يراعي قواعد الجنس أو النوع الأدبي.

صورة اللغة والأسلوب:
يميز حميد لحمداني بين الرواية المنولوجية والرواية الديالوجية أو البوليفونية أو المتعددة الأصوات. ويقصد بالبوليفونية (Poliphonie/poliphony) لغة تعدد الأصوات، وقد أخذ هذا المصطلح من عالم الموسيقى، ليتم نقله إلى حقل الأدب والنقد. ومن ثم، فالمقصود بالرواية البوليفونية تلك الرواية التي تتعدد فيها الشخصيات المتحاورة، وتتعدد فيها وجهات النظر، وتختلف فيها الرؤى الإيديولوجية. بمعنى أنها رواية حوارية تعددية، تنحى المنحى الديمقراطي، حيث تتحرر بشكل من الأشكال من سلطة الراوي المطلق، وتتخلص أيضا من أحادية المنظور واللغة والأسلوب.


وبتعبير آخر، ترتكز هذه الرواية المتعددة الأصوات والمنظورات على حرية البطل النسبية، واستقلالية الشخصية في التعبير عن مواقفها بكل حرية وصراحة، ولو كانت هذه المواقف، بحال من الأحوال، مخالفة لرأي الكاتب. وللتوضيح أكثر، تسرد كل شخصية الحدث الروائي بطريقتها الخاصة، بواسطة منظورها الشخصي، ومن زاوية نظرها الفردية، وبأسلوبها الفردي الخاص. بمعنى، أن الرواية تقدم عصارتها الإبداعية وأطروحتها المرجعية عبر أصوات متعددة؛ وهذا ما يجعل القارئ الضمني الواعي يختار بكل حرية الموقف المناسب، ويرتضي المنظور الإيديولوجي الذي يلائمه ويوافقه، دون أن يكون المتلقي في ذلك مستلبا أو مخدوعا من قبل السارد أو الكاتب أو الشخصية على حد سواء. ويعني هذا كله أن الرواية البوليفونية مختلفة أيما اختلاف عن الرواية المنولوجية الأحادية الراوي والموقف، واللغة، والأسلوب، والمنظور.


كما استعرض حميد لحميداني، في كتابه (أسلوبية الرواية)، مجموعة من الأنماط الأسلوبية ضمن صورة اللغة، مثل: الأسلبة، والتهجين، والتنضيد، والحوارية، والباروديا، والتناص، والمحاكاة الساخرة...


فالتهجين هو خلط متعمد للغتين اجتماعيتين داخل ملفوظ واحد، أو التقاء وعين لسانيين مختلفين طبقيا أو اجتماعيا أو لسانيا أو زمنيا، حيث يتشكل لدينا نمطان من الوعي: وعي مشخص (بكسر الخاء) ووعي مشخص (بفتح الخاء)، كأن نمزج في ملفوظ حواري واحد لغة تراثية ولغة معاصرة، أو نستحضر وعيا أزهريا ووعيا ليبراليا، أو نستحضر وعي فلاح مقابل وعي إقطاعي. وتعبر هذه التعددية المهجنة عن تعددية طبقية ولغوية ولسانية، وتشير كذلك إلى مختلف التناقضات الاجتماعية.


أما الأسلبة فهي "أسلبة وعي لساني معاصر لمادة لغوية تنتمي لوعي آخر، بحيث تكون اللغة الأجنبية هي مادة الكتابة"[5].


إذاً، فالأسلبة الروائية هي التي تقوم على تقليد الأساليب أو الجمع بين لغة مباشرة (أ)، من خلال لغة ضمنية (ب) في ملفوظ واحد[6]، أو الجمع بين أسلوبين: أسلوب معاصر وأسلوب تراثي داخل ملفوظ كلامي واحد، كما نجد ذلك في الكثير من الروايات العربية الحداثية ذات البعد التراثي، كروايتي (مجنون الحكم)[7] و(العلامة)[8] لبنسالم حميش، ورواية (الزيني بركات) لجمال الغيطاني[9]، ورواية (جارات أبي موسى) لأحمد توفيق[10]، حيث يقلد هؤلاء الكتاب أساليب السرد التراثي، من أجل تحقيق وظائف فنية وجمالية ودلالية...


ومن الأمثلة على ذلك مقطع من رواية (زمن بين الولادة والحلم) للمبدع المغربي أحمد المديني: "...وقف الرجل، وأوقف، وبكى واستبكى، وكان موقفا جليلا مهيبا. سيرفع الكرب، يرخى اللجام، ترفع عقيرة مولانا الإمام...وبخ بخ: بلغني، فيما بلغني، وبلغت فيما بلغت، ولقد أبلغت وبلغ لي، وعن السلف الصالح، وغار حراء، وبحار المعرفة السبع، وصلنا أنه ياسيد الرجال، لابد من... (ويغضي من مهابته)...لابد من بناء سور من حديد على الجدران، فتنفس القوم الصعداء.. عداء... داء وقام بعدها سيد الناس ليفاجئ الناس: لنشرب الليلة نخب معرفة حكمة الإمام... مام... مام"[11].


في حين، تستند الباروديا أو المحاكاة الساخرة "إلى الحديث بواسطة كلمة الآخرين... إن كلمة المحاكاة الساخرة يمكن أن تكون متنوعة لدرجة كبيرة يمكن أن نحاكي محاكاة ساخرة أسلوب الغير بوصفه أسلوبا. يمكن أن نحاكي محاكاة ساخرة طريقة نموذجية على المستوى الاجتماعي أو شخصية على المستوى الفردي، طريقة في الرؤية، في التفكير، في الكلام. بالإضافة إلى ذلك، فإن المحاكاة الساخرة تكون عميقة، بهذه الدرجة أو تلك، يمكن أن تقتصر المحاكاة الساخرة على الأشكال اللفظية السطحية، غير أن الممكن كذلك أن تغور هذه المحاكاة الساخرة لتصل إلى المبادئ والأسس العميقة لكلمة الغير.إضافة إلى ذلك، فإن كلمة المحاكاة الساخرة يمكن أن تستخدم من جانب المؤلف بصورة مختلفة: المحاكاة الساخرة تستطيع أن تكون هدفا بذاتها..."[12].


ويعني هذا أن المحاكاة الساخرة هي طريقة أسلوبية قائمة على إيراد أساليب الآخرين تضمينا وتناصا وحوارا، ومحاكاتها بطريقة ساخرة قوامها: التناقض، و التضاد، والسخرية، والگروتيسك، والروح الكرنفالية... ويوجد هذا النوع من الأساليب بكثرة في الروايات العربية التراثية الساخرة كرواية (الزيني بركات) لجمال الغيطاني، ورواية (مجنون الحكم) لبنسالم حميش...


أما الحوار أو الديالوغ البوليفوني، فهو بمثابة حوار مباشر خارجي، يستلزم تعدد الشخصيات، واختلاف المواقف والأفكار، وتصارع الإيديولوجيات. وفي المقابل، هناك الحوار الداخلي (المنولوج)، والحوار الصامت الدال على الصمت والسكوت والحذف والإضمار.


وعليه، فصورة اللغة عند حميد لحمداني هي التعددية الأسلوبية أو ما يسمى كذلك بالأسلوب الروائي. ومن ثم، فالهدف من هذا الأسلوب هو التعبير عما يريده الكاتب، وتصوير الواقع الإيديولوجي والثقافي، ورسم الصورة الكاملة للشخصية الروائية. ويعني هذا أن الصورة عند لحمداني صورة مرجعية ومرآوية أكثر مماهي صورة فنية وجمالية وتخييلية. أي: ترتبط الصورة اللغوية والأسلوبية بمقصدية إيديولوجية، يترابط فيها الشكل والموضوع في علاقة جدلية. وهذه المقصدية هي التعبير عن صراع المواقف الفكرية، واختلاف وجهات النظر إلى العالم، وكشف التناقضات الاجتماعية الطبقية والإيديولوجية.

التصور المنهجي:
ينبني تصور حميد لحمداني على الأسلوبية الروائية أو ما يسمى أيضا ببلاغة الرواية، من خلال تجاوز البلاغة الشعرية التقليدية بصورها البيانية ومحسناتها البديعية، وإن كان يستفيد منها – من جهة أخرى- من خلال توسيعها لتصبح أدوات صالحة لمقاربة النص الروائي في عموميته وكليته وإطاره العام. ومن ثم، يعتبر كتابه" مدخلا نظريا لأجل قيام أسلوبية جديدة لدراسة الفن الروائي[13]"، من خلال التركيز على صورة اللغة والأسلوب الروائي، كما تتحدد ذلك جليا في هذه القولة: "يتبين لنا أن لغة الرواية ذات طبيعة تمثيلية، لأنها تعتمد في بناء ذاتها على اللغات الجاهزة سلفا، فنقتبس من كل واحدة صورة خاصة، وتضمها جميعا إلى بعضها لتعبر بصورة اللغة - لا بلغة فردية مباشرة - عما يريده الكاتب"[14].


ويتضح لنا من هذه القولة بأن صورة اللغة تعبير عن ذات الكاتب ومقاصده المباشرة وغير المباشرة، وهي تمثيل للواقع، وانعكاس لتعددية لغوية وصوتية. ونجد هذا التعريف نفسه عند ميخائيل باختين الذي ربط صورة اللغة بالطابع الإيديولوجي والطبقي.ويعني هذا أن الصورة الروائية، عند حميد لحمداني، هي صورة سردية أسلوبية وبوليفونية.


ومن ناحية أخرى، فقد تمثل الباحث تصور رومان جاكبسون (R.Jakobson) عندما وضح إشكالية المشابهة والمجاورة، وتوقف عند الوظيفة الجمالية التي تنتج عن إسقاط محور الاستبدال على محور التأليف. لكن المهم في هذا المقام أنه ناقش طرح جاكبسون حول الكناية، محاولا توسيعها ضمن بلاغة سردية كلية. وفي هذا الإطار، يقول الباحث: "غير أن ما نبحث عنه عند جاكبسون هو ضرورة ربط الكناية بالإطار العام للنص، وقد أشار إلى أن الكناية تتبع الظروف الموصوفة دون أن يقدم تفصيلا معينا لهذه النقطة المهمة التي تشير في الواقع إلى مسألة التخطيط الذهني للكاتب؛ لأنه لامعنى للقول بأن اختفاء الكاتب في السرد هو مثلا اختفاء تام، فهو إذ يختفي على مستوى العبارة، فإنه من جهة أخرى، يقوى حضوره على مستوى البناء الكلي للنص، بينما يقوم الشاعر الغنائي التقليدي بتكثيف حضوره على مستوى العبارة على حساب حضوره على مستوى البناء الكلي"[15].


وعليه، يرى الباحث أنه من الممكن الاستفادة من البلاغة الكلاسيكية أو البلاغة التراثية، بشرط أن تدرس ضمن رؤية سردية موسعة، تحترم خصوصية الجنس الروائي والإطار الكلي للنص، أو ما يسمى أيضا بالسياق الجنسي والسياق الكلي.


هذا، ويقترب حميد لحمداني من الصورة الروائية على مستوى صورة اللغة والأسلوب، وإن لم تطابق تصوراته مجمل أفكار الدكتور محمد أنقار فيما يخص الصورة الروائية، فلكل باحث منظوره الخاص إلى الصورة السردية الموسعة، وإلا سنصبح نسخا مكررة نعيد مرات ومرات، بصيغة من الصيغ، ما قاله أستاذنا محمد أنقار في أطروحته الجامعية حول الصورة الروائية، فلابد – إذاً - من الاجتهاد في باب الصورة الروائية لتطوير درس البلاغة السردية الموسعة.


ومن باب الإشارة، يستند معيار الصورة الروائية، عند الدكتور محمد أنقار، إلى المكونات والسمات، فالمكونات هي عناصر ثابتة، وهي من عناصر الجنس الأدبي.في حين، تعد السمات خاصيات ثانوية في الجنس الأدبي، فقد تحضر أو تغيب، وتشكل ما يسمى بالبلاغة النوعية. ومن هنا، يتكون الفن الروائي من مكونات ثابتة، مثل: الأحداث، والشخصيات، والمكان، والزمان، والرؤية السردية، واللغة، والأسلوب. وتتمثل السمات النوعية في الواقعية، والرومانسية، والتوتر، والدرامية، والإيقاع، والشاعرية، والعجائبية، والسخرية...إلخ. وتتكامل المكونات مع السمات ضمن صورة كلية لتشكل ما يسمى بالصورة الروائية تفاعلا وتآصرا وتساندا، وينتج عن هذا ما يسمى بالتصوير الروائي لموضوع معين.

وتأسيسا على ما سبق، يرى مصطفى الورياغلي أن حميد لحمداني بعيد كل البعد عن معيار الصورة الروائية بمفهوم محمد أنقار. وفي هذا السياق، يقول مصطفى الورياغلي:" وعلى الرغم من أننا نتفق مع الباحث في ضرورة ربط الصورة البلاغية بالإطار العام للنص، إلا أننا نرى أن ذلك الربط لاينحصر في علاقة الصورة البلاغية بالحبكة، بل الأمر في حاجة إلى مزيد من التوسيع والتفصيل.فالصورة البلاغية في النص الروائي يجب أن تدرس في علاقتها بالسياقات الآتية:
—• سياق الجنس الروائي الذي نشتغل من خلال مكوناته.


سياق النوع الروائي بما يمتلكه من سمات متميزة في التصوير والتشخيص.


—• سياق النص الروائي وما ينسجه من حبكة وأحداث وعلاقات.


—• سياق التلقي متمثلا في ما يضطلع به القارئ من علميات ذهنية انطلاقا من المؤشرات والعلامات النصية قصد التحقيق الجمالي للنص.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.09%)]