عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 27-05-2019, 08:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,630
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة القرآن فى رمضان ___متجدد



قَوَاعِدُ في تَدبُّر القُرْآنِ الكَرِيم وضَوَابطُ الفَهم
- استشعار مخاطبة الله للعبد من أعظم مايعين على التدبر

الشيخ.محمد الحمود النجدي
(22)


قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ} الشورى: 52، فالقرآن العظيم هو الروح والرحمة لهذه الأمة الإسلامية، وهو المنَّة الكبرى،التي امتن بها على عباده، والنعمة العظمى في الدنيا، المتصلة بخير الآخرة، لا تفنى عجائبُه، ولا تعد ولا تُحصَى معانِيهِ وفوائدُه، فهو كلامُ اللهِ اللطيف الخبيرِ، العليم الحكيم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلٌ من حكيم حميد، وهذه مجموعةمن القواعد المتعلقة بقارئ القرآن الكريم، لتمام الانتفاع بالقرآن وفهمه وتدبره:


لابد أن نعلم أولاً: أن القلب هو محلّ تلقي الوحي، فلا يتم الانتفاع بالقرآن إلا بتهيئته لقبول الآيات، والانتفاع بالقرآن، كلام الله تعالى، وقد بيّن جل وعلا في أكثر
من موضع، أن القلب هو موضع تنزل رسالات الله، كما قال سبحانه: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} البقرة: 97، وقال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} الشعراء: 193 – 194، ولقد كان من حكمة الله تعالى، أنْ هيأ الله عز وجل قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم مبكراً لتلقي الوحي، حيث شُق صدره وهو طفل دون التمييز في بادية بني سعد، وغُسل بماء زمزم، كما صحّ في الحديث، فمن أحبّ أن يقع التدبر موقعه من قلبه، فعليه أنْ يهيئ قلبه ويطهره، لتلقي القرآن العظيم، وهذا يكون بعدة أمور، أهمها:

اختيار الوقت المناسب للقراءة


ومن أفضلها ساعات الليل، فهو موضع الثناء المتكرر في القرآن على قُرّاء القرآن والقائمين به، قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ
وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} الزمر: 9، وقال سبحانه: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً} المزمل: 6، وقال سبحانه في مؤمني أهل الكتاب: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} آل عمران: 113.


ولابد من التنبه، إن هذه الميزة لا تتحقق إلا لمن أخذ ما يكفيه من النوم، إذْ لا يتصور التعقل والتدبر لمن كان يغالب عينيه النوم، ولهذا فإن من أحسن الأوقات للقراءة والتدبر وحفظ ما يرغبه الإنسان من العلم هو الوقت الذي يلي النوم الكافي، سواء في الليل أو النهار، فإذا كان هذا في الليل، فقد اجتمع في حقه الفضلان.

تَفريغُ القلب من الشَّواغل


تَفريغُ القلب من الشَّواغل والصَّوارف التي تَحُول دون التفكّر والتدبر، فلا ينتفع المسلم من قراءة القرآن، إذا كان قلبه مشغولاً بشيء، ومتعلقاً بأمر من الأمور،
وإذا كان الإنسان يحتاج مثل هذا، في مقام القضاء بين الناس، ومقام الفتوى، ومقام تأمل كلام العلماء والفقهاء للفهم، فإنه في كتاب الله تعالى أعظم وأوضح وأجلى، فكل شيء لا يتم الانتفاع به، إلا بتحقق شروطه، وانتفاء موانعه، ومن ذلك: تدبر القرآن.

يقول الإمام ابن القيم رحمه في بيان ذلك: «إذا أردتَ الانتفاع بالقرآن ؛ فاجْمعْ قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعك، واحضر حضور من يخاطبه به مَنْ تكلم به منه إليه، فإنه خطابٌ منه لك، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} ق: 37، وذلك
أنَّ تمام التأثير لما كان موقوفاً على: مؤثر مقتض، ومحلٍ قابل، وشرطٍ لحصول الأثر، وانتفاء المانعِ الذي يمنع منه، تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجزِ لفظٍ وأبينه، وأَدَلِّه على المراد، فقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} إشارةٌ إلى ما تقدّمَ من أولِ السورةِ إلى ههنا، وهذا هو المؤثر.

وقوله: {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فهذا هو المحلُّ القابلُ، والمرادُ به: القلب الحي الذي يعقلُ عن الله ؛ كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ * لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} يس: 469-70. أي: حيُّ القلب، وقوله: (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أي: وجَّه سمعَه، وأصغى حاسةَ سمعِهِ إلى ما يقالُ له، وهذا شرطُ التأثُّر بالكلام، وقوله: (وَهُوَ شَهِيدٌ) أي: شاهدُ القلبِ حاضرٌ غيرُ غائب.

قال ابن قتيبة: استمَعَ كتابَ اللهِ وهو شاهدُ القلبِ والفهم، ليسَ بغافلٍ ولا ساهٍ، وهو إشارةٌ إلى المانعِ من حصولِ التأثيرِ، وهو سهو القلبِ وغيبتُه عن تعقُّلِ ما يُقالُ
له، والنظرِ فيه وتأمُّلِه، فإذا حصلَ المؤثِّرُ، وهو: القرآن، والمحل القابل، وهو: القلب الحي، ووجِدَ الشرطُ، وهو: الإصغاء.

وانتفى المانع، وهو: اشتغال القلب، وذهوله عن معنى الخطاب، وانصرافه عنه إلي شيء آخر ؛ حصل الأثر ؛ وهو الانتفاع والتذكُّر».


استشعار مخاطبة الله للعبد

أن يستشعر أنَّ اللهَ تعالى يُخاطبه به لا غيره، وأنه كلام الله تعالى، فإنَّ هذا مِن أعظم ما يُعين على تدبره وفهمه، وتعظيم هذا الخطاب الإلهي حقّ تعظيمه، يقول
القرطبي مبنياً أهمية هذا المعنى، وذلك في مقدمة تفسيره (ص 4):

«فأول ذلك أنْ يستشعر المؤمن من فضل القرآن: أنه كلامُ رب العالمين، غير مخلوق، كلام من ليس كمثله شي، وصفةُ من ليس له شبيهٌ ولا ندّ، فهو من نور ذاته
جلَّ وعزّ...، قال: ولولا أنّه سبحانه جعل في قلوب عباده من القوة على حَمْله ما جعله، ليتدبّروه وليعتبروا به، وليتذكَّروا ما فيه من طاعته وعبادته، وأداءِ حقوقه وفرائضه، لضعفتْ ولاندكتْ بثقله، أو تَضَعْضعت له وأنَّى تطيقه، وهو يقول تعالى جَده، وقوله الحق: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} الحشر: 21، فأين قوةُ القلوب من قوة الجبال؟! ولكن الله تعالى رزق عبادَه من القوة على حمله، ما شاء أنْ يرزقهم، فضلاً منه ورحمة...».

فالعناية بالشيء، والاهتمام له، والحفاوة به، فرعٌ عن معرفة قيمته وفضله، فمّنْ لم يعرف فضل القرآن الكريم، ولم يقرَّ في قلبه تعظيم القرآن، وأنَّه هو أصل الهدى والصلاح والسعادة، والشفاء والرحمة، وأنه لا حياة القلوب إلا به، ولم يستشعر عظيم مِنّة الله تعالى ونعمته بإنزاله على عباده ؛ لا يمكن أنْ يقع تدبره على الوجه المطلوب والمرضي، ولأجل هذا تتابعت كلمات السلف رحمهم الله في بيان منزلة هذا القرآن الكريم، وصنّف العلماء والمحدّثون في «فضائل القرآن «كتباً كثيرة، ومن المفسرين من ضمّن مقدمة تفسيره بياناً لذلك، تنويهاً بأهمية هذا الكتاب العظيم.


مراعاة الآداب الشرعية

استعمالُ الآداب الشَّرعية عند قراءةِ القرآن: وذلك بالاستعاذة والبسملة أولاً، مع تعقّل معناهما، واستحضار بركتهما، وذلك لأنَّ من أهم ما يحرص عليه الشيطان وأولياؤه ؛ صَرفُ القارئ عن القرآن، فإنْ عجزوا فبالتشويش عليه، والوسوسة، ولهذا أمر الله تعالى بالاستعاذة عند قراءة القرآن، فقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} النحل: 98- 99، ووردت السُّنة النبوية، بالبدء بالبسملة في أول السورة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.32 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]