عرض مشاركة واحدة
  #77  
قديم 28-03-2024, 07:11 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,788
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (79)
مثنى محمد هبيان



(قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٩٤ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[البقرة: 94-95]
السؤال الأول:
ما دلالة هاتين الآيتين؟
الجواب:
في هاتين الآيتين تصحيح لمزاعم اليهود أنّ الآخرة والجنة لهم من دون الناس , وأنّ النار لن تمسهم إلا أياماً معدودة , وأنهم شعب الله المختار , فأمر اللهُ رسوله عليه السلام أن يبلغهم: إنْ كان الأمر كما تزعمون فتمنوا لقاء الله وادعوا على أنفسكم بالموت , فإنّ الحبيب يَودُ لقاء حبيبه , وهذا نوع من مباهلة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم , وليس أمام اليهود بعد هذا الإلجاء والمضايقة إلا أحد أمرين: إمّا أن يؤمنوا بالله ورسوله , وإمّا أن يباهلوا على ما هم عليه بأن يتمنوا الموت , فامتنعوا من ذلك كله , فعلم كلُ واحد أنهم في غاية المعاندة والمحادة لله ورسوله مع علمهم بذلك . وسُميت المباهلة تمنياً لأنّ كل محقٍ يودُّ لو أهلك اللهُ المبطلَ المناظر له.
وجاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( لو تمنوا الموت لشرق أحدُهم بريقه ).
وفي قوله تعالى: (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) خروج الأمر من معناه الأصلي إلى معنى التعجيز , لأنّ ذلك ليس من صفاتهم , ولأنّ تمني الموت لا يكون إلا من شأن المقربين الأبرارلأنّ من أيقن بالشهادة اشتاق لها , وحنّ إليها.
ثم بيّن الله أنّ اليهود لن يتمنوا الموت أبداً بسبب ما قدمت أيديهم في حياتهم من الذنوب والتكذيب والمعاصي والكفر بالرسول عليه الصلاة والسلام , وبسبب علمهم أنّ الموت طريق الحساب والجزاء , فالموت أكره شيء لهم , وهم أحرص الناس على الحياة مهما كان نوعها , قال تعالى: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [البقرة:95].
السؤال الثاني:
عبّر الله تعالى في الآية عن الذنوب والمعاصي التي ارتكبها بنو إسرائيل بقوله: (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) [البقرة:95] فلِمَ خصَّ اليد بالذنب دون غيرها مع أنهم أساءوا لعيسى عليه السلام بلسانهم وكذبهم عليه؟
الجواب:
إذا رجعت إلى فظائعهم وجدت أفظعها باليد, فأكثر ما صنعوه هو تحريف التوراة ووسيلته اليد، وأفظع ما اقترفوه قتل الأنبياء وآلته اليد.
السؤال الثالث:
نفى التمني في هذه الآية بـ ( لن) (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ) [البقرة:95] ونفاه في آية الجمعة بـ ( لا ) (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ) [الجمعة:7] فما سبب الفرق؟
الجواب:
السبب هو اختلاف سياق الآيتين:
أولا ً ـ السياق:
قال في الجمعة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٦ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ٧)
وقال في البقرة: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ٩٤ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ٩٥)
فأنت ترى الفرق واضحاً بين السياقين؛ فالكلام في آية البقرة عن الآخرة, والدار الآخرة للاستقبال؛ فنفى بـ(لن)؛ إذ هو حرفٌ خاصٌ بالاستقبال.
وأمّا الكلام في آية الجمعة فهو عام لا يختص بزمن دون زمن (إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) [الجمعة:6] فهذا أمر مطلق ؛ من أجل هذا نفى بـ (لا)، وهو حرف يفيد الإطلاق والعموم.
ثانياً:
لمّا كان الزمنُ في آية الجمعة عاماً مطلقاً غير مقيد نفاه بـ(لا) التي آخرها حرف إطلاق وهو الألف , ولمّا كان الزمن مقيداً في آية البقرة للاستقبال وهو زمنٌ مقيد نفاه بـ(لن) التي آخرها حرف مقيد , وهو النون الساكنة، وهو تناظر فني جميل.
ثالثاً:
تُعدّ هذه الآية بما فيها من تحدٍّ سافر لليهود إحدى معجزات القرآن وإحدى دلائل النبوة، ألا ترى أنها نفت صدور تمني الموت مع حرصهم على أنْ يظهروا تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان تمني الموت فيه تكذيب لهذه الآية ومن ثَمَّ تكذيب للنبي عليه السلام، ومع ذلك لم يُنقل عن أحد منهم أنه تمنى الموت.
السؤال الرابع:
قوله تعالى: (قَدَّمَتْ) في الآية، ما العلاقة بين التعبيرين (بما قدمت) و (بما كسبت) في القرآن الكريم؟
الجواب:
1ـ الآيات التي فيها فعل (قَدَّمَتْ) ليس فيها كسب.
شواهد قرآنية: (بِمَا قَدَّمَتْ):
البقرة 95ـ النساء 62ـ القصص47ـ الروم36ـ الشورى 48ـ الجمعة 7
2ـ آيات الكسب (فَبِمَا كَسَبَتْ) يسبقها شيء يدل على الكسب, والكسب هنا هو الكسب غير المشروع.
شواهد قرآنية: (فَبِمَا كَسَبَتْ) :
البقرة 225ـ الأنعام 70ـ الرعد 33ـ الروم41ـ غافر17ـ الشورى 30ـ الجاثية 22ـ المدثر 38.
فمثلاً: آية الشورى 30، ورد فيها قوله تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) وسبقها في الآية 27 قوله تعالى (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى:27] وبسط الرزق يدل على الكسب.والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.95 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]