عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-11-2019, 04:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,317
الدولة : Egypt
افتراضي الأحكام الفقهية المتعلقة بحوادث السير

الأحكام الفقهية المتعلقة بحوادث السير
فضل الله ممتاز

المقدمة
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد أمرنا ديننا الحنيف بضبط سلوكنا والالتزام بقواعد الشريعة وآدابها في أمورنا جميعا، ومنها السير وقيادة السيارات والمركبات، ولا شك أن الالتزام بالآداب الإسلامية تقلل من هذه الحوادث، وهذه الحوادث لها أحكام فقهية تحتاج لبيان تفاصيلها والوقوف عندها، وهي من المواضيع المعاصرة التي تتعلق بحياة الناسوتلامس واقعهم ومن المسائل التي تقع كثيرا، ولهذه الأهمية بدأت بإعداد هذا البحث وقد قسمته إلى:
المقدمة : في بيان أهمية الموضوع.
التمهيد: في تعريف حوادث السير.
وخمسة مطالب وهي كالتالي:
المطلب الأول: نظام المرور ضرورة يقتضيها العصر.
المطلب الثـاني : طاعة الحاكم واجبة فيما يضعه من نظم.
المطلب الثالث:عقوبة المخالفـات المروريـة.
المطلب الرابع: الإضرار بالآخرين محظور، ومضمون
المطلب الخامس: القواعد الفقهية المقررة للضمان، وتعيين الضامن.
الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج.
التمهيد:
تعريف حوادث السيارات:
عرفت المادة 191 من نظام المرور السعودي الصادر عام 1391 حوادث السير بالآتي: "حوادث السير تعني جميع الحوادث التي ينتج عنها أضرار مادية أو جسمية من جراء استعمال المركبة"[1]. وقد عرفه النظام الجديد بأنّه: "كل حادث ينتج عنه أضرار جسيمة أو مادية دون قصد من جراء استخدام المركبة وهي في حالة حركة"[2]. فلقد ركزت المادة في تعريفها لحوادث السير على أداة الضرر ألا وهي المركبة، والفعل ألا وهو الحادث، ثم نتيجة استخدام تلك المركبة وهي الأضرار سواء أكانت مادية أو بدنية، وبذلك تتحقق عناصر المسئولية التقصيرية أو المسئولية. وذلك لأن المركبة هي أداة خطرة وتحتاج إلى عناية أو حراسة، كما أن الضرر حدث بسبب تلك المركبة، عن طريق الشخص الذي يقود تلك المركبة (أو تحت حراسته) والذي فرط أو قصر هذا ذلك الواجب، هذا دون أن يشير النص إلى مكان وقوع الحادث[3].
المطلب الأول: نظام المرور ضرورة يقتضيها العصر:
وما استجد في هـذا العصـر وزاد حتى صار ضرورة الوقـت وسائل النقـل - السيارات - إلا أن هذه الوسيلة - وهي نعمة كبرى - قد يساء استخدامها من قبل البعض، فكان من لوازم ضرورياتها أن يوضع نظام يضبط استخدامها ويحمل المسؤولية كلها لمستخدمها، إذ هي آلة في يده يتصرف بها كيف يشاء، فانحصرت المسؤولية فيه، أي في السائق، وقد أبح وضع هذا النظام ضرورة تقوم عليها حياة الناس، بحيث تختل أمور حياتهم وتضطرب باختلاله. والذي يضع هذه النظم هو الحاكم -ومن ينوب عنه- رعاية لمصالح الأمة، وتدبيراً لشؤونها، وذلك من خصوصياته، وواجبات الأمة عليه. وأساس ذلك مراعاة المصلحة لهم، جلباً للمنفعة ودفعاً للمضرة والمفسدة[4].
المطلب الثـاني : طاعة الحاكم واجبة فيما يضعه من نظم( ومنها نظام المرور):
وهي نتيجة حتمية عقلية، إذ لو لم تلزم طاعته فيما ينظر لكان وضعه لها باباً من العبث وضياع الوقت مقابل مصلحة المجتمع وأمنه.
إن وجوب هذه الطاعة مستمد من القرآن الكريم، مصدر التشريع ومنهل الأحكام، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}[5].
قال ابن العربي: حقيقة الطاعة هي : امتثال الأمر، كما أن المعصية ضدها، وهي مخالفة الأمر . وقال أيضاً في بيان الآية: والصحيح عندي أنهم - أي أولي الأمر - الأمراء والعلماء[6].
ولا شك أن التقيد بنظام المرور داخل في وجوب الطاعة، لأنه لم يوضع إلا لمصلحة الفرد والمجتمع،وحفاظاً على أرواح الناس وأموالهم، فهو لازم التنفيذ من الرعية[7]. ومصدر هذا اللزوم النصوص الشرعية، ومنها الآية والحد المذكوران، وبالتالي تكون المخالفة لهذه الأنظمة معصية تستحق العقوبة المنظمة بحسب نوع المخالفة وطبيعتها وخطورتها، ويرجع تقدير ذلك إلى الحاكم.
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي قراره رقم ( 75/2/د8 ) المتضمن أن المجلس نظر إلى تفاقم حوادث المرور، فقرر ما يلي:
الالتزام بتلك الأنظمة التي لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، لأنه من طاعة ولي الأمر فيما ينظمه من إجراءات بناء على دليل المصالح المرسلة، وينبغي أن تشتمل هذه الأنظمة على الأحكام الشرعية التي لم تطبق في هذا المجال بما تقتضيه المصلحة أيضاً من سن الأنظمة الزاجرة بأنواعها، ومنها التعزير المالي لمن يخالف تلك التعليمات المنظمة للمرور، لردع من يعرض أمن الناس للخطر في الطرقات والأسواق من أصحاب المركبات ووسائل النقل الأخرى، أخذاً بأحكام الحِسبة المقررة[8].
ثالثاً : مخالفة النظام سبب الحوادث المروعة .
الحق أن أغلب الحوادث المؤلمة، التي يذهب ضحيتها المال والأشخاص سببها مخالفة أنظمة المرور، وتتلخص في الأسباب الآتية:
1- السرعة المفرطة: والواقع أنه لا يمكن لأي سائق أن يحدد لنفسه السرعة، لان ذلك يختلف باختلاف سعة الطريق وضيقه، وزحمة السير وقلته، بل يختلف من سيارة لأخرى، ولذا نقول : إن كانت الدولة قد حددت سرعة معينة يجب التقيد بها بحسب الإمكان والظروف، لأن طاعة ولي الأمر - كما أسلفنا - واجبة، وخاصة فيما فيه مصلحة للناس، ولا تنبغي السرعة زيادة على ذلك إلا عند الضرورة والحاجة فعلاً، لئلا يحدث ما ليس بمحمود فيندم السائق عندئذ، ولات حين مندم، وجاء في الحـديث عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التأني من الله، والعجلة من الشيطان"[9]. قال ابن القيم - رحمه الله: إنما كانت العجلة من الشيطان، لأنها خفة وطيش، وحِدّة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحِلْم، وتوجب وضع الشيء في غير محله، وتجلب الشرور وتمنع الخُيور، وهي متولدة بين خلقين مذمومين: التفريط، والاستعجال قبل الوقت[10].
2- مجاوزة الإشارة الحمراء: لاشك أن الإشارة وضعت لتنظيم حركة السيارات عند التقاطعات، فيعرف كل سائق متى يقف، ومتى يتحرك، وقطعها من أخطر المخالفات المرورية، لان قاطعها غالباً ما يأتي مسرعاً ليتمكن من التجاوز قبل تحرك الآخرين، فإذا به يفاجأ بمرور شخص، أو بتحرك الآخرين بحسب إشارتهم الخضراء، فيصدم الشخص أو يصدم السيارة، فيحدث ما لا تحمد عقباه لنفسه وللآخرين .
ينبغي القطع بعدم قطع الإشارة الحمراء حتى وإن كانت التقاطعات الأخرى خالية خشية المفاجأة.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن ذلك فأجاب:
قطع الإشارة لا يجوز، لأن الله تعالى قال:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وولاة الأمر وضعوا علامات تقول للإنسان : قف، وعلامات تقول للإنسان سِرْ. فهذه الإشارة بمنزلة القول، وكأن ولي الأمر يقول لك: قف أو يقول: سر، وولي الأمر واجب الطاعة . ولا فرق بين أن تكون الخطوط الأخرى خالية، أو فيها من يحتاج إلى من يفتح له الخط[11].
3- أسباب أخرى: ثمة أسباب أخرى للحوادث ينبغي التنبيه عليها لتجتنب، كالنعاس، والتفحيط[12] وإهمال السيارة، وعدم العناية بها وخاصة الكوابح (الفرامل). كل هذه أسباب لوقوع حوادث مؤلمة تتلف الأموال والأرواح، وإن كانت نسبة الحوادث فيها أقل مما سبقت الإشارة إليه، ولكن لا بد من التنبه إليها والعلم بأخطارها، وأنها مسؤولية السائق، يتحمل نتائجها من حيث الإثم والتفريط، لتقصيره أو لعبثه بالسيارة وتعريضها للتلف والإتلاف[13].
المطلب الثالث: عقوبة المخالفـات المروريـة:
تحدثت في المطلب الثاني أن من حق الرعية على الحاكم أن يرعى لهم حقوقهم، وينظم لهم وضع حياتهم، وأن طاعته فيما فيه مصلحة الخلق واجبة على المسلم، فمن عصى استحق العقوبة الرادعة المناسبة لتلك المخالفة.
ومن هذا المبدأ يجوز للحاكم أن يفرض من العقوبات الزاجرة لكل مخالف مستهتر، يعرض المجتمع إلى الفوضى والفساد، وهي عقوبات زاجرة تدخل تحت باب التعزير[14]، وهي في الواقع رحمة وإن اشتملت على إنزال الأذى بالمخالف فإن الرحمة الحقيقية هي الرحمة بعامة الناس، بتأمينهم على أنفسهم وأموالهم من عبث العابثين؛ إن الرفق بهؤلاء هو عين القسوة، وإن كان ظاهره العطف، ولذا قرر النبي صلى الله عليه وسلم فيما قرر من قوانين الرحمة أن من لا يرحم الناس لا يرحمه الشرع، فقال صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله"[15]. وعلى هذا المعنى جاءت الآية:{الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله}[16]. وبهذا يتبين لنا أن الرأفة بالجناة - أي والمخالفين- تتنافى مع الإيمان بالله واليوم الآخر، مع أن الله تعالى وصف المؤمنين بأنهم رحماء فيما بينهم، فدل هذا على أنه ليس من الرحمة في شيء الرفق بالجاني[17].
ولكن يجب أن تتوافر في العقوبة -لكي تؤتي ثمارها- أمور ثلاثة:
1- أن يكون الباعث على تقنينها المصالح العامة، لعامة الناس، لا الظلم أو تحصيل المال وجبايته لخزينة الدولة .
2- أن يكون ثمة مناسبة ظاهرة بين العقوبة والمخالفة، بمعنى أن تكون العقوبة بحجم المخالفة أو يقاربها عرفاً وعادة.
3- المساواة والعدالة بين الناس جميعاً دون تمييز، لأن الناس سواسية في عرف الشرع كأسنان المشط، وعلى رجل المرور أن يتقي الله في ذلك، فإن مهمة ولي الأمر وضع النظام لكل الناس، ورجل المرور هو المسؤول أمام الله عز وجل عن تطبيقه بالعدل بين الناس . قال تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان}[18].
وللموضوع تتمة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.64 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.79%)]