الموضوع: حكم التشريح
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-10-2020, 09:09 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,678
الدولة : Egypt
افتراضي حكم التشريح

حكم التشريح
غالب الساقي



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
لقد أصبح لمعرفة حكم التشريح في هذا الزمان أهمية كبيرة لكونه أصبح مما يعمل به في قضايا عديدة مفيدة كمعرفة كون الميت مات موتا طبيعيا أم قام أحد بالاعتداء عليه وكالكشف عن الأمراض الوبائية لعمل ما يلزم من الأسباب للحيلولة دون انتشارها
كما أنه أصبح من الضروري للطبيب أن يقوم بالتشريح لتعلم الطب ومداواة الأمراض والقدرة على إجراء العمليات على الأحياء حين يكونون بأمس الحاجة إليها ولا شك أن هذه الأغراض للتشريح أغراض نبيلة وذات فائدة كبيرة ولكن هل هذه المبررات تسوغ للطبيب الإقدام على تشريح جثة مسلم مع أن توجيهات الإسلام تقرر حرمة المسلم وكرامته حيا وميتا هذا ما يستوقفنا ويحتاج منا أن ننظر للأمر نظرة فاحصة نتلمس من خلالها حكم الله في هذه المسألة المهمة التي لا يسعنا جهلها لمسيس الحاجة لمعرفة حكمها وتحديد الموقف الشرعي منها .
إن مما لا شك فيه ولا ريب أن الأصل في تشريح جثة الميت المسلم هو التحريم لما فيه من انتهاك حرمة الميت المسلم وإهانته وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كسر عظم الميت ككسره حيا " . رواه مالك وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني .
والمشروع في الإسلام إذا مات المسلم هو المبادرة إلى تغسيله وتكفينه ودفنه لا تأخير ذلك من أجل التشريح الذي يستغرق وقتا قد يمتد إلى أيام عديدة مع ما فيه من إهانة لكرامة المسلم وهتك لحرمته وكشف لعورته وتقطيع لجثته .
فكون الأصل في تشريح جثة المسلم التحريم هو أمر لا يصلح الشك فيه ولكن الذي يستدعي منا التوقف والتأمل هو ألا يبيح الإسلام لنا التشريح بما فيه من مفسدة لدرء مفاسد هي أعظم من هذه المفسدة ونحن نعلم أن الإسلام جاء بتحقيق المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها وأنه من قواعد الشريعة أنه إذا تعارضت مفسدتان ندرأ المفسدة الكبرى باحتمال المفسدة الصغرى .
وكذلك من قواعد الشريعة الضرورات تبيح المحظورات .
أليس في المصالح العظيمة التي تتحقق من التشريح ما يسوغ إباحته لكون هذه المصالح عامة وهي أعظم من مصلحة ترك التشريح فهي مصلحة فردية .
نعم لنا أن نقول إن شاء الله بإباحة التشريح من أجل الضرورة أو الحاجة مع أن الأصل التحريم ولكن بعد التأكد من توفر ضوابط الضرورة في هذه المسألة الخطرة .
إذ ان المحرم لا يباح للضرورة إلا بعد التحقق من وجود الضرورة فعلا مع توفر الضوابط الشرعية للضرورة ذلك لأن الله سبحانه قيد إباحة المحرم للضرورة بقيدين هما عدم البغي والتعدي .
لذلك أتبع العلماء قاعدة الضرورات تبيح المحظورات ونحوها بقواعد أخرى منها أن الضرورة تقدر بقدرها وأن الضرر لا يزال بالضرر أي إذا كان مساويا لضرر المحرم أو أكبر منه والذي يتضح لنا بعد هذا النظر والتأمل أن التشريح الجنائي إذا ما دعت الحاجة إليه فيه مصلحة راجحة تربو على مفسدة التشريح لما يترتب عليه من تحقيق الأمن والعدل وكذلك في التشريح لغرض التحقق من أمراض وبائية لتتخذ الإجراءات اللازمة لوقاية المجتمع من تلك الأمراض وبذلك صدرت الفتوى من هيئة كبار العلماء .
أما التشريح لغرض التعليم فحكمه مختلف لأن الضرورة لا تدعو إليه مع القدرة على شراء جثث لأموات كفار فإنهم يبذلونها بأرخص الأسعار وحري بالمسلمين أن يبذلوا من أموالهم صيانة لحرمة أمواتهم وحفظا لكرامتهم .
ولكن يبقى البحث حينئذ هل الأصل في تشريح جثث الكفار الجواز أم التحريم
في الحقيقة لا يمكننا أن نقول إن حرمة الميت الكافر هي مساوية لحرمة الميت المسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين جعل كسر عظم الميت في الإثم ككسره حيا ذكر للميت وصفا يخرج ما عداه وهو الإسلام .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجده كان في موضعه قبور للمشركين فأمر بنبشها وبنا في مكانها مسجده وهذا يدل على أنه ليس لموتى الكفار من الاحترام في الشريعة الإسلامية ما للمسلمين إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن التمثيل فقد قال : "لا تمثلوا " رواه مسلم .
والتشريح من التمثيل ولكن لا يمنعنا هذا من القول بجواز تعلم الطب بتشريح جثث الكفار لأن التمثيل ليس مطلق الحرمة بل هو جائز للمصلحة لأدلة عديدة منها آية المحاربة وهي قوله تعالى :" إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض " والكفار أيضا لا يعدون تشريح جثثهم لتعلم الطب من الاعتداء عليهم بل هم يبيعون جثثهم لمثل هذه الأغراض .
فالقول الراجح والله تعالى أعلم في مسألة تشريح جثث موتى الكفار لتعلم الطب الجواز ما دام أن الحاجة تدعو إليه والله تعالى أعلم .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.97 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.35 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.67%)]