عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-10-2020, 12:46 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي أسرة بلا أب ريشة في مهب الريح

أسرة بلا أب ريشة في مهب الريح



إيمان صابر




كثيراً ما نتحدث عن أهمية دور الزوجة والأم داخل أسرتها ومدى الخلل الذي يحدث للأسرة والأبناء عند غيابها أو تقصيرها في أداء مهمتها ، ومع اهتمامنا بدور الأم نهمش أحياناً دور الأب على الرغم من أهميته فهو الذي يوجه السفينة ويقودها إلى بر الأمان . فلماذا يغيب الأب ؟ وما أثر غيابه في الأسرة ؟ وكيف نتجنب الآثار السلبية لهذا الغياب ؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها التحقيق التالي :


* المال ضيع الأولاد !


المحاسب عُمر يروي قصته مع السفر فيقول : كسَبت كثيراً من سفري إلى إحدى الدول الذي امتد قرابة السنوات العشر ، ولم نعد نعاني أيَّ أزمة مادية ،بل أصبحنا على النقيض نعيش في رغد من العيش ، وكنت خلال السفر أترك زوجتي وأولادي في بلدي لظروف ارتباطهم بالمدارس ، وكانوا في رعاية والدي - وهو شيخ كبير- ولكنه لم يستطع أن يستوعب أحد أبنائي الذي أخذ يدخن السجائر ويرسب في المدرسة وانضم إلى رفقاء السوء وانقلبت شخصيته تماماً وفقدنا السيطرة عليه ، وكلما رأيته أمامي تذكرت أنه ضحية سفري .


أما عبد الكريم- معلم- ، فكانت تجرِبتُه أشدَّ إيلاماً فقد ظل الرجل مكافحاً طَوال حياته مع زوجته - معلمة أيضا - حتى جاءته فرصة السفر وهو في الخمسينات من عمره واصطحب زوجته وأولاده تاركاً اثنين منهم على أبواب الثانوية العامة ليكملوا دراستهم الجامعية واستمر هو وزوجه في السفر .


وكانت أول مفاجأة هي رسوب أحد الأبناء ونجاح الآخر نجاحاً كالرسوب، وزلزلت المفاجأة الأب وهو الذي عانى حتى يكون أولاده دائماً متفوقين . فتحمل الغربة وحده وأرسل زوجته إلى الأبناء ، وهنا اكتشفت الأم السهرات غير البريئة التي تورط فيها ابناها ، وتدخينهما المخدرات، ورفقاء السوء، وبعد جهد جهيد نجح الولدان بمجموع ضعيف أدخلهما معهداً وليس الكلية التي كانا يحلمان بها وأسرتُهما . وتضاعفت سنوات الدراسة عليهما لضعف مستواهما وضعف الرقابة عليهما .


أما (نجوى) فهي مثل الكثيرات فأبواها طبيبان سافرا واصطحباها وفي الثانوية العامة أرسلاها إلى جدتها لتعيش معها وتلتحق بالجامعة وأغدقا عليها بالملابس والأموال ، نجحت في الثانوية ودخلت الجامعة، ولكنها حولت الشقة إلى وكر تعاطي المخدرات والهيروين مع زميلاتها بحجة المذاكرة معهم ، ورسبت في الجامعة وأخفت ذلك عن أهلها الذين لم يكتشفوا ذلك إلا بعد فوات الأوان حينما قُبض على نجوى وهي تشتري الهيروين ، وانتهى بها الحال إلى مصحة لعلاج الإدمان وسط دموع الأب والأم، فماذا أفاد المال ؟ وإذا كان الطبيب والطبيبة عجزا عن رعاية ابنتهما الوحيدة ...فماذا سيفعل من هم أقل منهما ؟!



* من يردم الفجوة ؟


الدكتور ماهر يروي قصته فيقول : أنا دكتور مهندس أنتدب للخارج كثيراً بسبب تخصصي النادر وذلك منذ أكثر من 10 سنوات وكنت قد تركت أبنائي وهم في المدارس الابتدائية وآتيهم مرة أو مرتين في العام وكم أشعر بالأسى معهم فأنا أشعر بأنني ضيف ثقيل فأوقات نومهم غير أوقات نومي ولا يحبون ما أحبه من الطعام، بل إذا تناقشت مع واحد منهم أجد التفاهة والسطحية وعدم التأدب في الحوار؛ فيتركني ابني بمجرد الحديث عن العلم ، وينظر إلي ابني الآخر نظرةَ متخلفِ إذا حاولت أن أُوَجِهَهَ إلى أية قيمة أو عادة من عاداتنا الطيبة وكأن التمدن والرقي لا يتفق أبداً مع الأدب والعلم والعادات الحميدة وحتى الصلاة ، طبعاً للأسف أنظر لنفسي وقد وصلت إلى أعلى الدرجات العلمية ، في حين أن أولادي يتدهورون علمياً وأخلاقياً، بل والأكثر من ذلك أجد هوة كبيرة وبوناً شاسعاً بيني وبينهم، وطِباعاً من المستحيل التوافق بينها فأجدني في النهاية أسحب نفسي مسافراً وكلي حسرة على أولادي وعلى زوجتي أيضاَ التي جرفها التيار وجرفت أولادي معها ولا أدري ماذا أفعل لنلتقيَ ولو في نقطة واحدة لأستطيعَ إكمالََ المسيرة معهم ؟!


* آثار سلبية


نقلنا هذه النماذج إلى د.عبد الله جودة أستاذ الطب النفسي ، فقال : أعلم من التفاصيل ما هو أكبر بكثير جداً من هذه الحالات ، فانحراف الأبناء نتيجة غياب الأبوين معاً مؤكد تماماً ، أما انحراف الأبناء أو أحدهم نتيجة غياب الأب فقط فهو محتمل احتمالاً كبيراً خاصة إذا كان الأبناءُ ذكوراً أو فيهم الذكور ، فالطفل الصغير بحاجة إلى رعاية أبيه بصفة خاصة فهو يقلده ويحاكيه ويجيب عن أسئلته ويمثل إليه المدخل الطبيعي لعالمه الذي يحلم بالانضمام إليه...

غير أن المشكلة تزداد تعقيداً إذا كان هذا الابن في مرحلة البلوغ والمراهقة...ففي هذه المرحلة تحدث تغيرات جوهرية في جسم الطفل وفي عقله وفي نفسيته ووجود الأب بجواره عامل هام جداً لامتصاص هذه التغيرات وتهذيبها وتقويمها...وإذا كانت الأم وحدها ففي أحيان كثيرة لا تستطيع السيطرة على ابنها ولا تكون مقنعة بالنسبة إليه ، وقد يعلن التمرد والعصيان عليها وهذا معناه ضياع محقق للطفل .


أما د.رشدي بدران أستاذ علم النفس التربوي فيقول : إن كثيراً من الأُسَر عانت معاناة شديدة جراء سفر الزوج أو سفر الزوجين وترك الأبناء إما وحدهما أو في رعاية غيرهما ، وتركهما وحدهما هو خيانة للأمانة وعدم إدراك للمسؤولية، فالخطورة مؤكدة تماماً والانحراف لا جدال فيه، خاصة أن الأبوين في هذه الحالة يريدان تعويض الأبناء فيسبغان عليهم بالأموال والهدايا التي تكون عاملاً حاسماً ومساعداً على الانحراف الذي يكون إما بالتدخين والإدمان وإما بتحويل الشقة إلى وكر للأعمال المنافية للقيم والآداب، ويضيع الأبناءُ نتيجة طمع وجهل الآباء .


وإذا غاب الزوجان وتركا الأبناء مع أحدٍ حتى وإن كان جدهما فإن الخطورة محتملة تماماً وربما مؤكدة فهناك فاصل زمني ونفسي بين الجد و الأبناء، والجد بطبيعته أكثر شفقة وتلطفاً بالأبناء وقد يدفعه ذلك إلي عدم السيطرة عليهم وضبط سلوكياتهم ومتابعتهم.

أما في حالة سفر الزوج فقط وترك الأبناء مع الزوجة فيشترط د.رشدي أن يكون مع الزوجة أحد المحارم المخلصين، أو تكون مقيمة مع الأسرة الكبيرة ووسائلُ مراقبةِ وضبطِ سلوكِ الأبناءِ متاحةٌ ، وأن تكون الضرورة القصوى هي التي دعت إلى سفر الزوج وحدَه ..


* الدور المفقود


تقول الدكتورة ملك الطماوي- أستاذة التربية- : إن معظم الدراسات والأبحاث تركزت حول دور الأم والعلاقة بينها وبين الطفل ولكنها أهملت دور الأب في التنشئة ولكن في السنوات الأخيرة بدأ الاهتمام بدور الأب وقد بدأت هذه الدراسات خلال الحرب العالمية الثانية عندما ابتعد ملايين الآباء عن الأسرة والطفل وبدأ الاهتمام بتأثير هذا الغياب .

ومؤكدٌ أن للأب دوراً كبيراً في الضبط الاجتماعي فهو رمز للسلطة والقوة والابن يحاكي الأب في السلوك ومن خلال الأب يتعلم الأبناء الكثير وتنضج خبرتهم ويتعرفون على الحياة .

وتأثير غياب الأب يعتمد على جنس الطفل وعلى السن الذي حدث فيه الغياب، ولقد اتفق معظم علماء النفس والاجتماع على أن تأثير الأب يبدو أكثرَ وضوحاً في مرحلة الطفولة خصوصاً مع الأولاد أكثر من البنات فالأولاد يتربون من خلال آباء أقوياء وعطوفين يصبحون هم أنفسهم أكثرَ دفئاً وثقة بالنفس وقدرة على القيادة من الأطفال الآخرين .

كما أثبتت الدراسات أن غياب الأب يؤثر على الأبناء من الناحية الجسمانية والنفسية والاجتماعية فيبدو الطفل أقلَّ نشاطاً ويكون أكثر عدوانية حينما يلعب مع أصدقائه ويتلفظ بألفاظ عنيفة كما يؤثر غياب الأب في الضبط الاجتماعي داخل الأسرة والذي من شأنه أن يؤدي إلى فوضى سريعة في الأسرة وعندئذ يفشل الأفراد في الاتفاق مع المجتمع .

وغياب الأب لا يؤثر فقط على الأبناء بل يؤثر أيضاً على الأم التي تفقد شريك حياتها وتقوم بدور مزدوج مما يضغط على سلوكها ويؤثر على تنشئتها لأطفالها ولا تستطيع الأم أبداً تعويض دور الأب القيادي التربوي.


* عوامل تقلل من الآثار السلبية لغياب الأب:


الدكتورة منيرة عيد العبد العزيز- أستاذة الإدارة التربوية بجامعة الملك سعود- تقول : يتحمل الأب جزءاً كبيراً في مساعدة الأبناء على تنمية قدراتهم على التكيف النفسي في البيئة، وقد أثبتت الدراسات أن غياب الأب – لأي سبب - يقود إلى الكثير من الاضطرابات السلوكية أو الجنوح خاصةً إذا استمر لمدة ستة أشهر أو أكثر، حيث وُجد أن ذلك يترك أثراً سلبياً على الأسرة بشكل عام وعلى الأبناء بشكل خاص، إلا أن هذه النتائج ليست حتميةً مطلقةً وليست عامةً في كل الأحوال، وربما لا تنطبق على كل حالات الفقدان، فبعض الدراسات لم تجد فروقاً بين الفاقدين وغير الفاقدين لآبائهم في الابتكار ومستوى الطموح والقلق وتحقيق الذات والحاجة إلى الإنجاز، ولم توجد فروقٌ بينهم في القيم الاجتماعية والثقة بالنفس والاتجاه نحو الجماعة والقدرات العقلية والجسمية والاتزان الانفعالي والعدوانية، والرضا عن البيت والمدرسة والمستوى الاقتصادي والاجتماعي ومفهوم الذات.. بل إن هناك دراسات أثبتت أن الأبناء الذين فقدوا آبائهم كانوا أكثرَ رجولةً واستقلاليةً وأقلَّ عدوانيةً من الذين يعيشون مع آبائهم .

وعلى الرغم من أن ما أثبتته العديد من الدراسات ووضحته بالنسبة إلى الدور الكبير للأب في حياة الأسرة وتأثيرِه على السمات الشخصية للطفل إلا أن هناك عواملَ أُخر تؤثر بشكل إيجابي في التخفيف من الآثار السلبية لغياب الأب لفترة طويلة أو فقدانه كلياً لأي سبب كان منها:


* ما تقوم به الأم من دور عقب فقدان الأب. فعندما تكون الأم في حالة توافق نفسي وتملك ذاتاً فعالة ولديها القدرة على استغلال قدراتها الذاتية والخارجية وتستطيع القيام بدوري الأم والأب مع عدم التعارض بينهما، فإنها تستطيع التعامل مع مشكلات رعاية الأسرة وتُجَنِّبُ الأبناءَ الآثار السلبية التي من الممكن أن تنجم نتيجة فقدان الأب.



* أثبتت الدراسات التي أجريت على أسر يغيب فيها الأب فترات طويلة أن المجموعة المضطربة انفعالياً تتميز بوجود اضطراب انفعالي لدى الأم. وانتباه الأم لهذه المشكلة وحرصها على التغلب عليها سيمكنها من المحافظة على توازن ونمو أبنائها .



* موقف الأم المباشر من الأب الغائب له أثر كبير في التخفيف من آثار الغياب.. فهناك دراسات وجدت أنه لم يكن هناك تأثير سلبي على الأبناء لغياب الأب لفترات طويلة، ذلك لأن الأمهات كن يصورن هؤلاء الآباء بوصفه مثلاً يقتدي به. بينما في الأسر المماثلة والتي لم تقم الأم فيها بمثل هذا الدور وُجدَ أنَّ الأبناءَ أقلٌّ نضجاً وتكيُّفاً مع أقرانهم، والبنات كن أكثر اتكالية من قريناتهن .



* وجود فرصة لربط الطفل بأب بديل من الكبار يخفف من الأثر النفسي لغياب الأب.. مثلاً عن طريق ما يمكن أن يُقدِّمَه الأهلُ والأقاربُ من الذكور الكبار مثل الأعمام والأخوال ومن خلال انخراطه في فرق الكشافة والفرق الرياضية ودور العبادة وما يمكن أن يقدمه المجتمع المحلي من دعم اجتماعي للطفل. كل هؤلاء يمكن أن يكون لهم تأثير في التخفيف من وطأة الآثار التي يتركها غياب الأب .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.85 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.56%)]