عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24-10-2020, 04:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي فروض الكفاية واحترام التخصص

فروض الكفاية واحترام التخصص


محمود الشال





الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه، يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله، الداع إلى الحق وإلى صراطٍ مستقيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:
عباد الله، إن الله افترض فروضاً أوجبها علينا إما على مستوى الفرد، أو على مستوى جميع الأمة،
وبناء عليه فالفروض نوعان، (فروض عين) تجب على كل مسلم كائناً من كان، و(فروض كفاية) إذا قام بها البعض سقطت عن الكل.
فالأمة كلها تؤجر ويسقط عنها التكليف إذا قام بعضها بواجبهم في فرض الكفاية وتحملوه عن جميع الأمة.

أهمية فرض الكفاية وخطورة التهاون فيه:
قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122][1] فورد التخصيص على طائفة لا على الجميع، لكن الأمة جميعا تحتاج إلى علم القلة، وتراخي الجميع خطر عظيم وإثم لازم.

وقال تعالى: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].[2] فهؤلاء البعض هم الذين يعفون الأمة جميعا من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن غاب هذا البعض تأثم عموم الأمة.
وفي القرآن من هذا النحو أشياء كثيرة ورد الطلب فيها نصّاً على البعض لا على الجميع.

وعن النعمان بن بشير، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مَثَل القائم في حدود الله، والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا اسـتقوا، مرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً).[3]
لا يغترن أهل الصلاح بصلاحهم، فقد يهلكون بفعل أهل الفساد، لقوله -تعالى-: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].[4]

وعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً قِيلَ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ).[5]

يقول إمام الحرمين في كتاب(الغياثي): فرض الكفاية عندي أفضل من فرض العين من حيث أن فعله مسقط للحرج عن الأمة بأسرها، وبتركه يعصى المتمكنون منه كلهم، ولا شك في عظم وقع ما هذه صفته، والله اعلم.[6]

اتساع مفهوم فرض الكفاية:
الناس عادة يتوقفون في فروض الكفايات عند مفاهيم قديمة، كقصورهم فرض الكفاية على العبادات كصلاة الجنازة أو العيدين أو الأذان مثلاً، رغم أن فروض الكفاية متجددة بتجدد حاجة الأمة؛ فمثلاً الأمة اليوم تحتاج إلى تقدم في الطب والهندسة والزراعة والصناعة وغيرها، فتأثم جميع الأمة إذا تخلفت في هذه الفنون والمهن، ويرفع عنها الحرج إذا قام البعض عن الأمة بهذا التكليف المتجدد حسب حاجة الأمة إليه.

يقول الشافعي-رحمه الله -فيما نقله عنه الربيع: لا أعلم علماً بعد الحلال والحرام أنبل من الطبِّ إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه.[7]
ويقول أبو حامد الغزالي -رحمه الله -في الإحياء: أما فرض الكفاية فهو علم لا يستغني عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين.[8]
ويقول د. نعمان عبد الرزَّاق السَّامَرَّائي: فعمارة الأرض -كما يسميها ابن خلدون -هي إقامة الحضارة، وهي من مهمات الإنسان الأساسية الكبرى، وقد قام بها الإنسان جيلاً بعد جيل، وأمة بعد أمة، وكلما تعبت أمة تلقت الراية أمة فتية، وتضافرت جهود الأمم، وراح اللاحق يبني على جهود سلفه ويزيد ويطور. فمَن أراد العمران فعليه أن يتعلم علوم عصره كلها، حتى قال علماؤنا في (فروض الكفاية) أن الأمة كلها تصير آثمة إذا وجدت صنعة أو علم وليس في الأمة من يعرفه أو يمارسه.[9]

رفع الحرج عن أصحاب الأعذار لم يمنعهم من القيام بفرض الكفاية:
في الجهاد خاطب الله المعذورين من الأمة بتسلية قلوبهم وتطييب نفوسهم، نظراً لعدم مقدرتهم على المشاركة في الفرض الكفائي على جميع الأمة فرفع الله عنهم الحرج، قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [التوبة: 91 - 93][10] وفي الآيات أيضاً إسقاط للتكليف ككل سواء في فرض العين أو فرض الكفاية.

قال القرطبي - رحمه الله - في تفسير هذه الآيات:
قوله تعالى: ليس على الضعفاء الآية. أصل في سقوط التكليف عن العاجز؛ فكل من عجز عن شيء سقط عنه، فتارة إلى بدل هو فعل، وتارة إلى بدل هو غرم، ولا فرق بين العجز من جهة القوة أو العجز من جهة المال؛ ونظير هذه الآية قوله تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286] وقوله: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ [النور: 61]. وروى أبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه. قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال: حبسهم العذر) فبينت هذه الآية مع ما ذكرنا من نظائرها أنه لا حرج على المعذورين، وهم قوم عرف عذرهم كأرباب الزمانة والهرم والعمى والعرج، وأقوام لم يجدوا ما ينفقون؛ فقال: ليس على هؤلاء حرج. (إذا نصحوا لله ورسوله) إذا عرفوا الحق وأحبوا أولياءه وأبغضوا أعداءه، قال العلماء: فعذر الحق سبحانه أصحاب الأعذار، وما صبرت القلوب؛ فخرج ابن أم مكتوم إلى أحد وطلب أن يعطى اللواء فأخذه مصعب بن عمير، فجاء رجل من الكفار فضرب يده التي فيها اللواء فقطعها، فأمسكه باليد الأخرى فضرب اليد الأخرى فأمسكه بصدره وقرأ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل هذه عزائم القوم. والحق يقول: ليس على الأعمى حرج وهو في الأول. ولا على الأعرج حرج وعمرو بن الجموح من نقباء الأنصار أعرج وهو في أول الجيش. قال له الرسول عليه السلام: إن الله قد عذرك. فقال: والله لأحفرن بعرجتي هذه في الجنة إلى أمثالهم حسب ما تقدم في هذه السورة من ذكرهم رضي الله عنهم. وقال عبد الله بن مسعود: ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.[11]

أرأيتم عباد الله كيف كان حرص المسلمون الأوائل الذين سادوا ورفعوا الراية عالية خفاقه، أرأيتم كيف كان حرصهم على فرض الكفاية والتسارع إلى المشاركة فيه وتحصيل الأجر العظيم من ورائه، فلم يقف أمامهم عذر لنيل ما تتوق إليه نفوسهم مما وعد به الله تعالى.

إن الأمة لم تتأخر في ذيل الأمم ولا صارت عالة على غيرها من الأمم إلا بتهميش أبنائها لفروض الكفاية، واعتبارهم فرض الكفاية شيء زائد ليس له أهمية، رغم أن بعض العلماء جعلوا مكانته أعلى من فرض العين كما تقدم، قالوا لأن فرض العين متعلق بالفرد نفسه وهو آحاد، أما فرض الكفاية فمتعلق بجموع الأمة ويتوقف عليه تقدمها وازدهارها ومكانتها بين الأمم.

متى يتحول فرض الكفاية إلى فرض عين؟
يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: الصلاة فرض عين لأن كل إنسان يستطيع الصلاة فما يستثنى أحد من وجوبها، أما القضاء والتدريس والهندسة فهي فروض كفاية لأنه ليس يقدر أن يكون قاضيا، أو مدرساً أو مهندساً. فإذا ترشح امرؤ بمؤهلاته العلمية للقضاء، وعينته الدولة للمنصب المعد له، فإن قيامه بأعباء منصبه هذا أصبح فرض عين كالصلاة والصيام، وما يجوز له أن يتراخى فيه أو يفرط، وكل ذرة من استهانة أو خيانة فهي عصيان لله، واعتداء على الدين، ولا يقبل أبداً الاعتذار بأن ذلك وقع في فرض الكفاية. إن الجهد البشرى يجب أن يوزع بالقسطاس المستقيم بين الصلاة المفروضة عليه والقضاء المطلوب منه، حتى يشيع العدل في المجتمع وتبلغ الحقوق أصحابها.

وربما استغرق دراسة القضايا عشرة أضعاف الوقت الذي تستغرقه الصلاة! ليكن، فهذه عبادة وتلك عبادة، وفروض الكفاية غالبا تأخذ من الوقت أكثر مما تأخذ فروض العين، ولعلها تستغرق أعمار الناس، ليكن، فذلك هو الطريق لإرضاء الله، وحماية الأمة، والحفاظ على الدين، وإنشاء دنيا تصونه وتنميه.

احترام التخصص:
إذا كنا نطالب الأمة بأن لا يخلوا منها عالم بفن من الفنون ومهنة من المهن ليسقط التكليف عن الباقين؛ فعلينا أيضاً أن نحترم التخصص وألا نتجرأ على ما ليس لنا به علم فنضر من حيث نريد النفع.

فالواقع مؤسف إذ نشاهد ونسمع يومياً ملايين من البشر يخوضون فيما ليس لهم به علم؛ فنجد من يفتي في الطب وهو ليس بطبيب ولم يدرس الطب، ومن يفتي بالقضاء وهو لا يعلم عن القضاء شيئا ولم يدرسه، ومن يفتي بالدين وهو لا يكاد يجيد الصلاة فضلا عن تعلم فقه الدين أو فقه المسألة التي يفتي بها، للأسف الشديد أصبحت كل العلوم كلأ مباحاً بدون تعلم!

قال تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43][12]
وأهل الذكر في كل علم هم علماؤه وخبراؤه وأهله.
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36][13]
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من تطبب، ولم يعلم منه قبل ذلك الطب، فهو ضامن).[14]
وهو ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم - في شأن الرجل الذي اغتسل وبه جراحة (قتلوه قتلهم الله).[15]

ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي علمنا التخصص واحترامه، ومثال على ذلك تخصيصه زيد بن ثابت لترجمة رسائل رسول الله -صلى الله عليه وسلم -التي ترد إليه من اليهود، فقال له (صلى الله عليه وسلم): (...إني ما آمن يهود على كتابي...)[16] وأمره بتعلم لغتهم، فتعلمها -رضي الله عنه -في خمسة عشر يوما.

وأرشد الله موسى -عليه السلام -إلى عبده الصالح الخضر ليتعلم منه رغم مكانة موسى-عليه السلام -وتكليم الله له، قال تعالى "فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً. قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا".[17]

وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (كُلٌّ يَعْمَـلُ لِمَا خُـلِقَ لَهُ أَوْ لِمَا يُسِّرَ لَهُ). وفي رواية (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ).[18]
وهذا أبو ذر رضي الله عنه رغم علمه وورعه وتقواه، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ينحيه عن الولاية لأنها ستكون ثقيلة عليه، ويجب أن يقوم بها القادر عليها حتى يؤديها بحقها؛ فقـد قال أبو ذر: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ فضرب الرسول صلى الله عليه وسلم بيده على منكبه، وقال: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا)[19]

دعوة الإسلام إلى اكتشاف المواهب:
علينا أن نكتشـف المواهب والقدرات ونستثمرها في عملية بناء المجتمع بعد بنائها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (النَّاسُ مَعَادِنُ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقُهُوا).[20]
وهي دعوة لاكتشاف وتربية أصحاب المواهب والقدرات المميزة والفاعلة داخل المجتمعات.

وفي تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه، اكتشف مواهبهم، واضعاً كل واحد منهم في المجال الذي يناسب تفوقه وتميزه. عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: قال رسـول الله -صلى الله عليه وسلم -: (أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيٌّ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ).[21]

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد في الأولين والآخرين، و على آله وصحبه أجميعن، وبعد:
عباد الله، إن على الدولة بمؤسساتها دور كبير في التنظيم والتحسين ليقوم الأفراد بواجبهم نحو مجتمعهم على الوجه الأمثل.

واجب الدولة نحو فروض الكفاية:
على الأمة جميعاً أن تضافر جهودها لسد حاجاتها في جميع المجالات، حتى لا تظل عالة على غيرها؛ فمهمة التقدم والحضارة والرقي هي مهمة جماعية تحتاج إلى جهود الأمة بجميع أفرادها وفي شتى المجالات، قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2] [22]

وعلى الدولة أن تقوم بدورها المنوط بها في تنظيم وتحفيز الجهود التي تعمل في هذا الاتجاه لسد حاجة الأمة وكفايتها وإسقاط التكليف عنها؛ يقول الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله-: والواجبات الكفائية تتطلب من الدولة أمرين ينبعان جميعا من تكليفها ابتداءً باختيار من يحمل أعباء هذه الواجبات ويستطيع أداءها:
الأول: الاطمئنان إلى أن هذه الواجبات وجدت العدد الكافي من الاختصاصيين للنهوض بها فإذا كانت الأمة تحتاج إلى مائة صيدلية مثلا ولم يتوفر إلا خمسون، اهتمت باستكمال العدد الذي يضمن الصحة العامة ولا يجوز أن تتغاضى عن هذا النقصان.

الثاني: أن تتابع بوسائلها الكثيرة حسن الأداء، ودقة الوفاء حتى تقوم المصلحة العامة على دعائم ثابتة.
نسأل الله بقلوب مخلصة أن يهيئ لأمتنا من أمرها رشداً، وأن يوفق كل مجتهد لنفع نفسه وأمته، وأن يجعل راية أمتنا عالية خفاقة.

اللهم ولِّ أمورنا خيارنا ولا تولِّ أمورنا شرارنا،
اللهم ارزقنا علماً نافعاً وعملاً متقبلاً، وبارك لنا في أرزاقنا،
اللهم اهدِ شباب أمتنا، وأصلح جميع أحوالنا.


[1] التوبة:122.

[2] آل عمران:104.

[3] أخرجه البخاري والترمذي.

[4] سورة الأنفال:25.

[5] رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

[6] عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج1 ص 189.

[7] نزهة الفضلاء: 2/ 738.

[8] إحياء علوم الدين ج1 ص16.

[9] من مقال ل د. نعمان عبد الرزَّاق السَّامَرَّائي مجلة البيان عدد 42 ص 36.

[10] سورة التوبة 91-93.

[11] الجامع لأحكام القرآن ج8 ص150-151.

[12] النحل:43.

[13] الإسراء: 36.

[14] رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة

[15] رواه البخاري في التاريخ الصغير.

[16] أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي.

[17] الكهف: 65-66.

[18] رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

[19] صحيح مسلم.

[20] رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

[21] رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم في مستدركه.

[22] المائدة:2.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.54 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]