عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-03-2024, 09:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,015
الدولة : Egypt
افتراضي دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني

الدرس الأول: مدارسة القرآن
محمد بن سند الزهراني





الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أما بعْدُ:
فنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا بَلَغَنَا وَإِيَّاكُمْ رَمَضَانَ؛ أَنْ يُعِينَنَا وَإِيَّاكُمْ عَلَى صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، وَنَحْنُ فِي مَطْلَعِ هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ يَجْدُرُ بِنَا أَنْ نَجْمَعَ مَعَ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَحِفْظِهِ فَهْمَ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرُهِ، وَالنَّظِرُ إلَى هِدَايَاتِهِ؛ وَذَلِكَ بِمُدَارَسَةِ الْقُرْآنِ؛ سَعْيًا لِلْعَمَلِ بِهِ وَتَحْكِيمِهِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾ [آل عمران:79].

وَسُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ؛ فَقَدْ كَانَ يَتَدَارَسُ الْقُرْآنَ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ مَعَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ومن الثِّمَارِ الْعَظِيمَةِ وَالْمَعَانِي الْجَلِيلَةِ وَالْمُكْتَسِبَاتِ الْكَبِيرَةِ لِمَنْ اهْتَدَى بِالْقُرْآنِ.

أنّ المُدارسة سَبِيلُ الْعِلْمِ وَالتَّعَلُّمِ، فَالْعِلْمُ عُمُومًا وعِلْمُ الْقُرْآنَ خُصُوصًا لَا يُمْكِنُ لِلْمَرْءِ أَنْ يُحَصِّلَهُ إِلَّا بِالتَّعَاوُنِ وَالْمُشَارَكَةِ مَعَ الْآخَرِينَ، إنَّ مَنْ يَسْعَى لِحِفْظِ الْقُرْآنِ يَجِبُ أَنْ يُدْرِكَ أَنَّ أَعْظَمَ عَوْنٍ عَلَى ذَلِكَ فِي مُرَاجَعَةِ وَاسْتِذْكَارِ وَاسْتِيعَابِ أَحْكَامِهِ؛ تَدَبُّرًا وَعَمَلًا؛ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ خِلَالِ الْمُدَارَسَةِ.

قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « تَعاهَدُوا هذا القُرْآنَ، فَوالذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ لَهو أشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإبِلِ في عُقلها»[1].
وَلْنَعْلَمْ -أَيُّهَا الْكِرَامُ- وَنَحْنُ فِي مَطْلَعِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ؛ أَنَّ مُدَارَسَةَ الْقُرْآنِ طَرِيقٌ لِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ بِفَضَائِلِ الْخَيْرِ، وَتَحْلِيَتِهَا بِنَعِيمِ الصَّلَاحِ وَهِدَايَتِهَا سَبِيلُ الرَّشَادِ.

قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران:164].

مِنْ خِلَالِ هَذِهِ الْمُدَارَسَةِ تَسْكُنُ النُّفُوسُ الطَّيِّبَةَ، وَتَعْرِفُ طَرِيقَ الْخَيْرِ مِنْ الشَّرِّ، وتُحصِّل مِنْ الْمَعَانِي وَالْقِيَمِ مَا لَا تُحَصِّلُهُ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَى انْفِرَادٍ.

إِنَّ مُدَارَسَةَ الْقُرْآنِ مَدْعَاةٌ لِتَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ وَالسَّكِينَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَسَبَبٌ لِإِحْفَافِ الْمَلَائِكَةِ لَهُمْ؛ حِفْظًا وَعِنَايَةً وَتَوْفِيقًا؛ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ فيما بيْنَهُمْ؛ إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ»؛ رواه مسلم.

وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْغَايَةَ الْأَسَاسَ مِنْ الْمُدَارَسَةِ الْقُرْآنِيَّةِ مَعَ التَّعَبُّدِ لِلَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - هُوَ اسْتِخْلَاصُ وَاسْتِخْرَاجُ الْمَنْهَجِ الْقُرْآنِيِّ؛ لِيَكُونَ مَنْهَجًا وَاضِحًا فِي تَكْوِينِ وَبِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْمُتَمَيِّزَةِ، فَيَحْمِلُ الْعَبْدُ فِي سَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - عَقِيدَةً صَافِيَةً، وَعِبَادَةً مُخْلِصَةً، وَخُلُقًا فَاضِلًا، وَأَدَبًا جَمًّا.

وَبِهَذَا: يَسِيرُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ.

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانًا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

[1] أخرجه البخاري (5033)، ومسلم (791).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 13-03-2024 الساعة 02:43 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.30 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.67%)]