عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 15-02-2019, 04:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (5) ولا تـمـنن تستـكـثر




د.وليد خالد الربيع






القرآن الكريم زاخر بالحكم الجليلة والمواعظ البليغة التي ترتقي بالعقول وتزكي النفوس وتهذب السلوك ليسمو المسلم إلى أعلى درجات الإنسانية وأرفع منازل العبودية.


ومن الحكم القرآنية قوله عز وجل: {وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}، وقد وقف المفسرون مع هذه الآية طويلا لاستنباط ما فيها من المعاني والآداب، ولابد من بيان معاني ألفاظها أولا:

أما المنّ، ففي اللغة لها معان عدة منها:

الأول: القطع والانقطاع، يقال: مننت الحبل: قطعته، ومنه قوله عز وجل: {لهم أجر غير ممنون} أي غير مقطوع ولا منقوص، ومنه سمي الموت بالمنون لأنه ينقص العدد ويقطع المدد. الثاني: اصطناع الخير، يقال: منّ عليه إذا أحسن إليه وأنعم وصنع صنعا جميلا، وتطلق (المنة) على النعمة الثقيلة، قال الراغب الأصفهاني: «ويقال ذلك على وجهين:

- أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: مـنّ فلان على فلان، إذا أثقله بالنعمة، وعلى ذلك قوله عز وجل: {لقد منّ الله على المؤمنين}، {كذلك كنتم من قبل فمنّ الله عليكم}، {يمنّ على من يشاء}، وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى.

- الثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة، ولقبح ذلك قيل: «المنـّة تهدم الصنيعة»، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: «إذا كفرت النعمة حسنت المنـّة»، وقوله تعالى: {يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان} فالمنـّة منهم بالقول، ومنة الله عليهم بالفعل، وهو هدايته إياهم»، المن بالقول: تذكير المنعِم المنعَم عليه بإنعامه.

وأما الاستكثار: فهو عدّ الشيء كثيرا، وأيضا يقال: استكثر من الشيء إذا رغب في الكثير منه.

وقد ذكر الطاهر بن عاشور مناسبة عطف {ولا تمنن تستكثر} على الأمر بهجر الرجز أن المن في العطية كثير من خلق أهل الشرك، فلما أمره الله بهجر الرجز نهاه عن أخلاق أهل الرجز نهيا يقتضي الأمر بالصدقة والإكثار منها بطريق الكناية فكأنه قال: تصدق وأكثر من الصدقة ولا تمنن، أي: لا تعد ما أعطيته كثيرا فتمسك عن الازدياد فيه، أو تتطرق إليك ندامة على ما أعطيت.

وللمفسرين في هذه الآية أقوال كثيرة:

منها قول ابن عباس: لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها، قال الضحاك: هذا حرمه الله على رسول الله [ لأنه مأمور بأشرف الآداب وأجل الأخلاق وأباحه لأمته، وهو اختيار القرطبي؛ لأنه يقال: مننت فلانا كذا أي أعطيته، ويقال للعطية المنة، فكأنه أمر بأن تكون عطاياه لله لا لارتقاب ثواب من الخلق عليها، فإن الانتظار تعلق بالأطماع، وقد قال الله تعالى له: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى} وذلك جائز لسائر الخلق لأنه من متاع الدنيا، وطلب الكسب والتكاثر بها.

ومنها قول مجاهد : لا تضعف أن تستكثر من الخير، من قولك حبل منين إذا كان ضعيفا، ودليله قراءة ابن مسعود {ولا تمنن تستكثر من الخير}.

ومنها قول مجاهد والربيع: لا تعظم عملك في عينك أن تستكثر من الخير، فإنه مما أنعم الله عليك، قال ابن كيسان: لا تستكثر عملك فتراه من نفسك، إنما عملك منة من الله عليك إذ جعل الله لك سبيلا إلى عبادته، قال الحسن: لا تمنن على الله بعملك فتستكثره، وهو اختيار الطبري ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاق آيَات تَقَدَّمَ فِيهِنَّ أَمْر اللَّه نَبِيّه [ بِالْجِدِّ فِي الدُّعَاء إِلَيْهِ , وَالصَّبْر عَلَى مَا يَلْقَى مِنَ الْأَذَى فِيهِ.

والخلاصة أنه ينبغي للمسلم أن ينكر ذاته، ولا يستكثر عمله، ويستقل جهده، فيعلم أن كل خير فمن الله وحده، بالتوفيق إليه ابتداء، والإعانة عليه أثناءه، والمن عليه بالقبول انتهاء، فيحمد الله على اختياره واصطفائه، ويستعين به على القيام بعبوديته، ويدعوه راجيا أن يقبل عمله ولا يضيع سعيه، فهذا باب التوفيق وصراط السعداء.

قال ابن القيم:» طوبى لمن أنصف ربه، فأقر له بالجهل في علمه، والآفات في عمله، والعيوب في نفسه، والتفريط في حقه، والظلم في معاملته، فإن آخذه بذنوبه رأى عدله، وإن لم يؤاخذه بها رأى فضله، وإن عمل حسنة رآها من منته وصدقته عليه، وإن قبلها فمنة وصدقة ثانية، وإن ردها فلكون مثلها لا يصلح أن يواجه به، وإن عمل سيئة رآها من تخليه عنه، وخذلانه له، وإمساك عصمته عنه، وذلك من عدله فيه، فيرى في ذلك فقره إلى ربه، وظلمه في نفسه، فإن غفرها له فبمحض إحسانه وجوده وكرمه.


ونكتة المسألة وسرها: أنه لا يرى ربه إلا محسنا، ولا يرى نفسه إلا مسيئا أو مفرطا أو مقصرا، يرى كل ما يسره من فضل ربه عليه وإحسانه إليه، وكل ما يسوؤه من ذنوبه وعدل الله فيه». أهـ
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.37%)]