عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 30-09-2020, 04:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي من وحي عبقرية خالد بن الوليد

من وحي عبقرية خالد بن الوليد


مسرحية من فصل واحد


عيسى النتشة

المنظر الأول
"خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبي جهل، وعُثمان بن طلحة، وعَمرو بن العاص، وصفوان بن أمية، يتجاذَبون أطراف الحديث في شِعْبٍ من شعاب مكة، وقد دخَل محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يَطوفون حول الكعبة في عُمرة القضيَّة بعد صُلح الحُديبية".صفوان: "يوجِّه الحديث إلى أصحابه":وها هو صاحبكم يَدخُل الكعبة هو وأصحابه آمنين.عكرمة: لا تُذكِّرني بهم يا أبا وهب.... لا تُذكِّرني.عمرو: ألم يكفِ أننا تركْنا لهم مكة بما فيها، ولجأنا إلى الجبال، لا نُريدُ أن نراهم ولا أن نشهَد دخولهم، ألم يكفِ هذا؟!خالد: إيه، نحن في وادٍ، ومحمد وصحبُه في وادٍ آخَر.عثمان: ولكن... شتان ما بين الواديَين... واديهم يا خالد سيلٌ مُتدفِّق يَنهمِر عليه الغَيث إلى ما لا نهاية.. وهو يَربو ويترَع يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام...... أما وادينا، أمَّا نحن!صفوان: أمَّا وادينا فلا يَجيش، ولا يتدفَّع، قصَّر عنا الغيث فلا يربو ولا يترَع.خالد: وأمَّا نحن، فقد انتهينا إلى مُفترَق الوادي.عمرو: وماذا تَقصِد يا خالد؟!خالد: أقصد بيت المُغيرة من بني مَخزوم، أَقصِد إخوتي، وأعمامي، أقصد نفسي.عثمان: ولماذا لا تقول: أقصد قريشًا كلها.عكرمة: نعم، قريشٌ كلُّها.عثمان: سنُلقي السلاح من أيدينا سنين طوالاً لا لقاء فيها ولا نزال بعد هذا الصُّلحِ؛ صُلح الحُديبية، فلا ثورة من غضب، ولا جذوة من غيظٍ مُثارٍ.عمرو: لقد مات الشيوخ الذين كانوا يُخيِّمون بوقارهم على العقول، وتهيَّأ الجوُّ لنسأل أنفسنا: فيمَ هذا العداء لمحمَّد؟عكرمة: أأنتَ يا خالد تقول: لقد بلغنا غاية المُفترَق؟! أنسيتَ ما فعل محمد بأبيك؟! أنسيتَ ما قاله قرآنه عنه؟!خالد: لم أنسَ أبدًا، ولكنه الإنصاف.عكرمة: ويحك! الإنصاف! عِدلُ قريش ووحيدُها الذي يَكسو الكعبة سنةً وتَكسوها قريش كلها سنة يُقال له: عُتُلٌّ زنيم؟!أينزل القرآن على يتيمٍ ضائع أحق من أن ينزل على ريحانة قريش وسيدها؟ ويلك، أي إنصاف تعني؟خالد: أعلم هذا.... وأعرف أن أبي كان يَنهى عن السُّكر أيام الحج، ويأمر بقطع يد السارق.عمرو: ولكن.....عكرمة: على رِسْلك يا عمرو، نسي خالد مواقف أبيه، نسي أن أباه ذهَب إلى أبي طالب وقال له: هذا ابني عمارة، أنهد فتيان قريش وأجملهم، خُذه وسلِّم لنا محمدًا.عثمان: ولمَ هذا الجِدال... فقد آذَيتمونا به... دعونا من محمد وصحبه وانظروا لنا شيئًا يؤكل؛ فقد آذنَ النَّهار بالانتِصاف.

عكرمة: أُفٍّ لك يا عُثمان... وتُسمِّي الإنصاف جدالاً؟!عُثمان: إي وربي.. أبوك وأبوه سبب البلاء.عكرمة: ويلك... سبب البلاء!عثمان: نعم؛ فالوليد ذهب إلى محمد يتسمَّع، فرجع يقول - وهو خطيب قريش وفقيهُها -: "والله لقد سمعتُ من محمد آنفًا كلامًا ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لمُثمر، وإن أسفله لمُغدِق، وإنه يعلو وما يُعلى"، فقالت قريش يومها: صبأ والله الوليد، ولتصبونَّ قريش كُلُّهم".عكرمة وعمرو: هذا صحيح.خالد: ليت هذا قد تمَّ.عثمان: أما أبوك يا عِكرمة، فقد ظل يُحاوِره ويُداوره حتى جعله يقول عن قرآن محمد: "إن هو إلا سحرٌ يؤثر"، فرمى محمدًا بالكهانة والسِّحر، فاستهزأ به القرآن كما تعلمون.عكرمة: إذًا فالفضل لأبي الذي صرَفه عن دين محمد.خالد: وأين أبوك الآن؟ بل أين أبي؟!صفوان: قتَلَهم محمد.عمرو: لا تظلم الرجل ولا تَفتَرِ عليه.صفوان: إذًا قتلهم كبرياؤهم وعنجهيتُهم.خالد: لقد نطقتَ الصواب... كبرياؤهم وعنجهيَّتهم.عكرمة: أراك تُدافع عن محمد، ما بالك ثكلتك أُمك!خالد: حيرة يا عكرمة.صفوان: حيرة في ماذا؟خالد: حيرة تأكل قلبي، وتسدُّ منافذ عقلي.... أنا مثلكم.. هربت إلى الجبال حتى لا أرى محمدًا وصحبه يَعتمِرون، ابتُليت أكثر منكم.. صدِّقوني.عثمان: وانقسَمَ بيت المغيرة إلى معسكرَين: معسكر الجاهلية، ومعسكر الإسلام.خالد: وأصبح في معسكر الإسلام أخوان حبيبان.... الوليد، وهشام.عمرو: صدقتَ.خالد: وزاد الانقسام أكثر وأكثر يوم الحُديبية.عثمان: أذكر ذلك، عندما حاولت الإغارة بنا على محمد وأصحابه فصدَّتنا رهبة الصلاة، ونخوة الفارس المُحجِم عن الغدر والغيلة.عكرمة: وأذكر أنك قلت يومها: إن لمحمدٍ لسرًّا... وإن الرجل لمَمنوع.خالد: وها نحن اليوم هائمون في الجبالِ ومحمد وصحبه يعتمرون، فأيُّ شيءٍ بقي لنا؟ أين المذهب؟عمرو: عجبًا.... هذا ما كنتُ أفكِّر فيه صباح هذا اليوم... أين المذهب؟صفوان: ارحَلوا عن مكة... واتركوها له.عكرمة: ولكن.... إلى أين؟صفوان: إلى النجاشي.عثمان: النجاشي... لقد اتَّبع محمدًا، وأصحابه آمنون عنده.صفوان: إذًا إلى هرقل.عثمان: يا للمُغفَّل.. هرقل؟ ونَخرُج من ديننا إلى نصرانية أو إلى يهودية؟ أفنُقيم في عَجمٍ أو نُقيم في ديارنا فيمن بقي؟!خالد: لا مهربَ ولا مناص، لقد حانت الساعة لوزن الأمور، ومراجعةِ الحاضر والمصير.عكرمة: وماذا تعني؟خالد: أعني الرؤيا التي رأيتُها البارحة.عمرو: رؤيا رأيتَها؟عكرمة: وماذا رأيتَ؟خالد: رأيت في النوم كأنِّي في بلاد ضيقة جدباء، فخرجت إلى بلدٍ أخضر واسع.صفوان: أضغاث أحلام.خالد: (وقد ثار) أضغاث أحلام! ويلك... انظر إلينا... أما ترى يا أبا وهب، أما ترى ما نحن فيه؟ فقد ضاقَت بنا مكة.عمرو: عجبًا.... كنت أفكر في هذا... وكنت أودُّ أن أقترح عليكم أمرًا خِفتُ أن تلجُّوا عليَّ فيه... فمنعتُ نفسي.. ولكن... اسمعوا.صفوان: هات ما عندك أنت أيضًا....عمرو: إنما نحن أكَلة رأس واحِد.عكرمة: هذا صَحيح.عمرو: وقد ظهر محمد على العرب والعجم.خالد: هذا صحيح.عمرو: فلو قَدِمنا على محمد فاتَّبعناه، فإن شرفَ محمد شرفٌ لنا.عكرمة: شيء عظيم.عمرو: وفيمَ هذا العداء؟ أَمِن أجل الكعبةِ ومحمد يرعاها، ويَحترِم جوارها ويحجُّ إليها؟عكرمة: إيه... إيه...عمرو: وفيمَ هذا التعصُّب؟ فإنَّ شرف محمدٍ شرف العرب أجمعين.خالد: ومحمد يَصون للعزيز كرامته.عثمان: ومن أين لمحمد ذلك النصر المبين بعد النصر المُبين؟بل من أين له تلك المهابة التي تردُّ عنه الأيدي مِن قريب؟خالد: ومِن أين لمحمد ذلك العون الذي يُدركه وقد أحاطت به الهزيمة، فإذا هو ناصِلٌ منها... وإذا هو الطارد الظافِر!!صفوان: كفى... نتبع محمدًا ونَنسى ما فعل؟!عمرو: على رسلك يا صفوان.. على رِسْلك.صفوان: وماذا بقي.. اسمعوا... واللات والعُزَّى، لو لم يبقَ من قريشٍ غيري ما تبعتُ محمدًا أبدًا... أُفٍّ لكم."يَنسحِب بعيدًا فيُمسِكه عمرو"عمرو: صفوان.. صفوان..صفوان: اتركني... اتركني.عمرو: أراك كالثور الهائج.. إنَّما نحن نَزِن الأُمور ونتروَّى.صفوان: زِنوا وتروَّوا على مهلكم.. أمَّا أنا فلن أُصاحبكم بعد اليوم."يسحَب نفسه ويَنهزِم بعيدًا"خالد: هذا عهدي فيك.. رجل موتور تَطلُب وترًا.. قُتل أبوك وأخوك ببدر، وتطلب رأس محمد.. نجم السماء أقرَب إليك من ذلك.. وأنت يا عكرمة؟عكرمة: أنا.... أنا أتبع محمدًا... لا.... لا... هذا لا يُمكن.خالد: وأنت أيضًا مثله.. ولكن اطوِِ ما ذُكر أمامك، ولا تُحدِّث به أحدًا.عكرمة: قبل أن أذهب إلى دثاري.... سنرى لمن يكون الأمر.. فإن ظهر محمد علينا فسأُقاتله.. وأُقاتل من يكون معه... وإنَّ غدًا لناظرِه قريب."يَنسحِب بعيدًا"عمرو: أما أنا فإني مُدلِج في ليلتي هذه إلى يثرب... سألقى محمدًا وأتبعه، طاب مساؤكم..."يَنسحِب هو الآخَر"عثمان: والآن يا خالد.... ما قولك؟خالد: اسمع... إنما أنا وأنت بمنزلة ثعلب في جُحر لو صُبَّ عليه ذَنوبٌ من ماء خرج.. فما رأيك؟عثمان: الساعة نَخرُج لنلحق بعمرو بن العاص... وليكن ما يكون..خالد: إذًا على بركة الله... إلى يثرب... إلى النور..."يتصافَحان ويهمَّان بالمغادرة، ولكنَّهما يسمعان صوتًا من بعيد"صاحب الصوت: يا خالد بن الوليد... يا خالد....خالد: (يتوقف): اسمع عثمان... هناك من يُنادي...عثمان: وأنا سمعتُ النداء...صاحب الصوت: يا خالد بن الوليد.خالد: مَن يُنادي.. أقدِم يا أخا العرب.. أقدِم.صاحب الصوت: رسول من أخيك الوليد "يصل إليهما".خالد: أخي الوليد... أهلاً بك... وبه "يتصافحون".صاحب الصوت: أين أنت يا رجل...خالد: آثرتُ الابتعاد عن مكة؛ ليَعتمِر محمد وصحبه.صاحب الصوت: ولكن أخاك الوليد كان معه في عمرة القضاء، ولم يترك مكانًا في مكة إلا وبحث فيه عنك، فلمَّا لم يجدك كتَب إليك هذا الكتاب..."يدفع إليه رُقعة فيتناولها خالد ويقرؤها بصوت مسموع":خالد: (يقرأ): [بسم الله الرحمن الرحيم] أما بعد؛ فإني لم أرَ أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلُك عقلك، ومثل الإسلام يجهله أحد؟ وقد سألني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أين خالد؟ فقلتُ: يأتي الله به، فقال: ((ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين لكان خيرًا له، ولقدَّمناه على غيره))، فاستدركْ يا أخي ما فاتك منه؛ فقد فاتتك مواطن صالحة".يا للهِ ما أعظمك يا أخي.. نَعِمتَ بالإسلام، واطمأن قلبك...عثمان: حقًّا حقًّا.. لقد فاتَتك مواطن صالحة..خالد: "لصاحب الصوت" اسمع أخا العرب.. أبلغ الوليد السلام وقل له: إنَّ خالدًا سيقدم عما قريب إلى يَثرِب.صاحب الصوت: إذًا سألحَق به.خالد: ولكن عرِّج على داري، ومُرْهم بإعداد راحلتي.صاحب الصوت: حُبًّا وكرامة... والآن إلى اللقاء في يَثرب."عثمان وخالد" إلى اللقاء...... إلى مدينة الرسول..
المنظر الثاني
"في حِمص" وخالد بن الوليد وحيد إلا مِن صديقه قيس وخادمه حمام، في بيت لا شيء فيه سوى سيف وترس، وبين آونة وأخرى يسمع صهيل فرس، خالد يروح ويجيء، وصديقه يتأمله وقد كبر سنُّه وشاخ".خالد: ألا رحم الله نبيَّنا، ونضَّر قبره، لا أزال أذكر تلك الساعة التي قدمتُ فيها عليه.قيس: أذكر أنه سُرَّ بقدومك، وأخذ ينتظرك وهو يقول لأصحابه: ((رمتْكم مكَّة بأفلاذِ أكبادها))، وكأنك جئته بمَقاليد الكعبة، ومسالك البلد الأمين.خالد: طلعتُ، فما زال يَبتسِم إليَّ حتى وقفت عليه، فسلَّمت عليه بالنبوة، فردَّ عليَّ السلامَ بوجه طلْق، فقُلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فقال: ((الحمدُ لله الذي هداك، وقد كنتُ أرى لك عقلاً، ورجوت ألا يُسلِمكَ إلا لخير)).بأبي وأمي أنت يا رسول الله.. أي... أي... "يَعصِره الألم، ويقع على الأرض".قيس: "يُسرِع إليه" خالد... ما بك.. حمام... يا حمام.."يُسرع حمام إليه"حمام: لبَّيك... "يرى خالدًا على الأرض، فيُسرِع لحَملِه مع قيس" سيِّدي... خالد.. فدَتك نفسي.... "خالد يتلوَّى".قيس: ارفع معي... فلنضعْه على السرير."يَضعانه على السرير"خالد: ماء.... ماء.... أريد ماءً."يُسرع حمام فيُحضِر إليه كوب ماء فيشرَب ثم يناوله الكوب"الحمد لله... أَسنِدوني.قيس: أنتَ مُتعَب.. يجب أن تنام قليلاً..خالد: أسندوني.."يُسرِعان لإسناده في السرير".حمام...حمام: نعم سيدي.خالد: ناولني سلاحي... هات سيفي... هات ترسي."يُناوله حمام سيفه وترسه، فيَفرح لهما، ويتأمَّلهما جيدًا، ثم يقول: إنهما يا قيس أُنسي، لم يبقَ لي شيء؛ فقد مات أولادي، وماتَت معهم فرحتي".قيس: روِّح البال قليلاً.. واسألِ الله السلامة.خالد: بال.. وأي بال.. لم يبقَ لي من شيء والحمد لله... "يُشهِِر سيفه" هذا هو السيف الذي شهد الحروب الهائلة، هذا هو السيف الذي استمدَّ العون من الله فجلب النصر...قيس: "ردَّ بإشفاق"، هوِّن عليك يا أخي، فإنني أخشى عليك من الحُمَّى.خالد: الحُمَّى! أربع سنوات مضت يا قيس.. وأنا هُنا لا أُشارك في قتال ولا في جهاد.. قضى الطاعون على أربعين من ولدي... وأنا صابر.. فإلى متى...قيس: أعلم ذلك...... ولكنَّها مشيئة الله....خالد: الله يعلم أنه ما ليلة يُهدى إليَّ فيها عروسٌ أنا لها مُحب، أو أُبشَّرُ فيها بغلام، أحبُّ إليَّ من ليلة شديدة الجليد، في سريةٍ من المهاجرين أُصبِّح بهم العدو.قيس: ألا رحم الله نبيَّنا حين قال لك: أنت سيف من سيوف الله... سلَّه الله على أعدائه.خالد: إن الذي يُؤلمني هو أني ما دخلت معركة قطُّ إلا وكنتُ أتمنى الشهادة في سبيل الله ولكن......قيس: الله الله يا خالد.. أيموتُ حتْف أنفِه سيف سلَّه الله على أعدائه، ثم ألا يكفيك فخرًا ما حظيتَ به من السيادة والقيادة".خالد: "يكشف عن صدره، وقد وضَع سيفَه وحاول القيام".انظر إلى جسدي، ما فيه شبر واحد إلا وفيه ضربة من سيف أو طعنة من رُمح، أو رمية من سهم... وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعيُن الجُبناء.... لا نامت أعيُن الجُبناء"."يُسرعان لإسناده وقد بدأ يَرتِجف".قيس: أتحزَن يا خالد.. إنها إرادة الله، نعم لقد حضرتَ أكثر من خمسين موقعةً نصَرَك فيها الله جميعها، ألا يُحتسب لك أجر طالب الشهادة؟ ثم إنك ضممتَ المجد من أطرافِه، ألا يكفيك ذلك فخرًا.خالد:
فرشتُ الأرض من أجساد كفرٍ
وصيَّرت الرؤوس لها ركامَا

هرقل يقول: وا أسفي عليها
سلامًا يا شآمُ فلا ملامَا

بذلنا النفس فيها والنفيس
كأنَّ النصر طارَحَنا الغرامَا

فليتَ الله يبعثني إذا ما
أسود الحرب قوَّضتِ الخيامَا

وصاحَ "الله أكبر" كل قرمٍ
إلى الجنَّاتِ إذ حسْنُت مقامَا

حمام: جنود الله يا خالد ديدنهم رضاه، فطِب نفسًا وحاول أن تنام.خالد: فمتى... متى أرى الإسلام يُشرِق في بخارى والسِّند والهند؟متى يشرق في إفريقيا.... في الشمال وفي الجنوب؟متى يُصرع كل طاغية؟ متى تَمتلئ القلوب بحُب الله؟كتاب الله يأمرُهم وينهى وتأسِرهم أحاديث الحبيب؟قيس: أرى عرقًا يَسيل على جبينك، فرِفقًا بنفسك.خالد: حمام...حمام: لبَّيك.خالد: ارفعني قليلاً..... (يرفعه) هاتِ سيفي."يُعطيه السيف".هات رُمحي.. هات ترسي.."يُناوله ما طلب فيُحاوِل أن يقوم"قيس: رفقًا بنفسِك يا أخي.خالد: أترضى أن أموت على فراشي.... لا... سألقى الموتَ في زيِّ المقاتل، أتسمع يا قيس.. إنها صيحات النصر المبين.. أتسمَع.. هذا يوم أجنادين نادى نُسور الحرب... وهذا يوم ذات السلاسل..قيس: خالد.... أنت تَهذي...خالد: لا... هذه أيام اليمامة... وهذه أيام العراق... يا يوم دمشق، يا يوم اليرموك.
"على اليرموك قِف واقرا السَّلاما
وكلِّمه إذا فهم الكلاما

وقل: يا نهر، هل هاجتك ذكرى
شجَت قلبي وحرَّكت الغَراما

قيس: بأبي أنت وأمي.... اهدأ قليلاً..خالد: وصيتي يا سعد....."يُمسِك بسيفه ويُقبِّله وهو يَبكي"..هذا سيفي، صديق عمري، هبهُ يا سعد لعمر بن الخطاب يُعطيه لمن يسبق الموت إذا أحجمَت الأبطال... وهذا رُمحي... وهذا تُرسي.. هَبْهُما لمن عاهَدَ الله على الشهادة..قيس: خالد..... خالد....خالد: وهَبْ فرسي إذا نادى المنادي لمن يهوى آصائل الجياد وكرائمها..هذا ما أملك يا سعد.. ولو ملكت يداي سوى سلاحي لجُدت به؛ لعل الله يقبل مني.. يغيب عن وعيه ويسقط على الأرضقيس: (لحمام) ماءً... أريد ماءً...."يحمله على السرير ويرشُّ وجهه بالماء، يتململ خالد ببطء وهو يهذي بقوله: لا إله إلا الله.... محمد رسول الله"، وقيس ينقط له الماء في حلقه وهو يَهمِس:...اذكر الله يا خالد... اعتصم بالله...خالد: أنا لست جزعًا لأنني سأُفارق الدُنيا... أنا فرحٌ... سألقى الأحبة... محمدًا وأبا بكر... نعم أنا فرح.....!حمام: بأبي أنت وأمي.قيس: اذكر الله يا خالد... واذكرنا عند ربِّك..خالد: وصيتي يا قيس... ألا تبكي عليَّ البواكي، فها أنت ترى.... أموت واأسفاه كما يموت البعير حتْف أنفي...قيس: بأبي أنت وأمي...

خالد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.


"يُسلم الروح".قيس: خالد..... خالد.....حمام: يا ويلتاه.... يرحمك الله يا أبا سليمان.قيس:
يرحم الله تعالى
رجلاً بذَّ الأماجد

رجلاً مات ليحيا
فاسمه في اللوح خالد

عاش لا يرجو سواها
ميتةَ النَّسر المُجاهد


ستار

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.33%)]