عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-09-2020, 12:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي أثر الجمال في النفس

أثر الجمال في النفس


أ. صالح بن أحمد الشامي







إن عمق الرصيد الذي يملكه الجمال في فطرة الإنسان، جعل تأثيره على النفس عظيمًا، الأمر الذي سجله القرآن الكريم:

يعرض القرآن الكريم من خلال قصصه تأثير الجمال على النفس الإنسانية، الجمال الذي يبدو تارة من خلال الزينة.. وتارة من خلال الفن الهندسي المعماري.. وتارة من خلال الإنسان ذاته، صورة ومعنى..




كما يستعرض النفس الموضوعة تحت هذا التأثير في حالاتها المختلفة، فتارة تكون نفسًا عادية تمثل نفوس عامة الناس، وتارة تكون نفس واحد من علية القوم.. وتارة تكون في صفة الذكورة وتارة في صفة الأنوثة..




وهكذا نكون أمام تنوع في أشكال المؤثرات، وتنوع آخر في النفوس المتلقية لتلك المؤثرات.. وتبقى القضية واحدة. وهي أثر الجمال في النفس الإنسانية، فالجمال هو الجمال، والنفس هي النفس.




ولنقف على نماذج من هذه المشاهد:

هذا مشهد تبدو فيه الزينة والجمال من خلال الثراء والرفاهية والإعجاب بالنفس.. إنه قارون، الذي كان من قوم موسى، والذي أوتي من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، وقد اتخذ من مظاهر الزينة والرياش والزخارف ما يتناسب مع هذا الغنى .. ويخرج "ذات يوم على قومه في زينة عظيمة وتجمل باهر من مراكب وملابس عليه وعلى حشمه وخدمه ..[1]" فإذا الناس من قومه أمام هذا المشهد فريقان:

فريق أخذ المشهد بمجامع قلوبهم، فإذا بآثار ذلك تخرج من أفواههم تمنيًا ورغبةً أن يكونوا مثله، وأن يكون لهم ماله..




وفريق آخر، لم يؤثر فيهم المشهد، لا لأنه غير مؤثر، وإنما لسبب آخر، هو وجود الإيمان الذي يجعل الإنسان لا يقف عند ظواهر الأمور بل ينفذ إلى جوهرها، إن عدم تأثر هذا الفريق يرجع إلى علمه بأن هناك ما هو أعلى قدرًا وأسمى مكانة.. وهو ثواب الله..




فالمشهد مؤثر في النفس ولكن وجود الإيمان هو العامل المضاد في النفوس المؤمنة. ولنستمع إلى النص القرآني الكريم الذي قص علينا ذلك:

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾[2].



في مشهد آخر.. تختلف فيه المؤثرات، والنفس الواقعة تحت الاختبار - هنا - نفس تقلبت في مظاهر الترف والنعيم، وأوتيت الملك بكل مظاهره وحفاوته ورياشه وأثاثه..




إنها بلقيس، ملكة سبأ، التي أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم.. حينما دعيت لمقابلة سليمان عليه السلام، طلب إليها أن تدخل الصرح، وكان قصرًا عظيمًا من الزجاج بني فوق الماء الجاري، فلما رأته حسبته ماء غزيرًا وخانها بصرها فلم تر الزجاج الذي فوقه والذي كان أرضًا للقصر فكشفت عن ساقيها تريد الخوض في تلك اللجة فقيل لها عندئذ إنه صرح ممرّد من قوارير..




ولا شك أن دهشتها كانت عظيمة إزاء هذه المفاجأة غير المتوقعة ووجدت نفسها أمام فن وجمال ليس في مقدور البشر تصنيعه.. لقد أخذ المشهد بمجامع لبّها واستحوذ على تفكيرها. وهي صاحبة العرش الذي وصفه القرآن بالعظمة.. ولكن العظمة هنا من نوع آخر ومن طراز فريد. وإزاء هذا الجمال الذي بلغ المدى من نفسها.. أعلنت إسلامها لله مع سليمان.




وهكذا يأتي إسلامها أثرًا مباشرًا لهذه الرؤية ودليلاً على سلطان الجمال على النفوس[3].




ومرة أخرى مع القرآن نستمع قول الله في هذه الحادثة:

﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾[4].




ومشهد ثالث...

كانت المؤثرات في المشهدين السابقين مؤثرات جمالية مادية، تتبع من الزينة وبهرج المادة، ومن فن الهندسة وجمال التصميم.. ولكنا في هذا المشهد نقف على تأثير الجمال الإنساني في صورته الظاهرة على النفوس الإنسانية.




إنها قصة يوسف عليه السلام.. وهي قصة معروفة.




وليست القصة بكاملها هي محور حديثنا، فامرأة العزيز التي شغفها يوسف حبًا، ليست هي المادة الموضوعة للدراسة، إذ إنها وقعت تحت مؤثرات عدة إضافة إلى الجمال.. فهي نتيجة لخلطتها الدائمة به كانت على معرفة وفضائله. كما كانت على معرفة من حسن تصرفه.. فعرفت فيه الحسن ظاهرًا ومعنى.




ولكنا نقف عند المأدبة التي أقامتها هذه المرأة بعد أن انتشر خبرها في الأوساط الراقية (!!) التي تصلها عادة أخبار قصور السادة، هذه المأدبة التي أقامتها في عملية دفاع عن النفس وإبداء للعذر.




وحضرت المدعوَّات، وقد أعدّت لهن وسائل الراحة الكاملة، بما يتناسب مع قدرهن ومع مكانة القصر المضيف.. وأخذت كل واحدة منهن مكانها من المجلس، وأمامهن من الطعام أو الفاكهة ما يحتاج إلى السكاكين.. وفي هذا الجو الفاره، وقد تجاذب النسوة أطراف الحديث،... وجاء دور الطعام حيث كل سكينة بيد امرأة تستعين بها على قطع ما يحتاج إلى قطع..




وفي جو من اللهو بالطعام واللهو بالحديث.. أمرت صاحبة القصر يوسف أن يخرج على النسوة، وكانت مفاجأة، مفاجأة غير متوقعة.. ولنترك الحديث لنشاهد هذه الجلسة من خلال التعبير القرآن الكريم.




﴿ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ .. ﴾[5].




أكبرنه.. وقطعن أيديهن.. أجل، جرحن أيديهن، فقد شغلهن حسن الطلعة عن أنفسهن وما في أيديهن، وكان هذا التأثير عامًا شمل الجميع.




ولئن كان حسن يوسف عليه السلام حسنًا خاصًا، فإِن الأمر الذي نحب أن نلفت النظر إليه هو أن القرآن سجل أثر ذلك الحسن على النفوس، وفي مشاهدة كانت هي المرة الأولى، وكان عدد المشاهدات كثيرًا، وكان الأثر كبيرًا على النفوس جميعًا.



ومشهد رابع..

نعيش فيه مع الجمال الإنساني، في صورته الباطنة.




فالجمال ليس مظهرًا أو شكلاً ماديًا فحسب، نستطيع رؤيته من خلال اللون والمادة.. ولكنه - أيضًا - هو المعنى الذي يقوم في النفس، فيبدو من الحركة والكلمة.. من السلوك والسمت...، من المعاني النفسية من صدق وإخلاص واستقامة...




إنه جمال لا يقل أثره - إن لم يغلب - عن أثر الجمال الظاهر.




والقرآن يسجل أثر هذا النوع من الجمال في نفس نبي من الأنبياء، وهم بشر من الناس لكنهم يمثلون استقامة الفطرة، وصدق الحس، ورهافة المشاعر، وصدق العاطفة... إنه زكريا عليه السلام.




ولنستمع إلى القصة من كلام الله تعالى:

﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾[6].




إن امرأة عمران نذرت حملها لخدمة المعبد، فلما كان الوضع، تبين أن المولود كان أنثى، وكانت هي تنتظر أن يكون ذكرًا، فالنذر للمعابد لم يكن معهودًا إلا في الذكور ولذا توجهت إلى ربها قائلة: ﴿ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ﴾.




إنها تريد الوفاء بالنذر وهي جادَّة في ذلك، ولكنها تشعر وكأن الوفاء لن يكون كاملاً فتترجم هذا بقولها: ﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ﴾.




وتُنقل مريم إلى حيث يقوم برعايتها رئيس كهنة المعبد زكريا عليه السلام وهو زوج خالتها[7].




وتنشأ مريم في كفالة زكريا، وقد تقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتًا حسنًا فكانت من كرامة الله لها، يأتيها رزقها من عنده سبحانه. الأمر الذي لفت نظر زكريا فجعله يسأل ﴿ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا ﴾ ويكون جوابها ﴿ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ... ﴾.




ويتعامل زكريا مع المعاني الجميلة، طهرًا وحياء، عبادة وخشوعًا، صدقًا مع الله ولجوءًا إليه.. ثم... المكانة عند الله والرضى منه سبحانه، يعبّر عنه هذا الرزق.. وإذا بجمال الإنسانية يتمثل حيًا شاخصًا أمام عينيه. وتتجسد المعاني فتصبح مادة يتعامل معها..




﴿ هُنَالِكَ ﴾ وفي تلك الحال - وقد ملك عليه هذا الجمال لبَّه - يمد يديه سائلاً الله تعالى أن يهب له ذرية طيبة، إنه يسأل ... يسأل وهو على علم بأنه قد تقدمت به السن وأن زوجه عاقر.. ولعل الأثر الجمالي أنساه ذلك. إن الدافع له هو طيب المشهد ولذلك لا يسأل مجرد الذرية. بل الذرية الطيبة إنه يريد مثل الجمال الذي أحسَّه وعايشه..




ويلبي الله دعوته لا بالولد فحسب بل وبالمواصفات التي تمناها ورغب بها ﴿ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾[8].






وكما لمسنا الآثار من خلال المشاهد، فإِننا نجدها أيضًا تقريرًا بأساليب مختلفة، وفي مناسبات متعددة.




فها هو موسى عليه السلام يناجي ربه ويدعوه أن يطمس على أموال فرعون وأشياعه وأن يشدد على قلوبهم، فقد استعملوا ما أعطاهم الله من زينة ومتاع في الصدّ عن سبيل الله.




﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾[9].




تذكر الآية بوضوح أثر الزينة، إضافة إلى الأموال، في التأثير على النفوس، بل وتذكر أن هذا التأثير له من القوة بحيث أمكن استعماله في الاتجاه المعاكس لفطرة الإنسان، إنه استعمل في الغواية والإضلال.




وفي خطاب الله تعالى لرسوله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ... ﴾[10] نلاحظ بوضوح تقرير هذا الأثر. إن الإعجاب أثر من آثار الحسن، وهو في شخصية الرسل مثله لدى غيرهم من الناس، بل إن الرسل لكمال عقولهم واستقامة فطرتهم أشد تأثرًا بالحسن من غيرهم.




والقرآن حين يسجل أثر الجمال على النفس، لا يسجله من ميدان واحد، بل من ميادين متعددة.. ومن ذلك: حسن الحديث وجمال القول.




ومن المعلوم أن الجمال في هذا المجال يطلق عليه لفظ "البلاغة" ففي قولنا: هذه كلمة بليغة. إنما نعني: أنها مؤثرة، ملائمة للموضوع الذي قيلت فيه، استعملت فيها الألفاظ الفصيحة.. واستبعدت منها الألفاظ الغريبة المتنافرة..




وقد خوطب الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم أن يكون قوله بليغًا وخاصة مع أولئك الذين لم يؤمنوا علَّهم يهتدون إلى الصواب. ومن جملة هؤلاء المنافقون الذين ورد في حقهم قوله تعالى: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا ﴾[11]، وإذا كانت بلاغة القول - كما قلنا - هي مناسبته للحال، وهذا جانب مهم من أوصاف الجمال فإن بلاغة القول هنا مع المنافقين قد تكون بالأسلوب القوي الرادع.




فالكلام البليغ .. كلام مؤثر.. ولا نعني بالبلاغة هنا جمال اللفظ الظاهر فحسب، فهذا جمال باهت قد لا يكون له تأثير، ولذا لم يعبر عنه القرآن بالبلاغة بل سماه: "زخرف القول" قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا... ﴾[12].






نخلص مما تقدم إلى تقرير حقيقة نفسية مهمة، وهي أن للجمال سلطانه الواسع في النفس الإنسانية، وله الأثر الكبير في قيادتها والأخذ بيدها.




وهذه الحقيقة ينبغي الاستفادة منها في ميدان التربية، الأمر الذي لسنا بصدد الحديث عنه الآن، ولكن الذي نريد تأكيده في هذا الفصل: أن القرآن الكريم رتب على هذه الحقيقة أمورًا مهمة متعددة، حيث جعل من "الجمال" وسيلة مهمة استخدمها في عدد من الأغراض للتعامل مع هذا الإنسان من خلال المنهج الرباني، فكان من ذلك:

أن جعله وسيلة لاختبار هذا الإنسان.




كما جعله جزاء على العمل الصالح، للإغراء به والحث عليه.




وبهذا يتعامل المنهج الكريم مع هذه النفس من خلال ما جبلت عليه. وبالمقدار الذي يأخذه الجمال من حيِّزٍ في مساحتها، وكما أن الجمال ليس هو كل الشيء الجميل، فكذلك "الجمال" هنا هو بعض وسائل الاختبار، وهو - أيضًا - بعض الجزاء الخيّر على العمل الصالح.




وبهذا يبدو التناسق العجيب في صنعة الله حيثما اتجهت.. في الخلق وفي الفطرة.. في الشريعة وفي المنهج.. والتناسق سمة هامة من سمات الجمال.





[1] تفسير ابن كثير.



[2] سورة القصص [79 - 80].



[3] ذهب بعض المفسرين إلى أن إسلامها كان بعد دخول الصرح بسبب دعوة سليمان لها.. وليس في النص القرآن الكريم ما يشير إلى ذلك. فالآية واضحة، في أن إسلامها كان عقب علمها بأن الصرح من قوارير. علماً بأن دعوة سليمان لها قد سبقت في كتابه الذي أرسله إليها.



[4] سورة النمل. الآية 44.



[5] سورة يوسف الآيات 30 - 32.



[6] سورة آل عمران [35 - 38].



[7] جاء في تفسير ابن كثير - رحمه الله - "كان زوج خالتها على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما. وقيل زوج أختها، كما ورد في الصحيح (فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا الخالة). وقد يطلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضاً توسعاً، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها". ا. هـ.




[8] سورة آل عمران. الآية 39.



[9]سورة يونس. الآية 88.



[10] سورة الأحزاب. الآية 52.



[11] سورة النساء. الآية 63.



[12] سورة الأنعام. الآية 112.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 47.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.61 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.32%)]