عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 27-07-2009, 10:26 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أشكُو إليكَ زَوْجي

فصل
الخلافات أمور طبيعية([1]):
ينبغي أن يكون المرء واقعيًا فلا يحلق في آفاق المثل الخيالية، فيحلم بحياة لا خلافات فيها ولا مشاكل، ولا أخطاء ولا تقصيرات إن ذلك الحلم وهم وسراب يجافي الواقع البشري، ويصادم الطبع الفطري.
فلابد أن تتعرض الأسرة لهزات داخلية أو خارجية، بحدوث خلافات بين الزوجين، ووقوع تقصيرات من أحد الجانبين، ولا عجب في هذا ولا عيب، إنما العيب في تطور الخلاف، وبُعد الشقاق، والتقيء بسوء الأخلاق، والتمادي في الغي دون محاسبة النفس ومراجعتها.
كذلك قد تتعرض الأسرة إلى عواصف خارجية هوجاء، تثير الأراجيف والإشاعات، وتنشط بالنميمة بين الزوجين، وتجسم العيوب...
فينبغي للزوج المسلم أن يكون حليمًا صبورًا، متأنيًا مترويًا، لا يغتاله الغضب، ولا يدفعه العجل، بل يكظم غيظه ويعالج بلا عنف. ويتأنى في أمره، ويتثبت بلطف، يلتمس المعاذير، ويراعي طبائع النفوس، وإذا آخذ لا محالة، فيؤاخذ بالحق، ويتجرد من هوى النفس، ويلتزم بحدود الشرع. هكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة زوجاته.
لا تغضب لنفسك:
ينبغي للزوج المسلم أن يقتفي أثر رسوله صلى الله عليه وسلم في العشرة الزوجية وغيرها، فيميز بين الإساءات التي وقعت؛ أهي إساءات شخصية في حقه لا تتعداه؟ أم هي إساءات دينية في حق الله، وحق الغير؟ فإن كانت الأولى حلم وصبر، وعفا وصفح، وإن كانت الثانية غضب في الله دون أن يتجاوز الحدود.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط، إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله تعالى"([2]).
وإليك هذه المواقف العملية، التي تجلي العظمة النبوية:
حدث بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عائشة كلام، حتى دخل أبو بكر رضي الله عنه حكمًا بينه صلى الله عليه وسلم وبينها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تكلمي أو أتكلم؟)) فقالت: تكلم أنت، ولا تقل إلا حقًا، فلطمها أبو بكر رضي الله عنه حتى أدمى فاها، وقال: أَوَ يقول غير الحق يا عدوة نفسها؟!، فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا لم ندعك لهذا، ولم نرد منك هذا))([3]).
وقالت عائشة رضي الله عنها مرة وقد غضبت: "أنت الذي تزعم أنك نبي؟!"، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتمل ذلك حلمًا وكرمًا. ما أحلمه صلى الله عليه وسلم! وما أعظمه زوجًا!
لقد حلم صلى الله عليه وسلم وصبر، وعفا وصفح؛ لأن الإساءة شخصية لا تتعداه صلى الله عليه وسلم ، فلم يغضب لنفسه، فأين هذا من غضب كثير من الأزواج إذا تأخرت زوجاتهم في إعداد الطعام في أوقاته، أو قصرت قليلاً في إتقانه، أو أهملت شيئًا ما في النظافة، أو أحدثت ضوضاء وقت الراحة، أو قالت له كلمة فيها إساءة شخصية، كأن تقول وقت غضبها: أنت بخيل، أو مسرف، أو لا تحسن عشرتي، ولا ترعى فيَّ حق الإسلام، أو أتزعم أنك داعية؟! أو أنك أناني تحب مصلحتك ولا ترعى شئون غيرك...
فكل ذلك أمور شخصية لا تستدعي ثورة ولا غضبًا، ولا عصا ولا سبًا. أما إذا كانت الإساءات انتهاكًا لحرمات الله، أو جرحًا للغير لزم الغضب بحدوده.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: "حسبك من صفية كذا وكذا". قال بعض الرواة: تعني قصيرة. فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته!))([4]).
ومعنى "مزجته" خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه، لشدة نتنها وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغيبة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "اعتل بعير لصفية بنت حيي، وعند زينب فضل ظهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزينب: ((أعطيها بعيرًا)) فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية؟ فغضب صلى الله عليه وسلم فهجرها ذا الحجة والمحرم وبعض صفر"([5]).
لما كان الخطأ غيبة في حق إنسان، ونهشًا لعرضه، وكبرًا ممقوتًا، واحتقارًا للغير، غضب صلى الله عليه وسلم لحق الله تبارك وتعالى، ودفاعًا عن أعراض المسلمين.
فللزوج المسلم أن يغضب إذا أخرت زوجته الصلاة عن وقتها، أو خاضت في أعراض الناس، فتذم هذه، وتقدح في تلك، وتتعالى على هذه، وتنتقص من شأن تلك، أو شاهدت أفلامًا سقاطة، وملأت سمعها بغناء خليع...

([1]) كيف تسعد زوجتك ص129ـ 133.

([2]) متفق عليه.

([3]) رواه البخاري.

([4]) رواه أبو داود، والترمذي وقال: "حسن صحيح".

([5]) رواه أبو داود.


رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.26 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.98%)]