عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27-07-2009, 09:20 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أشكُو إليكَ زَوْجي

لا يحرص على تعليمي أمر ديني،
ولا يراقب عباداتي لله، ولا يذكرني بالله،
ولا يحثني على الطاعة إلا قليلاً

من الثغرات الموجودة في بيوتنا عدم الاهتمام بالعلم الشرعي طلبًا أو دراسة، أو حضورًا لمجالس العلم أو عدم سماع الشرائط الإسلامية المسجل عليها دروس العلم النافع، ولا ريب أن هذه الثغرة من الخلل الوخيم في حياتنا الأسرية ويزداد هذا الخلل سوءًا عندما يكون الزوج من أهل العلم أو طلبته أو المجتهدين على الأقل في قراءة الكتاب الإسلامي وسماع الشرائط الإسلامية، ولا يهتم بتعليم زوجته وأولاده أمور دينهم، ثم بعد ذلك يشكو زوجته أو يتذمر من سلوك أولاده، ولا يدري أنه هو السبب بسبب عدم حرصه على تعليمهم أمور دينهم.
إن المرأة الجاهلة بأمور دينها لن تعرف حق زوجها حق المعرفة، ولن تستطيع أن تربي أولادها التربية الإسلامية الجادة، ولن تستطيع أن ترعى منزلها كما ينبغي، فضلاً عن تخلفها عن القيام بعبادة ربها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل عنها.
(فالواجب على الرجال بمقتضى كفالة الرياسة أن يعلموهن ما يمكنهن من القيام بما يجب عليهن، ويجعل لهن في النفوس احترامًا يعين على القيام بحقوقهن ويسهل طريقه، فكيف يمكن للنساء أن يؤدين تلك الواجبات والحقوق مع الجهل بها إجمالاً وتفصيلاً؟
وكيف تسعد في الدنيا والآخرة أُمَّة نصفها كالبهائم لا يؤدي ما يجب عليه لربه، ولا لنفسه، ولا للناس، والنصف الآخر قريب من ذلك؛ لأنه لا يؤدي إلا قليلاً مما يجب عليه من ذلك، ويترك الباقي، ومنه إعانة ذلك النصف الضعيف على القيام بما يجب عليه، أو إلزامه بما له عليه من السلطة والرياسة؟)([1]).
لهذا كان واجبًا على الزوج أن يعلم زوجته أمور دينها؛ فيعلمها أصول الدين، ويرسخ في قلبها حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وصدق الانتماء لهذا الدين، ويعلمها أحكام الطهارة وأحكام العبادات، ويعلمها نوافل العبادات، ويعلمها حقوق الزوجية ومكارم الأخلاق، ويحذرها من مساوئ الأخلاق.
وكذلك يراقب قيامها بالعبادات من صلاة، وصيام، وأذكار، وغيرها.
كما يحسن به أن يتعاهدها بالموعظة والتذكير، فيوصيها بتقوى الله تعالى ويذكرها بالموت والقبر والآخرة، كما يرغبها في الجنة والأعمال الموصلة إليها.
ولا ينسى أن يمدها بكل ما يعينها على زيادة علمها حسب قدرتها وطاقتها واستيعابها ووقتها من سماع الأشرطة النافعة، وقراءة الكتب القيمة، وحضور مجالس العلم.
كما ينبغي له أن يبعدها عن كل ما يسبب انحرافها أو فساد أخلاقها، أو بعدها عن ربها، من مسموع أو مرئي أو مقروء أو رفقة السوء.
وإن مما ينفع الزوج من حرص زوجته على تعلم العلم الشرعي أن تكون بارة به، قانتة له، تتقي الله تعالى فيه، تحرص على رضاه، وتتجنب كل ما يسخطه، حافظة لبيتها، مربية لأولادها على المنهج الإسلامي الصحيح.
(ثم إن المرأة شديدة التأثر بسلوك زوجها، فإن رأت منه حرصًا على ستر أو عفة أو خلق أو عبادة، بادرت إلى ذلك استجابة لأمر ربها، وإرضاءً لزوجها. وإن رأت منه إعراضًا، وانفلاتًا من أحكام الدين، وآداب الأسرة، لم تجد بُدًا من الاستجابة له، وفعل ما يرضيه.
وكم يُرى من زوجات خرجن من بيوت آبائهن إلى بيوت الأزواج عفيفات محتشمات عابدات، فما لبثن غير قليل حتى نبذن الحشمة والوقار ظهريًا، بتأثير الزوج وانحرافه وجهالته)([2]).
ولماذا لا يتخذ الأزواج من رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة العملية الراقية في كيفية تربية الزوجات وتعليمهن أمور دينهن، وحثهن على الطاعات وتذكيرهن بالله تعالى([3]).
عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استيقظ الرجل من الليل، وأيقظ أهله، وصليا ركعتين، كُتبا من الذاكرين كثيرًا والذاكرات))([4]).
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: ((ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين))([5]). وكذلك لمَّا علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها ذكرًا من أذكار الصباح والمساء وهو ((سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته))([6]). فما أعظمه من تعاون على طاعة الله!
ما أسعدها من لحظات عندما تجد الزوجة زوجها يحثها على العبادة، ويعينها عليها ويجلس معها تحت ظلال هذه النفحات الربانية.
وما أسعدها من أسرة مسلمة عينها على الآخرة!
وما أسعد الأوقات التي تجلس فيها الزوجة مع زوجها تسمع كلاما لله فيصحح لها قراءتها، أو يفسر لها آية، أو يعلمها أدبًا من آداب القرآن أو السنة، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة التي يثمرها التعاون على البر والتقوى.
فيا أيها الزوج الكريم... انطلاقًا من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]. تدارس مع زوجتك كتابًا نافعًا تقرؤه معها كل يوم ـ إن لم تستطع وضع منهج علمي بسيط([7]) حسب ظروفها واستيعابها. واحرص أن تجعل في بيتك مكتبة إسلامية ولو بسيطة محدودة، على أن تنوع مصادر التعليم ما بين كتاب أو شريط لمحاضرة إسلامية، أو شريط فيديو لندوة نافعة وغير ذلك من الوسائل الحديثة المشروعة التي تصقل فيها الزوجة علميًا وعمليًا إن شاء الله.
وكذلك اصحبها معك إلى دروس العلم النافع، ولا تمنعها ـ قدر الإمكان ـ من حضور دروس النساء، فإن في ذلك استقرارًا لحياة الأسرة وسعادتها.
فائدة:
يقول الإمام أبو حامد الغزالي ـ رحمه الله ـ: "فإن كان الرجل قائمًا بتعليمها، فليس لها الخروج لسؤال العلماء، وإن قصر علم الرجل، ولكن ناب عنها في السؤال، فأخبرها بجواب المفتي فليس لها خروج، فإن لم يكن ذلك، فلها الخروج للسؤال، بل عليها ذلك، ويعصي الرجل بمنعها، ومهما تعلمت ما هو من الفرائض عليها، فليس لها أن تخرج إلى مجلس الذكر، ولا إلى تعلم فضل إلا برضاه، ومهما أهملت المرأة حكمًا من أحكام الحيض والاستحاضة، ولم يعلمها الرجل، حرج الرجل معها، وشاركها في الإثم([8]).
وهذه زوجة تعاتب زوجها في رسالة فتقول له: "يا زوجي الحبيب... بيتنا يخلو من الجلسة الإيمانية، أريدك أن تقرأ علينا حديثًا من رياض الصالحين كل يوم، أو نسمع صوتك الجهوري يروي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من كتب السيرة، فمتى تبدأ؟ لا تقل غدًا، بل اليوم سوف أهيئ لك الكتاب ودعنا نسمع صوتك ونأنس بجلوسك ويفرح أطفالنا جميعًا بأبوتك"([9]).
فيا أيها الزوج المسلم...
كيف لا تهتم بتعليم أهلك وأولادك العلم الشرعي، بأي صورة من صوره؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيما رجل كانت عنده وليدة، فعلمها، فأحسن تعليمها، وأدَّبها، فأحسن تأديبها، ثم أعتقها، وتزوجها فلها أجران))([10]).
فقرن صلى الله عليه وسلم ثواب العتق من رق العبودية بثواب العتق من رق الجهل بفرائض الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كيف لا تجعل عائشة رضي الله عنها قدوة مشرقة أمام زوجتك، تُعلي من همتها في طلب العلم. فعن عروة بن الزبير قال: "ما رأيت أحدًا أعلم بفقه، ولا بطب، ولا بشعر، من عائشة رضي الله عنها".
وكيف لا تهتم بإزالة الجهل عن زوجتك، والله تعالى يقول: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: 9]، فالذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ويعملون به، وأما من لم ينتفع بعلمه ولم يعمل به فهو بمنزلة من لم يعلم.
وكيف لا تحرص على خشية زوجتك لله عز وجل، فيثمر ذلك لك زوجة صالحة قانتة داخل البيت، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28].
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ: "أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به؛ لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم، والعلم به أكمل، كانت الخشية أعظم وأكثر"([11]).
والمقصود من ذلك: أن زوجتك كلما كان عندها حرص على تحصيل العلم الشرعي، كلما تعرفت على الله أكثر، فرزقها الله تعالى خشيته، فاتقت الله تعالى مع كل الخلق، وأنت فيهم.
ألا تريد لها الخير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين))([12]).
وكيف لا تحرص على أن تتعلم زوجتك أمور دينها، وهذه بعض آثار سلفنا الصالح:
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "تعلموا العلم؛ فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة".
وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه، وصلاح من بَعده أفضل من عبادة حول".
وقال الشافعي: "ليس شيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم".
وقال سفيان الثوري: "ما من عمل أفضل من طلب العلم إذا صحت النية".

([1]) نداء للجنس اللطيف، السيد محمد رشيد رضا ص32، 33.

([2]) من أخطاء الأزواج، محمد بن إبراهيم الحمد ص30.

([3]) للمؤلف رسالة بعنوان "سبيل المتقين في تربية الزوجة على الدين" فلتراجع لأهميتها.

([4]) رواه أبو داود، وابن ماجه، وابن حبان، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (333).

([5]) رواه النسائي وغيره، وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (5820).

([6]) رواه مسلم.

([7]) لمزيد من الفائدة، راجع: "الكلمات النافعات للأخوات المسلمات" للمؤلف.

([8]) الإحياء (2/48).

([9]) رسائل متبادلة بين زوجين، عبد الملك القاسم ص27.

([10]) رواه البخاري ومسلم.

([11]) تفسير القرآن العظيم (3/554).

([12]) رواه البخاري ومسلم.


رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.00 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.17%)]