عرض مشاركة واحدة
  #192  
قديم 22-01-2022, 09:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
المجلد الثالث
الحلقة (190)

سُورَةُ الإسراء(7)
صـ 36 إلى صـ 40


وجوابه : أن الأدلة على العمل بالقياس أشهر من أن يتكلف لإيرادها ، وستأتي الإشارة إلى شيء من ذلك في كتاب الأحكام . اه بواسطة نقل ابن حجر في فتح الباري .

قال مقيده عفا الله عنه : الفرق بين السرقة وبين الغصب ونحوه الذي أشار إليه المازري ظاهر ، وهو أن النهب والغصب ونحوهما قليل بالنسبة إلى السرقة ، ولأن الأمر الظاهر غالبا توجد البينة عليه بخلاف السرقة ، فإن السارق إنما يسرق خفية بحيث لا يطلع عليه أحد ، فيعسر الإنصاف منه ، فغلظت عليه الجناية ليكون أبلغ في الزجر ، والعلم عند الله تعالى .
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم : رجم الزاني المحصن ذكرا كان أو أنثى ، وجلد الزاني البكر مائة جلدة ذكرا كان أو أنثى .

أما الرجم : فهو منصوص بآية منسوخة التلاوة باقية الحكم ، وهي قوله تعالى : " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم " .

وقد قدمنا ذم القرآن للمعرض عما في التوراة من حكم الرجم ، فدل القرآن في آيات محكمة كقوله : يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه الآية [ 5 \ 41 ] ، وقوله : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم الآية [ 3 \ 23 ] على ثبوت حكم الرجم في شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لذمه في كتابنا للمعرض عنه كما تقدم .

وما ذكرنا من أن حكم الرجم ثابت بالقرآن لا ينافي قول علي رضي الله عنه حين رجم امرأة يوم الجمعة : " رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم " ; لأن السنة هي التي بينت أن حكم آية الرجم باق بعد نسخ تلاوتها .

ويدل لذلك قول عمر رضي الله عنه في حديثه الصحيح المشهور : " فكان مما أنزل إليه آية الرجم ، فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده . . . " الحديث .

والملحدون يقولون : إن الرجم قتل وحشي لا يناسب الحكمة التشريعية ، ولا ينبغي أن يكون مثله في الأنظمة التي يعامل بها الإنسان ، لقصور إدراكهم عن فهم حكم الله البالغة في تشريعه .

والحاصل : أن الرجم عقوبة سماوية معقولة المعنى ; لأن الزاني لما أدخل فرجه [ ص: 37 ] في فرج امرأة على وجه الخيانة والغدر ، فإنه ارتكب أخس جريمة عرفها الإنسان بهتك الأعراض ، وتقذير الحرمات ، والسعي في ضياع أنساب المجتمع الإنساني ، والمرأة التي تطاوعه في ذلك مثله ، ومن كان كذلك فهو نجس قذر لا يصلح للمصاحبة ، فعاقبه خالقه الحكيم الخبير بالقتل ليدفع شره البالغ غاية الخبث والخسة ، وشر أمثاله عن المجتمع ، ويطهره هو من التنجيس بتلك القاذورة التي ارتكب ، وجعل قتلته أفظع قتلة ; لأن جريمته أفظع جريمة ، والجزاء من جنس العمل .

وقد دل الشرع المطهر على أن إدخال الفرج في الفرج المأذون فيه شرعا يوجب الغسل ، والمنع من دخول المسجد على كل واحد منهما حتى يغتسل بالماء ، فدل ذلك أن ذلك الفعل يتطلب طهارة في الأصل ، وطهارته المعنوية إن كان حراما قتل صاحبه المحصن ، لأنه إن رجم كفر ذلك عنه ذنب الزنى ، ويبقى عليه حق الآدمي ; كالزوج إن زنى بمتزوجة ، وحق الأولياء في إلحاق العار بهم كما أشرنا له سابقا .

وشدة قبح الزنى أمر مركوز في الطبائع ، وقد قالت هند بنت عتبة وهي كافرة : ما أقبح ذلك الفعل حلالا ! فكيف به وهو حرام . وغلظ جل وعلا عقوبة المحصن بالرجم تغليظا أشد من تغليظ عقوبة البكر بمائة جلدة ; لأن المحصن قد ذاق عسيلة النساء ، ومن كان كذلك يعسر عليه الصبر عنهن ، فلما كان الداعي إلى الزنى أعظم ، كان الرادع عنه أعظم وهو الرجم .

وأما جلد الزاني البكر ذكرا كان أو أنثى مائة جلدة فهذا منصوص بقوله تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة الآية [ 24 \ 2 ] ; لأن هذه العقوبة تردعه وأمثاله عن الزنى ، وتطهره من ذنب الزنى كما تقدم . وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل ما يلزم الزناة من ذكور وإناث ، وعبيد وأحرار " في سورة النور " .

وتشريع الحكيم الخبير جل وعلا مشتمل على جميع الحكم من درء المفاسد وجلب المصالح ، والجري على مكارم الأخلاق ، ومحاسن العادات ، ولا شك أن من أقوم الطرق معاقبة فظيع الجناية بعظيم العقاب جزاء وفاقا .
ومن هدي القرآن للتي هي أقوم : هديه إلى أن التقدم لا ينافي التمسك بالدين ، فما خيله أعداء الدين لضعاف العقول ممن ينتمي إلى الإسلام : من أن التقدم لا يمكن إلا بالانسلاخ من دين الإسلام ، باطل لا أساس له ، والقرآن الكريم يدعو إلى التقدم في جميع الميادين التي لها أهمية في دنيا أو دين ، ولكن ذلك التقدم في حدود الدين ، والتحلي بآدابه الكريمة ، وتعاليمه السماوية ; قال تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة الآية [ ص: 38 ] [ 8 \ 60 ] ، وقال : ولقد آتينا داود منا فضلا ياجبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا الآية [ 34 \ 10 ، 11 ] . فقوله : أن اعمل سابغات وقدر في السرد يدل على الاستعداد لمكافحة العدو ، وقوله : واعملوا صالحا يدل على أن ذلك الاستعداد لمكافحة العدو في حدود الدين الحنيف ، وداود من أنبياء " سورة الأنعام " المذكورين فيها في قوله تعالى : ومن ذريته داود الآية [ 6 \ 84 ] ، وقد قال تعالى مخاطبا لنبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم بعد أن ذكرهم : أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [ 6 \ 90 ] .

وقد ثبت في صحيح البخاري عن مجاهد أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما من أين أخذت السجدة " في ص " فقال : أوما تقرأ : ومن ذريته داود - إلى قوله تعالى - أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [ 6 \ 84 - 90 ] ، فسجدها داود ، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فدل ذلك على أنا مخاطبون بما تضمنته الآية مما أمر به داود ، فعلينا أن نستعد لكفاح العدو مع التمسك بديننا ، وانظر قوله تعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ، فهو أمر جازم بإعداد كل ما في الاستطاعة من قوة ولو بلغت القوة من التطور ما بلغت ، فهو أمر جازم بمسايرة التطور في الأمور الدنيوية ، وعدم الجمود على الحالات الأول إذا طرأ تطور جديد ، ولكن كل ذلك مع التمسك بالدين .

ومن أوضح الأدلة في ذلك قوله تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم الآية [ 4 \ 102 ] ; فصلاة الخوف المذكورة في هذه الآية الكريمة تدل على لزوم الجمع بين مكافحة العدو ، وبين القيام بما شرعه الله جل وعلا من دينه ، فأمره تعالى في هذه الآية بإقامة الصلاة في وقت التحام الكفاح المسلح يدل على ذلك دلالة في غاية الوضوح ، وقد قال تعالى : ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون [ 8 \ 45 ] ، فأمره في هذه الآية الكريمة بذكر الله كثيرا عند التحام القتال يدل على ذلك أيضا دلالة واضحة ، فالكفار خيلوا لضعاف العقول أن النسبة بين التقدم والتمسك بالدين ، والسمات الحسنة والأخلاق الكريمة ، تباين مقابلة كتباين النقيضين كالعدم والوجود ، والنفي والإثبات ، أو الضدين [ ص: 39 ] كالسواد والبياض ، والحركة والسكون ، أو المتضائفين كالأبوة والبنوة ، والفوق والتحت ، أو العدم والملكة كالبصر والعمى .

فإن الوجود والعدم لا يجتمعان في شيء واحد في وقت واحد من جهة واحدة ، وكذلك الحركة والسكون مثلا ، وكذلك الأبوة والبنوة ، فكل ذات ثبتت لها الأبوة لذات استحالت عليها النبوة لها ، بحيث يكون شخص أبا وابنا لشخص واحد ، كاستحالة اجتماع السواد والبياض في نقطة بسيطة ، أو الحركة والسكون في جرم ، وكذلك البصر والعمى لا يجتمعان .

فخيلوا لهم أن التقدم والتمسك بالدين متباينان تباين مقابلة ، بحيث يستحيل اجتماعهما ، فكان من نتائج ذلك انحلالهم من الدين رغبة في التقدم ، فخسروا الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين .

والتحقيق أن النسبة بين التقدم والتمسك بالدين بالنظر إلى العقل وحده ، وقطع النظر عن نصوص الكتاب والسنة إنما هي تباين المخالفة ، وضابط المتباينين تباين المخالفة أن تكون حقيقة كل منهما في حد ذاتها تباين حقيقة الآخر ، ولكنهما يمكن اجتماعهما عقلا في ذات أخرى ; كالبياض والبرودة ، والكلام والقعود ، والسواد والحلاوة .

فحقيقة البياض في حد ذاتها تباين حقيقة البرودة ، ولكن البياض والبرودة يمكن اجتماعها في ذات واحدة كالثلج ، وكذلك الكلام والقعود فإن حقيقة الكلام تباين حقيقة القعود ، مع إمكان أن يكون الشخص الواحد قاعدا متكلما في وقت واحد . وهكذا فالنسبة بين التمسك بالدين والتقدم بالنظر إلى حكم العقل من هذا القبيل ، فكما أن الجرم الأبيض يجوز عقلا أن يكون باردا كالثلج ، والإنسان القاعد يجوز عقلا أن يكون متكلما ، فكذلك المتمسك بالدين يجوز عقلا أن يكون متقدما ، إذ لا مانع في حكم العقل من كون المحافظ على امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه ، مشتغلا في جميع الميادين التقدمية كما لا يخفى ، وكما عرفه التاريخ للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان .

أما بالنظر إلى نصوص الكتاب والسنة كقوله تعالى : ولينصرن الله من ينصره الآية [ 22 \ 40 ] وقوله : وكان حقا علينا نصر المؤمنين [ 30 \ 47 ] ، وقوله : ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون [ ص: 40 ] [ 37 \ 171 - 173 ] وقوله : كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز [ 58 \ 21 ] وقوله : إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا الآية [ 40 \ 51 ] ، وقوله : قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين [ 9 \ 14 ] ، ونحو ذلك من الآيات وما في معناها من الأحاديث .

فإن النسبة بين التمسك بالدين والتقدم ، كالنسبة بين الملزوم ولازمه ; لأن التمسك بالدين ملزوم للتقدم ، بمعنى أنه يلزم عليه التقدم ، كما صرحت به الآيات المذكورة ، ومعلوم أن النسبة بين الملزوم ولازمه لا تعدو أحد أمرين : إما أن تكون المساواة أو الخصوص المطلق ; لأن الملزوم لا يمكن أن يكون أعم من لازمه ، وقد يجوز أن يكون مساويا له أو أخص منه ، ولا يتعدى ذلك ، ومثال ذلك : الإنسان مثلا ، فإنه ملزوم للبشرية الحيوانية ، بمعنى أن الإنسان يلزم على كونه إنسانا أن يكون بشرا وأن يكون حيوانا ، وأحد هذين اللازمين مساو له في الماصدق وهو البشر . والثاني أعم منه ما صدقا وهو الحيوان ، فالإنسان أخص منه خصوصا مطلقا كما هو معروف .

فانظر كيف خيلوا لهم أن الربط بين الملزوم ولازمه كالتنافي الذي بين النقيضين والضدين ، وأطاعوهم في ذلك لسذاجتهم وجهلهم وعمى بصائرهم ، فهم ما تقولوا على الدين الإسلامي ورموه بما هو منه بريء إلا لينفروا منه ضعاف العقول ممن ينتمي للإسلام ليمكنهم الاستيلاء عليهم ، لأنهم لو عرفوا الدين حقا واتبعوه لفعلوا بهم ما فعل أسلافهم بأسلافهم ، فالدين هو هو ، وصلته بالله هي هي ، ولكن المنتسبين إليه في جل أقطار الدنيا تنكروا له ، ونظروا إليه بعين المقت والازدراء ، فجعلهم الله أرقاء للكفرة الفجرة ، ولو راجعوا دينهم لرجع لهم عزهم ومجدهم ، وقادوا جميع أهل الأرض ، وهذا مما لا شك فيه : ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض [ 47 \ 4 ] .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.11%)]