عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 29-07-2010, 08:37 AM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي رد: شرح الحديث الرابع والعشرون / الأربعين النووية


ثم قال: "يَاعِبَادِيَ لَوأَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفجَرِ قَلبِ رَجُلٍ وَاحدٍ مِنكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِن مُلْكِي شَيْئَاً"
من مظاهر سعة ملك الله تعالى وكرمه وجوده أن جعل نعمه سبحانه شاملة للطائع والعاصي على السواء ، دون أن يجعل تلك المعاصي مانعا لهذا العطاء ، فإن الله لو أعطى جميع الخلق مايرغبون ، لم ينقص ذلك من ملكه شيئا يُذكر.
وذلك: أن الفاجر عدو لله عزّ وجل فلا ينصرالله، ومع هذا لاينقص من ملكه شيئاً لأن الله تعالى غني عنه.
ولو كان الجن والإنس كلهم عصاة فجرة قلوبهم على قلب أفجر رجل منهم مانقص ذلك من ملك الله شيئاً فإنه سبحانه الغني بذاته عمن سواه غني عنا وله الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله فملكه ملك كامل لا نقص فيه.


"يَاعِبَادِيَ لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلونِي فَأَعطَيتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسأَلَتَهُ"
"صعيد واحد": أرض واحدة ومقام واحد.


أي إذا قاموا في أرض واحدة منبسطة، وذلك لأنه كلما كثر الجمع كان ذلك أقرب إلى الإجابة.
فالمراد بهذا ذكر كمال جوده وكرمه وقدرته سبحانه وسعة ما عنده وكمال ملكه وإن ملكه وخزائنه لا تنفذ ولا تنقص بالعطاء ولو أعطي الأولين والآخرين من الجن والإنس جميع ما سألوه في مقام واحد وفي ذلك حث الخلق على سؤاله وإنزال حوائجهم به‏.‏
وقوله ": "مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِ إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحرَ"
"المِخْيط": بكسر الميم وسكون الخاء، الإبرة الكبيرة وهذا من باب تأكيد عدم النقص، لأنه من المعلوم أن المخيط إذا دخل في البحر ثم نزع منه فإنه لا ينقص البحر شيئاً لأن البلل الذي لحق هذا المخيط ليس بشيء، وهذا من باب المبالغة في عدم النقص وهذا كقوله تعالى:"لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلايَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ" الأعراف: الآية40،إذ من المعلوم أن الجمل لايمكن أن يدخل في سم الخياط، فيكون هذا مبالغة في عدم دخولهم الجنة.
كذلك هنا من المعلوم أن المخيط لو أدخل في البحر لم ينقص شيئاً ،ولتحقيق أن ما عنده لا ينقص البتة كما قال تعالى ‏{‏مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ‏}‏.
فكذلك لو أن أول الخلق وآخرهم وإنسهم وجنهم سألوا الله عزّ وجل وأعطى كل إنسان مسألته مهما بلغت فإن ذلك لاينقص ما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر.وفي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " أَنْفِقْ ،أُنْفِقْ عَلَيْكَ ، وَقَالَ : يَدُ اللَّهِ مَلْأَى لَا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَدِهِ ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ، وَبِيَدِهِ الْمِيزَانُ ، يَخْفِضُ ، وَيَرْفَعُ " . : "يَدُا للهِ مَلأى سحَّاءَ" أي كثيرة العطاء "الَّليلَ والنَّهَارَ" أي في الليل والنهار"أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرض فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ" أي لم ينقص "مَا فِي يمِيْنِهِ" ولما كانت الحكمة من الخلق هي الابتلاء والتكليف ، بيّن سبحانه أن العباد محاسبون على أعمالهم ، ومسؤولون عن تصرفاتهم ، فقد جعل الله لهم الدنيا دارا يزرعون فيها ، وجعل لهم الآخرة دارا يجنون فيها ما زرعوه ، فإذا رأى العبد في صحيفته مايسرّه ، فليعلم أن هذا محض فضل الله ومنّته ، إذ لولا الله تعالى لما قام هذا العبد بما قام به من عمل صالح ، وإن كانت الأخرى ، فعلى نفسها جنت براقش ، ولا يلومنّ العبد إلا نفسه.

يَاعِبَادِيَ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ هذه جملة فيها حصر(إنما) أي ما هي إلا أعمالكم أُحْصِيْهَا لَكُمْ أيأضبطها لكم بعلمي وملائكتي الحفظة،أضبطها تماماً بالعدّ لازيادة ولانقصان، لأنهم كانوا في الجاهلية لايعرفون الحساب فيضبطون الأعداد بالحصى، وفي هذا يقول الشاعر:


ولستُ بالأكثر منهمْ حصى وإنّما العزّة للكاثرِ
يعني أن عددكم قليل، وإنما العزة للغالب في الكثرة.

ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا" أي أوفيكم جزاءها في الدنيا والآخرة، فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره الزلزلة، وقوله ووجدوا ما عملوا حاضرًا ولايظلم ربك أحدًا الكهف،وقوله يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا آل عمران،وقوله يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه المجادلة، وقيل أن قوله ثم أوفيكم إياها الظاهر أن المراد توفيتها يوم القيامة كما قال تعالى‏{‏وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏}‏آل عمران‏.‏
قد يكون في الدنيا فقط فإن الكافر يجازى على عمله الحسن لكن في الدنيا لا في الآخرة ، وقد يكون في الآخرة فقط. فالمؤمن قد يؤخر له الثواب في الآخرة، وقد يجازى به في الدنيا وفي الآخرة، قال الله تعالى:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَالَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)الشورى:20
وقال عزّ وجل:"مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيد"الاسراء الآية18 وقال عزّ وجل:"وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً"الاسراء:19.

فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غيرذلك فلا يلومن إلا نفسه والله سبحانه يجزي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو ويصفح فيما دون الشرك والله أعلم.
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ما جاءت به هذه الآيات من انتفاع الكافر بعمله في الدنيا، جاء في حديث أنس رضي الله عنه عند مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها)، يعني: أن الأعمال الحسنة والصالحة التي عملها الكافر ابتغاء وجه الله في الدنيا كبر الوالدين، وإغاثة الملهوف، وصدق الحديث، والوفاء بالمواعيد وغير ذلك، فقد توجد في الكافر بعض الأعمال الصالحة وهو يعملها لله، لكنه غير مؤمن، ولم يشهد بشهادتي التوحيد، فهذا يطعم بحسناته التي عملها لله في الدنيا، فيثاب بسعة الرزق، أو بالصحة، أو بالمال، أو بالجاه..

فالدنيا هي جنة الكافر، كما قال عليه الصلاة والسلام: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)، فهذه الحياة الدنيا هي المكان الوحيد الذي يمكن أن يثاب فيها على أعماله، وأما الآخرة فلا يمكن لغير مؤمن وغير الموحد أن ينفعه أي عمل فيها.
وفي مسلم أيضاً عن أنس رضي الله تعالى عنه أنه حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الكافر إذا عمل حسنة أُطعم بها طُعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقاً في الدنيا على طاعته).


فالله سبحانه وتعالى لا يظلم العباد شيئاً، فالمؤمن تنفعه الحسنة في الدنيا وفي الآخرة .
" فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَليَحْمَدِ اللهَ"أي من وجد خيراً من أعماله فليحمد الله على الأمرين: على توفيقه للعمل الصالح، وعلى ثواب الله له،إشارة إلى أن الخير كله فضل من الله على عبده من غير استحقاق له.


"وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ"أي وجد شراً أو عقوبة "فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ" لأنه لم يُظلم.
أشارة الى أن الشر كله من عند ابن آدم من اتباع هوى نفسه كما قال عز وجل‏{‏مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَاأَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ‏}النساء‏.


واللوم: أن يشعرالإنسان بقلبه بأن هذا فعل غير لائق وغير مناسب، وربما ينطق بذلك بلسانه. وقد كان السلف الصالح يجتهدون في الأعمال الصالحة حذرا من لوم النفس عند انقطاع الأعمال على التقصير‏.‏
وفي الترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا ما من ميت يموت إلا ندم فإن كان محسناً ندم أن لا يكون ازداد ، وإن كان مسيئاً ندم أن لايكون استعتب أي استعتب من ذنبه وطلب العتبة وهي المعذرة.
فرسول الله -صلى الله عليه وسلم-يوضح لنا أن كل من يموت يندم..ولكن الندم نوعان:
1-رجل صالح يندم لأنه كان يتمنى أن يعيش اكثر ليفعل خيرا اكثر،ويقول ليتنى أكثرت وأكثرت.
2- ورجل مسئ يندم أنه لم يتب من ذنبه قبل موته. وقيل لمسروق لو قصرت عن بعض ما تصنع من الاجتهاد فقال والله لو أتاني آت فأخبرني أن لا يعذبني لاجتهدت في العبادة قيل كيف ذاك قال حتى تعذرني نفسي إن دخلت النار أن لا ألومها أما بلغك في قول الله تعالى ‏{‏وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ‏}‏ القيامة إنما لاموا أنفسهم حين صاروا إلى جهنم فاعتنقتهم الزبانية وحيل بينهم وبين ما يشتهون وانقطعت عنهم الأماني ورفعت عنهم الرحمة وأقبل كل امريء منهم يلوم نفسه‏.‏


__________________
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.39 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]