عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29-07-2010, 08:34 AM
الصورة الرمزية ام ايمن
ام ايمن ام ايمن غير متصل
مشرفة ملتقى السيرة وعلوم الحديث
 
تاريخ التسجيل: Apr 2006
مكان الإقامة: العراق / الموصل
الجنس :
المشاركات: 2,056
افتراضي رد: شرح الحديث الرابع والعشرون / الأربعين النووية

ثم انتقل الحديث إلى بيان مظاهر افتقار العباد إلى ربهم وحاجتهم إليه وذلك في قوله: ( يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ،يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم)، فبيّن أن العباد ليس لهم من الأمر شيء ، ولا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم حولا ولا قوة ، سواءٌ أكان ذلك في أمور معاشهم أم معادهم ، وقد خاطبنا القرآن بمثل رائع يجسّد هذه الحقيقة ، حيث قال يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعواله إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب)الحج : 73 ) أي : إذا أخذ الذباب شيئا من طعامهم ثم طار ، وحاولوا بكل عدتهم وعتادهم أن يخلصوا هذا الطعام منه مااستطاعوا أبدا ، فإذا كان الخلق بمثل هذا الضعف والافتقار ، لزمهم أن يعتمدوا على الله في أمور دنياهم وآخرتهم ، وأن يفتقروا إليه في أمر معاشهم ومعادهم.
"يَاعِبَاديَ كُلُّكُم ضَالٌّ"أي تائه عن الطريق المستقيم.غافل عن الشرائع قبل إرسال الرسل.



"إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ" الهداية هنا تشمل هداية العلم وهداية التوفيق أي علمته ووفقته، وعلمته هذه هداية العلم والإرشاد أرشدته إلى ما جاء به الرسل ووفقته هداية التوفيق وهذه لاتطلب إلا من الله، إذ لايستطيع أحد أن يهدي العبد هداية التوفيق إلا الله عزّ وجل.


العباد كلهم ضال في العلم وفي العمل إلا من هداه الله عزوجل وإذا كان الأمر كذلك فالواجب طلب الهداية من الله، ولهذاقال:"فاستهدوني أهدكم" أي اطلبوا مني الهداية لا من غيري أهدكم،وهذا جواب الأمر، وهذا كقوله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر:60
افتقار العباد إلى ربهم لايقتصر على الطعام والكساء ونحوهما ، بل يشمل الافتقار إلى هداية الله جل وعلا ، ولهذا يدعو المسلم في كل ركعة ( اهدنا الصراط المستقيم)الفاتحة : 6.


" يَاعِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ" أي كلكم جائع إلا من أطعمه الله، وهذا يشمل ماإذا فقد الطعام، أو وجد ولكن لم يتمكن الإنسان من الوصول إليه، فالله هو الذي أنبت الزرع، وهو الذي أدرّ الضرع، وهو الذي أحي االثمار، ولقد تحدّى الله الخلق بقوله تعالى( أَفَرَأَيْتُمْ مَاتَحْرُثُونَ*أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ* لَوْنَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ*إِنَّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْنَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) الواقعة:58-74.


"فَاسْتَطْعِمُونِي"أي اطلبوا مني الإطعام،وإذا طلبتم ذلك ستجدونه.


" أُطْعِمْكُمْ" أطعم: فعل مضارع مجزوم على أنه جواب الأمر.


"يَاعِبَادِي كُلُّكُم عَارٍ"فكلنا عار أي قد بدت عورته ، لأننا خرجنا من بطون أمهاتنا عراة. إلا من كساه الله ويسر له الكسوة، ولهذا قال:"إِلاّ مَنْ كَسَوتُهُ فَاستَكْسُونِي أَكْسُكُمْ" اطلبوا مني الكسوة أكسكم، لأن كسوة بني ادم مما أخرجه الله تعالى من الأرض، ولو شاء الله تعالى لم يتيسر ذلك.
وربما يقال: إنه يشمل لباس الدين، فيشمل الكسوتين: كسوة الجسد الحسيّة، وكسوة الروح المعنوية.


ثم بيّن الله تعالى بعد ذلك حقيقة ابن آدم المجبولة على الخطأ ، فقال:" يَاعِبَادي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بالليلِ والنهار ،وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم"، أي تجانبون الصواب، لأن الأعمال إما خطأ وإما صواب، فالخطأ مجانبة الصواب وذلك إما بترك الواجب، وإما بفعل المحرّم.
وهذا توضيح للضعف البشري ، والقصورالذي يعتري الإنسان بين الحين والآخر ، فيقارف الذنب تارة ، ويندم تارة أخرى ، وهذه الحقيقة قد أشير إليها في أحاديث أخرى ، منها : ما رواه الإمام ابن ماجة بسند حسن ،أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون"فالناس يخطئون ليلاً ونهاراً أي يرتكبون الخطأ وهومخالفة أمر الله ورسوله بفعل المحذور أو ترك المأمور، ولكن هذاالخطأ له دواء – ولله الحمدوهو قوله:"فاستغفروني أغفر لكم"أي اطلبوا مغفرتي أغفر لكم، والمغفرة: ستر الذنب مع التجاوز عنه،فعلى الإنسان المسلم أن يتعهّد نفسه بالتوبة ، فيقلع عن ذنبه ، ويستغفر من معصيته ، ويندم على ما فرّط في جنب الله ، ثم يعزم على عدم تكرار هذا الذنب ، فإذا قُدّر عليه الوقوع في الذنب مرة أخرى ، جدد التوبة والعهد ولم ييأس ، ثقةً منه بأن له ربا يغفر الذنب ويقبل التوبة من عباده المخطئين.
وقوله: بِالَّليْلِ الباء هنا بمعنى: (في) كما هي في قول الله تعالى:"وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ*وَبِاللَّيْل" الصافات:137-138 أي وفي الليل.
"وَأَنَا أَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً" أي أسترها وأتجاوز عنها مهما كثرت، ومهما عظمت، ولكن تحتاج إلى الاستغفار.
"فَاستَغفِرُونِي أَغْفِرلَكُم"أي اطلبوا مغفرتي، والإستغفار على وجهين:
الوجه الأول:طلب المغفرة باللفظ بأن يقول: اللهم اغفر لي، أو أستغفرالله.
الوجه الثاني:طلب المغفرة بالأعمال الصالحة التي تكون سبباً لذلك كقوله:" مَنْ قَالَ:سُبحَانَ اَلله وَبِحَمْدِهِ في اليَوم مائَةَ مَرةَ غُفِرَت خَطَايَاه ُوَإِنْ كَانَت مِثْلُ زَبَدِالبَحْرِ"
أما من لم يستغفر فإن الصغائر تكون مكفرة بالأعمال الصالحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلَواتِ الخَمسُ وَالجُمُعَة إِلى الجُمُعَةِ وَرَمَضَان إِلى رَمَضَان مُكَفِِّرَاتٌ لِمَا بَينَهُنَّ مَا اجتَنَبَ الكَبَائِرَ"، وأماالكبائر فلابد لها من توبة خاصة،فلا تكفرها الأعمال الصالحة،أما الكفر فلابد له من توبة بالإجماع.
والذنوب على ثلاثة أقسام:
قسم لابد فيه من توبة بالإجماع وهو الكفر .
والثاني:ما تكفره الأعمال الصالحة وهوالصغائر .
والثالث:ما لابد له من توبة- على خلاف في ذلك- لكن الجمهور يقولون:إن الكبائر لابد لها من توبة.
ثم بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيما يرويه عن ربّه – شيئا من مظاهر الكمال الذي يتصف به الله جل وعلا ، مبتدئا بالإشارة إلى استغناء الله عن خلقه ، وعدم احتياجه لهم ، كما قال تعالى:"ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد"فاطر : 15 فالله تعالى غني حميد ، لا تنفعه طاعة عباده ، ولا تضره معصيتهم ، بل لو آمن من في الأرض جميعا ، وبلغوا أعلى مراتب الإيمان والتقوى ، لم يزد ذلك في ملك الله شيئا ، ولو كفروا جميعا ، ما نقص من ملكه شيئا ، لأن الله سبحانه وتعالى مستغن بذاته عن خلقه ، وإنما يعود أثر الطاعة أو المعصية على العبد نفسه ، وقد جاء في القرآن الكريم ما يؤكد هذه الحقيقة ويوضحها ، قال الله عزوجل:"قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها"الأنعام : 104 فمن عرف حجج الله وآمن بها واتبعها ، فقد بلغ الخير لنفسه ، ومن تعامى عن معرفة الحق ، وآثرعليها ظلمات الغواية ، فعلى نفسه جنى ، وأوردها الردى.
"يَاعِبَاديَ إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّيْ فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُونِي"أي لن تستطيعوا أن تضروني ولا أن تنفعوني، لأن الضار والنافع هو الله عزّ وجل والعباد لايستطيعون هذا،لا يقدرون أن يوصلوا إلى الله نفعا ولاضرا فإن الله تعالى في نفسه غني حميد لا حاجة له بطاعات العباد ولا يعود نفعها إليه وإنما هم ينتفعون بها ولا يتضرر بمعاصيهم وإنما هم يتضررون بها قال الله تعالى‏{‏وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيْئاً‏}‏ آل عمران وقال‏{‏وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّاللَّهَ شَيْئًا‏}‏آل عمران، ‏{‏وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا‏}‏ النساء وقال حاكيًا عن موسى‏{‏وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ‏}‏إبراهيم وقال‏{‏وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ‏}‏آل عمران وقال‏{‏لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ‏}‏الحج‏.


" يَاعِبَادِيَ لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتقَى قَلبِ رَجُلٍ وَاحدٍ مِنكُمْ مَازَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئَاً "


دلت الأدلة السمعية والعقلية على أن الله مستغن في ذاته عن كل شيء ، وأنه تعالى لا يتكثر بشيء من مخلوقاته ، له ملك السماوات والأرض وما بينهما {يخلق الله ما يشاء }آلعمران:47. وهو قادر على أن يذهب هذا الوجود ويخلق غيره ، ومن قدر على أن يخلق ك شيء، فهو مستغنى عن كل موجود ، ومستغني عن الشريك فقال تعالى:"ولم يكن له شريك في الملك"ومستغني عن المعين والظهير فقال تعالى:"ولم يكن له ولي من الذل"الإسراء:111. فوصف العز ثابت أبداً، ووصف الذل منتف عنه تعالى ، ومن كان كذلك فهو مستغني عن طاعة المطيع ،ولو أن كل العباد من الإنس والجن الأولين والآخرين أطاعوا كطاعة أتقى رجل منهم ، وبادروا إلى أوامره ونواهيه ولم يخالفوه، لم يتكثر سبحانه وتعالى بذلك ،ولا يكون ذلك زيادة في ملكه ، وذلك لأن ملكه عزّ وجل عام واسع لكل شيء، للتقيّ والفاجر.و طاعتهم إنما حصلت بتوفيقه وإعانته ،وطاعتهم نعمة منه عليهم ،ولو إنهم كلهم عصوه كمعصية أفجر رجل وخالفوا أمره ونهيه لم يضره ذلك ولم ينقص ذلك من كمال ملكه شيئاً ، فإنه لو شاء أهلكهم وخلق غيرهم فسبحان من لا تنفعه الطاعة ، ولا تضره المعصية.
فدل على أن ملكه كامل على أي وجه كان لا يزداد ولا يكمل بالطاعة ولا ينقص بالمعاصي ولا يؤثر فيه شيئًا .





__________________
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 42.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]