في السنة النبوية:
لقد مضى معنا - عند تأصيل الكلام على اليتيم - مجموعةٌ من النصوص التي تنصُّ على كفالة اليتيم، وتبيَّن عظيم فضْلها؛ كقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا))[51]، وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة))، وأشار مالك بالسبابة والوسطى[52].
وثبَت في الصحيحين[53] - أيضًا - عن زينب امرأة ابن مسعود - رضِي الله عنهما - أنها سألت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أيجزئ عنِّي أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري من الصدقة؟ قال: ((نعم، يكون لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة)).
وفي حديث أبي هريرة: أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أنا أوَّل مَن يُفتَح له باب الجنَّة، إلا أنه تأتي امرأةٌ تُبادِرني فأقول لها: ما لك؟ مَن أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي))[54].
وعن عمارة بن عمير، عن عمَّته، أنها سألتْ عائشة - رضي الله عنها -: "في حجري يتيمٌ، أفآكُل من ماله؟ فقالت: قال رسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه))[55]، قال العظيم آبادي في "عون المعبود"[56]: "أي: من جملته؛ لأنه حصَل بواسطة تزوُّجه، فيجوز له أن يأكل من كسب ولده".
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَدْنِ اليتيم، وامسَح برأسه، وأطعمه من طعامك، فإن ذلك يلين قلبك، ويدرك حاجتك))[57].
وهكذا نجد القرآن الكريم والسنَّة النبوية تضافَرَا في بيان فضلِ مَن يكفل اليتيم، والأجرِ العظيم الذي يُحرِزه في الدنيا والآخرة.
الكفالة لغةً واصطلاحًا:
قال في "مختار الصحاح"[58]: "الكَفَافُ من الرزق: القوت، وهو ما كَفَّ عن الناس؛ أي: أغنى"، وفي الحديث: ((اللهم اجعل رزق آل محمد كفافًا))، والكَفِيلُ: الضامن، وقد كَفَلَ به يَكفُل بالضم كَفَالَةً... وأكْفَلَهُ المالَ: ضمنه إياه... وتَكَفَّلَ بدَيْنه، والكافِلُ: الذي يكفل إنسانًا يَعولُه، ومنه قوله - تعالى -: ﴿ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ [آل عمران: 37]، وقُرئ: ﴿ وكَفِلَها ﴾ - بكسر الفاء".
وقال في "تاج العروس"[59]: "وقال ابن الأعرابي: كفيل وكافل، وضمين وضامن، بمعنى واحد، جمع كُفَّل كَرُكَّع هو جمع كافل، وكُفَلاء هو جمع كفيل، والأنثى كفيل أيضًا، يُقال في الجمع: كفيل أيضًا".
وقال أبو حيَّان في "البحر المحيط"[60]: "الكفالة: الضمان، يقال: كَفَلَ يكفل، فهو كافل وكفيل، هذا أصله، ثم يُستَعار للضمِّ والقيام على الشيء".
وأمَّا الكفالة اصطِلاحًا - كما ذكر الذهبي في "الكبائر"[61] - هي: "القيام بأموره، والسعي في مصالحه، من طعامه، وكسوته، وتنمية ماله إن كان له مال، وإن كان لا مال له أَنفق عليه، وكساه ابتِغاء وجه الله - تعالى".
فتكون كفالة اليتيم بضمِّه إلى حجر كافله؛ أي: ضمه إلى أسرته؛ فينفق عليه، ويقوم على تربيته، وتأديبه حتى يبلغ، وهذه أعلى درجات كفالة اليتيم؛ حيث إن الكافل يُعامِله معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية... وغير ذلك.
وتكون كفالة اليتيم أيضًا بالإنفاق عليه، مع عدم ضمِّه إلى الكافل، كما هو حال كثيرٍ من أهل الخير، الذين يدفعون مبلغًا من المال لكفالة يتيم يعيش في جمعية خيريَّة، أو يعيش مع أمِّه أو نحو ذلك، فهذه الكفالة أدنى درجةً من الأُولَى، ومَن يدفع المال للجمعيات الخيرية التي تُعنَى بالأيتام، يُعتَبَر حقيقةً كافلاً لليتيم، وهو داخِلٌ - إن شاء الله تعالى - في قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا وكافل اليتيم في الجنَّة هكذا)).
الكفالة تنْزيلاً:
سبَق أن عرَفنا في قصَّة كفالة زكريا لمريم - عليهما السلام - أنَّ كفالة الأيتام لا زالت في بني البشر منذ القِدَم، ومَثَّلها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيرَ تَمثِيل؛ لأنه هو نفسه كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكفولاً من طرف جده، ثم عمه، تقول خديجة - رضي الله عنها - في بيان ما جُبِل عليه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - من الصفات قبل البعثة: "كلا والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتَصِل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتَكسب المعدوم[62]، وتَقري الضيف[63]، وتعين على نوائب الحق[64]"[65]، ومعنى "تحمل الكل": تكفل اليتيم.
ولقد رَغِب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الزواج من أم سلمة، فاعتَذرت بكونها امرأة مصبية، فقال لها النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فستُكْفَيْنَ صِبيانَك))[66].
وأخرج البخاري في "صحيحه"[67] عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى السوق، فلحقت عمر امرأة شابة فقالت: يا أمير المؤمنين، هلك زوجي، وترك صبية صغارًا، والله ما ينضجون كراعًا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقف معها عمر ولم يمضِ، ثم قال: مرحبًا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير[68] كان مربوطًا في الدار، فحمل عليه غرارتين[69] ملأهما طعامًا، وحمل بينهما نفقة وثيابًا، ثم ناولها بخطامه ثم قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل: يا أمير المؤمنين، أكثرت لها! قال عمر: ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبَا هذه وأخاها قد حاصَرَا حصنًا[70] زمانًا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستَفِيء سهمانهما فيه[71]".
وما زال المسلمون يكفلون الأيتام بالطعام والشراب، واللباس والمساكن، ودور التعليم، وإجراء الأموال للمعلِّمين والمربِّين، حتى ذكروا أن كُتَّابَ أبي القاسم البلخي كان يتعلَّم فيه 3000 تلميذ، وتدلُّ رواية ياقوت الحموي على أن هذا الكتاب - بجانب استِقلاله عن المسجد - كان فسيحًا ليتَّسِع لهذا العدد الكبير، ولهذا كان يحتاج البلخي أن يركب حمارًا، ليتردَّد بين هؤلاء وأولئك، وليشرف على جميع تلاميذه[72].
وسواء كانت الكفالة مباشرة، أو عن طريق وساطة - كما هو الحال في الجمعيات الخيرية - لأنَّ المباشرة في الكفالة ليستْ مقصودة لذاتها، ولذلك يتحقَّق الأجر سواء بالمباشرة أو بالإنابة.
ومن فتاوى اللجنة الدائمة[73]:
"مَن يكفل يتيمًا عن طريق المؤسَّسات الخيريَّة، والهيئات الإغاثيَّة الخيريَّة الموثوقة، التي تقوم برعاية اليتامى والعناية بهم، من كسوة، وسُكْنى، ونفقة، وما يتعلَّق بذلك - فإنَّه يدخل تحت مسمَّى كافل اليتيم - إن شاء الله - ويحصُل على الأجْرِ العظيم، والثَّواب الجزيل، المسبِّب لدخول الجنة، لكن كلَّما كان اليتيم أشدَّ حاجة، وقام مَن يكفُلُه برعايته، والعناية به بنفسِه في بيتِه، فإنَّه يكون أعظمَ أجرًا، وأكثر ثوابًا ممَّن يكفله بِماله فقط".
وأمَّا مقدار ما تتحقَّق به الكفالة، فيُمكِن التأصيل له من خلال سورة الضحى؛ حيث قال - تعالى - في أربع آيات مُتوالِيات:
أمَّا الآية الأولى فقوله - تعالى -: ﴿ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴾ [الضحى: 6]، ويُفهَم منها الحاجة إلى الإيواء؛ أي: المسكن الذي يلجأ إليه، ومن تمام نعمة الإيواء أن يُوضَع اليتيم في كنف أسرة، إمَّا قريبة - وهذا هو الأصل؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ﴾ [البلد: 15] - أو بعيدة.
وأمَّا الآية الثانية فقوله - تعالى -: ﴿ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ﴾ [الضحى: 7]، ويُفهَم منها الحاجة إلى التربية والتعليم المفضيين إلى معرفة الله، واتِّباع منهج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال ابن تيميَّة - رحمه الله -: "ومَن كان عنده صغيرٌ مملوك، أو يتيم، أو ولد، فلم يأمرْه بالصلاة - فإنه يُعاقَب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويُعَزَّرُ الكبير على ذلك تعزيرًا بليغًا؛ لأنَّه عصى الله ورسوله"[74]، فالتربية - إذًا - جزء متأصِّل في باب كفالة اليتيم، وليست اقتصارًا على الجانب المادي وحسب.
ولقد فَطِن المسلِمون الأوائل إلى ذلك، فكَثُرت عندهم مدارس خاصَّة بالأيتام، حتى كان بجانب كلِّ مسجد دار أو محضرة لتعليمهم وتربيتهم، "ولقد استرعت هذه الظاهرة الرحالة (ابن جبير)، فعدَّها من أغرب ما يُحَدث به من مَفاخِر البلاد الشرقية من العالم الإسلامي"[75].
"ولقد بلَغ حِرص الواقِفين على العناية بالأيتام أن اشتَرَطوا مواصفات محدَّدة في المؤدِّب الذي يتولَّى تعليمهم وتربيتهم، ومن ذلك أن يكون من أهل الخير والدين والأمانة، والعفة والصيانة، حافظًا لكتاب الله، عالمًا بالقِراءات السبع وروايتها وأحكامها، وأن يُعامِل الأيتام بالإحسان والتلطُّف والاستِعطاف... وأن يكونَ متَزَوِّجًا زوجةً تُعِفُّه، صالحًا لتعليم القرآن والخط والأدب"[76].
وأمَّا الآية الثالثة فقوله - تعالى -: ﴿ وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ﴾ [الضحى: 8]، حيث تأتي العناية المالية؛ أي: ما يمكنه من تحقيق العيش الكريم.
4 - وبعد ذلك يأتي قوله - تعالى -: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ ﴾ [الضحى: 9]؛ أي: رعاية حاله وضعفه، وعدم زجْره وتعنيفه، إلا ما تقتَضِيه تربيته بالحسنى؛ قال - تعالى -: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 1 - 2]؛ أي: يدفعه بعنف، ويقهره ويزجره.
قال مُتَمِّم - رضي الله عنه -:
يَحْتَازُهَا عَنْ جَحْشِهَا وَتَكُفُّهُ عَنْ نَفْسِهَا إِنَّ الْيَتِيمَ مُدَفَّعُ
قال الليث: المُدَفَّع: الرجل المَحقُور الذي لا يُقرَى إن ضِيفَ، ولا يجدى إن اجتَدَى"[77].
وتُقدَّر حاجيَّاته حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول، بحيث تشمل الأساسيَّات دون الكماليَّات.
وهذه الكفالة مُرتَبِطة باليتم، واليتيم هو الذي مات أبوه ولم يبلغ مبلغ الرجال، فإذا بلَغ الصبي الرشد لَم يعدْ يَتِيمًا، إلا إذا كان في عقْله سفهٌ أو جنونٌ؛ فيظل في حكم اليتيم وتستمرُّ كفالته، مع ملاحظة ما سبَق بيانه ممَّن يلحقون به.
ومَن أنفق على يتيمٍ شهرًا أو شهرين، ثم استغنى اليتيم عن النفقة بالبلوغ أو الغنى، أو ما أشبه ذلك - حصَل له أجْر كفالة اليتيم، وأمَّا إن كان اليتيم ما زال في حاجة إلى نفقة، فلا يأخذ الكافل حينئذٍ الأجر كاملاً؛ لظاهر حديث: ((مَن ضمَّ يتيمًا بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه، وجبت له الجنة البتَّة))[78]، إلاَّ أن تكون النفقة قد قصرت به ولا يجد ما يُنفِقه على اليتيم، مع حرْصه على النفقة، فيكتب له الأجر كاملاً - إن شاء الله تعالى - لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى))[79].
• ويجوز أن يشتَرِك أكثر من شخص في كفالة اليتيم الواحد.
• وتحصل الفضيلة، سواء أنفق الكافل من ماله الخاص، أو أنفق عليه من ماله هو، وقام الكافل بتدبيره والسهر على استثماره، قال النووي في "شرح مسلم"[80]: "وهذه الفضيلة تحصل لِمَن كفل اليتيم من مال نفسه، أو مال اليتيم بولاية شرعية".
• كما يجوز دفْع حاجيَّاته من مال الزكاة، إذا كان اليتيم واحدًا من الأصناف الثمانية، الذين تُصرَف لهم الزكاة؛ كأن يكون فقيرًا أو مسكينًا؛ بدليل حديث زينب السابق[81]؛ حيث سألت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري من الصدقة؟ قال: ((نعم، يكون لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة))[82]، أمَّا إذا كان غنيًّا فلا تحلُّ له، ولا يحلُّ لوليِّه أن يأخذها، أمَّا الصدقة عليه فجائزة ولو كان غنيًّا؛ لملاحظة صفة اليتم.
• ولقد ذهبَتْ شريعتنا السمحة إلى أبعد من ذلك، حين أباحت كفالة غير المسلمين - أيضًا - لجواز إطعامهم في قوله - تعالى -: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ﴾ [المائدة: 5].
وفي "كتاب الأموال"[83]؛ لأبى عُبيد: أن عمر بن عبدالعزيز - رضِي الله عنه - كتَب إلى عامله على البصرة كتابًا، وممَّا جاء فيه: "وانظر مَن قِبَلَك من أهل الذمَّة، قد كبرت سنُّه، وضعفت قوَّته، وخلَتْ عنه المكاسب، فَأَجْرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه".
ملحقات:
1- نموذج واقعي على رعاية الأيتام[84]:
"جمعية المسجد الأقصى المبارك، نموذج حي لرعاية الأيتام في مدينة القدس، تأسست عام 1989م، وكان لها عدَّة أهداف منها:
أولاً: خيرية، وثانيًا: تعليمية، وثالثًا: نشاطات رياضية، وما زالت إلى اليوم تعمَل على تحقيق الهدفين الأولَيْن، فمدرسة الهدى بفروعها في مدينة القدس تُعَدُّ من أفضل المدارس الخاصَّة، والتي تهتمُّ بموضوع التربية والتعليم الديني، ورعاية الأيتام، فيها عمل جليل خيِّر، يقوم عليه ثُلَّة قليلة العدد، كبيرة الآمال، من أبناء القدس.
وقد زرتُ هذه الجمعية في مقرِّها الكائن في البلدة القديمة يوم الأحد (6/ 8/ 2006م)، وأجرَيْت مع المسؤول عنها الشيخ حسن البراغيثي - حفظه الله - لقاء، اطَّلَعت من خلاله على مُجرَيات الأمور في هذه الجمعية، وكيف تَسِير في ظلِّ هذه الظروف الصعبة، ومصادر تمويلها، والمشكلات التي تُواجِهها، وقد أطلعني - حفظه الله - على مستندات ووثائق رسميَّة، يُشبِه العمل فيها إلى حدٍّ كبير العمل المؤسَّسي، الذي يُدِيره مجموعة كبيرة من الموظَّفين، من مُدَقِّقي حِسابات ومعاونين، وعاملين على جمع المعلومات، ودِراسة الحالات دراسة اجتماعيَّة وافية، إلا أنَّ الغريب أنَّ العاملين فيها رسميًّا لا يَتجاوَز عدد أصابع اليد الواحدة، ولا يَتقاضون راتبًا شهريًّا، ولا حتى سهم ﴿ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾ [التوبة: 60] المعروف في مَصارِف الزكاة، يُعطَى بعضهم إكراميَّة بسيطة، وهم فرحون بهذا العمل، يحتَسِبون خُطاهم في سبيل الله.
أمَّا عن العمل مع الأيتام فأفاد الشيخ حسن أنه بدَأ عام 1990م؛ أي: بعد عامٍ تقريبًا من افتِتاح الجمعية، وبدأ بتقديم الرعاية لعشرة أيتام، وأمَّا الآن (2006) فالعمل يتمُّ ضمن حدود (100) عائلة فيها أيتام، بعض هذه العائلات يزيد عدد الأيتام فيها على خمسة أفراد، وقد رأيت كشفًا لعائلة مُكَوَّنة من عشرة أفراد.
وأمَّا مصادر هذه المساعدات المقدَّمة فهي داخلية تمامًا، فلا تَتقاضَى الجمعية أيَّة مساعدات خارجية مُطلقًا، فهناك الكثير من الناس من أهل الخير مَن يتقدَّم بصدقاته وزكواته وأضاحيه إلى هذه الجمعية، بل إنَّ بعضهم يدفع مبلغًا شهريًّا وهو (100) شيكل (220 درهمًا تقريبًا) باسم كفالة يتيم.
والجمعيَّة تقوم بكفالة الأيتام في مناطق الضفَّة الغربيَّة خاصَّة، مع أنها مقدسية العاملين، مقدسية المنشأ والوجود؛ وذلك لأن أهل القدس في الغالب يتقاضون مخصَّصات شهريَّة من التأمين الوطني، تدفع للأرامل والأيتام والمسنين، فهم ليسوا بحاجةٍ إلى هذه الرعاية، وقد لاحظت من خلال اطِّلاعي على الكشف أن العائلات المقدسيَّة لا تساوي نسبة 5 % تقريبًا من مجموع العائلات.
والجمعية تنفق - فوق ما تدفعه لكلِّ يتيمٍ من مخصص شهري يَتراوَح بين (100) شيكل و(300) شيكل، أو أحيانًا أكثر إذا تطلَّب الوضع ذلك - تُنفق على ما يُعرَف بالمساعدات الموسمية وهي:
1 - كسوة اليتيم (مشروع كسوة عيد الفطر)، وتقوم الجمعية بدراسة مقاسات ملابس العيد لكلِّ يتيم، وتشمل (الحذاء، الجاكيت، القميص، البنطلون، الملابس الداخلية)، ثم تقدر الثمن، وتقوم بتغطية الموضوع.
2 - المونة: (وهي في عيد الأضحى)، وتصرف لكلِّ عائلة المبلغ الذي يَتناسَب مع حالة فقرها، لتؤمن لها المواد اللازمة، وقد رأيت في الكشوفات وصولاً من مؤسسة فتيحة في العيزرية، أفاد الشيخ حسن أن صاحِبَها رجل فاضِل، يقوم بصرف ما تحتاجه كلُّ أسرة، وما يحدِّد لها بأسعار مخفَّضة، فيُعطَى اليتيم بطاقة بقيمة (150) شيكلاً مثلاً، ويذهب إلى المؤسسة المذكورة، ويأخذ ما يحتاجه، بشرط أن تكون من الحاجات الأساسية، ثم تقوم الجمعيَّة في هذا العيد بتوزيع لحوم الأضاحي، فبعض المحسنين يُقدِّم أضحيته إلى الجمعيَّة لتقوم هي بتوزيعها، ويتمُّ التوزيع فعلاً على العائلات، ثم إذا حصل نقصٌ في هذا الموضوع تقوم الجمعية بمواردها المالية الموجودة بذبح ما تيسَّر لتكملة التوزيع.
3 - مشروع الحقائب المدرسية، حيث يُهدَى لكلِّ يتيمٍ حقيبة مدرسية مع بداية العام الدراسي، ليبدأ عامه فرحًا مسرورًا بحقيبته الجديدة كباقي الأطفال.