الشبهة رقم (34)
34- أذكر دليلا من الحديث على جواز الاستغاثة بغير الله.
عن ابنِ عبَّاس أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إنَّ لله مَلائِكةً في الأرْضِ سِوَى الحَفَظَةِ يَكتُبونَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ فَإذَا أصَابَ أحدَكُم عَرْجَةٌ بأرْضٍ فَلاةٍ فلْيُنَادِ أعِيْنُوا عِبادَ الله"، رَواهُ الطَّبَرانيُّ، وقَالَ الحَافِظُ الهَيْثَميُّ: رجَالُهُ ثِقَاتٌ.
هذا الحديثُ فيه دلالَةٌ واضِحَةٌ على جوازِ الاستغاثَةِ بغيرِ الله لأن فيهِ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَنَا أن نقولَ إذا أصابَ أحدنا مشكلة في فلاةٍ من الأرضِ أي برّيّةٍ "يا عبادَ الله أعينوا" فإنَّ هذا ينفعهُ. وهذا الحديث حسَّنَهُ الحافظُ ابن حجر، ونصُّ الحديث كما أخرجَهُ الحافظُ ابن حجرٍ في الأماليّ عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ لله ملائكةً سِوَى الحفظَةِ سَيَّاحينَ في الفَلاةِ يكتبونَ ما يسقُطُ من وَرَقِ الشَّجَرِ فإذا أصابَ أحدكُم عرجةٌ في فلاةٍ فَليُنَادِ يا عبادَ الله أعينوا"، الله تعالى يُسمِعُ هَؤلاءِ المَلائِكَةَ الذين وُكلوا بأن يكتبوا ما يَسقُطُ من ورقِ الشجرِ في البريَّةِ نداءَ هذا الشَّخص لو كانَ على مسافةٍ بعيدةٍ منهم. المَلِكُ الحيُّ الحاضِرُ إذا استغيثَ بهِ: يا مَلِكَنَا ظَلَمَني فلانٌ أنقذني، يا مَلِكَنَا أصابني مجاعةٌ فأنقذني، هذا المَلِكُ لا يُغيثُ إلا بإذنِ الله، كذلكَ هؤلاءِ المَلائِكَة لا يُغيثونَ إلا بإذنِ الله، كذلكَ الأولياءُ والأنبياءُ إذا إنسان استغاثَ بهم بعد وفاتِهِم يغيثونَهُ بإذنِ الله، فإذًا هؤلاءِ سببٌ، وكِلا الأمرينِ جائزٌ.
الـــرد المــــفــصــل
إسناده ضعيف. لأن فيه أسامة بن زيد. وهو ضعيف. وهو صدوق يهم. وقد اعتبر الحافظ الضعف يسيرا فحسنه ولكنه قال: غريب جدا. وقال الهيثمي رجاله ثقات. ولكن هذا لا يرفع العلة عن الحديث فإن عند أسامة مشكلة الوهم.
والرواية مختلف في وقفها ورفعها. ولقد قال الحبشي « لا سبيل إلى الاحتجاج بالحديث المختلف في رواته» (الدليل القويم ص48).
فيجب أن يسقط الاحتجاج بالحديث عندكم سمعا وطاعة لشيخكم.
أما أسامة بن زيد: فهو عند الحافظ صدوق يهم (التقريب ترجمة317 ص98). بل قال الحافظ (في أسامة مقال) (فتح الباري9/411) وقال النسائي ليس بثقة (الضعفاء والمتروكون51). وقال أبو حاتم ليس بالقوي (علل الحديث361).
وأما الاختلاف في وقفه ورفعه فقد رواه جعفر بن عون وروح بن عبادة وعبد الله بن فروخ عن أسامة موقوفا.
وهو على فرض صحته فإنه يقيد الاستعانة بالملائكة وهم حاضرون متنقلون.
-
ملاحظة هناك أحاديث شبيهة بهذا الحديث ليس فيها ذكر الملائكة وهي ضعيفة. جاءت من طريق معروف بن حسان وهو ضعيف. ووردت من طريق أخرى تفرد بها عبد الرحمن بن شريك عن أبيه وكلاهما متكلم فيه. ومن طريق أخرى عن محمد بن إسحاق وهو صدوق لكنه مدلس وقد عنعن في الرواية.
الشبهة رقم (35)
35- يقول ابن تيمية " قول أغثني يا رسول الله شرك إن كان في غيابه أو بعد وفاته". فما الرد على ابن تيمية والوهابية القائلين "لم تستغيث بغير الله، الله لا يحتاج إلى واسطة" ؟
أما ابن تيمية فيقولُ: قولُ أغثني يا رسولَ الله شركٌ إن كانَ في غيابِهِ أو بعد وفاتِهِ، عندهُ لا يجوزُ التّوسلُ إلا بالحيّ الحاضِرِ، يقول ابن تيمية والوهابية لِمَ تستغيثُ بغيرِ الله تعالى، الله تعالى لا يحتَاجُ إلى واسِطَةٍ، فيقالُ في الرَّدّ عليهم: كذلكَ المَلِكُ الله تعالى لا يحتاجُ إليه ليغيثَكَ وكذلكَ الملائِكَةُ الله لا يحتاجُ إليهم ليغيثوكَ، فما أبعد ابن تيمية وأتباعه عن الحَقّ حيثُ إنهم وَضَعوا شروطًا لصِحَّةِ الاستغاثَةِ والاستعانة بغيرِ الله ليست في كتابِ الله ولا في سنّةِ رسولِ الله، وكلُّ شرطٍ ليسَ في كتابِ الله فهو باطِلٌ وإن كانَ مائَة شرطٍ. هذا والعجبُ من ابن تيمية ثَبَتَ عنه أمرانِ متناقضانِ وهو أن القولَ المشهورَ عنه المذكور في أكثرِ كتبِهِ تحريم الاستغاثَةِ بغيرِ الحيّ الحاضِرِ، وصرَّحَ في كتابِهِ الكلم الطَّيب باستحسانِ أن يقولَ من أصابَهُ خَدَرٌ في رجلِهِ "يا محمدُ"، وكتابُهُ هذا الكلم الطيب ثابِتٌ أنه من تأليفِهِ فما أثبَتَهُ في هذا الكتابِ هو موافِقٌ لِعَمَلِ المسلمينَ السلفِ والخلفِ، وأما مشبّهةُ العَصرِ الوهابية الذين هم أتباعُ ابن تيمية مجمعونَ على أن قول يا محمد شركٌ وكُفرٌ.
وهذا الكتابُ الذي عقدَ فيه ابنُ تيميةَ فصلًا لاستحبابِ أن يقولَ من أصابَه الخدر يا محمد ثابتٌ عنه توجدُ منه نسخٌ خطيةٌ ونسخٌ مطبوعةٌ. وقد اعترفَ بصحةِ هذا الكتابِ أنه لابن تيميةَ زعيمُ الوهابيةِ ناصر الدين الألباني وهذا مذكورٌ في مقدمةِ النسخةِ التي طبَعها الوهابي تلميذ الألباني زهير الشاويش، فهم وقعوا في حيرة لما أُوردَ عليهم هذا السؤال: "هذا ابن تيمية قال في كتابهِ هذا فصل في الرَّجلِ إذا خدرت وأوردَ أن عبدَ الله بنَ عمرَ خدرت رِجله فقيل له اذكُر أحب الناسِ إليك فقال يا محمد فاستقامت رجلُه كأنه نُشِط من عقال. هذا فيه استحبابُ الكفرِ والشركِ عندكم وقائل هذا زعيمكم الذي أخذتم منه أكثر عقائدِكم، فماذا تقولون كَفَرَ لهذا أم لم يكفر، فإن قلتم كَفَرَ لهذا وأنتم تسمونَه شيخَ الإسلامِ فهذا تناقضٌ تكفرونه وتسمونه شيخَ الإسلام وإن قلتم لم يكفر نقضتُّم عقيدتَكُم تكونون قلتم قول يا رسول الله استغاثة به بعد وفاته جائز وإن لم تكفروه جِهارًا فإنكم معتقدون أن قولَه هذا شركٌ فلماذا لا تتبرءون منه إن كنتم على ما كنتم عليه. والآن وقد وضَح لكم الأمر لكنكم لا تزالون تخالفونه فيما وافقَ فيه الحق وتتبعونه فيما ضلَّ وزاغَ فيه وهل لكم مستندٌ لتحريمِ التوسلِ بغيرِ الحي الحاضرِ سوى ما أخذتم من كتبهِ وزعمتم أن ذلك حجة، وهو أمرٌ انفرد به ابن تيمية من بين المسلمين لم يسبقه أحدٌ في تحريمِ التوسلِ بالنبي والولي بعد الوفاة أو في غير حضرةِ النبي والولي في الحياةِ وظهرَ وثبتَ أنكم لستم مع السلفِ ولا مع الخلفِ". هؤلاء السلفُ كتبهُم تشهدُ بأنهم كانوا يتبركونَ بالأنبياءِ والأولياءِ بالتوسلِ بهم وبزيارةِ قبورهم وهؤلاء الذين ألفوا من السلفِ وذكروا في مؤلفاتهم هذا الأثرَ من قولِ عبدِ الله بنِ عمرَ لما خدرت رجله يا محمد كان مقررًا عند السلفِ كإبراهيم الحربي صاحب أحمد بن حنبل ذكره في كتابه غريبِ الحديثِ أي إبراهيم الحربي، والبخاري في كتابه الأدب المفرد وهذا الأثر له أكثر من إسنادَين أحدهما فيه راوٍ ضعيف. ولو فرض أنه ليس له إسنادٌ صحيحٌ لكن هؤلاء أوردوه في كتبهِم مستحسنين ليعمل الناس به فماذا تحكمون عليهم هل تحكمون عليهم بالشركِ والكفرِ حيث إنهم تركوا للناس ما فيه شرك في تآليفهم وكذلك علماء الخلف من حفاظِ الحديثِ ذكروا هذا في مؤلفاتهِم فأنتم تكونون كفَّرتم السلفَ والخلفَ فَمَن المسلم على زعمِكم إن كان السلف والخلف كفارًا على مُوجَب كلامكم، وهذا الإمام أحمدُ بنُ حنبل الذي تعتزُّون به أجازَ تقبيلَ قبرِ النبيّ ومَسَّهُ للتبركِ وذلك في كتاب العللِ ومعرفة الرجال.
الـــرد المــــفــصــل
أولا: قصة خدر الرجل معلولة من جهة السند. آفتها أبو إسحاق السبيعي وهو مختلط. ومن العجيب أن الأحباش أعرضوا عن وصف الحافظ له بالاختلاط. وفضلوا عليه الذهبي وتمسكوا بقوله (لم يختلط وإنما ساء حفظه). وابن حجر عندهم حافظ لكن الذهبي خبيث كما قال شيخهم.
وهو مدلس وقد عنعن في الرواية التي رواها. والمدلس لا يقبل منه ما قال (عن). وإنما يقبل منه ما قال (حدثنا).
ثانيا: أن الرواية ليس فيها شرك حتى تلزموا ابن تيمية بالتناقض. وإنما قال رجل لابن عمر لما خدرت رجله: أذكر أحب الناس إليك. فقال: يا محمد. ولو كانت استغاثة لقال: يا محمد أذهب خدر رجلي. فلو كنت تريد من رجل مالا: هل تناديه فقط أم أنك تناديه وتذكر له حاجتك؟
ثالثا: أن الأحباش أشاعرة. والأشاعرة رفضوا في أمور العقائد خبر الآحاد حتى ولو كان في البخاري أو مسلم. فما بالهم يتناقضون ويتغاضون عن هذا الشرط ولا نجد منهم إلا روايات معلولة وضعيفة وساقطة؟ حتى وجدنا شيخهم يروي عن الله أنه قال للملائكة (أسكتوا) وأنه أمر جبريل أن يوزع الشراب على (المعازيم) بمناسبة مولد النبي صلى الله عليه وسلم الكريم محمد؟ (المولد الشريف ص8و11). وقد طالبتهم منذ سنوات طويلة أن يعتذروا عن هاتين الكذبتين من شيخهم وأن يتراجعوا فلم يفعلوا.
رابعا: أن السلف تركوا التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته إجماعا ولم يثبت ولو برواية واحدة صحيحة خالية من العلل أنهم استغاثوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته. والتحدي قائم منذ سنوات وقد عجز الأحباش عن أن يأتوا ولو برواية واحدة صحيحة.
الشبهة رقم (36)
36- ما الدليل على أن الميت ينفع بعد موته ؟
قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حَياتِي خَيْرٌ لَكُم ومَمَاتي خَيرٌ لَكُم تُحْدِثُونَ ويُحْدَثُ لَكُم، وَوفَاتي خَيرٌ لَكُم تُعْرَضُ عَليَّ أعْمالُكُم فَما رَأيتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ الله علَيهِ وما رأيتُ مِنْ شَرّ استَغْفَرْتُ لَكُم"، رَواهُ البَزَّارُ ورِجالُهُ رجالُ الصَّحيحِ.
هذا الحديثُ يدلُّ على أن النَّبيَّ ينفعُ بعدَ موتِهِ خلافًا للوهّابيّةِ القائلينَ بأنهُ لا ينفع أحدٌ بعد موتِهِ، فإنهُ عليه الصلاةُ والسلامُ لما قال: "ومماتي خيرٌ لكم" أَفهَمَنَا أنه يَنفعنَا بعد موتِهِ أيضًا بإذنِ الله عزَّ وجلَّ، كما نَفَعَنَا موسى عليه السّلامُ ليلةَ المعراجِ لما سألَ النَّبيَّ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ: ماذا فَرَضَ الله على أمتِكَ؟، فقال له: "خمسينَ صلاةً"، قال: ارجِع وَسَل التَّخفيفَ فإنّي جَرَّبتُ بني إسرائيلَ فرضَ عليهم صلاتانِ فلم يقوموا بهما، فَرجعَ فطلَبَ التَّخفيفَ مرَّةً بعد مرَّةٍ وفي كلّ مرَّةٍ كانَ موسى عليهِ السلامُ يقولُ لهُ: ارجِع فَسَل التّخفيفَ، إلى أن صاروا خمس صلواتٍ بأجرِ خمسينَ، فهل يشكُّ عاقلٌ بنفعِ موسى عليه السَّلام لهذهِ الأمَّةِ هذا النّفعَ العظيمَ، وقد كانَ موسى توفيَ قبلَ ليلة المعراجِ بأكثر من ألف سنةٍ، فهذا عملٌ بعد الموتِ نَفَعَ به أمةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
وأما قولُهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "تُحدِثُونَ ويُحدَثُ لكُم" فمعناهُ يحصلُ منكم أمورٌ ثم يأتي الحكمُ بطريقِ الوحي مِن رسولِ الله.
ثم يؤكّدُ النبيُّ عليه الصلاةُ والسّلامُ نفعهُ لأمَّتِهِ بعد وفاتِهِ بقولِهِ: "ووفاتي خيرٌ لكم تُعرَضُ عليَّ أعمالُكُم فما رأيتُ من خيرٍ حمدتُ الله عليهِ وما رأيتُ من شَرّ استغفرتُ لَكُم". ويدل على ذلك ما رواهُ مسلمٌ في حديثِ المعراجِ أن كلًّا من الأنبياءِ الذين لقيَهُم في السماءِ دعا للرسولِ بخيرٍ وهم ثمانية ءادم في الأولى وعيسى ويحيى في الثانيةِ ويوسف في الثالثةِ وإدريس في الرابعةِ وهارون في الخامسةِ وموسى في السادسةِ وإبراهيم في السابعةِ وكل ذلك نفع بعد الموت، فبطل تعلق الوهابية بالاستدلال بحديثِ البخاري: "إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاث" فإنه بزعمِهِم يمنع الانتفاع بزيارة قبور الأنبياء والأولياء والتوسل بهم. يقال لهم المرادُ بقولهِ عليه السلام "انقطع عمله" أي العمل التكليفي وليس فيه تعرض لما سوى ذلك من نحو نفع التوسل بهم بل فيه ما يدل على خلافِ دعواهم حيث إن فيه أن دعوةَ الولدِ الصالحِ تنفعُ أباه وليس مراد الرسول بذلك أنه لا ينفع دعاء غير ولده الصالح للميت.
الـــرد المــــفــصــل
أولا: أما ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم محمد مع موسى من اتصال وصلاة به وبالأنبياء فهو معجزة فهل أنتم تطلبون أن يكون لكم معجزة الاتصال بموسى والصلاة معه؟
لا يجوز الاستدلال بالمعجزات وإلا يلزمكم أن تصلوا مع موسى جماعة وأن ترتفعوا إلى الملأ الأعلى. ويلزمكم أن تفعلوا المعجزات كشق البحر وقلب العصا حية. ومن ذلك أيضا أن عيسى يأتي قبر نبينا صلى الله عليه وسلم ويقول يا محمد فيجيبه. فهذا معجزة على خلاف الأصل وهي دليل على الأصل عدم التخاطب بين الحي والميت. ثم هي خارجة عن موضوعنا فإن موضوعنا طلب قضاء الحوائج من أصحاب العالم الآخر.
ثانيا: أن موسى هو الذي عرض تخفيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يطلب النبي منه ذلك. فإذا استطعتم اختراق عالم البرزخ والتكلم مع موسى وأن ينفعكم موسى من غير أن تطلبوا منه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فافعلوا.
ثالثا: أننا إذا اختلفنا في فهم نص: فإننا نرجع إلى فهم الصحابة له: والصحابة لم يفهموا الحديث على النحو الذي تفهمونه من جواز سؤال الأنبياء مع الله أو التوسل بهم: إيتونا برواية واحدة صحيحة السند إلى صحابي أنه سأل نبياً من الأنبياء السابقين بعد موته (أتحداكم). فان لم تجدوا فأنتم المخالفون للسلف الذين لم يكن خبر موسى لم يخفى عليهم وقد تركوا التوسل بنبيهم.
رابعا: في الحديث فوائد أخرى تجاهلتموها ومنها أنه أفاد علو الله فوق سماواته. ففي السماء السابعة فرضت الصلاة خمسين. ولما رجع النبي إلى السماء الخامسة لقي موسى فأمره أن يرجع إلى الله فيسأله التخفيف. حتى قال النبي " فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى ... ". فليس من الإنصاف أن تحتجوا ببعض الحديث وتعرضوا عن البعض الآخر.
أما حديث (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم) ضعيف. إلى ذلك ذهب الحافظ العراق في المغني (2/1051). فيه عبد المجيد بن عبد العزيز. قال فيه ابن حبان في المجروحين (2/205) " منكر الحديث جداً يقلب الأخبار، ويروي المناكير عن المشاهير: فاستحق الترك ". وقال الحافظ في التقريب (4160) " صدوق يخطئ وكان مرجئاً " بل قد شهد عليه أحمد والبخاري بأنه من غلاة المرجئة . قال " كان فيه غلو في الإرجاء " وقال أبو داود " كان داعية في الإرجاء "
ومن المقرر عند العديد من علماء الحديث أن المبتدع إذا تفرد برواية تؤيد بدعته فإن روايته مردودة . وهذا جرح مفسر مقدم على التوثيق. وهذا الحديث يؤيد مذهبه في الإرجاء . فإنه ما دام العمل معروضا على النبي صلى الله عليه وسلم فيستغفر فلا تضر المعاصي حينئذ كبيرة كانت أو صغيرة إذ جاء الاستغفار في الحديث مطلقا من سائر الأعمال السيئة.
الشبهة رقم (37)
37- ما الدليل على بطلان قول ابن تيمية: لا يجوز التوسل إلاّ بالحي الحاضر؟
وأَخْرجَ الطَّبرانيُّ في مُعْجَمَيهِ الكَبِيرِ والصَّغيرِ عَن عُثمانَ بنِ حُنَيفٍ أنَّ رَجُلاً كانَ يَخْتلِفُ ـ أي يتَردَّدُ ـ إلى عثمانَ بنِ عَفّانَ، فكَانَ عُثْمانُ لا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ ولا يَنْظُرُ في حَاجَتِه، فَلقِي عُثْمانَ بنَ حُنَيْفٍ فشَكَى إلَيْهِ ذلكَ، فقَالَ: ائتِ المِيْضأَةَ فَتَوضَّأْ ثُمّ صَلّ رَكْعتينِ ثمَّ قُلْ: اللّهُمَّ إنّي أسْألُكَ وأتَوَجَّهُ إلَيكَ بنَبِيّنا محمّدٍ نَبيّ الرَّحْمةِ، يَا مُحَمَّدُ إنِيّ أتَوجَّهُ بكَ إلى رَبي في حَاجَتِي لتُقْضَى لي، ثمَّ رُحْ حتَّى أرُوْحَ مَعَكَ. فانْطلَق الرجلُ ففَعلَ ما قَالَ، ثُمّ أتَى بَابَ عُثْمانَ فَجاءَ البَوَّابُ فأخَذَ بِيَدِه فأَدْخلَهُ على عُثْمانَ بنِ عَفّانَ فأجْلسَهُ علَى طِنْفِسَتِه ـ أي سَجّادته ـ فَقالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ فذَكَرَ لَهُ حَاجَتَهُ، فقَضى لَهُ حاجَتَهُ وقَالَ: مَا ذَكَرْتُ حَاجَتَكَ حتّى كانَت هذِه السَّاعَةُ، ثُمّ خَرجَ مِنْ عِنْده فلَقِيَ عثمانَ بنَ حُنَيْفٍ فَقالَ: جَزاكَ الله خَيْرًا، مَا كانَ يَنْظُر في حَاجَتي ولا يَلْتَفِتُ إلَيَّ حَتَّى كلَّمْتَهُ فِيَّ، فَقالَ عُثْمانُ بنُ حُنَيفٍ: والله ما كَلّمْتُهُ ولكِنْ شَهِدْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقَدْ أتاهُ ضَرِيرٌ فشَكَى إلَيهِ ذَهَابَ بَصَرِه، فَقالَ: إن شِئْتَ صَبَرْتَ وإنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لكَ، قالَ: يَا رَسُولَ الله إنّه شَقَّ عَليَّ ذَهابُ بَصَري وإنَّهُ لَيْسَ لي قَائِدٌ فقال له: ائتِ المِيْضَأةَ فتَوضَّأ وصَلّ ركعتينِ ثمّ قلْ هؤلاءِ الكَلماتِ، ففَعلَ الرجُلُ ما قَال، فوَالله مَا تَفَرَّقْنا ولا طالَ بِنا المجْلِسُ حَتّى دخَلَ علَيْنا الرّجُلُ وقَد أبْصَرَ كأنَّهُ لَم يكنْ بهِ ضُرٌّ قَطُّ قالَ الطَّبرَانِيُّ في "مُعْجَمِه": والحَدِيْثُ صَحِيْحٌ، والطَّبرَانيُّ مِنْ عَادَتِهِ أنَّهُ لا يُصَحّحُ حَديثًا معَ اتّسَاع كِتابِه المعجَمِ الكَبيرِ، ما قالَ عن حدِيثٍ أوْردَهُ ولو كَانَ صَحِيْحًا: الحَدِيثُ صَحِيْحٌ، إلا عن هَذَا الحَدِيْثِ، وكذلكَ أخرجه في الصغيرِ وصححهُ.
فَفِيهِ دَليلٌ أنَّ الأَعْمَى تَوسَّلَ بالنَّبي في غَيْرِ حَضْرَتِهِ بدَليلِ قَوْلِ عُثمانَ بنِ حُنَيفٍ: "حَتَّى دَخَلَ علَيْنا الرَّجُلُ"، وفيْهِ أنَّ التَّوسُّلَ بالنَّبي جَائِزٌ في حَالَةِ حَيَاتِه وبعْدَ ممَاتِه فبَطَل قَوْلُ ابنِ تَيْميةَ: لا يَجُوزُ التَّوسلُ إلا بالحَيّ الحَاضِرِ، وكلُّ شَرْطٍ لَيْسَ في كِتابِ الله فهُوَ بَاطِلٌ وإنْ كَانَ مِائَةَ شَرطٍ.
هذا الحديثُ فيه دلالةٌ واضحةٌ على جواز التوسل بالنبيّ في حياته وبعد مماته في حضرته أو في غير حضرته.
الـــرد المــــفــصــل
ما أكذب القوم وما أعظم تدليسهم.
لماذا لم يرووا حديث الأعمى الذي صححه الطبراني واقتصروا على رواية قصة عثمان بن عفان الملصقة بالحديث؟
السبب أنها تتضمن ذهاب الأعمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وتوسله بدعائه قائلا له (أدع الله أن يرد بصري). فذهاب الأعمى يحكي عقيدته ويبطل عقيدة المستغيثين بالأحياء والأموات عن بعد من دون الحي الذي لا يموت.
واما القصة الملصقة به فهي تتضمن استعمال دعاء الضرير بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فيوحي النبي إلى عثمان أن إفتح بابك لمن دعا بهذ الدعاء. الله أكبر إنها الخدعة والمكر من هؤلاء الأحباش.
وأما قولهم إن الطبراني صحح الحديث والقصة معا فهو كذب. والدليل على ذلك أن البيهقي روى حديث الضرير وصححه. ثم روى القصة الملصقة بالحديث ولم يصححها. وهذا من البيهقي تصحيح لقولنا أن الطبراني أراد تصحيح الحديث دون القصة الملصقة به.
أن هذه القصة لم تثبت سندا فإنها جاءت من طريق ابن وهب عن شبيب بن سعيد. وابن وهب ضعيف. ولهذا لم يرتض البخاري التحديث عن شبيب من طريق ابن وهب كما صرح الحافظ (مقدمة فتح الباري ص409). وقال ابن عدي " حدث عنه ابن وهب بأحاديث منكرة" (ميزان الاعتدال3/362). وقال الحافظ في (التقريب 2739) في ترجمة شبيب " لا بأس بحديثه من روايات ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب ".
بخلاف رواية أحمد عن أبيه شبيب فإن أحمد ثقة وهو قد روى الحديث من دون القصة كما عند الحاكم والترمذي وعند النسائي في اليوم والليلة.
أن هذه القصة فيها طعن بعثمان بن عفان وأنه يحجب بابه عن حوائج الناس. وكفى بذلك ذماً له، فقد دعا رسول الله على من يحتجب عن حوائج الناس فقال " من ولاه الله شيئاً من أمور المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم : احتجب الله دون حاجته وخلته وفقره يوم القيامة " وفي رواية " ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته " (رواه الترمذي بإسناد صحيح).
أين مذهب الأحباش الأشعري الذي يشترط أن تكون الرواية في العقائد متواترة؟ وها هم كما تراهم لا يتمسكون إلا بالضعيف لأن الله أبى أن تثبت عقيدتهم الباطلة برواية واحدة صحيحة.ولا أزال أتحدى أن يجدوا حديثا واحدا صحيحا فيه حث النبي على الاستغاثة بغائب أو بشيء من فعل الصحابة. الشرط أن يكون صحيح السند.
الشبهة رقم (38)
38- ما الدليل على أن قول ابن تيمية "ليس التوسل الوارد في حديث الأعمى توسلاً بذات النبي بل بدعائِه" مخالف للأصول ؟
وأما قولُ ابنِ تيميةَ ليسَ التوسلُ الواردُ في الحديثِ توسلاً بذاتِ النبيّ بل بدعائِهِ فهوَ دعوى باطلةٌ، لأنَّ التوسلَ نوعٌ من أنواعِ التبركِ، الرسولُ ذاتهُ مباركةٌ وءاثارُهُ أي شعرُهُ وقلامةُ ظفرِهِ والماءُ الذي توضأَ به ونُخامَتُهُ وريقُهُ مباركٌ، لأنَّ الصحابةَ كانوا يتبركونَ بذلكَ كما وَرَدَ في الصحيحِ فكأنَّ قولَ ابنِ تيميةَ هذا ينادي بأنَّ الصحابةَ ما كانوا يعرفونَ الحقيقةَ بل كانُوا جاهلينَ وما قَالهُ مخالفٌ للأصولِ، فإنَّ علماءَ الأصولِ لا يُسَوّغونَ التأويلَ إلا لدليلٍ عقلي قاطعٍ أو سمعي ثابتٍ، وكلامُ ابنِ تيميةَ معناهُ أنه يجبُ تقديرُ محذوفٍ فالحديثُ عندهُ يُقدَّرُ فيهِ محذوفٌ فيكونُ التقديرُ على موجَبِ دَعْوَاهُ اللهمَّ إني أسألكَ وأتوجَّهُ إليكَ بدعاءِ نبيّنا وكذلك يا محمدُ إني أتوجهُ بكَ إلى ربي يلزَمُ منهُ التقديرُ إني أتوجَّهُ بدعائِكَ إلى رَبّي، والأصلُ في النصوصِ عدمُ التقديرِ والتقديرُ لا يُصارُ إليه إلا لدليلٍ وَهَذَا المعروفُ عندَ علماءِ الأصولِ فابنُ تيميةَ حُبّبَ إليهِ الشذوذُ وخَرْقُ الإجماعِ من شدّةِ إعجابِهِ بنفسِهِ.
الـــرد المــــفــصــل
بل إن التوسل بالنبي أي بدعائه وإليكم الدليل:
عمر توسل بالعباس فقام العباس ودعا (فتح الباري2/497).
والأعمى توسل إلى الله بالنبي صلى الله عليه وسلم فدعا له النبي فقال الأعمى (اللهم شفعه في).
ومعاوية توسل بالأسود بن يزيد فدعا. قال الحافظ ابن حجر بأن « معاوية استسقى بـيزيد بن الأسود أخرجه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه بسند صحيح» (التلخيص الحبير2/101) وقال في (خلاصة البدر المنير1/252) «مشهور قاله النووي».
ولما كان أبو عامر بعيدا عن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يقول له « يسلم عليك أبو عامر ويقول استغفر له».
والرسول أمرنا إذا لقينا أويسا القرني أن نسأله أن يستغفر الله لنا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم: بدعوتهم وصلاحهم وإخلاصهم» ولم يقل بجاههم ومكانتهم ومنزلتهم.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنصر بصعاليك المهاجرين. وصعلوك أي فقير. قال السيوطي « كان النبي صلى الله عليه وسلم يستنصر بصعاليك المهاجرين أي بدعاء فقرائهم.. ولأن انكسار خواطرهم يكون دعاؤهم أقرب للإجابة» (الجامع الصغير1/314 وفيض القدير5/219).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه مَلَك موكل ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل : آمين ، ولك بمثل " (رواه مسلم2733). قال المناوي « كلما دعا لأخيه بخير أي بدعاء» (فيض القدير3/525).
وأهل العلم كانوا يقولون « فلان كان يتبرك بفلان» ويقصدون بدعائه.
عقيدة البيهقي التوسل بالدعاء. فقد أدرج البيهقي رواية توسل عمر بالعباس تحت باب (الاستسقاء بمن ترجى بركة دعائه).
قال البغدادي قال كان شيخنا أبو عامر الأزدي من أركان مذهب الشافعي بهراة وكان إمامنا شيخ الإسلام يزوره في داره ويعوده في مرضه ويتبرك بدعائه» (التقييد1/442 سير أعلام النبلاء19/34).
وذكر الذهبي أن الأصبهاني وهو صاحب ابن المقري ممن « يتبرك بدعائه» (تذكرة الحفاظ4/1212 سير أعلام النبلاء19/17).
وقال عبد الغافر بن إسماعيل عن أبي حفص ابن سرور الماوردي « كانوا يتبركون بدعائه» (سير أعلام النبلاء19/12).
وقال ابن حبان عن أبي زرهة « كان مستجاب الدعوة يقال إن الحصاة كانت تتحول في يده إلى تمرة بدعائه (الثقات6/247 تهذيب التهذيب3/61).
نقل الحافظ ابن حجر عن أبي عمر الحافظ ابن عبد البر أن يونس بن عبد الأعلى ممن « يستسقى بدعائه» (تهذيب التهذيب11/387).
وروى الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق عن ابن أبي الحواري قال « كنا نتبرك بدعاء أيوب بن أبي عائشة» (تاريخ دمشق10/109).
وروى الذهبي عن يحيى بن معين أنه قال عن أحمد بن أبي الحواري « أهل الشام به يمطرون» قال شعيب الأرناؤوط « أي بدعائه كما فعل عمر حين استسقى بالعباس» (سير أعلام النبلاء12/87).
قال ابن كثير عن الشيخ سالم البرقي « يقصد للتبرك بدعائه» (البداية والنهاية13/313).
الأحباش يتناقلون بينهم حجرة وشعرة
وقول الإحباش أن التوسل نوع من أنواع التبرك. فهذا لا يعرف من معنى التوسل بل التوسل يكون بعمل المتوسل به كدعائه لا بذاته.
قال في القاموس في مادة (وسل) وسل إلى الله تعالى توسلاً : أي عمل عملاً تقرب به إليه " . وفي المصباح ًالمنير " ووسل إلى الله تعالى توسيلاً : أي عمل عملاً تقرب به إليه " . و " توسل إلى ربه وسيـلة : أي تقرب إلى الله بعمل " .
وفي الصحاح للجوهري " توسل إليه بوسيلة : أي تقرب إليه بعمل ".
والتوسل إلي الله معناه اتخاذ سبب يزيد العبد قربة من الله . وفي ذلك آيتان من كتاب الله :
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ } [ المائدة 35 ] ، عن ابن عباس والسدي وقتادة " أي تقرّبوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه " قال ابن كثير " وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف فيه بين المفسرين " وساق الطبري أقوالاً " حاصلها " أن الوسيلة هي التقرب إلى الله بطاعته والعمل بما يرضيه.
يتبع إن شاء الله