عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 27-11-2009, 08:31 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قصة ابن الخواجة

شرح له صدقي القصة كاملة ..
فقال له الشيخ: ما اسم صديقك؟
قال: اسمه عبده إبراهيم ..
قال: وما كان اسمه قبل أن يشهر إسلامه؟
قال: عبده إبراهيم عبد الملك ..
قال: أفلا اتخذ اسماً جديداً يدل على فضل الله عليه أن هداه للإسلام؟
قال: هذه فعلاً واحدة من نظراته الخاصة ..
وقد نصحه بعض المحبين له وأنا منهم أن يتخذ له اسماً علماً شاهداً على إسلامه ..
فاعتذر إلينا بأن الإيمان الحق إنما هو ما يستقر في القلوب وتصدقه الأعمال ..
فلا يرى الإسلام أسماء ولا لافتات كعناوين الكتب والمتاجر ..
فقال الشيخ: لو تأتيني بصديقك في الغد؟
وبالفعل أتاه به في موعد اللقاء ..
وكان تعارف رائع أعقبته مقابلات مع الشيخ ..
وكان يحصل حوارات بين الشيخ عبد الحميد وبين عبده إبراهيم في كل مرة ..
وتنوعت الأحاديث والمناقشات والأبحاث العلمية ..
وكان الشيخ كل مرة يكتشف في عبده صفات جديدة من الصفات الطيبة ..
زاد التلطف من الشيخ والمحبة الوثيقة والمودة بينه وبينهما ..
وقد كان الشيخ يثني عليه ثناءً عطراً أمام صدقي ..
فلفت صدقي نظر عبده إلى ذلك ..
وقال له: إني أراك قادراً على كسب ثقة الشيخ ومحبته ..
ولئن كنت وصلت إلى هذا الحد من الود والثقة فإني لأرى لمشكلتك الكبيرة أحسن الحلول ..
فضاق عبده بهذه الإشارات البعيدة ..
فقال لصاحبه: كم من الوقت أضعنا في تأملاتك وفي الفروض والاحتمالات فأرجوك أن تفصح عما تريد أن تقوله ..
قال صدقي: إن للشيخ ابنة في سن الزواج، وهي كالتي طلبت في شروطك ..
ولئن قدر الله لك أن تحافظ على مودته واحترامه لك على ما أرى في لقاءاته الأخيرة ..
فإنه لا يرفضك خاطباً فيما أظن ..
فقال له: ما أراك إلا جننت، أي أمر هذا الذي يراودك ..
وعلى أي أساس يجوز لي أن أفاتح رجلاً فاضلاً كهذا في أمر مصاهرتي له ...
وبعد نقاش طويل ..
تقدم عبده خاطباً بنت الشيخ ..
وبدأت في حياته وحياة الشيخ صراعات ..
ما كان عندهم لها حساب ..
(18)
تسامع الناس أن القبطي صاحب قصة الزواج الأولى قد أوقع الشيخ عبد الحميد في حبائل سحره هذه المرة،
فحصل منه على وعد بالمصاهرة،
وكان لرب الأسرة على هذا العهد أهبة عالية،
لكن زوجة الشيخ ثارت عليه ثورة عارمة،
فتركت له البيت وانطلقت إلى أهلها غاضبة،
واجتمعت الأسرة بأصولها وفروعها،
وألح الجميع على الشيخ أن يراجع نفسه فيما صدر منه من وعد بالقبول،
وبدأت الشائعات تسري من جديد،
وتوافد الخاطبون ومعهم الشفعاء،
لإنقاذ الموقف بتعطيل هذه المصاهرة غير المتكافئة،
وضاق الشيخ ذرعاً،
فعجل بعقد القران والزفاف جميعاً،
وتم ذلك في ليلة أحاط بها الغموض والترقب،
وساعد على فتور المناسبة أنه حضر إليها منفرداً إلا من صاحبيه،
كذلك قاطعت زوجة الشيخ الحفل وهي أم العروس،
وجاملها أهلها فلم يحضر منهم أحد،
والشيخ حازم في ما قرره ماض فيما عزم عليه،
واتهم الناس الشيخ في عقله،
إذ كيف يقبل هذه الصفقة وهو من هو من رجحان العقل والبصيرة،
لكن الهدوء المشوب بالقلق ما لبث أن عاد للحي،
بعدما تبين أن الشيخ قد أنفذ وعده ووفى بعهده وزوج ابنته للطبيب الشاب عبده،
بل إن الناس كادوا ينسون ما حدث بعد سفر الزوجين إلى مقر عمل الطبيب حيث مسكنهما
مرت سنة كاملة ..
وكانت العادة أن المرأة إذا حملت تعود إلى بيت أهلها حتى تقوم والدتها بعنايتها عند الولادة ..
وولدت زوجة عبده الوليد الأول ..
وما كان اليوم الأول ينقضي حتى حضر الطبيب الشاب يهنؤها بولادتها ..
وقد جلب لها من الهدايا كل جميل ..
ولمولوده من الملابس واللعب كل نفيس رائع ..
عاد بزوجته إلى المنزل ومضى ليسجل في سجلات الحكومة واقعة مولوده الأول ..
ثم ما لبث أن عاد إلى بيته بشهادة ميلاد ابنه ..
عيـــــــــــــــسى ..
وأقبل على زوجته يرشدها إلى ما ينبغي عليها عمله من احتياطات ..
وانصرف إلى عمله بعد أن اطمأن على زوجته وولده ..
و جاء الشيخ ليطمأن على ابنته وولده ..
فأخبرته بحضور عبده وانصرافه بعدما أثبت اسم الوليد في السجلات ..
وسألها أبوها في فرحة ..
فماذا اختار لابني من الأسماء ..
فأجابته ابنته دون وعي :
عيسى ..
لكنها رأت من أبيها أمراً عجباً ..
إذ ما لبث حين سمع الاسم أن ضرب كفاً بكف ..
وقد تغير لونه وتقطب جبينه ..
وظهر الغضب الشديد عليه وهو يقول:
عيسى عيسى ..
وا عجباً لهذا الرجل ..
أو لم يجد في كل الأسماء التي خلقها الله اسماً جديراً بهذا المخلوق إلا هذا الاسم ..
أستغفر الله العظيم .. أستغفر الله العظيم .. أستغفر الله العظيم ..
وانطلق من عند ابنته وهو يقول:
لا حول ولا قوة إلا بالله ..
وأحست ابنته أن أمراً عظيماً قد حدث ..
وأن خطأ لا يمكن إصلاحه قد وقع ..
فما هكذا رأت أباها على طول ما عاشت ورأت ..
وباتت فريسة لأفكارها وهواجسها ..
أما الشيخ فقد اعتكف في داره أياماً لا يرى فيها أحداً ..
وأما زوجته فقد كانت تغالب دموعها ..
فقد تحقق للجميع أخيراً ..
ظنها البصير بهذا الطبيب وألاعيبه ..
وكانت إذا همت بالدخول على ابنتها ..
كفكفت دموعها حتى لا تفجع ابنتها بما أسلمها أبوها له من مصير..
وما جناه عليها بعناده وغفلته ..
وانخداعه بأساليب هذا الطبيب الذي سحره ...
وفي اليوم السابع أضيئت الشموع ذراً للرماد في العيون ..
وتمويها على الأم البائسة التي ارتبطت بزوج قيل أنه أسلم بل وحسن إسلامه ..
فإذا به يعلن في غير حياء ولا مواربة ..
أنه ما زال مخلصاً لماضيه ..
ولدينه القديم ..
وإلا .. بماذا نفسر اختياره لاسم عيسى اسماً لولده ..
ولم يكن اليوم السابع هذا ينقضي ..
حتى غرقت أسرة الشيخ في موجة من الهم والحزن فوق الذي كان قد تجمع لها من قبل ..
ذلك أن بشيراً من أسرة الطبيب عبده ..
جاء من حي الظاهر ..
يهنيء الشيخ بمولود عبده الجديد .. عيسى ..
ولم يكن بين أسرة الشيخ وأسرة عبده سابق ود ولا اتصال ..
وقد كانت لهذه التهنئة منهم معانٍ غير خافية عليه ..
لكن الشيخ تماسك واصطنع الثبات اصطناعاً ..
حتى كان الغد ..
فخرج من الفجر ليلحق بالطبيب عبده في داره ..
قبل أن يغادرها إلى العمل ..
فإن له معه شأناً ..
(19)
حين فتح الطبيب باب داره للشيخ ..
فوجيء به يغلق الباب بعنف خلفه ..
وهو يمسك بتلابيبه ..
ويقول له :
ما هذا الذي فعلت بابنتي أيها الزنديق ؟..
والله لا أفلتك من يدي حتى أعلم حقيقتك ..
وقد سكتنا عن التزامك اسمك رغم اعتناقك الإسلام ..
وكان يجب أن تغيره إلى ما يدل على إسلامك ..
ولقد أحسنا الظن بك وبما سقته من حجج ..
كانت تبدو لنا صادقة يوم نطقت بها ..
أما وقد انكشف أمرك الآن بتسمية ولدك عيسى ..
فاعلم أن اختيارك لولدك هذا الاسم ..
له من المعاني ما لا يخفى على أحد ..
ولقد كنت أعالج نفسي بالتصبر حتى ألقاك ..
إلى أن جاءنا بشير من عند أبيك ..
يحمل التهاني التي تنطوي على سخرية أبيك بعقولنا ..
وشماتته بمصير ابنتي المسكينة ..
التي جنيت عليها حين قبلت زواجك بها ..
فتكلم بالحق وإلا قتلتك شر قتلة ..
ورأى الطبيب أن الشيخ يهدر غاضباً ..
والدماء تندفع إلى جبينه حمراء قاتلة ..
والشرر يتطاير من عينيه ..
يشير إلى ما في صدره من غليان براكين الثورة ..
فبقي بين يدي الشيخ هادئاً ساكناً حتى تمر العاصفة ..
لكن حالة الشيخ كانت تنبؤ أنه قد انتوى أمراً خطيراً ..
وأنه قد يرتكب جرماً وحشياً تحت وطأة إحساسه بخيبة الرجاء ..
إذ كان يبدو عليه أنه استنفد من الجهد ما أضناه ..
وأنه سيتصرف مع الطبيب تصرف اليائس منه ..
فبادره الطبيب قائلاً :
ياعم ..
أقسم لك أن الأمر كما علمته من حسن إسلامي ..
ولقد أكرمتني بإحسانك إلي إذ قبلت مصاهرتي لك ..
فكيف تصورت في نفسك ما نطق به لسانك الآن ..
وهل تظن أن ما جرى لي بسبب إسلامي ..
وملاحقة أهلي لي .. بالتهديد والويلات والأذى ..
وطردهم لي من دار أبي ..
وهجري لأهلي ..
ولجوئي إلى الحق والهدى ..
كان كله تمثيلا وعبثاً ..
وهل قدمت لي منذ عرفتك إلا الخير والعون والحب ..
فكيف تظنني أسيء إليك أو أجني على ابنتك ..
وإذا كان ذلك مما يجوز لي وأنا على غير سبيل الحق ..
فكيف أجيزه لنفسي ..
وقد عرفت الله ورسوله والقرآن ..
يا عم ..
إن كنت أردت – بعد ما قلته لك والله على ما أقول شهيد –
أن تزيدني إيماناً ..
فها أنا ذا بين يديك ..
ما تغيرت وما استبدلت ..
فأنت صهري وعمي وأبي وأهلي ..
وليس لي الآن بعد ولدي من هو أقرب إلي منك ..
وستجدني طوع أمرك فيما تظنه صواباً ..
وسأقبل حكمك أياً كان ..
فهلا منحتني بعض ما قد يكون بقي عندك من صبر ..
لعلي أحدثك بما بقي عندي من حكمة اختيار اسم عيسى لولدي ..
كانت لهجة الطبيب هادئة ..
رغم ما صبه عليه صهره من لوم وتقريع ..
ورغم شناعة الصورة التي رسمها صهره ..
من فزع أحاط الأسرة .. وأحداث جسام توشك أن تعصف بالجميع ..
فلا الطبيب ناجٍ بصورته هذه ..
ولا أصهاره سعداء بما يمكن أن يحدثوه به من انتقام لسمعتهم ..
التي ألحق بها خزياً ما بعده خزي ..
رغم كل ذلك .. قال له الشيخ :
تكلم وقل ما عندك ..
ولا تخفي عني شيئاً ..
ولتعلم أنك قد ألقيتني في الجحيم ..
جزاء صنيع المعروف معك ..
فابتسم الطبيب وهو يقول :
كأنك لا تريدني يا عم أن أتكلم ..
قال : بل ها أنا ذا مصغٍ إليك ..
واعٍ لما ستقول .. والله وحده يعينني على ما أنا فيه ..
قال الطبيب الناشيء:
إن بيني وبين ربي عهداً لا يعلمه إلا هو ..
وإني أسير على الدرب لا أحيد ..
وما وجدت من ربي إلا الفضل يتلوه الفضل ..
وفي ظني والعلم عند الله جل شأنه ..
أن هذا الحادث الذي أفزعكم حتى آذيتموني ..
هو أكبر نعمة من بها الله علي بعد نعمة الإسلام ..
تمتم الشيخ في صوت حزين:
أكبر نعمة .. تقول أكبر نعمة ..
اللهم إنك أنت السلام ومنك السلام .. اللهم أفرغ علينا صبراً من عندك .. ولا حول ولا قوة إلا بالله ..
عاد الطبيب يقول:
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.19 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.56 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.52%)]