عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-11-2009, 06:13 PM
رياض123 رياض123 غير متصل
قلم برونزي
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
مكان الإقامة: ........
الجنس :
المشاركات: 1,867
افتراضي رد: ثمانون عاما وهي خاوية على عروشها!الجزء5


1) الموقف من تطبيق الشريعة وإقامة الإمارة
من النادر أن نجد مسؤولا أو شيخا من «حماس» أو «الإخوان» في فلسطين أو خارجها لم يدل بدلوه أكثر من مرة حول مسائل تطبيق الشريعة أو إقامة إمارة إسلامية أو أسلمة المجتمع في غزة. فالجميع يقرّ بأنه لا وجود لنية مبيتة في هذا الاتجاه. لكن أغلب التصريحات المنسوبة تختم أقوالها بعبارة من نوع: « في الوقت الحالي» وبعضها الآخر يسقطها تماما. وبهذه الطريقة يجري تمييع هذه المسائل بحيث يصعب العثور على موقف قاطع. أما التصريحات فقدر تواترت، كأمثلة، على لسان د. محمود الزهار وأيمن طه وخالد مشعل و موسى أبو مرزوق وإسماعيل هنية وخليل الحية والشيخ حامد البيتاوي وعزيز دويك ود. مازن هنية المستشار الشرعي لحكومة غزة ود. وائل الزرد خلال ندوة الجامعة الإسلامية حول تطبيق الشريعة الإسلامية (13/10/2008) وفوزي برهوم وصالح الرقب وغيرهم.


حين التعرض لمسألة إقامة الإمارة الإسلامية يمكن القول، بلا ترد، أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر هي أول جماعة إسلامية وعدت بتطبيق الشريعة وكادت أن تفعل لولا إجهاض التجربة، وهي على عتبة الولادة، من طرف العسكر قبل انتهاء الدورة الثانية من الانتخابات النيابية سنة 1992. أما حركة طالبان في أفغانستان فقد أقامت حكما إسلاميا وطبقت الشريعة فعلا في الفترة ما بين 1996 – 2001 حيث سقطت «الإمارة» بفعل الغزو الأمريكي المباشر للبلاد في أعقاب هجمات 11/9/2001. والطريف في هاتين الجماعتين أنهما لم تتحدثا عن تدرج ولا عن أعذار ولا عن ضغوط خارجية أو داخلية وما شابه. فقد كانت النية لديهما معقودة وواضحة لا لبس فيها إطلاقا.

لكن فيما يتعلق بحركة «حماس» فالمسألة مختلفة تماما. فالتصريحات التلفزية والفضائية والصحفية والبيانات والوثائق الرسمية كلها، قبل السيطرة على غزة (14/6/2007) وبعدها، تؤكد على أنه ما من نية لدى قادة «حماس» في تطبيق الشريعة. وبالتالي فليس للتيار الجهادي أية علاقة بمواقف «حماس» في هاتين المسألتين. فسواء حضرت السلفية أو لم تحضر فالأمر كائن في خيارات الحركة وليس في خيارات غيرها ولا في الظروف. وبالتالي فهي المسؤولة الأولى والأخيرة عن هذا الأمر بالذات قبل أن يسائلها أحد. ولو تابعنا التصريحات المنسوبة لقادة الحركة منذ إعلانها عن عزمها دخول الانتخابات التشريعية سنة 2005 (جرت في 26/1/2006) سنكتشف أنه حتى 16/11/2007 على الأقل ( حتى الرقم التاسع أدناه) كانت تصريحات «حماس» موجهة للرد على اتهامات السلطة الفلسطينية لها بالسعي لتطبيق الشريعة. وخلال هذه الفترة من المرجح أن تعبير «الإمارة» أو «الدولة» الإسلامية لم يرِدْ، رسميا، على ألسنة قادة «حماس» إلا مرتين، وفي سياق الرد على السلطة. الأولى وردت على لسان د. موسى أبو مرزوق (التصريح السادس) والثانية على لسان د. محمود الزهار (التصريح التاسع).

ولا شك أن الدهشة والغضب تَملّكا الجميع، بعد مذبحة مسجد ابن تيمية، لَمّا أعلنت «حماس» عن علاقة جماعة «جند أنصار الله»، وخاصة الشيخ عبد اللطيف موسى إمام المسجد بحركة « فتح» أو بمحمد دحلان أو بالسلطة عموما، بينما الحقيقة أن الرجل ليس له علاقة لا بهذا ولا ذاك. لكن حين نتتبع تصريحات «حماس» في ردودها على اتهامات السلطة لها بالعمل على إقامة إمارة إسلامية والسعي لتطبيق الشريعة، ابتداء من التصريح الأول إلى التصريح التاسع على الأقل، سنلاحظ أن «حماس» أرادت أن تحقق ثلاثة أهداف كبرى دفعة واحدة من اتهاماتها:
• فمن جهة نجحت «حماس» في التخلص من خصومها بالقتل؛
• ومن جهة أخرى ردت على السلطة بالفعل لا بالقول، أملا في أن تُسقِط استراتيجياتها الإعلامية التي تجهد في إظهار «حماس» كساعية لتطبيق الشريعة أو إقامة إمارة إسلامية، أو مشجعة على تحويل غزة إلى مأوى للجماعات «المتطرفة»، بل وأحالت التهمة برمتها إليها عبر توصيف الضحايا بأنهم عملاء ذوي روابط بالسلطة في رام الله وحتى الموساد الإسرائيلي؛
• ومن جهة ثالثة بعثت برسالة واضحة إلى الغرب (عامة) والولايات المتحدة (خاصة) تثبت فيها أنها قادرة أكثر من غيرها على ضبط الأمن و «مكافحة الإرهاب»، وأنها لا تقل عن غيرها فاعلية في هذا الشأن إنْ لم تكن الأهم.

حزمة التصريحات المناهضة للإمارة وتطبيق الشريعة
مبدئيا سنورد ثَبَتا ببعض التصريحات مع بعض التعليق والتوضيح قبل مناقشة بعض القضايا التي تطرحها:

(1) نقطة نظام مع محمود الزهار - قناة «العربية (17)» - 16/12/2005.
سئل د. الزهار عشية الانتخابات التشريعية الفلسطينية عما إذا كان البرنامج الإصلاحي للحركة، بنظر البعض، سيستند إلى معايير دينية أم دنيوية؟ فقال:« في الأساس سيستند على معايير دينية 100% ... ، وبالتالي كل برنامج وضعناه يتحدث عن الاقتصاد، عن الزراعة، عن التعليم، عن الصحة، عن الثقافة، عن كل أشكال العلاقات الاجتماعية بما فيها العمل العسكري والسياسي هو مستند على واقع ديني، وحتى في انتخابنا للمواطن الفلسطيني المسيحي عندنا المستند الشرعي». بطبيعة الحال سيكون ثمة مستندات شرعية كلما لزم الأمر، تماما مثلما تَطلَّبت المشاركة في السلطة استدعاء «قصة النبي يوسف» عليه السلام وتأويلها بما يتلاءم والمرحلة، وكذا استدعاء «صلح الحديبية» بالنسبة لعقد الهدنة الأمنية والسياسية مع إسرائيل!!! علما أن مثل هذه الأسانيد لم تكن قد استعملت من قبل ولا بأية مناسبة.

ثم سئل ثانية عن نظام العقوبات: « هل ... ستعملون على تطبيق الشريعة الإسلامية ومن بينها تطبيق الحدود أو العقوبات الشرعية الإسلامية حتى نكون دقيقين؟» فأجاب: «إذا أردنا أن نصور أن الحدود هي ستكون قطع اليد وقطع الرقبة فأعتقد أن في التاريخ الإسلامي عُطلت هذه الأشياء لأسباب موضوعية، وبالتالي نقول أن المجتمع الفلسطيني ليس مجتمعاً علمانياً وليس مجتمعاً غربياً سنفرض عليه بالقوة، هو يلتزم أصلاً .. أقول لك أن الدين الإسلامي يسيطر على حياة الفرد طواعية وبدون إكراه وهو ثقافة المسيحي وتاريخه ومركز اعتزازه».

(2) الشيخ حامد البيتاوي عضو المجلس التشريعي عن حماس في حوار مع جريدة «الغد (18)» الأردنية 20/2/2006.
يقول: «أما مخاوف البعض من الرجعية وفرض الحجاب وتقييد الحريات ومنها حرية المرأة مخاوف غير حقيقية»، وبعد أن ذكّر بأن «حماس» ليست: «حركة ناشئة ولا حركة غوغائية، بل لنا امتداد تاريخي عبر جماعة الإخوان المسلمين المعروفة بفكرها المعتدل»، ألقى بما لديه قائلا: «نحن لن نطبق الشريعة الإسلامية، ولكننا سنعمل قدر الإمكان على الالتزام بمبادئ الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة». وللتأكيد على سلامة التغيير السلمي وجدواه فقد عارضت الجماعة: «افتتاح كازينو أريحا» و «إقامة المهرجانات على أرضنا المحتلة بلا عنف»، و «وقفنا في وجه إقرار قانون عقوبات وتدريس كتب تتناقض مع جوهر الدين الحنيف»!!!

وكأن الشيخ لا يدرك أن معارضة الباطل أو المنكر مع بقائه يؤكد عدم جدوى المنهج. فمن يقول بأن كازينو أريحا مغلق؟ وماذا نسمي العنف الذي وقع في مهرجان فتح في الذكرى الثالثة لوفاة ياسر عرفات؟ ومن الذي تسبب فيه؟ ولماذا؟ ولماذا عارضت حماس مسودة قانون العقوبات في المجلس التشريعي؟ ألِأَن صحيفة «الحياة» اللندنية قالت أن نسخة النظام تضمنت: «عقوبات من بينها الجلد وقطع الأيدي والصلب والإعدام »، وقدمته بصورة استهدفت بحسب، رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني د. أحمد أبو حلبية،: « تخويف القارئ من حركة حماس، وإظهارها بصورة مشينة»؟ ربما! فسمعة الحركة أهم وأولى بالرعاية من غيرها حتى لو كانت حقا. هذا كل ما استطاعت الحركة السلمية العريقة أن تفعله طوال امتدادها التاريخي؟ المعارضة!!!؟

(3) سميرة الحلايقة، «البيان (19) » الإماراتية - 26/2/2006.
أكدت سميرة الحلايقة وهي زوجة لمعتقل على أن «حماس» لن تفرض الحجاب: « لأنها تؤمن بأنه لا يجوز استخدام العنف لفرض أحكام الشريعة الإسلامية ».

(4) عزيز دويك، «البيان (20)» الإماراتية - 25/2/2006.
في أعقاب فوز حماس في انتخابات 2006 أجرت وكالة الأنباء البريطانية « رويترز» في 23/2/2006 مقابلة مع رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك في رام الله، قال فيها:« أن الحكومة الفلسطينية الجديدة تحت قيادة حماس لن تجبر الفلسطينيين على تبني مبادئ الشريعة الإسلامية في حياتهم اليومية، ولن تعمل على إغلاق دور العرض السينمائي والمطاعم التي تقدم مشروبات روحية»، وأضاف: « إن حماس ... ستلجأ إلى أسلوب الموعظة الحسنة والإقناع لجعل الفلسطينيين يتجنبون المشروبات الروحية». وأوضح: «لا أحد في حركة حماس لديه النية في تطبيق الشريعة بالقوة. هذا أمر غير وارد في برنامجنا ولن نُقْدم على فعله». وزاد في الإيضاح: « سوف يتبع شعبنا ما يراه مناسبا، فالناس أحرار فيما ينوون فعله»؛ فما الذي ستفعله إذن «حماس» في المجلس التشريعي بحسب السيد الرئيس طالما أنها أوكلت أمر الشريعة والمشروبات الروحية وأوكار الفساد والإفساد إلى الرباعي «الناس، الحكمة، الموعظة، الإقناع»؟ إنه والكلام لـ د. دويك: « ... تضييق الفجوة بين الأغنياء والفقراء والمساواة بين المرأة والرجل وتحقيق العدالة الاجتماعية».
لولا أن النص مقتبس لقلنا أن محرر الخبر في الوكالة هو الذي سمى الخمور «مشروبات روحية»، ويا له من لطف!! فإذا كان رب العالمين سماها خمورا، فأي «حكمة وموعظة حسنة» وقفت خلف هذا الكرم الحاتمي كي تتمتع الخمور بكل هذا اللطف واللين؟ ألِِأَن شعبية الحركة مرشحة للارتفاع حتى بين صفوف المخمورين؟

(5) خالد مشعل – رئيس المكتب السياسي لحركة حماس– محطة « tv » الفضائية - 15/3/2006
« حماس لا تفرض برنامجها الاجتماعي والديني على الآخرين. هي تعرض ما لديها دون أن تلزمهم دون أن تكرههم، لا تلزم الناس، لا تلزم النساء بالحجاب، ولا تلزم الناس بمظاهر معينة، حماس لأن لديها قاعدة معينة: \\\\\\\"لا إكراه في الدين\\\\\\\"الدين اختيار وليس إجبار\\\\\\\"».

(6) أبو مرزوق، « البيان (21)» الإماراتية - 28/6/2007.
في حوار أجرته الصحيفة مع د. موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لـ « حماس» سئل عن: «اللبس الذي نشأ بعد أحداث غزة حول الدولة الإسلامية في القطاع وموقف «حماس» الحقيقي من هذا الموضوع»؟ فاعتبر أن: « كل التصريحات بصياغة مستقبل قطاع غزة بمعزل عن الضفة الغربية، تندرج في إطار خطة إسرائيلية هدفها الوصول إلى فصل غزة عن الضفة، ... وفي هذا السياق تأتي الحرب الدعائية حول ما سمي «حماسستان» أو الإمارة الإسلامية والهرطقات الأخرى التي لا أساس لها من الصحة». والأرجح أنها المرة الأولى التي يذكر فيها مسؤول من « حماس»، رسميا، عبارة «الإمارة الإسلامية».

(7) خالد مشعل – خلال مؤتمر صحفي في العاصمة السورية – دمشق في 16/7/2007، محطة الـ « بي. بي . سي (22) ».

« إن حماس ليست «بعبعا»، ولا تشكل مشروع أصولية إسلامية» مضيفا: « نحن حركة تحرير وطني لا نهدف إلى أسلمة المجتمع، ولن نفرض فكرنا على أحد».

(8) فوزي برهوم «القدس العربي (23-27/7/2007.
في مقابلة مع صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية؛ أبدى الشاعر الفلسطيني محمود درويش خشيته من أصولية حماس الثقافية. ومن جهتها طلبت صحيفة القدس العربي تعليقا من فوزي برهوم على مخاوف درويش فقال:
« حركة حماس أعلنت بكل وضوح نحن لا نسعى إلى تطبيق الأصولية ولا إلى إقامة إمارة إسلامية، وللتذكير فقط: كانت معنا الحكومة بالكامل ولم نطبق الشريعة ولا الإمارة الإسلامية، وأن أخلاقنا الإسلامية تأمرنا باحترام الكل واحترام الحريات وإقامة علاقات طيبة مع القوي الفاعلة على الساحة الفلسطينية والعربية والإسلامية ... على محمود درويش وغيره ألاّ يخافوا من حماس، فلن تكون تيارا متشددا كما توصف من قبل أمريكا وإسرائيل، حماس هي تيار وطني فلسطيني معتدل، حركة تحررية تسعى إلى تحرير فلسطين، أطمئن الجميع أنه لا خشية من حماس ولا من برنامجها». لو صبر برهوم قليلا ما كان بحاجة لهذا التطمين، لكنه الآن ربما يكون أحوج لمن يطمئنه.

(9) د. محمود الزهار - مقابلة خاصة على موقع «الجزيرة توك (24)» 6/11/2007.
سئل د. الزهار عن تصريح نقلته على لسانه صحيفة «دير شبيغل» الألمانية قال فيه: «أنه يمكن لنا إقامة إمارة إسلامية في غزة لاحقا, هل لا زلتم على موقفكم»؟ فأجاب بما يدعو للعجب حقا: «لسنا في حاجة لإمارة إسلامية, نحن نعيش في واقع إسلامي , والمجلة لم تنقل الصورة واضحة , وحرفت الأقوال, ونحن نعيش الإسلام منذ قرون , وليس هذا انقلاب على العلمانية لنقيم الإسلام, وحتى المسيحيين».

(10) أيمن طه – قيادي وأحد الناطقين باسم «حماس» – صحيفة «القدس (25)» الفلسطينية - 4/12/2008.
في إطار الحوار الفلسطيني الدائر في العاصمة المصرية – القاهرة، وموقف حماس من المصالحة الفلسطينية، وردا على تصريحات رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري مصطفى الفقي، والذي اتهم «حماس» بأنها تخدم الاحتلال في استيلائها على القطاع، وأن مصر لن تسمح بإقامة إمارة إسلامية على حدودها الشرقية مع قطاع غزة، أدلى أيمن طه بتصريح لوكالة « معا» الفلسطينية أكد فيه أن:
« حماس معنية بالمصالحة والحوار الفلسطيني وأنها تدعم جهود مصر من أجل إنجاحه ... وأنه لن يكون هناك إمارة إسلامية في القطاع، ولن تسعى حركته لذلك قائلا: لو كان كذلك لأعلناها منذ الرابع عشر من حزيران العام الماضي».

(11) خالد مشعل - « وكالات، فضائية الأقصى (26) « - 16/8/2009.
«نفى ... سعي حركته إلى تحويل قطاع غزة إلى إمارة إسلامية، عبر محاولة فرض الشريعة الإسلامية، مشددا على أنه ليس من سياسة حركته فرض التدين على أحد، لأن التدين يأتي بالقناعة وليس بالإكراه، مشيرا إلى أن فرض زِىّ إسلامي موحد على المحاميات خطوة قام بها رئيس مجلس العدل ورئيس المحكمة العليا في غزة، باجتهاد منه، وليس بقرار من حماس أو من حكومة هنية».

(12) د. أحد حلبية و د. أحمد بحر - « إسلام أون لاين (27) » 24/12/2008.
« نفى رئيس اللجنة القانونية في المجلس التشريعي الفلسطيني د. أحمد أبو حلبية «بشدة» ما أوردته صحيفة «الحياة» اللندنية في عددها الصادر في (24/12/2008) من أن كتلة «التغيير والإصلاح» التي تمثل حركة «حماس» بالمجلس قد أقرت «قانونا إسلاميا» ينص على تطبيق الحدود الشرعية، مشيرا إلى أن: «الوضع الحالي يمنع إقرار قانون كهذا» كما أن « تطبيق الشريعة يتم وفق مراحل»، على حد قوله. وفي موضع آخر قال: « نحن نرفع شعار الإسلام هو الحل، وقلنا من أول يوم فازت فيه حركة حماس إننا سنسعى إلى أسلمة القوانين، ولكن أكدنا في ذات الوقت أن تطبيق الشريعة يتم وفق مراحل». وفي معرض نفيه لما أثارته زوبعة قانون العقوبات قال رئيس المجلس التشريعي بالإنابة د. أحمد بحر: « في أكثر من مناسبة نفت حركة حماس ما تروجه بعض وسائل الإعلام بأنها تسعى لإقامة إمارة إسلامية في قطاع غزة».

2) مناقشة التصريحات
لسنا ندري إنْ كانت مسألة عدم القدرة على تطبيق الشريعة عند «حماس» أسيرة لبرنامجها الانتخابي ومشاركتها في السلطة أو بالحصار المفروض على غزة أو حتى بماض تليد سبق وأن عبّر عنه الشيخ أحمد ياسين في أكثر من مناسبة، وعلى منابر إعلامية عدة، فضلا عن توثيقه في الكتب والصحف والكراسات. فقد سئل الشيخ من قِبَل صحيفة «النهار» المقدسية (30/4/1989 – عدد 797) عن أن: « الشعب الفلسطيني يريد دولة ديمقراطية, وأنت؟؟ لماذا تعانده؟»، فأجاب: « وأنا أيضاً أريد دولة ديمقراطية متعددة الأحزاب, والسلطة فيها لمن يفوز في الانتخابات»، ثم استفسر منه ثانية: « لو فاز الحزب الشيوعي, فماذا سيكون موقفك؟» فقال: « حتى لو فاز الحزب الشيوعي فسأحترم رغبة الشعب الفلسطيني».

الحقيقة أن أطرف ما في تصريحات «حماس»، كحركة إسلامية، أنها جاءت أشبه ما تكون برد الصائل! فتارة بدت وكأنها تدفع عن نفسها « عدوانا غاشما» كلما اتهمتها السلطة أو غيرها بالسعي لتطبيق الشريعة، وفي حين آخر ظهرت وكأنها في قفص اتهام تواجه «تهمة جنائية ظالمة» تَجْهد في التبرؤ منها!

لا شك أن التهيئة لتطبيق الشريعة أمر واجب إذا كانت هناك نوايا فعلية في هذا الاتجاه. لكن التعلل بالتدرج والمرحلية فهذه مصطلحات عفا عليها الزمن ولم تعد تتمتع بأية مصداقية لمن يتمسك بها ويعتقد أنها سلاحه الفتاك في ردع الخصوم، فهي لم تُستعمل أصلا إلا للتهرب من استحقاقات الانتساب إلى الإسلام والمسلمين وتمييعها. فالذي يقرأ تاريخ الحركات الإسلامية في صراعها مع العلمانية وقوى اليسار يعلم حق العلم أن هذه المصطلحات هي ذاتها التي كانت تستعمل منذ خمسينات القرن العشرين. والذي يطلع على وثائق الجماعات الجهادية في مصر السبعينات سيرى المطارحات التي خيضت والردود الكثيفة التي حفظتها متون الكتب والصحف على اختلافها، وحتى مضامين الندوات الرسمية والأكاديمية لم تخل منها. لست هنا معنيا في الرد الشرعي على هكذا مصطلحات، حيث للأمر أهله، لكني كمسلم يدرك بعض دينه أحسب أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان آخر الأنبياء، وأن الدين بوفاته اكتمل، والوحي انقطع والقرآن محفوظ، والأحكام موجودة، والسنة قائمة، والمجتمع مسلم وليس بكافر. وحتى لو كان كافرا فالدعوة إلى الله له بالحكمة والموعظة الحسنة لا تتطلب استشارته أو إرادته وإلا ما كان هناك في التاريخ الإسلامي فتوحات صلح أو عنوة، ولمَّا يكون هذا حال المجتمع الكافر فما بال المجتمع المسلم؟

يمكن القول حقا بأن «حماس» غير قادرة فعلا على تطبيق الشريعة إلا بحدود معينة بالكاد يمكن ملاحظتها لأكثر من سبب وسبب، ولست أدري إن كان هذا عذرا شرعيا أم لا، لكن بأي حق يترك أمر تطبيق الشريعة إلى اختيار العامة من الناس وحريتهم ليقرروا إذا ما كانت تناسبهم أو لا ؟؟!!! فهل بعث الله الرسل والأنبياء ليستشيروا الناس فيما قرره رب العزة في خلقه؟ واضح أن المسألة هنا لم تعد تدرجا ولا إقناعا. إذ كيف يكون فرض الحجاب، مثلا، بالحكمة والموعظة الحسنة والإقناع!؟ فإذا لم يقتنع الشعب بالحجاب خاصة وأن الناس مدفوعة وراء شهواتها وملذات الحياة إلا من رحم الله؛ وإذا ما استنفذ الإقناع والحكمة والموعظة؛ فهل سيترك الناس على ما تشتهي أنفسهم؟ أم أنهم يستحقون، حينها، سفك دمائهم كما سُفكت في المساجد والأحياء؟ ألم يكن الذين قُتلوا في مسجد ابن تيمية برفح يستحقون صبرا وقليلا من الحكمة والموعظة الحسنة والإقناع أكثر مما هو متاح لـ «المشروبات الروحية»؟ أم أنهم استنفذوها فاستحقوا القتل؟؟!! أم أن سفك الدماء أسهل من فرض الحجاب وحظر الخمور؟

إذن فلتفعل «حماس» ما تشاء. فنحن هنا، فقط، نناقش نصوص وردت على ألسنة القادة من «حماس» و «الإخوان». وهذه النصوص اشتملت على الكثير من التناقضات والتخبطات، وكل ما في الأمر أن تحظى التساؤلات بإجابة منطقية لا شرعية. لاحظ، مثلا، تصريح خالد مشعل (7) الذي يقول فيه أن: «حماس لا تهدف إلى أسلمة المجتمع» بينما يعاكسه في الاتجاه د. أحمد أبو حلبية (12) الذي يقول: «من أول يوم فازت فيه حركة حماس إننا سنسعى إلى أسلمة القوانين»! فمن هو الصادق؟ ومن هو الكاذب؟

لاحظ أيضا تصريح خالد مشعل لمحطة (tv » (5» وهو يقول: « حماس لا تفرض برنامجها الاجتماعي والديني على الآخرين. هي تعرض ما لديها دون أن تلزمهم دون أن تكرههم، لا تلزم الناس، لا تلزم النساء بالحجاب، ولا تلزم الناس بمظاهر معينة ... الدين اختيار وليس إجبار»، وقارنه بتصريح د. الزهار (9) وهو يقول: « لسنا في حاجة لإمارة إسلامية... نحن نعيش في واقع إسلامي , ... ونحن نعيش الإسلام منذ قرون ... ». فالأول يتعامل مع الفلسطينيين وكأنهم شعبا بوذيا وليس مسلما ويستدل بالآية الكريمة: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ - البقرة : 256 } ، تماما كما سبق واستدل د. أبو الفتوح على «حد الردة» بقوله تعالى: { فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ - الكهف : 29}! والثاني يتعامل معهم وكأنهم في عصر الصحابة. وفي كلتي الحالتين لا بد وأن تكون التساؤلات التالية مشروعة: ما هي الجدوى من وجود جماعات إسلامية أو جهادية، في فلسطين أو غير فلسطين، إذا كان الدين اختيارا حتى على المسلمين؟ وما هو المميز في خطاب «حماس» ومن ورائها «الإخوان»؟ وما هي وظيفة هذه الجماعات حيث كانت؟ ولماذا اختارت أن تكون مرجعيتها إسلامية؟ العجيب أن الخطاب السياسي الرسمي كان يتهم هذه الجماعات بالتستر في الدين لتحقيق أغراض سياسية كالوصول إلى السلطة! وأحسب أن هذه الجماعات تفسح الطريق لهذه التهمة بإرادتها، خاصة الجيل الجديد من «الإخوان» أكثر من غيرهم.

أما مسألة إقامة الحدود فما من أحد يتصور إقامتها اعتباطيا. فهي أولا وآخرا جزء من المنظومة الإسلامية، ولعلها من أطرف المفارقات حقا أن ترمي «حماس» خصومها من الجماعات الجهادية بالجهل في الإسلام والشريعة معتبرة أن تطبيق الشريعة ليس فقط مجرد حدود، وهي التهمة التي لطالما رُميت بها كافة الجماعات الإسلامية سابقا وفي مقدمتها «الإخوان المسلمين» أنفسهم الذين يتعرضون، منذ دخولهم الانتخابات سنة 2005، لذات المساءلة أو التهمة!!! لكن تطبيق حدٍّ واحد، لمن يطالب بتطبيق الشريعة، سيكون بمثابة مؤشر جدي على بلوغ مسألة تطبيق الشريعة ذروتها. وبما أنه لم يطبق حتى حد التعزير، على الأقل، فهذا يعني أن مسألة التدرج بعيدة جدا عن الحقيقة إنْ لم تكن مجرد تَعِلَّة بيد أصحاب الشأن. ولعل في تصريحات الشيخ حامد البيتاوي (2) لجريدة «الغد» ما ينفي كل زعم أو جدوى بأن «حماس» ماضية في أسلمة المجتمع أو القوانين. فإذا كان التدرج بالحكمة والإقناع وحرية الاختيار تعني مجرد المعارضة فسيكون حال الشريعة كحال الفرزدق ومربع! زعم الفرزدق أنْ سيقتل مربعاً ... أبشر بطول سلامة يا مِربعُ.

فأي تدرج هذا الذي يبدأ برفض قرار محكمة يُلزم المحاميات بارتداء الحجاب؟ وأي تدرج هذا الذي يسمح بتسمية الخمور بالمشروبات الروحية؟ وأي تدرج هذا الذي يسمح بكل هذا الكم الهائل من التصريحات المعادية لأية دعوة تتعلق بالشريعة أو حتى بالمظهر الإسلامي؟ وأي تدرج هذا الذي يسمح لـ «حماس» بأن تدافع عن نفسها أمام الشريعة وكأنها الخصم (الباطل) وهي الأصل (الحق)؟ وأي تدرج هذا الذي يسمح بحشد آلاف المقاتلين لإنقاذ صحفي أجنبي ويهدد بارتكاب مجزرة بجموع المسلمين إذا لم يُطلق سراحه؟ وأي تدرج هذا الذي يسمح بتكسير الأرجل وإطلاق النار عليها وبترها وسفك دماء الناس في المساجد والشوارع والأحياء ثم تُشوه سمعة الضحايا ويُفترى عليهم دون أن يجرؤ أحد على محاسبة الجناة أو مساءلة الحكومة؟ وأي تدرج هذا الذي تظهر فيه أخلاق الغطرسة والعزة بالإثم واللغة السوقية والاتهامات والتشكيك على جماعة من المفترض أنها ذات أخلاق إسلامية رفيعة ونموذج يحتذى حتى للخصوم؟ أي تدرج هذا الذي يبيح الكذب بصورة تقشعر لها الأبدان، ويتخذه نهجا ويصر عليه، غير آبه بخلق ولا دين، حتى بعد فضحه على الملأ، وبالأدلة القاطعة؟

لكن يبقى السؤال الأول: أليست «حماس» أولى في الالتزام بشرع الله قبل غيرها؟ أم أنها فوق الحكم الشرعي والمساءلة؟ وكم من الوقت ستحتاج «حماس» بمثل هذه التصريحات لتبدو على المجتمع مظاهر الإسلام؟ والسؤال الأهم: هل يمكن تصنيف تصريحات «حماس»، فيما يتعلق بتطبيق الشريعة، والتسوية والتحالف مع الشيعة والكذب والتشويه وارتكاب المجاز وغيرها من الممارسات ضمن «معركة المصحف»؟ لكن ما هي قصة «معركة المصحف»؟
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.33 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.88%)]