
10-10-2009, 09:40 AM
|
 |
مراقبة الملتقيات
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,883
الدولة :
|
|
رد: يتيم.. في حـيــاة أبي
وتمضي الأيام وتذهب أم عبدا لرحمن زوجة السيد عطية إلى جارتها السيدة سعاد وتلطف جو الغضب الذي ساد العلاقة بين السيد مروان بن صالح وعائلته وتعود الأمور إلى شبه مجاريها ويذهب مروان بزوجته إلى السوق ويشتري لها وبنتاها بعض القطع الذهبية وكذلك أقمشة وملابس وما طلبته منه في ذلك اليوم .
وبعد ذلك أخذ السيد مروان زوجته وأطفاله وذهب بهم إلى منـزل السيد محفوظ عبد الغفار فقد كان الجميع في عزومة للعشاء بمناسبة عقد الملاك، وكان من ضمن الحضور السيد عباس وعائلته .
لم تكن السيدة سعاد تريد أن تخلق لنفسها ولأولادها مشكلة مع أبيهم فعقدت العزم على الحضور لكنها بعد أن شاهدت العروس انقلبت الموازيين ، فقد كانت ضرتها فوق كل التوقعات .
لقد شعرت بأن البساط قد سحب من تحت قدميها فهي لن تقدر ولو استعملت جميع مساحيق الدنيا أن تجاريها ، كما أن العروس لا تزال في ريعان الشباب ولديها ما تغري به زوجها أيضاً وهو الراتب وشعرت بصدمة كبيرة ، إلا إنها كانت تخفي ذلك حرصاً منها على عدم إظهار حرجها من ذلك الموقف . كما كتمت ذلك عن زوجها إلا أن ابنتها فادية عرفت ذلك في وجه أمها ، فعند عودتهم إلى الشقة دخلت سعاد في غرفتها متظاهرة بالتعب فلحقت بها فادية فإذا هي جالسة على سريرها وقد وضعت وجهها بين راحتيها تجهش بالبكاء بصوت منخفض .
وضعت البنت يدها على كتف أمها وأخذت تهون عليها من ذلك الموقف .
- لماذا تبكي يا أمي فأنت امرأة وهي امرأة وأبي قد وعدك ووعدنا جميعاً بأن يكون كل شيء بيدك .
- أبوك . أنت لا تعرفين أبوك مثلي .
- إنني واثقة فيما قاله يا أمي .
- عسى أن يكون ما قاله صحيحاً أو نصفه على الأقل ولكنني أعرفه ، فأبوك يحب الفلوس كثيراً .
- كل الناس تحبها يا أمي وربما يكون قدومها علينا قدوم سعد .
- سعد . لا اعتقد ذلك .
- بلى يا أمي . توكلي على الله ، والذي أريده منك أن تصلي ركعتين لكي يذهب الله بها عنك هذه النفس الشريرة ، وإن شاء الله يكون كل شيء كما تحبين .
وتمضي الأيام ويتزوج السيد مروان وتسكن غادة في الدور العلوي ويعيش الجميع عائلة واحدة تقريباً .
تذهب غادة في الصباح الباكر مع السيد عباس وزوجته كعادتها وتعود معه بعد نهاية الدوام .
تعطي زوجها مروان من راتبها ( 2000 ) ريال. وتمضي سنتين والأمور من حسن إلى أحسن . وفي بداية السنة الثالثة انتقلت زوجة عباس من المدرسة التي تعمل فيها غادة وعادت من المدرسة وهي كئيبة حزينة فأخبرت زوجها بذلك وطلبت منه أن يوصلها إلى المدرسة كل يوم فالسيد عباس قد انتقلت زوجته إلى مدينة الطائف . فاستجاب لذلك وأخذ يذهب بها إلى المدرسة بسيارته وإن كانت قديمة موديلها إلا أنها بحالة جيدة . غير أن قدم الموديل هذا يسبب حرجاً لغادة من بعض زميلاتها . كما أن جزء من الطريق لم يعبد والسيارة الكابرس ليست السيارة المثالية لذلك .
وبعد مرور شهر تقريباً أخذت غادة تحث زوجها على تغيير السيارة .
- إن هذه السيارة لم تعد تصلح لنا فأنا اعتقد أن كثير من المعلمات سوف يذهبن معنا في حالة تغيير سيارتك .
- إنهن ثلاث فقط والسيارة التي معنا الآن تكفينا جميعاً وربمـا انتقل بعضهن فنحن لا نزال في أول السنة .
- بالإمكان أن نأخذ بعض المعلمات اللاتي يعملن في مدارس مجاورة .
- ليس لدي ما يكفي لشراء سيارة جديدة .
- سوف أساعدك في ذلك .
- ليس لدي أكثر من عشرة آلاف ريال .
- وأنا سوف أدفع عشرين آلفاً .
- ثلاثون آلف لا تكفي لشراء سيارة نظيفة .
- عليك أن تبيع الورشة فهي ليست بذات دخل كبير وربما نقل المدرسات سوف يكون أفضل منها بكثير علاوة على خروجك من مستنقع الزيوت ورائحة الشحوم .
- إنها مصدر رزق وكيف تريدين مني أن أغلقه ونحن في أشد الحاجة إليه .
- إن نقل المدرسات مصدر رزق أيضاً وانظر إلى عباس لقد كان يعتبر موظفاً ، فإنه يذهب مع المدرسات وينتهي عمله معهن ويمكن أن يكون دخله أحسن من دخل الورشة التي تملكها ثم إنه يستريح بقية النهار بالإضافة إلى الخميس والجمعة .
كانت هذه الكلمات تلقي رواجاً لدى السيد مروان فهو قد تقزز من أعمال الورشة ويريد أن يركب سيارة مثل سيارة السيد عباس وأن يرتاح من متابعة الورشة سيما وأنه قد حلم أيضاً أنه سوف يدخل إلى الثروة من أوسع أبوابها بفضل ما يحصل عليه من نقل المدرسات .
بعد فترة من الزمن ليست طويلة باع السيد مروان الورشة واشترى سيارة سوبربان حديثة الموديل تضاهي سيارة عباس بل تفوقها حسناً وحداثة وابتدأ ينقل زوجته وزميلاتها إلى المدرسة وهناك ينتظرهن حتى نهاية الدوام ثم يعود بهن إلى الطائف وبقيت حياته المعيشية بنفس المستوى واستطاع أن يحافظ على مستوى العائلتين وإن كان الخاسر الوحيد من نقله للمعلمات هم أطفاله حيث أنهم لم يذهبوا بعدها إلى المدرسة إلا مشياً على الأقدام .
وتمر الأيام والسنين وتنهي فادية دراستها للمرحلة المتوسطة وتريد أن تدرس بالمرحلة الثانوية .
وكانت فادية وكذلك جميع أخوتها متفوقون دراسياً . بل كانوا دائماً الأوائل على صفوفهم .
كان السيد مروان كثير الجلوس مع زوجته الجديدة غادة وقد رزق منها بطفلة صغيرة أسمياها هند .
وكانت غادة تضع ابنتها عند السيدة سعاد حتى عودتها من المدرسة ولكن سعاد قد لاحظت أكثر من مرة أن غادة كانت تظهر اللوم وعدم الرضى مدّعية أنها لا تعتني بها كما يجب ، الشيء الذي جعل السيدة سعاد تتعب من تلك المعاملة وذات يوم حضرت السيدة غادة من المدرسة . وكانت السيدة سعاد قد جهزت الغداء كعادتها في كل يوم إلا أن غادة في ذلك اليوم حملت ابنتها وأخذت تتفقدها .
- يظهر إنها قد بكت لوقت طويل .
فقالت لها السيدة سعاد :
- أي طفل لابد أن يبكي عندما تتغير ملابسه .
- إنني أشم رائحة البول في ملابسها .
- إنها ليست كذلك . وهذا بدلاً من اسمع منك كلمة شكراً .
وعند ذلك التفت إليها السيد مروان وقال :
- شكر . أي شكر .
- إنني أرعاها وأحافظ عليها أكثر من إخوانها .
- هذا شغلك . يقول ذلك السيد مروان .
- إنه ليس شغلي فأنا لست خادمة لديها .
- بلى . إنه من صميم عملك .
- الله يسامحك . ثم اتجهت إلى المطبخ وإذا بها تخرج بالطعام فلا تجد أحداً سوى أطفالها الذين قد خيم عليهم صمت مطبق . فقد ذهبت غادة إلى شقتها وتبعها السيد مروان .
أرسلت سعاد ابنها حسين وفادية بجزء من الأكل إلى الشـقة العلوية فلم يجدا أحداً . لأنهما قد ذهبا لتناول الغداء في أحد المطاعم خارج الشقة.
من ذلك اليوم بدأت النفوس في التنافر وأخذت كل واحدة من الزوجات تعدد غلطات الأخرى ، والسيد مروان يقف كالمتفرج ، بل عوناً لزوجته الجديدة على سعاد وأطفالها ، بل فكر في إبعاد زوجته السابقة والأطفال إلى قريته . قرية الحانوت حتى يستريح من تلك المشاكل التي لا يستطيع حملها فعرض ذلك الأمر على زوجته السابقة فقالت :
( 1 ) - كيف العروس .؟
- ممتازة .
- يعني نقول يا رب .
- توكلنا على الله .
- نبدأ في الحديث مع أخيها .؟
- نعم .
عند ذلك دخل السيد محفوظ وجلس في مكانه فقال السيد عباس :
- الحمد لله هناك قبول إن شاء الله من الطرفين ولكننا نريد أن ندخل في التفاصيل كي يبدأ الأخ أبو حسين الاستعداد للزواج .
- توكل على الله .
- سوف يدفع السيد مروان مهراً قدره عشرون ألف ريال .
- هذا لا يكفي .
- بل يكفي فأنا اعرف ما عنده .
- أنت ترى ذلك .
- نعم . وأنت إنشاء الله لا تطمع في صهرك .
- موافق .
عند ذلك تدخل السيد مروان وقال :
- سيكون المهر في يدك بعد أسبوع إنشاء الله .
- وأين سيكون الزواج .؟
- سيكون في أرض بجانب العمارة التي نسكنها .
- إنني أريد أن يكون الزواج في قصر . وأنا سوف أدفع أجرة القصر.
- بارك الله فيك .
وقال السيد محفوظ عند ذلك هناك شرط أريد أن يكون مفهوماً لديك .
- ما هو .؟ قال ذلك السيد مروان .
- لابد أن تعيش أختي في شقة منفردة .
- وأنا موافق .
عند ذلك تدخل السيد عباس وقال :
- لم يبق شيئاً الآن
- ثم قام إلى صديقه مروان وقال :
- مبروك .
- الله يبارك فيك .
ثم نهض محفوظ أيضاً وبارك للعريس وفي تلك اللحظة كانت الزغاريد تنطلق من داخل المنـزل وكأن النساء قد كن آذان صاغية من خلف الأبواب .
وعندما همَّ السيد مروان وزميله السيد عباس بالانصراف أقسم عليهما السيد محفوظ عبد الغفار أن لا يذهبا قبل تناول طعام العشاء .
وبعد العشاء انصرفا فقال عباس :
- مبروك . ولكنني لا أريد زواجك هذا يؤثر على حياتك مع زوجتك أم حسين وأطفالك .
- أنني أعرف تماماً ما تريد أن تقوله ولكننا لم نحدد وقت عقد الملاك.
- أي وقت تريد وأفضّل عندما نذهب لتسليم المهر فأنت قد وعدته بأن يكون في يده بعد أسبوع .
- نعم هذا صحيح .
وأوصل مروان زميله عباس إلى منـزله وعاد إلى شقته ووجد صاحب العمارة السيد عطية ومجموعة من الجيران يتسامرون أمام السوق المركزي فسلم وجلس فقال السيد عطية :
- أين كنت يا أبا حسين .
- كنت في عزيمة لأحد الأصدقاء .
- كأنك عريس .
- ولم لا .
- من حقك . إذا كان ذلك صحيح فالشقة موجودة.
- أين .؟
- لقد سافر أحد سكان الدور الثالث .
- من هو .
- عبد الحافظ مهندس البلدية .
- كم كانت أجرتها ؟.
- ثمانية آلاف ريال .
- ان تعطنيها بخمسة آلاف أنا استأجرها .
- بل بستة آلاف .
- وأنا قبلت .
- معنى ذلك أنك عملتها يا لئيم .
- هذا حسد ظاهر لا تستطيع أن تكتمه .
- أتتكلم جاد ؟.
- نعم وكان في جيبه 500ريال فأعطاها إلى السيد عطية وقال :
- هذا العربون .
- أخذ السيد عطية الفلوس وقال :
- غداً سيكون المفتاح في يدك .
- توكلنا على الله .
وأحس السيد مروان أنه قد سار ثلاثة أرباع المشوار فقد كانت الشقة من أهم المشاكل التي كان يفكر بها .
وفي اليوم الثاني قال السيد مروان لزوجته :
- نريد أن نخرج إلى الشفا من أجل الأولاد .
- أن لنا وقت لم نخرج من الشقة فأنت قد عرفت ما نفكر به .
وبعد صلاة العصر خرج الجميع إلى الشفا للنـزهة وأثناء الطريق قال السيد مروان لزوجته :
- هل رأيت ذلك الأثاث الموجود في منـزل السيد عباس .
- نعم . لقد قالت لي زوجته أنهم حصلوا على قرض من بنك التنمية العقاري .
- وكذلك زوجته معلمة .
- ليس لزوجته دخل في ذلك فالقرض من البنك والأرض كان يملكها منذ زمن .
- ما رأيك يا سعاد لو أتزوج أنا أيضاً بمعلمة يكون راتبها زيادة خير على دخل الورشة .
عند ذلك استدارت إليه وأخذت تكلمه بلهجة تخنقها الحسرة والألم:
- أعرف أن هذه النزهة ليست لمجرد الاستجمام فأنت تريد أن تقول شيئاً.
- أريد أن أقول أنني وحيد وليس لي أخوة وإذا وجدت عروس في مواصفات زوجة عباس فأنت قد رأيت بعينك ذلك الود الذي بين زوجتيه .
- إنك تلهث خلف الراتب وحتى لو كان ذلك على حساب سعادتنا وسعادتك ولكنك قد لا تجد مثل زوجة عباس كما أن ظروفه غير ظروفك فأنت بحمد الله لديك أطفال ونحن مرتاحين ودخل الورشة جيد جداً ونحن مستورين والحمد لله ولم ينقص علينا شئ .
- ولكن الشرع قد أحل ذلك .
- الشرع لا يأمرك أن تخرب بيتك بمعنى إذا كنت مرتاح بزوجة واحدة فلا داعي للثانية وإذا كنت مرتاح مع اثنتين فلا داعي للثالثة وهكذا.
- لو كان الأمر كذلك لذكرت نصائحك هذه في القرآن ولكن لله في ذلك حكمة وحتى يكون الأمر واضحاً لقد خطبت معلمة وسوف يكون الزواج في الصيف بإذن الله .
عند ذلك أخذت زوجته السيدة سعاد تبكي ثم ساد صمت مطبق في السيارة وأدار السيد مروان مقود سيارته وعاد بهم إلى الشقة . ثم صعدت سعاد وأطفالها إلى شقتهم ..
أما هو فقد بقي أمام العمارة مع زملائه الذين يتسامرون كل ليلة في ذلك المكان وجلس في طرف الجلسة بوجه مكفهر عابس فالتفت إليه عطية وقال :
- من الذي قد نكّد عليك . لله درّه .
- الله ينكّد عليك .
- النكد باين في وجهك فما الأمر .
- لا شئ .
- هذا ليس صحيحاً . إن لم يخطئ ظني إنك قد أخبرت زوجتك بموضوع فضيحتك الجديدة .
- هل الزواج فضيحة .
- بل ستر ولكن ليس في كل وقت .
- هذا بدلاً من مساعدتك ومد يد العون لأخيك وجارك لأكثر من عشر سنوات .
- أنت تعرفني أكثر من غيرك فأن أنت احتجتني فستجدني عند حسن ظنك وأنا أمزح معك يا رجل .
ثم أشار مروان إلى السيد عطية بأن يقترب منه وقال :
- أريد مفتاح الشقّة لكي أبدأ في تجهيزها للعروس .
- هل خطبت فعلاً .؟
- نعم .
- الآن أتيك بالمفتاح والتفت إلى ابنه وقال :
- هـات مفتاح الشقة العلوية من الدولاب الذي بجانب سريري إنه في ميدالية زرقاء .
ذهب الولد وبعد قليل عاد والمفتاح في يده...
- ثم أعطى السيد مروان المفتاح وقال :
- بالرفاه والبنين ومن هي تعيسة الحظ . اقصد سعيدة الحظ التي ستتزوجها . قالها وضحك .
- إنها أخت محفوظ عبد الغفار صاحب المفروشات التي في شارع شهار .
- أعرفه . وهل العروس معلمة .؟
- نعم .
- هذا ما جذبك إليها .
- ليس كما ذكرت فهي جميلة وأنا أريد الزواج منذ زمن .
- هذا شيء يعود إليك . ولكن ماذا دار مع زوجتك . هل تقبلت الموضوع ؟
- ليس لديها روح رياضية 0 بل روح نكدية . ٍأكثر من اللازم . وهذه رجعتنا . وأريد منك أن ترسل لها أم عبدا لرحمن لكي تهّون معها الأمر بعض الشيء حتى تقبل به .
- ليس لدي مانع ، ولكن الأمر يحتاج منك إلى تليين الموقف قليلاً فتبسط يدك معهم واتق الله فيهم يا رجل . لقد سئموا من الفول واللبن ، فهل تعتقد أن العروس سترضى بنفس المعيشة أم أنها ستأكل غير ما كنتم تأكلون .
- هذا ليس من شأنك فأنا أحسن زبون عندك في السوق وراجع دفترك والحمد لله نأكل بفلوسنا فأنت لا تتصدق علينا بشيء .
- هذا صحيح وتعيش وتشتري يا أبو حسين .
ثم انصرف مروان من الجلسة على وعدٍ من السيد عطية بأنه سوف يرسل زوجته لتلطّف الجو الذي عكّره فكرة الزواج مع السيدة سعاد .
وعندما وصل إلى الشقة وجد زوجته جالسة على باب غرفتها .
- السلام عليكم .
- وعليكم السلام .
ثم قامت ابنته فادية التي كانت جالسة بجانب أمها وأمها تبكي وقالت :
- لماذا تريد أن تتزوج على أمي يا أبي .
- هذه سنة الحياة . وأمك لا تزال زوجتي وهي الأصل وهي سيدة البيت الأولى والأخيرة .
عند ذلك التفتت إليه زوجته وقالت :
- إن كـان هدفك المادة فأنا مستعدة لبيع حصتي من ما ورثته عن أبي وأعطيك قيمتها .
- ليس هدفي المادة كما تذكرين ، ولكن لي رغبة في الزواج منذ زمن.
- لماذا وما ينقصك ؟
- لم ينقصني شيء بحمد الله وأنت سوف تكونين كما ذكرت أم العيال والبيت وكل شيء .
- حسبي الله ونعم الوكيل . حسبي الله ونعم الوكيل .
وانفجرت باكية مرة أخرى ودخلت إلى غرفتها وتحوّل الجو إلى نكد من جديد، ولكنه قد قال في نفسه لابد من هذه العاصفة... لكنها سوف تهدأ شيئاً فشيئاً والناس هكذا ، ولا يوجد بيت من دون مشاكل أو منغصات ولكن الأمور ستسير مع الزمن إلى وضع طبيعي .
وتمضي الأيام وتذهب أم عبدا لرحمن زوجة السيد عطية إلى جارتها السيدة سعاد وتلطف جو الغضب الذي ساد العلاقة بين السيد مروان بن صالح وعائلته وتعود الأمور إلى شبه مجاريها ويذهب مروان بزوجته إلى السوق ويشتري لها وبنتاها بعض القطع الذهبية وكذلك أقمشة وملابس وما طلبته منه في ذلك اليوم .
وبعد ذلك أخذ السيد مروان زوجته وأطفاله وذهب بهم إلى منـزل السيد محفوظ عبد الغفار فقد كان الجميع في عزومة للعشاء بمناسبة عقد الملاك، وكان من ضمن الحضور السيد عباس وعائلته .
لم تكن السيدة سعاد تريد أن تخلق لنفسها ولأولادها مشكلة مع أبيهم فعقدت العزم على الحضور لكنها بعد أن شاهدت العروس انقلبت الموازيين ، فقد كانت ضرتها فوق كل التوقعات .
لقد شعرت بأن البساط قد سحب من تحت قدميها فهي لن تقدر ولو استعملت جميع مساحيق الدنيا أن تجاريها ، كما أن العروس لا تزال في ريعان الشباب ولديها ما تغري به زوجها أيضاً وهو الراتب وشعرت بصدمة كبيرة ، إلا إنها كانت تخفي ذلك حرصاً منها على عدم إظهار حرجها من ذلك الموقف . كما كتمت ذلك عن زوجها إلا أن ابنتها فادية عرفت ذلك في وجه أمها ، فعند عودتهم إلى الشقة دخلت سعاد في غرفتها متظاهرة بالتعب فلحقت بها فادية فإذا هي جالسة على سريرها وقد وضعت وجهها بين راحتيها تجهش بالبكاء بصوت منخفض .
وضعت البنت يدها على كتف أمها وأخذت تهون عليها من ذلك الموقف .
- لماذا تبكي يا أمي فأنت امرأة وهي امرأة وأبي قد وعدك ووعدنا جميعاً بأن يكون كل شيء بيدك .
- أبوك . أنت لا تعرفين أبوك مثلي .
- إنني واثقة فيما قاله يا أمي .
- عسى أن يكون ما قاله صحيحاً أو نصفه على الأقل ولكنني أعرفه ، فأبوك يحب الفلوس كثيراً .
- كل الناس تحبها يا أمي وربما يكون قدومها علينا قدوم سعد .
- سعد . لا اعتقد ذلك .
- بلى يا أمي . توكلي على الله ، والذي أريده منك أن تصلي ركعتين لكي يذهب الله بها عنك هذه النفس الشريرة ، وإن شاء الله يكون كل شيء كما تحبين .
وتمضي الأيام ويتزوج السيد مروان وتسكن غادة في الدور العلوي ويعيش الجميع عائلة واحدة تقريباً .
تذهب غادة في الصباح الباكر مع السيد عباس وزوجته كعادتها وتعود معه بعد نهاية الدوام .
تعطي زوجها مروان من راتبها ( 2000 ) ريال. وتمضي سنتين والأمور من حسن إلى أحسن . وفي بداية السنة الثالثة انتقلت زوجة عباس من المدرسة التي تعمل فيها غادة وعادت من المدرسة وهي كئيبة حزينة فأخبرت زوجها بذلك وطلبت منه أن يوصلها إلى المدرسة كل يوم فالسيد عباس قد انتقلت زوجته إلى مدينة الطائف . فاستجاب لذلك وأخذ يذهب بها إلى المدرسة بسيارته وإن كانت قديمة موديلها إلا أنها بحالة جيدة . غير أن قدم الموديل هذا يسبب حرجاً لغادة من بعض زميلاتها . كما أن جزء من الطريق لم يعبد والسيارة الكابرس ليست السيارة المثالية لذلك .
وبعد مرور شهر تقريباً أخذت غادة تحث زوجها على تغيير السيارة .
- إن هذه السيارة لم تعد تصلح لنا فأنا اعتقد أن كثير من المعلمات سوف يذهبن معنا في حالة تغيير سيارتك .
- إنهن ثلاث فقط والسيارة التي معنا الآن تكفينا جميعاً وربمـا انتقل بعضهن فنحن لا نزال في أول السنة .
- بالإمكان أن نأخذ بعض المعلمات اللاتي يعملن في مدارس مجاورة .
- ليس لدي ما يكفي لشراء سيارة جديدة .
- سوف أساعدك في ذلك .
- ليس لدي أكثر من عشرة آلاف ريال .
- وأنا سوف أدفع عشرين آلفاً .
- ثلاثون آلف لا تكفي لشراء سيارة نظيفة .
- عليك أن تبيع الورشة فهي ليست بذات دخل كبير وربما نقل المدرسات سوف يكون أفضل منها بكثير علاوة على خروجك من مستنقع الزيوت ورائحة الشحوم .
- إنها مصدر رزق وكيف تريدين مني أن أغلقه ونحن في أشد الحاجة إليه .
- إن نقل المدرسات مصدر رزق أيضاً وانظر إلى عباس لقد كان يعتبر موظفاً ، فإنه يذهب مع المدرسات وينتهي عمله معهن ويمكن أن يكون دخله أحسن من دخل الورشة التي تملكها ثم إنه يستريح بقية النهار بالإضافة إلى الخميس والجمعة .
كانت هذه الكلمات تلقي رواجاً لدى السيد مروان فهو قد تقزز من أعمال الورشة ويريد أن يركب سيارة مثل سيارة السيد عباس وأن يرتاح من متابعة الورشة سيما وأنه قد حلم أيضاً أنه سوف يدخل إلى الثروة من أوسع أبوابها بفضل ما يحصل عليه من نقل المدرسات .
بعد فترة من الزمن ليست طويلة باع السيد مروان الورشة واشترى سيارة سوبربان حديثة الموديل تضاهي سيارة عباس بل تفوقها حسناً وحداثة وابتدأ ينقل زوجته وزميلاتها إلى المدرسة وهناك ينتظرهن حتى نهاية الدوام ثم يعود بهن إلى الطائف وبقيت حياته المعيشية بنفس المستوى واستطاع أن يحافظ على مستوى العائلتين وإن كان الخاسر الوحيد من نقله للمعلمات هم أطفاله حيث أنهم لم يذهبوا بعدها إلى المدرسة إلا مشياً على الأقدام .
وتمر الأيام والسنين وتنهي فادية دراستها للمرحلة المتوسطة وتريد أن تدرس بالمرحلة الثانوية .
وكانت فادية وكذلك جميع أخوتها متفوقون دراسياً . بل كانوا دائماً الأوائل على صفوفهم .
كان السيد مروان كثير الجلوس مع زوجته الجديدة غادة وقد رزق منها بطفلة صغيرة أسمياها هند .
وكانت غادة تضع ابنتها عند السيدة سعاد حتى عودتها من المدرسة ولكن سعاد قد لاحظت أكثر من مرة أن غادة كانت تظهر اللوم وعدم الرضى مدّعية أنها لا تعتني بها كما يجب ، الشيء الذي جعل السيدة سعاد تتعب من تلك المعاملة وذات يوم حضرت السيدة غادة من المدرسة . وكانت السيدة سعاد قد جهزت الغداء كعادتها في كل يوم إلا أن غادة في ذلك اليوم حملت ابنتها وأخذت تتفقدها .
- يظهر إنها قد بكت لوقت طويل .
فقالت لها السيدة سعاد :
- أي طفل لابد أن يبكي عندما تتغير ملابسه .
- إنني أشم رائحة البول في ملابسها .
- إنها ليست كذلك . وهذا بدلاً من اسمع منك كلمة شكراً .
وعند ذلك التفت إليها السيد مروان وقال :
- شكر . أي شكر .
- إنني أرعاها وأحافظ عليها أكثر من إخوانها .
- هذا شغلك . يقول ذلك السيد مروان .
- إنه ليس شغلي فأنا لست خادمة لديها .
- بلى . إنه من صميم عملك .
- الله يسامحك . ثم اتجهت إلى المطبخ وإذا بها تخرج بالطعام فلا تجد أحداً سوى أطفالها الذين قد خيم عليهم صمت مطبق . فقد ذهبت غادة إلى شقتها وتبعها السيد مروان .
أرسلت سعاد ابنها حسين وفادية بجزء من الأكل إلى الشـقة العلوية فلم يجدا أحداً . لأنهما قد ذهبا لتناول الغداء في أحد المطاعم خارج الشقة.
من ذلك اليوم بدأت النفوس في التنافر وأخذت كل واحدة من الزوجات تعدد غلطات الأخرى ، والسيد مروان يقف كالمتفرج ، بل عوناً لزوجته الجديدة على سعاد وأطفالها ، بل فكر في إبعاد زوجته السابقة والأطفال إلى قريته . قرية الحانوت حتى يستريح من تلك المشاكل التي لا يستطيع حملها فعرض ذلك الأمر على زوجته السابقة فقالت :
هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة من القصة 
|