بقلم الدكتور محمد عماره
في مواجهة الاستلاب الحضاري , والتغريب للثقافة ومشروع النهضة , دعا جمال الدين الأفغاني [ 1254- 1314 هـ 1838-1897 م] إلى إسلامية المشروع النهضوي , وإلى الإصلاح بالإسلام لأن استقلال الهوية والفكر والثقافة وتميزها هو الشرط الأول لاستقلال الوطن والأمة استقلالاً حقيقيا .. ولقد كتب الأفغاني عن إسلامية مشروع النهضة والإصلاح فقال :
" إن الدين هو قوام الأمم , وبه فلاحها , وفيه سر سعادتها , وعليه مدارها .. وهو السبب المفرد لسعادة الإنسان .. إنه أساس النظام الاجتماعي , ولم يستحكم أساس للتمدن بدون الدين البتة .. وإنا معشر المسلمين , إذا لم يؤسس نهوضنا على قواعد ديننا وقرآننا فلا خير فيه , ولا يمكن التخلص من وصمة انحطاطنا وتأخرنا أي عن هذا الطريق ..
وإن ما نراه اليوم من حالة ظاهرة حسنة فينا [ من حيث الرقي والأخذ بأسباب التمدن ] هو عين التقهقر والانحطاط لأننا في تمدننا هذا مقلدون للأمم الأوروبية , وهو تقليد يجرنا بطبيعته إلى الإعجاب بالأجانب , والاستكانة لهم , والرضا بسلطانهم علينا , وبذلك تتحول صبغة الإسلام التي من شأنها رفع راية السلطة و الغلب , إلى صبغة خمول وضعة واستئناس لحكم الأجنبي .
وإن المقلدين لتمدن الأمم الأخرى ليسوا أرباب تلك العلوم التي ينقلونها .. والتمدن الغربي هو في الحقيقة تمدن للبلاد التي نشأ فيها على نظام الطبيعة وسير الاجتماع الإنساني … ولقد علمتنا التجارب أن المقلدين من كل أمة , المنتحلين أطواراً غيرها , يكونون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها , وطلائع لجيوش الغالبين وأرباب الغارات يمهدون لهم السبيل ويفتحون لهم الأبواب , ثم يثبتون أقدامهم .
وإن الظهور في مظهر القوة لدفع الكوارث إنما يلزم له التمسك ببعض الأصول التي كان عليها أباء الشرقيين و أسلافهم ولا ضرورة في إيجاد المنعة إلى اجتماع الوسائط وسلوك المسالك التي جمعها وسلكها بعض الدول الغربية الأخرى , ولا ملجئ للشرقي في بدايته أن يقف موقف الأوربي في نهايته , بل ليس له أن يطلب ذلك , وفيما مضى أصدق شاهد على أن من طلبه فقد أوقر نفسه وقراً – ( أي أثقلها ثقلاً ) – وأعجزها وأعوزها " .
هكذا تحدث جمال الدين الأفغاني عن ضرورة إسلامية مشروع النهضة ومنهاج الإصلاح .
§ فالدين الإسلامي هو السبب المفرد لسعادة الإنسان ..
§ والدين هو قوام الأمم , وسبب فلاحها وسر سعادتها ..
§ والدين هو الأساس الأول للنظام الاجتماعي .. وبدونه لن يتأسس تمدن حقيقي ..
§ وما يسمى بالتحديث على النمط الغربي هو عين التقهقر والانحطاط ..
وأخطر ثمرات التقليد للغرب هو الإعجاب به , الأمر الذي يفتح الباب لاستعماره , ويُفقد المقلدين المتغربين الاعتزاز بسلطان الإسلام وغلبته , فيتحولون إلى عملاء حضاريين .. ثم سياسيين يفتحون الأبواب للغزاة , ثم يثبتون أقدام هؤلاء الغزاة .. بل أن بعض هؤلاء المتغربين المقلدين للغرب يعودون إلى أوطانهم على ظهور دبابات الغزو لهذه الأوطان .. لذلك , فنحن محتاجون إلى إعادة قراءة الأفغاني من جديد !.