عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 12-08-2009, 07:42 PM
الصورة الرمزية أبو جهاد المصري
أبو جهاد المصري أبو جهاد المصري غير متصل
قلم فضي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 4,623
الدولة : Egypt
افتراضي لماذا دخل الاخوان الانتخابات

الشريعة هي المنهج الواضح الذي لا لبس فيه ولا غموض، واتِّباعه هو الطريق المستقيم الهادي لمسلك النجاة، ومن ذلك قول الله تعالى للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الجاثـية:18] ، وقوله تعالي: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)[ الشورى: من الآية 13] ، وقوله تعالي: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) [المائدة: من الآية 48] . والشريعة الإسلامية هي كلمة الله الخاتمة والأخيرة للبشرية؛ لأنها جمعت فضائل الشرائع السابقة جميعاً, وشملت خيرها وبركتها، وبها أكمل الله دينه وأتم نعمته على الناس، ورضيها سبيلاً واضحاً لا غبش فيه ولا غموض ولا التواء أو تحريف (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) [المائدة: من الآية 3] ، وفي قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9] دليل على حفظ الله للشريعة الإسلامية من التحريف أو التبديل أو العبث، وهو ما تعرضت له الشرائع السابقة.

وكما هو معلوم فإن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- جاءه القرآن وحياً من عند الله ومعه السنة التي هي كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- لتوضيح ما أُبهم، وتفسير ما استغلق، وتقييد ما أطلق، وبيان معاني القرآن ومقاصد الشريعة.

وفي التنزيل (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل: من الآية 44] ، والذكر هنا السنة التي تبين للمسلمين القرآن، وهو ما أنزل إليهم؛ فالسنة هي التي وضحت للناس كيفية أداء مناسكهم وعباداتهم وأيضاً معاملاتهم في الزروع والتجارة والزكوات والقصاص والديات والقضاء والشهادات.

وبعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، واتساع الفتوحات الإسلامية ودخول أجناس وبلدان وحضارات في عالم الإسلام؛ بدأ الصحابة يجتهدون بآرائهم واجتهاداتهم، ودخلت مسألة المصالح المرسلة وأعراف الناس في اجتهادات الصحابة في ذلك العصر؛ فمن اجتهادات عمر -رضي الله عنه- أنه جعل الغنائم هي المنقول فقط، أما الثابت فقد جعلها ملكاً للدولة ولمن بقي من المسلمين وذراريهم ، كما اجتهد لأهل الأرض التي فتحت عنوة، وجعل حكمها أقرب لحكم البلدان التي فتحت صلحاً، كما حدث في أرض السواد التي يمثلها العراق اليوم وإيران، حيث كان أهل هذه البلدان يزرعون أراضيهم التي يملكونها، ويدفعون خراجها للدولة الإسلامية، ومن ذلك اعتبار الطلاق ثلاثاً في طلقة واحدة طلاقاً بائناً لما استسهله الناس واستهانوا به، ومن ذلك تعيين ممثلاً من قبل الدولة المسلمة لرعاية ضوال الإبل في عهد عثمان خشية أن تمتد أيدي الناس إلى هذه الإبل ولا يعيدوها لأصحابها، ومن ذلك إنشاء الدواوين، كما كان يفعل أهل الفرس، ومن ذلك إسقاط سهم المؤلفة قلوبهم لسقوط علة حصولهم على عطائهم من هذا السهم، وهو عدم حاجة المسلمين إليهم بعد قوة الإسلام ورسوخ شوكته. ومن ذلك جمع القرآن الكريم كله وعدم تركه مفرقاً في الرقاع والعظام التي كان الصحابة يكتبونه عليها.

وتميز الاجتهاد في عصر الصحابة بالشورى، حيث كان الصحابي يشاور أقرانه من الصحابة في المسائل التي تعرض عليه، ولكن مع توزع الصحابة في الأمصار بدأت تتكون مدارس فقهية متأثرة بالبيئة التي نشأت فيها هذه المذاهب؛ فمذهب أهل الحديث نشأ في الحجاز، بينما نشأ مذهب أهل الرأي في الحواضر الإسلامية بالعراق، وكل من المدرستين كان لها منهجها الذي فتح آفاقاً هامة للفقه الإسلامي، فكان أهل الحجاز يجمعون فتاوى الصحابة ويلتزمون فيما يفتونه بالنص، فإن لم يجدوا توقفوا عن الإفتاء، أما أهل الكوفة؛ فإنهم كانوا يبحثون عن علل الأحكام والأقيسة، وكلهم أخذوا عن الصحابة، فمدرسة الحجاز سارت على منهج عبد الله بن عمر وابن عباس، أما الكوفة فشربت من حوض ابن مسعود وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، حتى تضلعت منه، ثم تكونت المذاهب الفقهية، وهي تعبير عن أعلى مظاهر الدقة العلمية والضبط، ولم يكن قصد الإمام أن يكون له مذهب باسمه، ولكن تلامذته من بعده هم الذين جمعوا مسائله وشرحوا طريقته في الفهم والاستنباط، وهو ما أصبح مذهباً له، أي طريقة في فهم الشريعة.

نحن هنا أمام فقه إسلامي وشريعة تنمو بمرور الزمن عبر استجابتها لما يطرأ من أسئلة وأحوال جديدة، وأداة الشريعة الإسلامية في ذلك هي الاجتهاد، أي بذل الفقيه المتخصص جهده لفهم واقع الناس، والإجابة عمّا يعترضهم من قضايا ومسائل جديدة.

ومع الشافعي في القرن الثاني الهجري بدأت الكتابة المنظمة عن أصول الفقه؛ فكانت "الرسالة" للإمام الشافعي أول عمل متكامل في هذا السياق، ومن بعده وضعت كتب الأصول والقواعد الفقهية العامة، وحتى وضع كل مذهب لنفسه قواعده.

والمتأمل لكل الأنشطة الفكرية والثقافية للمسلمين منذ بدأ عصر التدوين كله منصب حول الشريعة الإسلامية، فكل العلوم نشأت من أجلها وليس الفقه وحده؛ فعلم النحو والبيان والبديع والتفسير والعقيدة والفرق والحديث وعلومه كل هذه العلوم انبثقت من الشريعة ومن أجلها.

الحركة الإسلامية وفهم الشريعة

كما أوضحنا؛ فالفقه الإسلامي في غالبه يدور حول القضايا الاجتهادية التي تتنازعها أنظار المجتهدين، فمعنى اجتهاد الفقيه أنه يجتهد في مسألة محتملة للاختلاف، وكان قصد الفقهاء من اجتهاداتهم توسيع قدرة النص الشرعي على استيعاب الواقع بقضاياه الجديدة، فالفقيه يفتق النص عن معان جديدة، ويبدع في اجتهادات كانت غائبة من أجل التيسير على الناس، ومن أجل جعل النص والوحي متصليْن دائما بواقع الناس وحياتهم، وفي كتاب هام لابن القيم عنوانه "الطرق الحكمية " أوضح أن للشريعة الإسلامي أكثر من مئة طريقة للوصول إلى الحكم بين الناس، أي أن الشريعة قادرة على الاستجابة للواقع، وهي أوسع بكثير من مجرد النص، خاصة في مسائل الحكم والسياسة الشرعية.

فمصادر مثل الاستحسان والمصالح المرسلة والعرف وقواعد مثل المشقة تجلب التيسير، ولا ضرر ولا ضرار، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، ودفع المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وتحمل المفسدة الأدنى بدفع الأعلى وجلب المصلحة الأعلى وإن فاتت الدنيا، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وغيرها مما تزخر به قواعد الأصول، والتي تدور مع حفظ الأصول الكلية الضرورية الخمسة للشريعة؛ وهي: حفظ الدين، والعقل، والنفس، والمال، والنسل؛ مثلت أدوات هامة للمجتهدين في فتح أبواب واسعة من النظر الاجتهادي الفقهي الذي جعل الشريعة موصولة بحياة الناس.

ومع مجيء الحركة الإسلامية بعد سقوط الخلافة، ومحاولة العودة بالشريعة مرة أخرى لواقع الناس بعد محاولة العلمانية فصلهما؛ نلاحظ أن الحركة ركزت في الشريعة والفقه الإسلامي على الجانب الثابت الذي لا يتغير، وهذا شئ طبيعي، حيث تريد الحركة أن تعيد الناس إلى مناهل القيم والعقيدة والقضايا المجمع عليها، وهذا شئ ضروري في العلم، أن يتعلم الناس كبار مسائل العلم وقضاياه قبل صغارها؛ فكان الاهتمام بالعقيدة باعتبارها الأساس لبناء الفرد المسلم، ثم قضايا العبادات خاصة ما يتصل منها بالصلاة والصيام والحج والزكاة، لكن الحركة الإسلامية لم تعر اهتماماً لقضايا الواقع، خاصة وأنها مطالبة بالتعامل اليومي معه، كما أنها مطالبة بطرح البدائل واتخاذ القرارات، وتحديد المواقف من قضايا الواقع.

فقه الواقع ودخول الانتخابات
وبالطبع مسائل العبادات هي من المسائل التي نقلد فيها من سبقنا، أما وجود نظرية للحركة الإسلامية للتعامل مع الواقع؛ فقد كانت غائبة، وذلك بشكل أساسي؛ لعدم فهم الشريعة ذاتها، والتمييز بين قضايا الإجماع ومسائله والعبادات وبين قضايا الواقع وأجوبته، التي تدخل فيما يطلق عليه الجانب المتغير من الشريعة؛ فمثلاً قرار مثل كيفية التعامل مع الواقع بتغييره يدخل في سياق مسائل السياسة الشرعية المتصلة بفهم الواقع وإعطائه حقه من الواجب، وهو قرار تتنازعه المصالح والمفاسد، وفهم الواقع ذاته وتأمله، ولا يخلو فهم الواقع هذا من دراسة طرائق التغيير الاجتماعي الذي توصلت إليها العقول البشرية، وطرق التغيير مفتوحة ولا توجد طرق تحددت سلفاً بحيث لا يجوز لنا أن نتجاوزها مثلاً .

ومن ذلك قرار دخول الانتخابات مثلاً؛ فهذا قرار متصل بدراسة الواقع وأجوبته مفتوحة، فقد يدخل المسلم الانتخابات، ثم تتغير نظرته لواقعه فيتغير اجتهاده، هنا المسألة تدخل فيما يعرف في السياسة بـ"نظرية القرار السياسي"، ولا توجد أية صلة بين دخول المسلم الانتخابات أو تصويته فيها أو ترشيحه أو نجاحه وبين منافاة التوحيد، كما صنف بعض الأخوة مصنفاً وأسماه "القول السديد في أن دخول مجلس الشعب مناف للتوحيد"؛ فمال التوحيد وقرار دخول الانتخابات من الناحية المنهجية؟! كل موضوع منهما يقع في سياق شرعي مختلف؛ فمسائل التوحيد متصلة بقضايا الشريعة القطعية المجمع عليها، والتي هي من جزء من عقيدة المسلم، أما مسألة دخول انتخابات فهي متصلة بالواقع وقضاياه الذي يمثل الاجتهاد أحد أدوات مواجهته، فما الذي خلط المسألتين معاً؟.

وقد لاحظت في تأملي لهذه القضية أن المودودي وهو الذي كتب المصطلحات الأربعة في تأسيس معنى الرب والإله والتشريع والحاكمية، حين تعرض للنظام السياسي في كتابه "تدوين الدستور الإسلامي" إذا به يطرح اجتهادات متصلة بالواقع، ومنفتحة لأبعد الحدود، ولا يمكن فهم ذلك إلا عن طريق فك الاشتباك من الناحية المنهجية بين القضايا الاعتقادية القطعية، وبين غيرها من قضايا الواقع الاجتهادية، بحيث لا نقحم العقيدة في مسائل الواقع الظنية الاجتهادية ومنتهك القضايا الاعتقادية مع تحقق الشروط وانتفاء الموانع عنه يخرج من الملة، أم قضايا الواقع الظنية، فأقصى ما ينال المجتهد المخطئ فيها أنه أخطأ، ولا وزر عليه.

فهْمُ الحركة الإسلامية للشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي فهماً صحيحاً هو المدخل لبناء نظرية للتعامل مع الواقع الراهن في كل قضاياه المتشعبة والصعبة، وذلك بالتمييز المنهجي داخل الشريعة الإسلامية بين قضايا العقيدة والقيم الثابتة، وبين قضايا الواقع الظنية الاجتهادية المفتوحة التي لا تنتهي، فالإسلام لا يعرف نهاية التاريخ، ولكنه يؤمن بجدل الإنسان الذي لا ينتهي مع واقعه
__________________
مدونتي ميدان الحرية والعدالة
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.62 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.99 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.03%)]