المثال الثالث
قيل: ورد أبو طالب الجراحي ، الكاتب (ولم يكن في عصره أكتب ولا أفضل منه )
إلى الرأي ، قاص دًا حضرة ابن العميد . فلم يجد عنده قبو ً لا، ولا رأى عنده ما يحب .
ففارقه وقصد أذربيجان . وصار إلى ملكه ا، وكان فاض ً لا لبي بًا. فلما اختبره وعرف
فضله، سأله المقام عند ه، وأفضل عليه . فأقام لديه على أفضل حال . فكتب إلى ابن
حدثني : بأي » : العميد يوبخه على جهل حقه وتضييعه لمثله . فمن جملة الكتاب
شيء تحتج إذا قيل لك : لم سميت الرئيس ، وإذا قيل لك : ما الرياسة . أتدري ما
الرياسة؟ الرياسة : أن يكون باب الرئيس مصو ًنا في وقت الصون ، ومفتو حًا في
وقت الفتح ؛ وأن يكون مجلسه عام رًا بأفاضل الناس ؛ وخيره واص ً لا إلى كل أحد ؛
وإحسانه فائ ضًا؛ ووجهه مبسو ً طا؛ وخادمه مؤد بًا؛ وحاجبه كري مًا طلًق ا؛ وبوابه
لطيًفا؛ ودرهمه مبذو ً لا؛ وطعامه مأكو ً لا؛ وجاهه معرضً ا؛ وتذكرته مسودة
بالصلات والجوائز والصدقات . وأنت ، فبابك لا يزال مقف ً لا؛ ومجلسك خاليً ا؛
وخيرك مقنو ً طا منه؛ وإحسانك غير مرجو؛ وخادمك مذموم؛ وحاجبك هرار ؛
وبوابك شرس الأخلاق؛ ودرهمك في العيوق؛ وتذكرتك محشوة بالقبض على
فلان، واستئصال فلان، ونفي فلان . فبالله عليك ! هل عندك غير هذ ا؟ ولولا أن
أكون قد دست بساطك و أكلت من طعامك، لأشعت هذه الرقعة ! ولكني أرعى لك
حق ما ذكرت . فلا يعلم بها إلا الله وأنت . ووالله ! ثم والله ! ثم والله ! ما لها عندي
نسخة، ولا رآها مخلوق غ يري، ولا علم به ا. فأبطلها أنت ، إذا وقفت عليها،
« ! وأعدمها. والسلام على من اتبع الهدى
(عن كتاب الفخري في الآداب السلطانية)