فيه من الحق فوالله لأن يهدي الله بك الرجل الواحد خير لك من حمر النَّعَم"، فأثبت النبيّ صلى الله عليه وسلم أن الفتح من الله تعالى على يدي من باشره حيث قال: "يفتح الله على يديه" وقال: "يهدي الله بك"، فأثبت الخلق والكسب جميعًا أي الخلق للهِ والكسب للعبد.
فعقيدة المسلمين قاطبة أن ما علم الله بعلمه الأزليّ وجوده شاء وجوده بمشيئته الأزلية وخلقه أي أبرزه من العدم إلى الوجود بقدرته الأزلية فأوجده في الوقت الذي شاء وجوده فيه من غَير أن يتأخر وجوده عن ذلك الوقت ولا يتقدم، ومن خالف في ذلك كجماعة محمد أمين شيخو وعبد الهادي الباني فإنه يكفر إذ يكون من جملة طائفة القدرية الذين جاء فيهم حديث الطبريّ والبيهقي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية"، وفي حديث أبي داود وغيره عن ابن الدَّيلميّ أن أبيًّا وحذيفة وعبد الله بن مسعود كلاًّ منهم قال له: "إن الله عزَّ وجلَّ لو عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد ذهبًا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك ولو مت على غير ذلك دخلت النار". قال ابن الديلميّ: فأتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا. اهـ.
فهذا نصٌّ على كفرهم من النبي والصحابة إذ بيّن حكمَهُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ظهورهم ثم لما ابتدأ ظهور القول بالقدر أي القول بأن المعاصي تحصل من العباد بغير مشيئة الله تعالى في ءاخر أيام الصحابة كفّرهم الصحابة تصريحًا، فقد روى مسلم أن عبد الله ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما سئل عن من يقول ذلك فقال للسائل: "إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم مني برءاء والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبًا فأنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر"، ثم ذكر حديث جبريل المعروف وفيه: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره" اهـ فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما تبرأ من هؤلاء الذين يقولون الأمر أُنُف أي أن الله لا يعلم الشىء قبل أن يخلقه، تبرأ منهم واعتبرهم كفارًا وأنتم تقولون الله يعلم بما في قلب الإنسان لما يصير الشىءُ في قلوبهم وتدّعون أن هذا معنى الآية: {وهو عليم بذات الصدور} [سورة الحديد/6]، جعلتم علم الله حادثًا ومن جعل علم الله أو صفة من صفاته حادثًا فقد جعل الذات المقدّس حادثًا ومن نسب الحدوث إلى الله فهو جاهل بالله كافرٌ به.
وقبل عبد الله بن عمر كفّر والدُهُ من أنكر القدر فقد خطب عمرُ رضي الله عنه الناس في الشام فكان من جملة ما قال: "من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا" وكان بين الحاضرين رجل كافر من أهل تلك البلاد فلما قال عمر ذلك نفض هذا الرجل ثوبه وتكلم بشىء بلغته فقال عمر للترجمان
"ماذا يقول هذا" فقال: إنه يقول: إن الله لا يُضِلُّ أحدًا فقال له عمر: كذبتَ يا عدو الله، هو الذي أضلك وهو يدخلك النار إن شاء" ـ أي إن متّ على الكفر ـ "ولولا أنك من أهل الذمة لضربت الذي فيه عيناك" اهـ رواه البيهقي في كتاب القدر.
وروى البيهقيّ في كتاب القدر أيضًا عن محمد بن عليّ الباقر عن أبيه قال: "قال أبي الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم: والله ما قالت القدرية بقول الله ولا بقول الملائكة ولا بقول النبيين ولا بقول أهل الجنة ولا بقول أهل النار ولا بقول صاحبهم إبليس" فقالوا له: تفسره لنا يا ابن رسول الله، فقال: "قال الله عزَّ وجلَّ: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء} [سورة يونس/25] الآية،
وقالت الملائكة: {قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} [سورة البقرة/32] وقال نوح عليه السلام: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} [سورة هود/34] الآية، وأما موسى عليه السلام فقال: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء} [سورة الأعراف/155] الآية، وأما أهل الجنة فإنهم قالوا: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [سورة الأعراف/43] الآية، وأما أهل النار فإنهم قالوا: {لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ} [سورة إبراهيم/21] الآية، وأما أخوهم إبليس قال: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16)} [سورة الأعراف]الآية، فزعمت القدرية بأن الله لا يُغْوِي" اهـ.
وكما كفّر الصحابةُ من أنكر أن يكون الله قد شاء حصول المعاصي من العباد كفّره التابعون كذلك، فقد روى عليّ بن المديني عن عبد الرزاق عن مَعمر عن الحسن البصريّ: "من كذّب بالقدر كذّب بالقرءان" اهـ.
وسبق ذكر الرواية عن سعيد بن المسيب في ذلك. وروى البيهقي عن عكرمة بن عمار قال: سمعت القاسم وسالمًا يلعنان القدرية، قالوا لعكرمة: من القدرية؟ قال: "الذين يزعمون أن المعاصي ليست بقدر" اهـ.
وروى أبو عبد الرحمن السُّلمي عن حارث بن شريح البزار قال: قلت لمحمد ابن عليّ: يا أبا جعفر إن لنا إمامًا يقول في هذا القدر فقال: يا ابن الفارسيّ انظر كلَّ صلاة صلّيتها خلفه فأعدها إخوان اليهود والنصارى قاتلهم الله أنّى يؤفكون. اهـ.
وروى سعيد بن منصور عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: "لو أراد الله أن لا يُعصى ما خلق إبليس" اهـ.
وروى مالك عن عمه أبي سهيل قال: كنت أمشي مع عمر بن عبد العزيز فاستشارني في القدرية فقلت: أرى أن تستتيبهم فإن تابوا وإلا عرضتهم على السيف فقال عمر بن عبد العزيز: وذلك رأيي، قال مالك وذلك رأيي. اهـ.
وكما كفّرهم التابعون كفّرهم أتباع التابعين فقد روى البيهقيّ في كتاب القدر عن سفيان بن عيينة ما يشبه روايته الآنفة عن الحسين بن عليّ رضي الله عنهما. اهـ.
ورَوَى أن رجلاً قال لسفيان الثوري: إن لنا إمامًا قدريًّا، قال: لا تُقدّموه، قال: ليس لنا إمام غيره، قال: لا تقدموه. اهـ.
وعند ابن عساكر في تاريخه أن غيلان الدمشقيّ لما أظهر القول في القدر أي كذّب به وادعى أن حصول المعاصي ليس بمشيئة الله وذلك في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه استدعاه عمر فسأله عن ذلك فقال: يُكْذَبُ عليّ يا أمير المؤمنين، فتفرس فيه عمر الكذب وقال له: إن كنت كاذبًا أذاقك الله حَرَّ السيف، فلما مات عمر أظهر مقالته الفاسدة فاستدعاه هشام بن عبد الملك في خلافته وسأله عن ذلك فقال له: ائتِ يا أمير المؤمنين بمن يناظرني، فاستدعى الخليفة الإمامَ الأوزاعيّ فناظره فكسره الأوزاعيُّ بالحجة وقال لهشام: "كافر وربّ الكعبة يا أمير المؤمنين"، فأمر به فقطع يديه ورجليه ثم علقه بباب دمشق، وقال غيلان عندما قُدّم للقتل: أدركتني دعوة العبد الصالح عمر بن عبد العزيز. اهـ.
وممن كفرهم من أتباع التابعين أيضًا الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه فقد قال: "الكلام بيننا وبين القدرية في حرفين نقول لهم هل علِم الله ما يحصل من العباد قبل أن يفعلوا فإن قالوا لا كفروا لأنهم جهّلوا ربهم، وإن قالوا نعم نقول لهم هل شاء الله غير ما علم فإن قالوا نعم كفروا لأنهم قالوا شاء أن يكون جاهلاً وإن قالوا لا رجعوا إلى قولنا". اهـ.
وأما تكفير الإمام أحمد لهم فمشهور معلوم رواه ابن الجوزي في مناقب أحمد وغيره.
وكذلك كفرهم الإمام الشافعيّ رضي الله عنه، فقد روى البيهقي أن الإمام الشافعي ناظر حفصًا الفرد المعتزليّ فقطعه أي أسكته بالحجة وقال له: لقد كفرتَ بالله العظيم اهـ.
وتقدم قول مالك رضي الله عنه في تكفيرهم ونقل ذلك عنه أيضًا ابن العربيّ وغيره من المالكية.
وعلى هذا جرى من جاء بعد أتباع التابعين من أعيان علماء الأمة فنقل الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي إجماع الأشاعرة على تكفير من يقول بأن المعاصي ومنها الكفر تحصل بغير مشيئة الله، كما نقل الحافظ محمد مرتضى الزبيدي إجماع علماء ما وراء النهر من الماتريدية على تكفيرهم اهـ.
فعلم مما تقدم أن محمد أمين شيخو وخليفته عبد الهادي الباني ومن سلك مسلكهما كفار بإجماع قرون الأمة الثلاثة الأولى ومحقّقي من جاء بعدهم فليَعْلَمْ ذلك من اتبعهم وليتب إلى الله قبل أن يفوت وقت التوبة.
فمحمد أمين شيخو في الحقيقة خارج عن كل المسلمين بمن فيهم الفقهاء والعامة والصوفية حتى الذين يدّعي الانتساب إليهم زورًا وبهتانًا أي النقشبندية فهو مخالف لعقيدة وسيرة مولانا خالد النقشبندي ومن قبله ومن بعده من النقشبندية، فما انتسابك يا محمد أمين شيخو للنقشبندية وأنت مخالف لسيرتهم كلهم الأولين منهم والآخرين؟!
21 22 20