لما كان في إرساله إليهم معنى ولكان ما يبلغهم إياه عبثًا إذ ليس ما يفهمونه هو المراد حقيقةً، والله تعالى حكيم منزه عن العبث ولا تخرج أفعاله عن مقتضى الحكمة. وليس المسلمون من التماوت والغباء بحيث يسلمون لمثل هذا القول من محمد أمين شيخو أو يتبعونه فيه بل لا يقبله الطفل المميز فيهم.
وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [سورة المائدة/67] ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ كل ما أوحى الله إليه من النصوص والتفسيرات والآيات والأحكام فلذلك نصّ ابن حزم في كتابه "الفصل في الملل والنحل على كفر من زعم أن النبيّ بلّغ فقط ظاهر الشريعة وأن لها باطنًا يخالف ذلك الظاهر اهـ كيف لا وقد قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [سورة المائدة/3] ومحمد أمين شيخو يزعم أن كمال دين الشخص متوقف على سماع تأويلاته فقارن كلامه بكلام الله تعالى ثم احكم عليه بما يستحق.
بل لو قيل لأتباع محمد أمين شيخو مثلاً إن قول شيخكم بأن ألواح موسى كانت في صدره إنما كان يريد به أن يقول لكم "أنا جاهل فلا تأخذوا بأقوالي فهذا هو مقصده ومراده من كلامه" فماذا يقولون عندئذ؟ إن وافقوا فيلزمهم ترك كلامه وإن لم يوافقوا لم يكن أمامهم إلا أن يقولوا "إن كلام شيخنا لا يحتمل هذا المعنى على حسب ما يتكلم الناس وتجري عليه قواعد اللغة" قلنا عندئذ فإن كنتم لا تجيزون تفسير كلام شيخكم إلا بناء على ما تقتضيه اللغة وتوافق عليه صونًا له عن أن يصير عبثًا لا مدلول له ولعبة بيد من يشاء، فبالأوْلى أنه لا يجوز تفسير القرءان إلا بناء على ما تقتضيه اللغة وتوافق عليه قواعدها، وتفسيره بناء على هذه القواعد يسقط كلام شيخكم نهائيًا، فكلامه ساقط على كلا التقديرين فكيف تتمسكون به بعد ذلك؟
وهذا مما لا جواب لهم عليه بإذن الله.
الرد عليه في مسئلة القدر :
والآن بعد هذه المقدمة المجملة نفند بعون الله ضلالة محمد أمين شيخو في مسئلة المشيئة والقدر (لو أردنا ذِكر كل ضلالاته لزادت على ألف كما عددناها) تفصيلاً بما يظهر مخالفتها للقرءان والسنة وإجماع الأمة قاصدين بذلك الذبّ عن حوزة الدين وفضح المنافقين.
ثم نتبعه إن شاء الله تعالى بذكر ضلالاته الأخرى أو قسمٍ منها ولو على سبيل الإيجاز مع رد يُلقِمُ كلَّ من ينتصر لهذا الرجل الحجرَ ويُخرس ألسنة الحمقى من أتباعه ويَقِي عامة المسلمين فتنتهم ويحميهم من ضررهم بإذن الله سبحانه وتعالى وبه العصمة والتوفيق.
وقد بلغنا أن جماعة عبد القادر الديراني تكفر جماعة عبد الهادي الباني وبالعكس، وأنهم يتنافسون على الدنيا والمناصب، فهذا يدل على فساد كلتا الفرقتين.
من ضلالات محمد أمين شيخو قوله :"إن الله لم يشأ حصول المعاصي والشر وإن العباد اختاروا ذلك بغير مشيئته سبحانه".
هذه الضلالة هي أُسُّ ضلال محمد أمين شيخو وانحرافه فإنه فكّر بذهنه القاصر فتخيل له أن الشرور والمعاصي لو كانت تحصل بمشيئة الله وأنه لو كان الله خالقًا لأفعال العباد لكان الله ظالمًا، فقرر في نفسه أنّ الله شاء السعادة لكل العباد وأنه سبحانه وتعالى لم يقدّر في الأزل حصول الشرور والمعاصي، لكن عقيدته هذه مصادمة للنصوص الصريحة في القرءان والحديث والتي تفيد أن الله هو الذي شاء وقدر وخلق كل ما يحصل في هذا العالم ومصادمة لإجماع علماء الأمة جميعًا على هذا، فبدل أن يتراجع عندئذ عن هذه الضلالة ويعودَ إلى الحق غلبه العُجْبُ فزعم أنه لا يشترط في تفسير القرءان التقيد باللغة ولا بقوانين الشريعة المنقولة إلينا ولا بأقوال أئمة الدين وإجماعهم، فقام لذلك بتفسير القرءان على خلاف قواعد التفسير المعتمدة بل زعم أن كل من قبله على الإطلاق لم يفهموا هذه النصوص ولا عقلوا معنى القدر ولا عرفوا معنى الإيمان به.
وهذه الضلالة قادته إلى ضلالات أخرى واحدة بعد واحدة، ولذلك سنعرض عقيدة محمد أمين شيخو وخيالاته في هذه المسئلة جملة بعد جملة مع الرد عليها بإذن الله نقطة بعد نقطة ـ إذ هي كما ذكرنا أساس ضلاله ـ ثم نتعرض لعشرات من ضلالاته الأخرى المتفرعة عن هذه الضلالة مع رد موجز على بعض منها حتى يكون أمره وأمر طائفته واضحًا أشد وضوح، وليقوم المؤمنون بالتحذير من هؤلاء الضالين وقمع فتنتهم بقدر الوسع وبكل ما تصل إليه الطاقة صونًا لدين الله تعالى.
يَدَّعي محمد أمين شيخو بأن الله تعالى لم يعلم في الأزل بكفر الكافرين وأنه إنما علم بذلك بعد حصوله منهم (وذلك في الكتاب المسمى "عصمة الأنبياء" (ص/35) فإنه يقول فيه بالنص فالله تعالى لما نادى الخلق في عالم الأزل بكلمة: {ألستُ بربكم} [سورة الأعراف/172] وأجابوه جميعًا بكلمة بلى نظر تعالى إليهم فعلم ما كمن في نفوس أولئك الذين نظروا إلى شهواتهم...إلخ.)، رءاه في صدورهم فعلمه واشتهر ذلك على ألسنة جماعته وأن الله يعلم الشىء بعدما ينويه الإنسان وأن هذا معنى وهو عليم بذات الصدور. قال محمد أمين إن الله خلق الإنسان وجاء به لهذه الدنيا ليسعده ويفيض عليه من بره وكرمه دنيا ءاخرة (هكذا لفظه) لكن الإنسان لما جاء وأُعطي اختياره حاد عن طريق سعادته وكسبه...إلخ اهـ.
قلت: قوله هذا أوَّلاً فيه نسبة العجز إلى الله وفيه أن الله مغلوب والقرءان الكريم يقول: {واللهُ غالبٌ على أمرهِ} [سورة يوسف/21] أي تنفذ إرادته في كل شىء لأنه لو كانت تنفذ إرادته في بعض الأشياء ولا تنفذ في بعض لما قال {واللهُ غالبٌ على أمرهِ} وهو مخالف لقوله تعالى {إنَّ اللهَ عزيزٌ حكيم} [سورة البقرة/220] لأن العزيز هو الغالب الذي لا يُغْلب.
وكلامه تكذيب للآية: {قال ربي بما أغويتني} [سورة الحجر/39] الآية فيها تصريح أن إبليس نسب الغَواية إلى الله، ولو كان كاذبًا لرَدَّ عليه القرءانُ ولو كان كما يقول محمد أمين شيخو لذكر الله مع هذه الجملة تكذيبه لإبليس بأنه ما أغواه، وهذا من محمد أمين شيخو تكذيب لقول الله تعالى: {لا يسئل
عما يفعل وهم يسئلون} [سورة الأنبياء/23] يريد من سخافته أن يحاكم الله.وفوق هذا فيه نسبة الجهل إلى الله تعالى، ويردّه قول الله عزَّ وجلَّ في سورة البقرة: {وهو بكلّ شىءٍ عليم} وقوله فيها {واعلموا أن الله بكلّ شىءٍ عليم} وقوله تعالى فيها أيضًا: {واللهُ بكلّ شىءٍ عليم}. ويكفي في رده أيضًا قول الله تبارك وتعالى في سورة الإسراء {وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)} وقوله تعالى في سورة النمل: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (75)} وقوله تبارك وتعالى: {وكلّ شىءٍ أحصيناهُ في إمامٍ مبين} [سورة يس/12] وقوله تبارك وتعالى: {وَكُلُّ شَىْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)} [سورة القمر] وثبت في أكثر من حديث مما رواه البخاريّ والترمذيّ والبيهقيّ وغيرهم أن الله تبارك وتعالى قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة أمر القلم فجرى على اللوح المحفوظ فكتب بقدرة الله كل ما يحدث إلى يوم القيامة اهـ، وصحّ عند الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن عباس رضي الله عنهما: "واعلم أنّ الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك رُفعت الأقلام وجفت الصحف" اهـ وهوحديث معروف ذكره النووي في أربعينه ويحفظه صغار طلبة العلم فضلاً عن العلماء.
بل قد ثبت في ما رواه الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يومًا وفي يده كتاب فيه أسماء أهل الجنة كلهم وكتاب ءاخر فيه أسماء أهل النار كلهم، وأخبر عليه الصلاة والسلام عن كل من الكتابين أنه لا يزاد فيهم ولا ينتقص، فقالوا ففيم العمل يا رسول الله؟ قال: "إنّ عامل الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عَمِلَ أي عَمَلٍ ـ أي قبل ذلك ـ وإنّ عامل النار يختم له بعمل النار وإن عمل أيَّ عمل" اهـ. (أما محمد أمين شيخو فينكر كلام رسول الله عليه السلام ويرده فهو يقول في تفسيره في الصحيفة الرابعة والعشرين منه "يقولون هذا للجنة وهذا للنار هذا خلاف العدالة الإلهية وخلاف ما أنزل الله" انتهت عبارته بنصها جازاه الله بما يستحق)
ولذلك كله أجمع المسلمون على أن الله تعالى علم في الأزل بكل ما يحصل من العباد خيرًا كان أو شرًا لم يختلف في ذلك اثنان منهم،
كما قال الطحاويّ في كتابه ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة كلهم "وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم" اهـ. وهذا هو الذي يُحَتّمُهُ العقلُ أيضًا لأن الله لو لم يكن عالمًا في الأزل بما يحصل من العباد من الكفر والمعاصي لكان جاهلاً بها، والجهل نقص والنقص مستحيل على الخالق سبحانه وتعالى كما قال في سورة الملك: {ألا يعلم من خلَق وهو اللطيف الخبير}.
قلت: فعلى زعمه كانت روح رسول الله عليه الصلاة والسلام مساوية لروح إبليس وروح موسى عليه السلام مساوية لروح فرعون وأرواح المؤمنين مساوية لأرواح الحشرات والبهائم والديدان لا يتفاضل أيٌّ منها على غيرها بشىء وكفاه بهذا خزيًا.
قلت: يزعم محمد أمين شيخو إن النفوس في الأصل متساوية في المزايا والصفات ثم تفاضلت بعد ذلك بسعيها فلنا أن نسأل محمد أمين شيخو وأتباعه بماذا حصل هذا التفاضل وكيف تَرَجَّحَ سلوك درب التقوى عند نفس ودرب الضلال عند أخرى؟
إن قالوا: من غير ترجيح مرجّح فقد ضارعوا الدهرية ولحقوا بالملاحدة لإنكار وجود الله تعالى، وإن قالوا: بترجيح مرجح فقد رجعوا إلى قولنا إن الهداية والضلال بمشيئة الله تعالى وتقديره وخلقه وإن مشيئة العبد للهداية أو للضلال تابعة لمشيئة الله تعالى، ولا يقدرون بناء لأصلهم أن يقولوا بأن النفس التي اختارت التقوى وفعلت ذلك لمزية فيها لأنهم أثبتوا تساوي كل النفوس في الأصل فبطل قولهم وثبت فساده.
على أن شاهد الوجود يدل على بطلانه أيضًا فكم من شخص أراد أن يهتدي وسعى لذلك فلم يصل إلى الهدي لأن الله تعالى لم يكتب له ذلك،
فانظر إلى كثير من النصارى واليهود والبوذيين والهندوس وغيرهم يريدون أن يكونوا على الصراط المستقيم مرضيين عند الخالق يفعلون ما يفعلون ونياتهم نيل رضا الله سبحانه لكنهم مع ذلك يحيون
11 12 2ـ ثم يقول محمد أمين شيخو: إن المخلوقات كلها لما خلقها الله كانت متساوية متماثلة في الذات والصفات طاهرة لا تفاضل بينها ولا أعطى الله تعالى أحدًا منها مزية على غيرها اهـ (ص/13 من سيرته وص/76 من تفسيره ج2 وص/13 من كتابه المسمى عصمة الأنبياء). 3 ـ وقال: ثم إن هذه النفوس ـ التي خلقت متساوية ـ تتفاوت بعد ذلك بحسب سعيها كما قال في تفسيره (ص/16 من تفسيره ج2): يقولون الله خلق هذا للسعادة وهذا للشقاء وهذا القول كذب بل خلقهم مثل بعضهم البعض وكلٌّ وسعيه واجتهاده اهـ. يعني بذلك أنهم يسعون على حسب مشيئتهم استقلالاً عن مشيئة الله فعلى زعم محمد أمين شيخو الله لم يكتب على إنسان الشقاء (ص/24 من تفسيره ج2) ولم يشأ لأحد أن يَضِلّ ولا يوجد ثمة أمر مبرم على الإنسان (التفسير ج2 ص/349) بل كلُّ من شاء لنفسه الهداية يهديه الله (ص/152 وص/264 من تفسيره ج2) ومن يريد لنفسه الضلال يضله (ج2 ص/105 من تفسيره) فمشيئة الله بزعمه تابعة لمشيئة العبد ومرتبطة بسلوك العبد للقوانين (ج2 ص/144 من تفسيره) فانوِ النية الحسنة كي توفق إلى كل حسن وطيب وتنل (هكذا مجزومة في الأصل) سعادة الدارين (السيرة ص/141) واصدق في طلب الوصول إلى الحق يهدك الله (ج2 ص/130 من تفسيره) أما الله تعالى فإنه أراد أن يدخل الكل الجنة (ج1 ص/169 من تفسيره) اهـ. 14 13