من قلوب المشايخ على المريدين لما كان لعمل علماء الإسلام معنى، بل منهج محمد أمين شيخو
وأتباعه هذا فيه إهدار لقيمة ما درج عليه علماء الدين من تعلم النحو واللغة حتى يصل أحدهم لتفسير القرءان.
والمفسرون الذين سبقوا بقسميهم الصوفيين وغير الصوفيين عندهم معرفة اللغة العربية شرط من غير خلاف.
إنما الصوفيون منهم من فسّر تفسيرًا إشاريًّا لا يناقض اللغة ولا أحكام الشرع أما هؤلاء فقد خالفوا الفريقين وما عملهم هذا إلا إلحادًا وتحريفًا للدين، فلو كان يجوز تفسير القرءان للشخص بما يخطر له من غير موافقة للغة العربية لما قال ربنا تبارك وتعالى: {قرءانًا عربيًّا} [سورة يوسف/2] بل ولما قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [سورة إبراهيم/4] فإنه لو كان تفسيره على غير وفق لغتهم وكلامهم لما كان بلسانهم ولا كان مبيَّنًا لهم.
ومما يدل على أن معرفة معنى الكلمة من القرءان على مقتضى اللغة الأصلية شرط للتفسير، وأنه لا يكتفي بكون الشخص وليًّا مكاشَفًا صاحبَ فيض في ذلك، ما ثبت أن عمر رضي الله عنه قال في هذه الآية: {وفاكهةً وأبًّا} [سورة عبس/31] عرفنا الفاكهة فما الأبّ، مَهْ يا عمر اهـ أي لا تتكلف القول فيها. أورده الحافظ ابن حجر في شرح البخاري.
وهذا عمر رضي الله عنه ثاني أفضل أولياء أمة محمد وشهد له الرسول بأنه من أهل الكشف وذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: "قد كان فيمن قبلكم من الأمم أناس مُحَدَّثون فإن كان في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب" اهـ. ومعنى محدّثون أي ملهمون، فإذا كان عمر أحجم عن تفسير هذه الكلمة لأنها لم تكن معروفة في لغة قريش التي هي لغته ولم يعرفها فلم يهجم على تفسيرها بل كفّ عن تفسيرها، فما لمحمد أمين شيخو الذي هو ليس من أهل لغةٍ من لغات العرب لا لغة قريش ولا لغة قيس ولا لغة تميم ولا لغة ربيعة ولا سائر لغات العرب التي كانت زمن نزول القرءان يفسر كلمات القرءان بتفسير بعيد عن موافقة اللغة العربية وقوانين الشريعة؟!
وقد فتح هذا الرجل بفعله هذا للناس باب فوضى في القول بالقرءان فغدًا يأتي ءاخر مثله يفسر القرءان على طريقته بما يراه ثم ءاخر ثم ءاخر فأين الدين بعد ذلك؟ والفوضى قبيحة لا تصلح في أمور الدنيا فكيف في أمور الدين.
وقد صدق الأفوه الأودي حين قال:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا
فقد بان كذب هذا الرجل في منهجه وأقواله على مشايخ النقشبندية أوائلهم وأواخرهم فإن سيرته بعيدة عن سيرتهم فلا يُعرف فيهم أحد سلك مسلك هذا الرجل فليس له فيهم قدوة، وإنما هو شاذ
انتسب إليهم بلا حقيقة. ولم يدَّع أحد منهم أن علم الدين يتلقى من قلوب مشايخهم من الشيخ إلى المريد بالتسلسل، فإن كانوا صادقين فليذكروا لنا واحدًا من مشايخ النقشبندية متقدميهم أو متأخريهم هو على ذلك، بل محمد أمين شيخو أخذ الطريقة من الشيخ أمين كفتارو والد الشيخ أحمد الذي توفي منذ مدة ثم المعروف بأنه انحرف عنه، فإذا كان الشيخ أمين كفتارو رحمه الله لم يكن عنده ما أظهره هذا المنحرف ولا عند من فوقه إلى شيخ الطريقة النقشبندية محمد بهاء الدين شاه نقشبند ومن فوقه من رجال السلسلة عند النقشبندية كلّهم ليس عندهم ما أظهره هذا الرجل، فكيف يدّعي بعد ذلك أنه شيخ نقشبنديّ، بل هو مخالف لهم كلّهم.
ودونك أيها القارئ سير أكابر النقشبندية وتراجمهم تجدهم جميعًا بلا استثناء قد طلبوا علوم الشريعة واللغة من عقيدة وفقه ولغة ونحو من المشايخ وقرؤوا كتب العلم عليهم ولم يقولوا العلم يأتي إلى قلوبنا بالفيض من قلوب مشايخنا. بل هذا الشيخ خالد النقشبندي رضي الله عنه وهو ممن نصَّ على ولايته هذا الزائغ في كتبه ومدحه مدحًا بليغًا (انظر الكتاب المسمى درر الأحكام في شرح الأركان ص 32)، أقول: هذا الشيخ خالد رضي الله عنه قد قرأ كتب النحو ومتن الزنجانيّ من الصرف وكتاب المحرر للرافعي في الفقه وغير ذلك من كتب العلم، حتى قرأ كتب الحساب والهندسة والهيئة وغيرها وأجيز برواية الحديث بل رحل شرقًا وغربًا في طلب العلوم الشرعية ودرس على السيد عبد الكريم البرزنجيّ والملا صالح والملا إبراهيم البياريّ والملا عبد الرحيم الزياريّ المعروف بملا زاده ولم يقل إن العلم يأتيني بالفيض من قلوب مشايخ النقشبندية (انظر ترجمة محمد خالد النقشبندي في إرغام المريد للزاهد الكوثري وفي مقدمة جالية الأكدار لمولانا خالد).
فالحقيقة يا محمد أمين شيخو أنك إنما جئت بدين جديد ودعواك ودعوى أتباعك الإسلام دعوى كاذبة إذ لو كنتم على الإسلام ما خالفتم خلَف المسلمين وسلفهم، بل قد اعترف بعض أتباعك وهو بيروتيٌّ من ءال كبريت أن طائفتكم مخالفة لسائر فرق النقشبندية قائلاً: إن كل فرق هذه الطريقة على ضلال إلا طريقتكم فهل بعد هذا شك في خروجكم عن الدين وشذوذكم عن سبيل المؤمنين؟!
وعبارة الديراني المذكورة ءانفًا والتي سطرها في مقدمة الجزء الثاني من كتاب شيخه المسمى "تأويل القرءان العظيم" تشهد أيضًا بهذا إذ فيها التصريح بأن ما جاء به محمد أمين شيخو في مسئلة القدر لم يسبقه إليه نبيٌّ ولا وليٌّ ولا عالم ولا فيلسوف ولا أي مسلم أو كافر! فهل أصرح من هذا في بيان انفرادهم وشذوذهم؟! هذا ومسئلة القدر هي أحد أركان الإيمان الستة فكيف جهلها من قبله من المسلمين وأوتي هو علمها من بين جميع الناس؟!
بل إن قوله هذا فيه تضليل لكل المسلمين وقد اتفق العلماء على أن من قال قولاً يؤدي إلى تضليل المسلمين فهو كافر قطعًا اهـ، ذكره القاضي عياض المالكيّ والإمام النوويّ وصاحب الأنوار الأردبيليّ
الشافعيان وملا عليّ القاري الحنفيّ وغيرهم.
ولمولانا الشيخ خالد النقشبندي أكثر من مؤلف في بيان القدَر (فرائد الفوائد بالفارسية وجالية الأكدار والعقد الجوهري كلاهما بالعربية) فعلى زعم مدّعِي المشيخة هذا وأتباعِهِ لم يكن الشيخ خالد يعرف القدَر، بل لم يكن أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ ولا سائر العشرة ولا ءال البيت ولا باقي الصحابة ولا الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأحمد ولا البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه ولا الأشعري ولا الماتريدي يعرفونه حتى جاء "الدركي" الذي لم يولد قبله ولا بعده مثله على زعمه فعرفه! فأعظم بهذا جهلاً وكفرًا.
والحقيقة أن كل المذكورين من علماء الإسلام بَيَّنوا أنه لا يحصل في هذا العالم شىء ولا توجد حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله تعالى كما بيّن ذلك مولانا خالد في مؤلفاته أيضًا، ومحمد أمين شيخو وطائفته على خلاف ذلك يكذّبون في هذا الله والرسول وإجماع الأمة كما سترى ذلك واضحًا إن شاء الله تعالى في أثناء الرد عليهم في هذه المسئلة فلذلك قالوا ما قالوا.
ثم من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أنزل عليه القرءان قرأه على مشركي مكة ودعاهم إلى الإيمان بما فيه ولم يفهموا من ذلك إلا أنه يدعوهم إلى الاعتقاد بما تدل عليه الآيات وبما يأتيهم به من السنة على حسب ما تدل عليه لغتهم، فكان جوابهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم أنه إن كانت دعوته صدقًا وما فهموه منه على مقتضى لغة العرب حقًا فليظهر الله على يده معجزة فأظهر الله تعالى معجزات على يديه فكان ذلك من الله تصديقًا لصحة ما جاء به أي لصحة ما دعاهم النبيّ إليه على حسب ما يُفهم من لغتهم،
فمن تجاهل ذلك وخرج في تفسيره للكتاب والسنة عن ما تقتضيه لغة العرب في ذلك الوقت فهو مهدر لقيمة المعجزة ولقيمة الدليل العقليّ، بل مقتضى كلام مثل هذا الرجل أنَّ المعجزة لا دلالة لها لأن كلَّ أحد يفسّر حينئذٍ الكلام الذي حصلت المعجزة لتصديقه على هواه فلا يبقى للمعجزة معنى ولا مدلول وفي هذا إبطال الدين والنبوة والشريعة وهو مراد أمين شيخو فَتَنَبَّهْ.
زد على ذلك أن معنى كلام محمد أمين شيخو أن النبيّ لم يبين للمسلمين حقيقة ما أنزل الله عليه مع أن الله تعالى أمره بذلك في القرءان ونهاه عن ضد ذلك كما قال ربنا عزَّ وجلَّ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [سورة النحل/44]. فأقبح برأيٍ غايته نسبة التقصير في التبليغ وإخفاءِ الأحكام إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام. وفوق ذلك فإن منهج محمد أمين شيخو مهدر لمعنى "الرسول" و"الرسالة" إذ لو كان يوحى إلى الرسول بما لا يفهمه الناس الذين أرسل إليهم ولو كان يكلمهم بما يخرج عن مقتضى لغتهم،
8 9 10