وصف أم أبي زرع
ثم قالت :( أم أبي زرع فما أم أبي زرع! ) وهي عمتها ، فلم تذكر عنها شيئاً من
الكلام الذي نسمعه حول العمات وما إلى ذلك ، بل قالت : أم أبي زرع فما أم أبي زرع ..
هل تعلمون شيئاً عنها ؟ هذه السيدة الفاضلة ، وهذا على القاعدة : حبيب حبيبي حبيبي ،
فالمرأة عندما تحب زوجها ، تدين لأمه بالفضل أنها أنجبته ، وهذه منة في عنق الزوجة
للأم أنها أنجبت مثل هذا الإنسان .( عكومها رداح ) الرداح : هو الواسع ، يردح : أي :
يطيل في الكلام، ويتوسع في المقالة ، والعكوم : هي الأكياس التي تخزن فيها
الأطعمة ، فمثلاً : عندما تخزن الأرز لا تخزنه في كيس صغير ، بل تخزنه في كيس قطن ،
فقولها : ( عكومها رداح ) فيه دلالة على أن البيت كله خير ، وبيتها فسيح ،
ومن المعروف أن اتساع البيت أحد النعم .
وصف ابن أبي زرع
ثم قالت :(ابن أبي زرع ، فما ابن أبي زرع! ) يفهم من هذا أن أبا زرع كان متزوجاً ،
قبل ذلك ..( ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع، مضجعه كمسل شطبة ، ويشبعه ذراع الجفرة ) ،
مسل الشطبة : عندما تأتي بجريدة النخل وتأخذ منها سلخة للسكين ، السلخة هذه هي السرير
الخاص به، فهذا الولد نحيف ، لكن عضلاته مفتولة ، والإنسان النحيف مع قوة ممدوح
عند العرب ؛ لأن هذا ينفع في الكر والفر ، فهذا مدح تمدح به الولد ، تقول :
إنه مفتول العضلات وليس بديناً ، ولا صاحب كرش عظيم ؛ بل سريره كمسل شطبة ،
فتستدل على جسمه بسريره الذي ينام عليه ، وإلا فمسل الشطبة لا يكفي واحداً ثقيلاً بديناً .
( ويشبعه جراع الجفرة ): الجفرة : هي أنثى الماعز الصغيرة ، فلو أكل الرجل الأمامية
للشاة فإنه يشبع ، مع أن هذه لا تكفي الواحد ، ومع ذلك فإن هذا الولد يشبع إذا أكل
ذراع الجفرة ، وهذه صفات ممدوحة عند الرجال ، بخلاف النساء .
وصف بنت أبي زرع
ولما جاءت تصف بنت أبي زرع قالت : ( بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع ! ،
طوع أبيها وطوع أمها )، أي : مؤدبة ،( وملء كسائها ) مالئة ملابسها ،
وهذا مستمدح في النساء بخلاف الرجال ،( وغيظ جارتها ) : الجارة هي الضرة ،
فقد كان زوجها متزوجاً اثنتين أو أكثر( فغيظ جارتها ) أي : من جمالها ، وأنها ملء
كسائها ، وبذلك تغيظ جارتها .
وصف جارية أم زرع
قالت :( جارية أبي زرع ، فما جارية أبي زرع ! ) ، والمرأة من حبها للرجل تذكر كل
شيء حتى الجارية ، قالت :( لا تبث حديثنا تبثيثاً ) ، فأي شيء يحصل في البيت لا يعرف
به أحد من الخارج ، فهي أمينة لا تنقل الكلام ،( ولا تنقث ميرتنا تنقيثاًَ ) ، أي :
لا تبذر في الطعام ، فلا تجد مثلاً الأرز ملقى على الأرض ، فهي امرأة مدبرة ، تخاف
على المال ،( ولا تملأ بيتنا تعشيشاً ) أي : البيت ليس فيه زبالة ، كعش الطائر،
فعش الطائر عبارة عن ريش وحشيش وقش وحطب ، فتقول :
بيتنا ليس كعش الطائر ، إنما هو بيت نظيف . وفي بعض الروايات خارج الصحيحين :
( وظلت حتى وصفت كلب أبي زرع ) ، فالكلام هذا كله غزل ، والغزل هنا مستحب ،
ولا أقول : غزل عفيف ، إنما هذا غزل مستحب ؛ إذ هي تتغزل في زوجها ،
وتعدد فضائل زوجها ، وتشعر بنبرة الحب عالية في كلام المرأة . قالت :
( فخرج أبو زرع والأوطاب تمخض ) ، كان الوقت ربيعاً ، واللبن كثير ، والناس
يحلبون لبنهم ، وفي هذا الوقت خرج أبو زرع ( فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين )
معها اثنان من الأولاد في منتهى الرشاقة ، ( يلعبان من تحت خصرها برمانتين) ،
فأعجبه هذا المنظر ، فقال : هذه المرأة لابد أن أضمها إلي ، فضمها إليه ،
لكن ما الذي حصل ؟ قالت :( فطلقني ونكحها )، لأنه لايبقي عنده إلا امرأة واحدة ،
رجل يحب التوحيد!!