عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-05-2009, 09:39 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قصة ابن الخواجة

فتعلق بدراسات شتى تقربه من معرفة دينه..
وبدأ يهتم بأخبار ندوات العلوم الدينية ومجالسها والمحاضرات العامة وأماكنها..
فنشأت بينه وبين فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله علاقة زادت مع الأيام ثباتاً وعمقاً..
وكان عبده كثيراً ما يصحب الشيخ في هذه المجالس ثم ينصرف بعدها إلى التأمل والموازنة بين ما حوته المراجع التي تتكلم عن الأديان من زاوية ثم غيرها من زاوية أخرى..
فدخل في مرحلة الشك من أمر اتباع دين معين لمجرد توارث هذا الدين في تتابع الأيام..
وناله من الهم ما لم يكن منه خلاص إلا بمزيد من البحث والتأمل..
وانقضى العام ونجح عبده وصدقي والتحقا بمدرسة الطب ..
وزاد اقترابهما من شدة تمسكهما بالوفاء بعهدهما ..
على حين قد سار برادة شوطاً حتى قارب نصف المسافة في دراسة القانون..
إذ كان قد التحق منذ حصوله على شهادة البكالوريا بكلية الحقوق..
(5)
لم ينفرط عقد الصحاب الثلاثة ولم يتنكر أحدهم للموثق الذي واثقوه..
وإنما اقترب اثنان منهما بحكم الزمالة في مجال واحد ومدرسة واحدة..
وفرض على الثالث أن يتفرغ لتخصص قائم بذاته..
كانت تجربة الرسوب مريرة فاعتزم الصاحبان أن ينصرفا عن كل راحة ولهو بريء..
وأن يقسما الوقت والجهد بين علوم الطب وعلوم الدين..
وتقدما من المقدمات التي تتحدث عن وظائف الأعضاء إلى ما هو أعمق في تخصصهما..
حتى حصلا على قدر من المعرفة بجسم الإنسان من دراسة التشريح..
وكان عبده بوجه خاص ينهل من المراجع العلمية.. ليروي ظمأه ويرفع غلته..
لا ليحصل على إجابة تفتح له باب المهنة والحصول على وظيفة..
بل لأنه كان يعاني من ظمأ قاتل.. لا يكسره إلا شيء من العلم بحقائق هذا الكون..
ولو في بعض ما احتواه..
كان يصعد النظر في السماء ويدور ببصره من حول هذه الأجرام..
التي يخطؤها عد الإنسان قطعاً..
ثم يرتد البصر حسيراً.. إذ تقوم بينه وبين حقائق هذه السماء الدنيا حجب من الجهل التام في فرع من المعرفة لا يستطيع أن يقترب منه..
ثم يعود إلى جسم الإنسان وقد تهيأت له ظروف الإمعان في دقائقه.. والغوص في خفاياه فيشبع نهمه إلى المعرفة هنا لعله يدرك من دراسة هذا المخلوق الذي يسمى الإنسان شيئاً لا يزال يجهله وهو قدرة الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان على هذه الصورة..
وقد كانت في نظره صورة مذهلة تدل على قدرة لا تحيط بها الأبصار..
وتعلقت آماله بأن يكو ن حقاً أن البصائر تدركها..
وهنا بدأ يفكر أن هذه الظاهرات المادية التي سمع عنها.. كالتجسد والميلاد وأكل الطعام والصلب..
يجوز أن تكون كلها أو بعضها مقبولة من حيث المبدأ إذا أضيفت إلى جسم الإنسان الحادث الزائل عن الوجود..
أما إضافة شيء من ذلك إلى خالق فذلك أمر يدفعه حاكم العقل بالفساد..
وتأباه الفطرة السليمة فضلاً عن القوة العاقلة المدبرة..
(6)
يقول أحمد نجيب برادة:
لم يكن الإسلام بعيداً عن صاحبنا وزميلنا عبده.. منذ تفرغه لدراسة الأديان
قبل اجتهاده لنيل الثانوية العامة، وأثناء دراسة الطب..
لكن دراسة التشريح نحواً من ثلاثين شهراً..
نقلته من حال إلى حال..
فقد تملكه خوف من لقاء الله وهو في جهالته وتردده بحقيقة البعث والتوحيد والثواب والعقاب.. لتعامله مع الجثث وبقائه مع الموتى..
فاجتمع إلى صاحبيه..
وقال بأنه آمن بالذي هما والمسلمون عليه..
وبأنه سيبدأ بما هو مستقر من إجراءات لتوثيق وشهر إسلامه..
فزع صاحباه من هذه العجلة..
وقالا له: استمع إلينا أيها الصديق جيداً..
أنت تعلم حبنا ووفاءنا لك.. وأننا سنخلص لك النصيحة حتماً..
وأنت الآن بينك وبين التخرج ومدة الامتياز عامان ونصف العام..
وهذا الأمر الذي أنت مقدم عليه متعجلاً ..
ستكون له أثار خطيرة وشديدة على والديك وإخوتك وأهلك..
وأقل ما سيلحقونه بك من ضرر هو ضربك وطردك من البيت ومحاربتك..
وأنت بكل ذلك ستعرض مستقبلك للبوار..
وهذا الدين القويم الذي رغبت فيه يأمر بالحكمة والتعقل..
فالرأي عندنا أن تتمهل..
وأن تستخفي بدينك حتى تتخرج وتكون لك وظيفة تكسب من ورائها رزقاً..
ثم إنك في حاجة إلى مزيد من الدراسة والله يعلم صدق نيتك فيما تدعيه..
فأنت عند الله إن شاء الله من المقبولين ما دامت قد صحت نيتك..
فلا تتعجل التوثيق وشهر الدين الجديد..
حتى تكون العلانية مأمونة لك..
ورضخ عبده لهذه النصيحة..
لكنه وجد تعلقه بهذا الدين يشتد ويقوى لحظة بعد لحظة..
ويوماً بعد يوم ..
وهو لا يستطيع كتمان هذا النور الذي بات يشعشع في مسامه..
وينير عقله وقلبه..
فعاد يتصرف دون الرجوع إلى صاحبيه..
حتى لا يشيرا عليه بما يكره من صبر وكتمان..
فعكف على القرآن يتلو آياته كلما وجد من الوقت فسحة وفراغاً..
وحرص أن يكون في جيبه دائماً..
وأخذ يؤدي من الصلوات ما تيسر له في خفاء خارج البيت أحياناً..
وفي حجرته داخل البيت إذا أمن على نفسه أحياناً أخرى..
ومضى عامان إلا قليلاً ..
وهو يتعجل الأيام لتمضي وليتحقق حلمه..
وبدأت مدة الامتياز وهي أقل من عام..
وحل شهر رمضان..
(7)
وحل شهر رمضان..
بروحانياته وبركاته..
فاعتزم طبيب الامتياز أمراً..
وما عاد بعد الآن يستشير فيما وضح له من الحق أحداً أبداً..
كانت هناك عادة مقدسة في منزل والده إبراهيم عبد الملك أفندي وهي غداء الأحد..
الذي يتفرغ فيه الأب للاجتماع بجميع أولاده..
تخلف عبده عن حضور الغداء من يوم الأحد.. (لشهر رمضان)..
على غير ما جرت به عادته وعادة الأسرة كلها..
وسأل عنه أبوه ظهراً وعصراً ومساءً..
ولكن عبده لم يحضر إلى داره إلا في ساعة متأخرة من الليل..
فقيل له إن الأسرة كلها قلقة لهذا التخلف.. وإن الظنون ذهبت بهم كل مذهب..
وكان رده أن الأعمال في قسم الاستقبال كانت كثيرة على غير المألوف والمتوقع لها..
وقد اعتذر عن الحضور زميلان له..
فقضى اليوم كله في مواجهة الحالات العاجلة التي كان ينبغي لهما استقبالهما لو حضرا..
وجاء الأحد الذي يليه..
وتوقف الخواجه إبراهيم عن أن يذوق طعاماً أو شراباً..
حتى يصل ابنه الطبيب..
وطال انتظاره له ساعات وساعات حتى غلبه النوم..
فقام إلى فراشه مكتئباً..
وقد داخله هم لا يعرف من أين أتاه..
أو هو يعرف ولكنه يناور نفسه هروباً من مواجهته..
حتى فزع بآماله إلى الكذب..
وعند منتصف الليل جاء الطبيب إلى الدار..
وعليه من آثار الإجهاد ما يظنه في نفسه شفيعاً..
واتجه إلى حجرته بخطوات متعبة..
وتبعته أمه وهي تقول له..
أين كنت اليوم بطوله يا بني..
إن أباك لم يذق طعاماً ولا شراباً اليوم..
لأنه يكره أن يكون مكانك خالياً من غداء الأحد..
وهذه هي المرة الثانية التي يتكرر فيها ذلك على التوالي..
فهلا ترفقت بنفسك وبأبيك وبنا جميعاً فيما تقبله من واجبات بسبب تخلف زملائك عن نوبات عملهم..
بل هلا رحمت أباك وترفقت به بعد أن تقدمت به السن..
وترفق عبده بأمه وهو يجيبها إلى ما سألته..
لكنها عادت تسأل وهو مرهق مجهد..
فقال لها: يا أماه..


وحشد لها من صنوف المعاذير ما يظنها اقتنعت به..
وهما لا يزالان في حوار..
وإذا بمساعده في المستشفى يطرق الباب..
ويطلب حضور الطبيب إلى المستشفى على عجل..
لوقوع حادث كبير تضاعفت بسببه الحالات لذا تعين استدعاء كل الأطباء..
وكان عبده لم يكن قد مضى على حضوره ساعة وبضع الساعة..
قضاها في حوار مرير مع أمه ..
ولم ينل قسطه من الراحة ولا حتى بعضه..
ولكنه طلب من أمه أن تعينه على استبدال ملابسه ليمضي مع مساعده الذي لا يزال واقفاً بالباب..
ثم انصرف الطبيب مع مساعده ولفهما الليل..
ولف المكان سكون مبهم من ذلك النوع الذي ينبأ بقرب هبوب عاصفة قوية..
وفي الليلة الثانية جاء من المستشفى من يستدعي الطبيب عبده..
لأن الطبيب المناوب قد اعتذر فجأة..
وبعدها تكرر الطلب في جوف الليل من جديد مرة بعد مرة..
وتنوعت الأعذار..
حتى جاء يوم الأحد الثالث..
وأبوه يتابع ولا يتكلم..
فقد غشيه من الهم غاشية لا قبل له بها..
وعلى مائدة الغداء جلس ينتظر ابنه ساعات..
وبه من الهم والهواجس والشكوك مايهد كيانه ويزلزل وجدانه..
وتحامل الأب على نفسه وهو ينهض بعيداً عن المائدة فاختل.. لولا أن أعانه بنوه ..
وأمرهم أن يجلسوه على مقعد مقرب لباب الدار..
وبقيت عينه شاخصة لكل قادم..
لكن ساعات طويلة مضت وهو على ما هو عليه حتى قارب الليل أن ينتصف..
وصارت الدار في سكون حزين مبهم..
وأقبل الطبيب الذي تخلف عن غداء الأحد ثلاثاً متواليات..
فألفى أباه جالساً لا يزال لدى مدخل الدار..
(8)
أقبل الطبيب الذي تخلف عن غداء الأحد ثلاثاً متواليات..
فألفى أباه جالساً لا يزال لدى مدخل الدار..
فتمالك نفسه وحياه..
ولكنه لم يرد التحية..
وبادره قائلاً: أين كنت طوال اليوم..
قال الطبيب متلطفاً: في المستشفى كعادتي يا أبي..
وساد بينهما الصمت فترة حتى تمالك الرجل نفسه..
وقال في هدوء مصطنع:
إن أمرك يا بني لم يعد خافياً علي..
خاصة بعدما تكرر غيابك كل يوم أحد..
ولقد اجتمعت عندنا دلالات خطيرة عن سلوكك في العامين الأخيرين..
وهي دلالات قد أثارت في نفسي ظنوناً تكاد تقتلني حسرة على ما آل إليه أمرك..
وما صرت عليه من حال..
فهلا حدثتني بحقيقة الخبر..
وصدقتني القول..
فإني أجد الحقيقة مهما بلغ سوءها أرحم بي مما أنا فيه..
قال الطبيب الشاب:
إني محدثك بالصدق يا أبي..
فما هي هذه الدلالات والظنون التي تشير إليها..
قال الوالد:
كتاب المسلمين.. !!
وجده الكواء في جيبك من نحو عامين..
وقد كتمت الأمر ظناً مني أنك سعود إلى صوابك ورشدك..
فتنتهي عما أنت فيه..
وها هو الكتاب فانظر إليه جيداً..
أليس هذا الكتاب يخصك..
أجب أيها الضال..

يا ترى بماذا سيجيب ؟؟ هل سيقول الحقيقة ؟؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة من القصة
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.81 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]