عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 29-04-2009, 01:30 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,882
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ومع ذلك .. فقد أسلموا

فذاب سهيل ومن معه خجلاً وحياءًا من أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم ورحمته التى تجعل العقول تطيش من الحيرة وتجعل الألسنة لا تملك أن تقول كلمة واحدة .
امتلأ قلب سهيل بحب النبى صلى الله عليه وسلم والرغبة فى الإسلام فأرسل سهيل إلى ابنه عبد الله (أبو جندل) ليستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه فخرج إلى حنين مع رسول الله r وهو على شركه حتى أسلم بمنطقة تسمى الجعرانة ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ مائة من الإبل من غنائم حنين[1].
وما إن لامس الإسلام شغاف قلب سهيلحتى حاول أن يعوض ما فاته وقلبه يعتصر ألمًا على كل لحظة قضاها بعيدًا عن طاعة الله. إن العناد والمكابرة والحرب قد غطوا أعين هؤلاء القوم فلما أزيل الغطاء انكشفت حقيقة الإيمان أمام أعينهم وشعروها فى قلوبهم .
وشهد له الصحابة ومن بعدهم قائلين فى حقه : ( لم يكن أحد من كبراء قريش الذين تأخر إسلامهم فأسلموا يوم فتح مكة ، أكثر صلاة ولا صومًا ولا صدقة ولا أقبل على ما يعنيه من أمر الآخرة، من سهيل ابن عمرو ، حتى إن كان لقد شحب لونه. وكان كثير البكاء رقيقًا عند قراءة القرآن . لقد رُئى يختلف إلى معاذ بن جبل حتى يقرئه القرآن وهو بمكة ، فقال له رجل : تذهب إلى معاذ ؟!
أفلا ذهبت الى رجل من أهل قريش يعلمك ؟
فقال سهيل : هذا الذى صنع بنا ما صنع حتى سبقنا كل السبق ، أى لعمرى اختلف إليه لقد وضع الإسلام أمر الجاهلية ، ورفع الله بالإسلام قومًا كانوا لا يُذكرون فى الجاهلية فليتنا كنا مع أولئك فتقدمنا)[2] .
ومضى سهيل يشق طريقه الى جنة الرحمن ، وإلى تعويض ما فاته .. وإذا به يقول قولته الشهيرة : ( والله لا أدع موقفًا وقفته مع المشركين إلا وقفت مع المسلمين مثله، ولا نفقةً أنفقتها مع المشركين إلا أنفقتُ على المسلمين مثلها، لعل أمرى أن يتلو بعضه بعضًا)[3].
ولما مات النبى صلى الله عليه وسلم وأخذت القبائل ترتد عن الإسلام فأراد أهل مكة أن يحاكوا هذه البلاد المرتدة فقام سُهيل بن عمرو يثبت قومه وقال لهم يا أهل مكة كنتم آخر الناس دخولا فى دين محمد فلا تكونوا أول الناس خروجًا منه ... ثم قال لهم : ( مَنْ كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومَنْ كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت)[4].
وظل سهيل على الخير والإيمان كثير الصلاة والصيام والصدقة بكاء عند كتاب الله ، وخرج بجماعته الى الشام مجاهدًا ، يضرب أعداءه وكان فى اليرموك أميرًا على كُرْدُوسٍ[5] .
وظل مرابطًا بأرض الشام متذكرًا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (مقام أحدكم فى سبيل الله ساعة من عُمره خيرٌ من عمله عمره فى أهله ) قال سهيل : فإنما أرابط حتى أموت ، ولا أرجع إلى مكة ، فلم يزل مقيمًا بالشام حتى مات فى طاعون عمواس[6] .وقد قال صلى الله عليه وسلم : (الطاعون شهادة لكل مسلم )[7].
فرضى الله عن سهيل بن عمرو ..
(3)
وأما الحارث بن هشامفظل محاربًا للمسلمين حتى يوم فتح مكة، إذ علم أنه من أوائل المطلوبين فاستجار بأم هانئ بنت أبى طالب فأجارته فأراد أخوها قتله فذكرت ذلك للنبى قائلة : زعم فلان- تقصد أخاها - ألا إجارة لى ، فقال e : ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ) .
وكانت دهشته لا تقدر إذ صعد بلال بن رباح رضي الله عنه فوق الكعبة قارعًا أذانهم بقوله : جاء الحق وزهق الباطل .. إن الباطل كان زهوقا .
وكان الحارث يقول : يا ليتنى مت قبل هذا ولم أشهد هذا اليوم .
ولما قيل للحارث بن هشام : ألا ترى ما يصنع محمد من كسر الآلهة ونداء هذا العبد الأسود على الكعبة ؟!
فقال الحارث : إن كان الله يكره هذا ، فسيغيره ..
وأخذت قلوب أئمة الكفر تفكر فى الإسلام خاصة وإن النبى عليه الصلاة والسلام عفا عنهم وأعطى الكثير منهم الأمان فى داره وفى المسجد ..
وكان الحارث ممن أسلم يومذاك ، ثم كانت غزوة حنين بعدها فتألف النبى صلى الله عليه وسلم قلوب هؤلاء القوم فأعطاهم حتى رضوا. وأعطى للحارث يومها مائة من الإبل فكُسرت شوكة العداء والعناد فى قلبه ثم رويدًا رويدًا أخذت تعاليم الإسلام تشق طريقها الى قلب الرجل فنما زرع الإيمان فى قلبه فحسن إسلامه رضي الله عنه ثم هاجر الحارث إلى الشام فى عصر عمر رضي الله عنه ، فلم يزل مجاهدا ، حتى كان يوم اليرموك فقال عكرمة بن أبى جهل : من يبايع على الموت فبايعه مائتان من الرجال على الشهادة فى سبيل الله . وأخذ الأبطال يتساقطون على الأرض وتصعد أرواحهم الى السماء ...

[1] ) الطبقات لابن سعد 7/284 .

[2] ) صفة الصفوة 1/314 .

[3] ) الإصابة للحافظ ابن حجر 3/178 .

[4] ) رواه البيهقى فى الدلائل – نقلا من الإصابة لابن حجر 3/178 .

[5] ) الطائفة العظيمة من الخيل والجيش – والجمع كراديس .

[6] ) الإصابة لابن حجر 3/178 .

[7] ) متفق عليه عن أنس – صحيح الجامع 3947 .


رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.75 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.12 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.03%)]