حَتَّى يُحَبَّ" (حتى) هذه للغاية، يعني: إلى أن "يُحَبَّ لأَخِيْه" هذا مقتضى الأخوة الإيمانية أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك .
وقوله: "لأَخِيْهِ"أي المؤمن"
مَا يُحبُّ لِنَفْسِهِ"من خير ودفع شر ودفاع عن العرض وغير ذلك. . والخير كلمة جامعة تشمل الاعتقاد والقول والعمل،يعني: تشمل جميع الأعمال الصالحة من الأقوال والاعتقادات والأفعال ’ تعم الطاعات المؤدية الى الجنة كالحج المبرور,العمرة المقبولة ,الصيام والصدقات و المباحات الدينية والدنيوية كالمال والعيش الطيب والصحة والولد اوما شابه ذلك , وتخرج المنهيات لأن الخير لايتناولها اى انه لا يحب لأخيه عمل الحرام اوالوقوع فى المعصيه.
الحب عمل قلبى والعطاء هو عمل الجوارح ، وهذا الخير نسبى يختلف من شخص لأخر مثلا شخص يتصور ان هذا الخير فى ان يكون لأخيه سكن يأويه كما له سكن وآخر يتصور ان الخير فى تمنيه زيادة رزق اخيه اوان يرزقه الله الحج ولكن فى كل الحالات لابد ان يكون هذا الخير فى المباحات فقط وليس فى المنهيات اوالمحرمات.
وقيام القلب بعبوديته فى هذا الموضع يزيد ويرفع الايمان فى القلب حيث انه من جهاد النفس التى جبلت على الاثرة .
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الجَنَّةَ فَلْتَأتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ، وَلْيَأتِ إِلَى النَّاسِ مَا يُحِبّ ُأَنْ يُؤتَى إِلَيْهِ"
ونستدل من ذلك على ان المحبة من صميم الايمان ، فما هي المحبة؟
المحبة: إرادة ما يعتقده خيرا . وقال النووي:المحبة الميل إلى ما يوافق المحب وقد تكون بحواسه كحسن الصورة ، أو بفعله وإما لذاته كالفضل والكمال وإما لإحسانه كجلب نفع أو دفع ضرر.
وقيل أن الحديث يحمل ذلك على عموم الأخوة ، حتي يشمل الكافر والمسلم فيحب لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في الإسلام ، كما يحب لأخيه المسلم دوامه على الإسلام ،ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحباً، فلو أحب لأخيه أن يكون على غير الهداية فإنه ارتكب محرما فانتفى عنه كمال الإيمان الواجب، لو أحب أن يكون فلان من الناس على غير الاعتقاد الصحيح الموافق للسنة، يعني: على اعتقاد بدعي فإنه كذلك ينفي عنه كمال الإيمان الواجب، وهكذا في سائرالعبادات، وفي سائر أنواع اجتناب المحرمات، فإذا أحب لنفسه أن يترك الرشوة، وأحب لأخيه أن يقع في الرشوة حتى يبرز هو كان منفيا عنه كمال الإيمان الواجب، وهكذا في نظائرهما.
أما أمور الدنيا فإن محبة الخير لأخيه كما يحب لنفسه هذا مستحب لأن الإيثار بها مستحب، وليس بواجب، فيحب لأخيه أن يكون ذا مال مثل ما يحب لنفسه هذا مستحب، يحب لأخيه أن يكون ذا وجاهة مثل ما له هذامستحب، يعني: لو فرط فيه لم يكن كمال الإيمان الواجب منفيا عنه لأن هذه الأفعال مستحبة.
فإذا صار المقام هنا على درجتين: إذا كان ما يحبه لنفسه متعلقا بأمور الدين فهذا واجب أن يحب لإخوانه ما يحب لنفسه، وهذا هو الذي تسلط نفي الإيمان عليه.
ويتفرع عن هذا مسألة الإيثار، والإيثارمنقسم إلى قسمين:
1- إيثار بالقرب.
2- وإيثار بأمورالدنيا.
والقسم الثاني الإيثار في أمور الدنيا يعني: والإيثار امر عظيم ويكون في الطعام والشراب والملبس والمركب وفي التصدر في مجلس أو ما أشبه ذلك فهذا مستحب أن يؤثر أخاه في أمور الدنيا كما قال -جل وعلا- في وصف خاصة المؤمنين: ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )دلت الآية على أن الإيثار بأمور الدنيا من صفات المؤمنين وهذا يدل على استحبابه. وقد روى عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود، فأرسل إلى بعض نسائه،فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك : لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماءً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من يُضيفُ هذا الليلة ؟)) فقال رجلٌ من الأنصارِ: أنا يا رسول الله ،فانطلق به إلى رحلهِ، فقال لأمرأته : أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية قال لامراته: هل عندك شيء؟ فقالت: لا، إلا قوت صبياني. قال: علليهم بشيءٍ وإذا أرادوا العشاء، فنوميهم، وإذا دخل ضيفنا،فأطفئي السراج، وأريه أنا نأكلُ فقعدوا وأكل الضيف وباتا طاويين ، فلما أصبح، غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (( لقد عجبَ الله من صنيعكما بضيفكما الليلة")) متفق عليه.
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
اذا هذا الحديث من اسس السلام الاجتماعى بين المسلمين ويجب تطبيقه حتى يعم السلام بين المسلمين.
وقد يتصور البعض خطأ ان تمني الخير الذي عنده هو زوال الخير بعينه او النعمة بعينها من عنده ونقلها لأخيه وهذا ليس صحيح ولكن معنى الحديث هو تمنى المساواة وليس تمنى إزالة الخير من هذا المسلم حيث أن عند تمنيك لأخيك الخير تبقى عين النعمة عندك . فإذا حدث ذلك التمنى حدث الصفاء الذهنى والسلام والأمن كما سيحدث ايضا التواضع من الأعلى الى الأدنى فيحب ان هذه النعمة التى هو عليها ان تكون عند اخيه وينتهى التحاسد بين المسلمين .
من فوائد هذا الحديث :
1- أن من خصال الإيمان أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه ، ويستلزم ذلك أن يبغض له ما يبغض لنفسه ، وبهذا تنتظم أحوال المعاش والمعاد ، ويجري الناس على مطابقة قوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وعماد ذلك وأساسه : السلامة من الأمراض القلبية ، كالحسد وغيره .
وقد جاء في الحديث عن يزيد بن أسد : قال : قال لي رسول الله e : ( أتحب الجنـة ؟ قلت : نعم ، قال : فأحب لأخيك ما تحــــب لنفسك ) رواه أحمد .
قال ابن عباس : ” إني لأمر على الآيــة من كتاب الله فأود أن الناس كلهــم يعلمــون منها ما أعلــم “ .
وحكي أن بعضهــم شكا كثرة الفأر في بيتــه ، فقيل له : اقتني هرة ، فقال : أخشى أن يسمــع الفأر صوت الهرة فيهرب إلى دور الجيران فأكـــون قد أحببتُ لهم ما لا أحبــه لنفسي .
2- جواز نفي الشيء لانتفاء كماله،لقوله: "لايُؤمِنُ أَحَدُكُم حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيْهِ" ومثله قوله: "لا يُؤمنُ مَنْ لا يَأَمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"
ومن الأمثلة على نفي الشيء لانتفاء كماله قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لاصَلاةَ بِحَضْرَةِ الطَعَام "أي لا صلاة كاملة، لأن هذا المصلي سوف يشتغل قلبه بالطعام الذي حضر.
3- أن الإيمان يتفاضل منه كامل، ومنه ناقص وهذا مذهب أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص.
4- تقوية الروابط بين المؤمنين والحث على محبة الخير للمؤمنين لقوله حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه وأن الأمة الإسلامية يجب أن تكون يداً واحدة وقلباً واحداً وهذا مأخوذ من كون كمال الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه .
5- وجوب محبة المرء لأخيه ما يحب لنفسه، لأن نفي الإيمان عن من لايحب لأخيه ما يحب لنفسه يدل على وجوب ذلك، إذ لا يُنفى الإيمان إلا لفوات واجب فيه أو وجود ما ينافيه.
6- الحث على التواضع ومحاسن الأخلاق ، حيث بحبه لأخيه الخير كما يحب لنفسه دليل على تواضعه ، وأنه لا يحب أن يكون أفضل من غيره .
7- التحذير من الحسد، لأن الحاسد لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، بل يتمنّى زوال نعمة الله عن أخيه المسلم.
والحسد كما قال الغزالي: ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
الأول : أن يتمنى زوال نعمة الغير وحصولها لنفسه .
الثاني : أن يتمنى زوال نعمة الغير وإن لم تحصل له كما إذا كان عنده مثلها أو لم يكن يحبها ، وهذا أشر من الأول .
الثالث: أن لا يتمنى زوال النعمة عن الغير ولكن يكره ارتفاعه عليه في الحظ والمنزلة ويرضى بالمساواة ولا يرضى بالزيادة ،وهذا أيضاً محرم لأنه لم يرض بقسمة الله تعالى( أهم يقسمون رحمة ربك؟! نحن قسمنا معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضَهُم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذَ بعضُهًم بعضاً سخرياً ورحمةُ ربكَ خيرُُ مما يجمعون )[الزخرف:32]. فمن لم يرض بالقسمة فقد عارض الله تعالى في قسمته وحكمته.
س: ما هى الثمرات التى تعود على الفرد والمجتمع بتطبيق هذا الحديث ؟
ج: هذا الحديث هو عمدة فى المعاملات بين المسلمين .. فمن ثمراته :
1- أن يكتمل إيمان العبد .
2- يبارك الله له في رزقه فيبارك له فى ماله ويحفظ عقله من الشيخوخة المبكرة ويحفظ له ذهنه من تفلت الحفظ .
3- يحليه بخلق التواضع فيفوز فى الدنيا والآخرة كما فى قوله تعالى:(تلك الدارالآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولافسادا).
4- ينعكس ايجابيا عليه بدنيا ونفسيا وعقليا واجتماعيا
5- يعم السلام النفسى والاجتماعى بين الناس اجمعين.
6-تتلاشى مشاعر الحقد والحسد والكبر والأثرة والغل والغش من المجتمع المسلم .
الفائدة العقدية المستفادة من هذاالحديث :-
1- وجود طاعات خاصة بالقلب وطاعات خاصة بالبدن وطاعاتخاصة باللسان.
2- الايمان يزيد بطاعة القلب كمايزيدبطاعة البدن واللسان وكذلك ينقص الايمان بمعصية القلب كما ينقص بمعصية البدن واللسان .
3- إيمان المسلم يتفاوت منيوم لآخر ومن لحظة لأخرى بحسب قيامه أو نقصانه من الطاعات .
4- فيه رد على الخوارج والمعتزلة والكرامية والمرجئة الذينينفون ذلك .
س: كيف أطبق هذا الحديث فى حياتى العملية؟
ج: 1- أن امرن قلبى على حب الخير للغير.
2-أن أتوجه إلى الله بالدعاء للمسلمين بظهر الغيب
3- أن أتمنى كل نعمة دنيوية كانت أوأخروية لغيريمن المسلمين .
4- أن أتعاهد قلبى فى القيام بطاعاته وعباداته التى ليس عليها رقيب إلاالله.