سـونا الراعي // عميدة الأسيرات الفلسطينيات // تستنشق عبير الحرية
غزة
2/11/2008
أن يُبلّل المطـر ذاكـرة أصـابها جفافـاً عُمـره 12 عـاماً ...وأن يُبـاغت النـور الليـل الطـويل ...وتعـود العصـافير إلى بيـوتها بعـد سنـواتٍ من الهجـرة والغيـاب , فإن 'سـونا الـراعي' بحـاجة إلى مسـاحات فـارغة من الـوقت لكي تُرتب أوراقـها من جـديد ويُصـدق عقـلها أنها هنا بعيـداً عن رائحـة السـجن وزنازين المـوت .
'سونا الراعي' (40 عـاماً) عميدة الأسيـرات الفلسطينيات تنسـمت الحُـرية يوم السبت 26/10/2008 بعد اعتقالٍ هـو الثـاني لها دام 12 عـاماً ...مشت بخطـى الفـرح نحـو مدينتها 'قلقيلية ' غرب الضفـة الغربيـة ...تُعانق من جـاء لاستقبـالها وتهنئتها.
فـي اتصـالٍ هـاتفي مع 'صابرون' بدت نبـرات صـوتها مُبعثـرة مُغلّفة بكثيـر من الحنيـن والفـرحة والتـوجس من حيـاة جـديدة تستيقظ عـلى صباحاتها المملوءة بالشمس والهـواء .
مكثت قـروناً
'لا أكـاد أُصدُق أنني خـرجت من السجـن وودّعت الجدران الضيقة وقسـوة السجان والضجيج المُرتفـع...' وتُضيف بعـد لحظاتٍ من الصمـت :' أشعـر وأني مكثت قروناً ... كانت أياما مـريرة امتلأت بالمُعاناة والحـرمان والعزل عن الدنيا .'
تـرجع بتفاصيـل حكـايتها من البـداية :' أول اعتقـال لي كـان في عام 1987 للضغط على شقيقي 'إبـراهيم' لكي يعترف بما نُسب إليه من عمليات وأنشطـة في الانتفاضـة ...بقيت في الزنزانـة لأكثـر من شهـر والتحقيق لا يتـوقف معي ..'
في 13 نيسان 1988 قتلت قـوات الاحتلال 'إبراهيم ' فقررت سونا الانتقـام لـه وبعـد أن انخرطت في صفـوف الجبـهة الشعبيـة لتحرير فلسطيـن وشـاركت في ميادين النضال الوطني ظل 'وعـد الثأر' يسكـنها إلى أن جـاءت الذكرى السنوية التاسعة لاستشهاد شقيـقها فقـامت بامتشـاق سـلاحها وأطلقت النـار على الجنـود الإسرائيليين المتواجدين على معبر الكرامة بين الأراضي الفلسطينية والأردن ما أدى إلى أسرها والحكم عليها لمدة 12 عاماً .
يأتي صـوتها حـزيناً وهي تتذكـر اللحـظات الأولى لاعتقـالها :' تم الزج بي سجن الـرملة ...تعرضت لتعذيب جسـدي ونفسي وكان الأخيـر أشد مـرارة ورعبـاً ...بعدها تنقلت من سجن إلى آخـر والعذاب لا يتـوقف...'
سـأضمه طويلاً
ثـلاثـة أعـوام فقـط كـان عُمـر طفـلها 'مٌحمـد' حيـن تركته قبل 12 عـاماً ،تحتضن الأم صغيـرها ...تمسح على شعـره ..تُطيـل من عنـاقه ...لا تُريد أن تضمـه ابن الـ'15' بـل طفل الثالثـة الذي ما انفك عن النداء :' ماما ...ماما'.
تُخبـرنا أنها لم تـره طيـلة فتـرة اعتقـالها سـوى مرة واحـدة :' فقط كانت الصـور والرسائل عزائي ...آهٍ لـو يرجع الزمـان للوراء فأراه يحكي ويـلعب ...نذهب معاً إلى أول يومٍ دراسي ...سأضمـه طـويلاً وأعـوضه عن غيـابي الطـويل.'
سـونا أكـدت لـ'صابرون' أن أوضاع الأسيـرات داخل سجـون الاحتلال الإسرائيلي متردية للغايـة: ' لا يُمكن وصف ما يجري هنا بالكلمات ...فالمعاناة والمـوت أكبـر من كل اللغات ...أنا قضيت الأعـوام الـ'12' في عـزل انفرادي ...الأسيرات يُعانين من شتـى الأمـراض ...لا طعـام جيـد ولا مـاء صالح للشرب ...محـرمون من زيارة الأهـل والأقـارب ...'
لينجح الحـوار
وبصـوت الأمل قالت سـونا أن الأسيـرات يتطلّعن بشـوق إلى صفقـة تبادل الأسـرى لتـوديع السجن وآلامه.
وتُطالب فصائل المقاومة الآسـرة للجندي 'جلعاد شاليط' بتحرير كافة الأسيـرات كشرط أساسي لإبرام صفقة التبادل.
وحملت الأسيرة المُحررة 'سـونا' رسالة من الأسيرات داخل السجون بضرورة نبذ الفرقة والانقسام والتوحد خلف قضايا الشعب الفلسطيني المصيرية وعلى رأسها قضية الأسرى متمنين نجـاح الحـوار الوطني وجلسـاته القادمة
سـونا تستـعد الآن للالتحاق بأحد الجامعات الفلسطينية لدراسـة علم النفس :' شعـرت داخل السجـن أننا نحـتاج هذا التخصص لنداوي جراحنـا'
وعـلى الرغـم من سعـادتها البـالغة إلا أن دمـعة اختـرقت حديثـها لتختم قـائلة :' يـوم أن تُودع عشـرات الأسيـرات سجـون العذاب ..ستكـتمل فـرحتي .