المحررة مها .. لازلت عاجزة عن النوم في البيت بين أطفالي
28/2/2009بالدموع غادرت الأسيرة مها قاسم أحمد عارضة سجن الشارون ، ودخلت منزل عائلتها بعرابة مسكونة كما تقول بألم أشد قساوة وتأثيرا من عذابات رحلة الاعتقال بأكملها ، فرغم شوقي الكبير لأطفالي وعائلتي لم أتمكن من السيطرة على نفسي، ولم تفارقني مشاعر الحسرة والألم ، والدموع التي طغت على كل مشاعر الفرح من شدة حزني وألمي، لأني تركت في السجن 37 أسيرة بينهن الطفل يوسف الزق يعيش وإياهن أقسى الظروف وأيضا شقيقاي محمد وباسم فكيف اشعر بمعنى الفرح وطعمه.
صرخات الطفل يوسف
مها التي أمضت ساعات طويلة بعناق طفليها وتقبيلهما بحب وشوق ،كانت تبكي بحرقة وألم ، لأن صورة الطفل يوسف ووالدته الأسيرة كما قالت" لم تفارق مخيلتي خلال وداعهما لي، وصرخات فاطمة وهي توصيني بإيصال صدى معاناتها وطفلها الذي ولد أسيرا كوالدته، ولم يعرف معاني الطفولة كباقي أطفال العالم ، فهو محاصر كباقي الأسيرات وسط أسوأ الظروف الاعتقالية في سجن الشارون الذي يشهد حالة تصعيد من قبل إدارة السجن غير مسبوقة ، تستهدف التضييق على الأسيرات وسحب كل انجازاتهن."
رحلة العذاب
رغم تحررها ، فان الأسيرة العارضة لا زالت تتذكر كل لحظة من تفاصيل رحلة العذاب ، والمعاناة التي عاشتها داخل سجون الاحتلال التي بدأت كما تروي فجر يوم 4-2-2007 باعتقالها ونقلها لتحقيق الجلمة، الذي أمضت فيه 15 يوما لم تكن تعرف خلالها الليل من النها. وتضيف" كل لحظة أمضيتها في تحقيق الجلمة كانت رحلة عذاب طويلة ، فقد احتجزت في زنزانة انفرادية ضيقة وصغيرة جدا، مطلية باللون الأسود وبداخلها نواسة للإضاءة صغيرة جدا ، وهي قذرة ومليئة بالحشرات تفوح منها رائحة نتنة. زودوني بحرامات قذرة أيضا لا يمكن للمرء أن يستخدمها ، أما الطعام فكان سيئا جدا وطوال الفترة منعوني من الاستحمام وتبديل ملابسي ، و رفضوا توفير احتياجاتي الشخصية كجزء من حملة الضغط لإرغامي على الإدلاء باعترافات حول انتمائي لحركة الجهاد الإسلامي ،والتخطيط لتنفيذ عملية استشهادية. وتعرضت للشبح على الكرسي مقيدة اليدين والقدمين لفترات طويلة إضافة للضغوط النفسية.
اعتقال الشقيقات
" لم تكتف قوات الاحتلال بهذه الحياة المأساوية التي فرضت علي في الزنزانة والتحقيق ، حيث كنت أتعرض للاهانات والشتائم والتهديد باعتقال أسرتي وأطفالي، بل وخلال التحقيق فوجئت بقيام قوات الاحتلال باعتقال شقيقاتي ريم 18 عاما، وناهد 25 عاما وهي متزوجة ولديها طفل . وكان الهدف من اعتقالهما الضغط علي للاعتراف .بعد أن أفرجوا عن ناهد فقد وضعوني مع ريم في زنزانة واحدة لمدة 3 أيام كما تعرضنا للتحقيق والاستجواب ،وهددوني باستمرار اعتقال أختي كعقاب لي ، ثم أطلقوا سراحها بعد أسبوع بينما نقلت للمحكمة التي مددت توقيفي، ومنها لسجن الشارون حتى حوكمت بعد اعتقالي بثمانية شهور بالسجن مدة عامين وغرامة مالية ألفي شيكل.
عقوبات مستمرة
الحكم لم ينهِ العقوبات الإسرائيلية بحق مها وأسرتها كما تقول ، فقد استمرت قوات الاحتلال بإجراءاتها التعسفية والتي كان أشدها حرماني من الزيارات. فطوال رحلة اعتقالي لم تزرني والدتي سوى مرتين وأطفالي ثلاثة مرات. بينما رفضت قوات الاحتلال بزيارة أشقائي المعتقلين محمد المحكوم بالسجن المؤبد 3 مرات إضافة ل20 عاما، وباسم المحكوم 8 سنوات ، وكلاهما في سجن ريمون، بل وعاقبت بعد اعتقالي والدتي بحرمانها من زيارتهم حتى الشهر الأخير من اعتقالي. فبعد احتجاجات أشقائي سمحت لنا بالزيارة لمرة واحدة وسط حراسة مشددة لذلك شعرت بالمرارة والألم عندما أفرج عني لان رحلة عذاب ومعاناة عائلتنا لم تنته مع استمرار اعتقال شقيقاي خاصة، محمد الذي رفضت قوات الاحتلال الإفراج عنه وشطبت اسمه من عمليات التبادل والإفراج، ولان غيابه يشكل العبء الكبير لأسرتنا وخاصة والدتي التي تتعذب ليل نهار لفراقهم."صرخات المرضىتقول مها "روحي لا زالت أسيرة ، ولا زلت عاجزة عن النوم في منزلي وبين أطفالي، لأن صورة الواقع المأساوي الذي تعيشه الأسيرات ترتسم أمامي في كل لحظة ، فكيف أنسى صرخات وعذاب الأسيرات والمرض يفتك بهن، وصرخات الألم لا تثير لدى الإدارة أو السجانين أدنى مشاعر، فيهملون علاجهن ولا تتوفر لهن أدنى أنواع الرعاية، فلا توجد أسيرة لا تعاني من المرض وخاصة الأسيرات: زهور حمدان من رام الله تعاني من ضغط وسكري ، وقاهرة السعدي مشاكل في الأسنان، ووردة بكراوي مشاكل أسنان وبحاجة لعملية جيوب، ولينا الجربوني صداع نصفي، وأحلام التميمي مرارة ،وكذلك ريما ضراغمة ومنال سباعنة وغيرهن ،وحتى أنا عندما انزلقت وكسرت قدمي اليمنى لم يعالجون ولا زلت أعاني الألم وبحاجة لعلاج طويل."
صور لا تنسى
أما أشد الصور مأساوية والتي لا تنساها مها، فهي معاناة الأسيرات الأمهات اللواتي يحرمن من الزيارات بشكل مستمر، ولكن حتى عندما يسمح بها فان الظروف سيئة ، فالإدارة تحرمهن في غالبية الأحيان من عناق أطفالهن وترفض الإدارة إدخالهن لهن رغم أن قانون السجن يسمح لهن بذلك ، ولكنهم يمارسون كل أشكال العذاب بحقنا لنعيش الألم . فلا يوجد أصعب من حرمان الأم من عناق أطفالها ،ولطالما بكيت كلما كنت أشاهد الأسيرة قاهرة السعدي تتمزق ألما لعناق أطفالها الأربعة والإدارة ترفض. أما الأسيرة ايرينا سراحنة فإنها تعيش حزنا دائما لان ابنتها التي تعيش في كنف جدتها في الخارج محرومة من زيارتها. وأضافت،" اكبر معاناة للأم عندما تحول الألواح الزجاجية بينها وبين أطفالها ،وكنت ابكي في المرات القليلة التي زارني فيها أطفالي، عندما تقول لي طفلتي أريد أن المس يدك وتذهب للسجانين وتتوسل إليهم أن يسمحوا لها بالدخول عندي فيرفضون، كنت أموت في تلك اللحظات واشعر أن حكم الإعدام أهون بكثير." وأضافت "في السابق كانوا يسمحون بدخول الطفل في كل زيارة لوالدته ربع ساعة،ولكن حاليا أصبحوا كل 3 شهور مرة ، ولعشرة دقائق علما أن الطفل بسن سنوات أصبح ممنوعا من عناق أمه.
أوضاع قاسية
وأكثر ما ينغص على الأسيرات تقول مها هو" وضع غرف الاعتقال التي جرى إغلاق نوافذها بقطع كبيرة من الصاج لحرماننا حتى من خيط رفيع من النور أو الشمس، وكأن السجن غير كاف ليحاصرونا في غرف مغلقة بشكل كامل تسكنها الرطوبة القاتلة التي تورثنا الأمراض .وتضيف "أن سياسة الإدارة أصبحت مؤخرا أكثر سوءا لأنها تسعى وتمارس أسلوبا لسحب جميع انجازاتنا، فعلى صعيد الملابس حرمونا من إدخالها ،والطعام أكثر من سيء ولا يمكن أن نعيش بدون شراء احتياجاتنا من الكانتين الذي أصبح تحويله غير منتظم، رغم أن الإدارة فرضت علينا أن نشتري كل احتياجاتنا في يوم واحد خلال الشهر. وإذا تأخرت الكانتين نحرم منها .علما أن الإدارة صادرت الكؤوس والملاعق الزجاجية،ومنعتنا من شرائها كما أنها حددت الأغراض التي يمكن شراءها . منعتنا من القيام بالأشغال اليدوية و سحبت منا حق إخراج كيس الزيارة الذي يعتبر هام لكل أسيرة ، لأنه هدية تقدمها لأطفالها وأسرتها بالزيارة ،وهو هام جدا من وجهة نظر الأسيرات ، كما أن هناك تهديدات مستمرة بسحب التلفاز وغيرها من الممارسات القاسية والتي حولت حياتنا لجحيم لا يطاق."
رسالة الأسيرات
وقالت مها "ان ما يجري على الساحة الفلسطينية اثر بشكل كبير على الأسيرات ،فعلي الصعيد الداخلي فان صرختهن للجميع بضرورة إنهاء الانقسام والتوحد، وجمع صفوف شعبنا لبناء وحدة وطنية شاملة ،لأن الانقسام والتشرذم تستغله إدارة السجون للتصعيد بحقنا فتضيع كل القضايا وفي مقدمتها قضيتنا وهي الرسالة الثانية التي أحملها بلسان كل أسيرة للجميع، أن لا ينسوا الأسيرات في الحديث عن أي صفقة، فالأخبار المتناقضة أثرت كثيرا على معنوياتهن . وندائهن للجميع بضرورة وضع ملف الأسيرات على رأس سلم الأولويات" وأضافت" أريد أن أذكركم بالأسيرة فاطمة التي تعيش رعبا وقلقا من قيام الإدارة بفصلها عن ابنها عندما يكمل عامه الثاني، وهي لا زالت أسيرة وبمعاناتها المستمرة جراء نقلها للمحاكم، فهي تقاد مقيدة اليدين والقدمين ومعها طفلها تحمله مع قيودها. وطوال الرحلة من الشارون حتى محكمة بئر السبع مقيدة وممنوعة من شربة ماء لها ولطفلها، وحتى من إرضاعه فيشتد ألمها أمام صرخات طفلها التي لا تثني السجانين عن التوقف عن أساليبهم القهرية بحقها، فلكل المعنيين اصرخ بضرورة التوحد لدعم الأسرى والأسيرات والتعجيل بالحرية لهم جميعا"