فهاهو يقول بعد حمد الله والثناء عليه:"أما بعد أيها الناس، من كان منكم يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد
مات ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت..
قال الله تعالى:"وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...." "..
فكأن الناس لم يعلموا أن الله نزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر
فتلقاها منه الناس كلهم فما سمعها بشر من الناس إلاوأخذ يتلوها
فقال عمر رضي الله عنه: "والله ما هو أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت ما ثقلتني رجلاي حتى هويت إلى الأرض حين سمعته تلاها وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات"..
.والكثير منهم من انطوى بنفسه وأجهش بالبكاء..
إنها حقيقة...
حقيقة عدم كف الدموع من انسكابها...
حقاً...
إنه يوم حزين...
كئيب...
وانظروا إلى المدينة ففي ذلك اليوم لقد أصبحت المدينة الدامعة...
دامعة على فراق صاحب الخلق العظيم...
دامعة على انتهاء مدة رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في الدنيا...
واسودت الدنيا بوجوههم...
وخيم الحزن...
ولم تذق بعض الجفون النوم..
ولنستمع إلى أم المؤمنين أم سلمة لقد قالت رضي الله عنها: "بينما نحن مجتمعون نبكي لم ننم والرسول صلى الله عليه وسلم في بيوتنا ونحن نتسلى برؤيته على السرير إذ سمعنا صوت الكرارين في السحر فصحنا وصاح أهل المسجد فارتجفت المدينة صيحة واحدة وأذن بلال رضي الله عنه لصلاة الفجر فلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى بلال وانتحب فزاد حزناً وعالج الناس الدخول إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم فغلق دونهم فيا لها من مصيبة ما أصبنا بعدها مصيبة إلا هانت
إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم "..
وهذه فاطمة رضي الله عنها بنت الرسول صلى الله عليه وسلم قد أفجعها الحزن...
فهي تصيح وتقول:"واأبتاه وأجاب رباً دعاه! ياأبتاه في جنة الخلد مأواه! ياأبتاه إلى جبريل ننعاه"
فلما دفن قالت:"يا أنس! أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب"..
وأنين البكاء لم يكن في المدينة فحسب...
أيضاً هناك...
في مكة...
فجأة تلقوا نبأ الوفاة وفجأة اكتأبت النفوس..
وعامل مكة سهيل بن عمرو رضي الله عنه فعل ما فعله أبو بكر الصديق رضي الله عنه...
إنها مصيبة عمت البقاع الإسلامية...
مصيبة من أعظم المصائب...
فلقد كان لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم..الأخ..الصديق..الأب..القائد.النبي..
كانوا يتبادرون ما يتبقى من وضوئه للتبرك....
كانوا يفعلون ما يأمرهم به وينتهون عما ينهاهم عنه...
كانت عيونهم مكتحلة برؤيته صلى الله عليه وسلم...
لا يملون النظر إليه...
كان يذكرهم بالنار حتى تفيض أعينهم من الدمع...
لا يسأمون الجلوس معه...
يتلقون حديثه بصدر رحب...
يحفظون ما يرسله إليهم...
أشهد أنك بلغت الرسالة ونصحت الأمة وتركتنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك...
فلننظر يا اخوتي إلى عملنا...
فبعملنا نستطيع أن نقيس محبتنا لرسولنا صلى الله عليه وسلم...
فإن كان المحب يتبع المحبوب...
فانظروا كيف يكون الأمر إذا جاء أمر المحبة من الله الرحمن الرحيم...
فارفعوا يديكم معي و نقول:"اللهم أنت رجاؤنا ولا رجاء لنا سواك اللهم إننا لم نر رسولنا في الدنيا فأكرمنا برؤيته يوم القيامة"..
وأنا الآن أشعر بأنين داخلي يستلهمني بتصور ذلك الموقف...
ووالله كأن المصيبة في هذه الساعة كفي يا يدي عن الكتابة وأعطي عيني حظها من الدمع ولا أزيد ولكن هنا تسكب العبرات..
.منقول .