انا مدينة العلم وعلي بابها........
بسم الله الرحمن الرحيم
كان الآذان يعبر الى أذني بعد أن أيقظني صوت المؤذن بدأً بالله أكبر
و خاتماً بكلمة التوحيد لا اله الاّ الله ..
وبعد جذب بين ملذة من ملذات الدنيا و طلب جنّة حفت بالمكاره كان حب الأخيرة أعز إلى قلبي فاستجمعت
طاقتي و قواي فنهضت لأتوضأ منطلقا و مبكراً إلى المسجد القريبو عندما دخلت لم أجد إلاّ المؤذن و ذاك الرجل المسن الذي في كل صلاة أراه فيها .. و أخذت على عاتقي
بعد أن أثار فضولي عمله ذاك أن أكون متحريا عنه .. و توصلت إلى أنه كان أول الحاضرين و آخر المنصرفين
و ما أكد هذه المسلمة شهادة من سألتهم عنه من جماعه المسجد ..
و بعد الانتهاء من صلاة الفجر كان يوم الخميس فأحببت أن أقرأ من كتاب الله إلى طلوع الشمس
فالموت قريب و الزاد قليل و مالنا من نصير .. إلا رحمه الغفور الرحيم عز و جل ..
كنت أقرأ و أسترق النظر إليه فقد سحرني ذلك النور الذي يشع من وجهه ليس نورا من صنع مجمّل و مجمّلة
إنه نور الإيمان و الثقة بالله عز و جل .. و كنت كلما انظر إليه أجده ينظر إليّ مبتسماً
فأخجل عائدا إلى القراءة..
كنت أقرأ من سورة البقرة و لمّا وصلت إلى قوله تعالى:
( يؤت الحكمة من يشاء * و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً *) ..
فقلت متمتما :
تلك ضالة المؤمن ..
و هنا تهادى إلي صوته قائلاً :
تلك مقولة بابها ؟!
قلت :
و من بابها ؟
قال :
بالعلم تعرف الحكمة .. و قد قال عليه الصلاة و السلام ( أنا مدينة العلم و علي بابها )
قلت :
أي عليّ يعني ؟!
قال :
من سميّ هذا المسجد تيمناً به ..
قلت :
عليّ بن طالب رضي الله عنه ..
قال :
هو ذاك ..
عندها أغلقت المصحف الشريف و اتجهت إليه و جلست إلى جانبه و سلمت بعد أن نسيت
و قبل أن أنسى .. فرد التحية بمثلها ..
قلت :
و بما استحق علي رضي الله عنه شهادة الرسول عليه الصلاة و السلام ..
قال :
بعلمه و حكمته ..
قلت :
و كيف ؟!
قال :
إن من أعظم ما قال رضي الله عنه
( إلهي كفاني فخراً أن تكون لي رباً ، و أن أكون لك عبداً)
عندها أجبت معجبا بمقولته رضي الله عنه :
زدني جزاك الله خيراً ..
قال :
إن حكم علي رضي الله عنه كالبحر يعرف أولها و لا يعرف آخرها .. و لكن أسأل و سأجيبك
بما طابق سؤلك ..
قلت :
حال الدنيا و الآخرة ؟
قال :
( طلاق الدنيا مهر الآخره )
قلت :
و الله ما سمعت أحسن من هذا قط ؟ و لكن بما أوصى أهل هذه الدنيا ؟!
قال :
( التقوى خير زاد ) و ( جهاد النفس مهر الجنّة ) ..
قلت :
أضاء الله لك و فتح عليك و لكن قل لي أي شيء فضله في حكمه رضي الله عنه ؟!
قال :
( أفضل العبادات عفّة البطن و الفرج )
قلت :
أوجز و أجزى و الله و لكن الى ما دعا من الأخلاق الحميدة على وجه الكثرة ؟!
قال :
( الحلم غطاء ساتر .. و العقل حسام قاطع .. فاستر خلقك بحلمك .. و قاتل هواك بعقلك )
قلت :
ثم أي ؟!
قال :
( الصبر مطيّة لا تكبو )
قلت :
أجزى بالأخرى و الله و أيّهن بعد ؟!
قال :
الحياء و العفة فقد قال في الحياء
( الحياء مفتاح الخير ) و قال أيضا ( الحياء زينه الفتاة )
و قال عن العفة ( الحرفة مع العفة خير من الغنى مع الفجور )
قلت :
و أيهن بعد ؟
قال :
( جودوا بالموجود و أنجزوا الموعود و أوفوا بالعهود )
قلت :
و ثم أي ؟
قال :
( دولة الظلم ساعة و دولة العدل إلى قيام الساعة )
قلت :
حسبك جزاك الله خيرا فتلك صفات مما حُـمّـد أصحابها و أجزى بها حكمه ..
و لكن قل لي مما نهى عنه من صفات ؟!
قال :
أشد ما هجت حكمه هو الجهل فقد روي عنه رضي الله عنه قوله
( أعظم المصائب الجهل )
قلت :
هذه كتلك .. و بعد ؟!
قال:
( إيّاك و الغضب فأوله جنون و آخره ندم )
قلت :
و ثم أي؟!
قال :
( إن أعظم الخيانة خيانة الأمة )
قلت :
و مما حذّر رضي الله عنه أيضا ؟
قال :
تلك الشهوة .. فاحذرها فقد أوجز وصفها بقوله
( أول الشهوة طرب و آخرها عطب..!)
قلت :
اللهم لا تجعل أكبر همنا شهواتنا .. زدني جزاك الله خيرا مما حمد و ذم في حكمه مما يجول في بالك الآن
قال :
إليك عشر خمس منهنّ محمودات و خمس أخريات مذمومات .. أمّا المحمودات :
( أخلص المسألة لربك .. فإن بيده العطاء و الحرمان )
( أفضل الزهد إخفاء الزهد )
( أداء الأمانة مفتاح الرزق )
( صلة الرحم من أحسن الشيم )
( رب همّة أحيت أمّة )
أما خمس حسب ما اذكر مما ذمهنّ في حكمه رضي الله عنه فقوله :
( الحسد يفني الجسد )
( طاعة النساء شيمة الحمقى )
( الطمع رقّ مؤبد )
( الظلم في الدنيا بوار .. و في الآخرة دمار )
( الكذب مجانب الإيمان )
قلت :
جزاك الله خيرا فوالله ما أكثر الخير في ما قلت و لا فض فوك على نصحك ..
و سأحاول جاهداّ الإتصاف بالشمائل المحمودة و ترك المذمومة ..
قال لي :
يا بني لقد قال رضي الله عنه أيضا ( العادات قاهرات ) فحاول التوصّف ..
فاستنهضت واقفا بعد أن بدأت أشعه الشمس بالتسلل عبر نوافذ المسجد أريد توديعه و الذهاب ..
فقلت له :
جزاك الله عنا خير الجزاء أبقي في نفسك شيئاً وددت قوله ..
قال لي :
قال رضي الله عنه ..
( الزواج قلعة محاصرة ، من كان خارجها يود الدخول إليها , و من كان داخلها يود الخروج منها )
تــــــــــمـــــــــت
و الله من وراء القصد ،،،
|