عرض مشاركة واحدة
  #663  
قديم 18-05-2008, 11:01 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,020
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .....مثل أصحاب القرية الذين كذبوا المرسلين
وهوخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، وفيه توعُّد لقريش أن يصيبهم ما أصاب قوم هذا الرجل من الهلاك ؛ إذ هذا هو المروِّع لهم من هذا المثل.فنفى الله عز وجلأن يكون أنزلعلى قوم هذا الرجل، من بعد قتله جندًا من السماء ؛ ليهلكهم،ولله ﴿ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾(الفتح: 4، و 7). وما صَحَّ في حكمه الله جل وعلا أن ينزل في إهلاكهم جندًا من جنوده التي لا يعلمها إلا هو ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾(المدّثر: 31). فالأمر عند الله تعالى أهون من ذلك بكثير وأيسر.
فـ﴿ مَا الأولى نفيٌ لإنزال الجند من السماء على أولئك القوم، أريد به الاستغراق والشمول لكل فرد من أفراد الجنس ؛ ولهذا أدخلت ﴿ مِنْ على لفظ ﴿ جُنْدٍ في قوله:﴿مِنْ جُنْدٍ ﴾. و﴿ مَا ﴾ الثانية توكيدٌ للأولى على سبيل الجحد.. والسر في هذا النفي وتأكيده هو أنه تعالى قدَّر لكل شيء سببًا، وأجرى سنَّته في هلاك من أهلك من الأمم المكذبة على بعض الوجوه دون بعض ؛ حيث أهلك بعضهم بالحاصب، وبعضهم بالصيحة، وبعضهم بالخسف، وبعضهم بالإغراق، وبعضهم بالمطر ؛ كما أخبر الله تعالى عن ذلك بقوله:
﴿ فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(العنكبوت: 40) -﴿ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ (الأعراف: 84) - ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِينَ ﴾ (الشعراء: 173، والنمل: 58).
هذه هي ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً(الأحزاب: 62)،﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾(فاطر: 43).
ولم يجعل سبحانه وتعالى إنزال الجند من السماء في إهلاك المكذبين إلا من خصائص محمد صلى الله عليه وسلم في الانتصار له من قومه، خلافًا لهؤلاء القوم الذين عاجلهم بالهلاك، إن كانت إلا صيْحَة واحدة، أخمدت أنفاسهم، وجعلتهم أثرًا بعد عين:
﴿ إِِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ
قال المفسرون: أرسل الله تعالى عليهم جبريل- عليه السلام- فأخذ بعضادتي باب بلدهم، ثم صاح بهم صيحة واحدة،فإذا هم صرعى بائدون عن آخرهم، لم يبق فيهم روح تتردد في جسد. وفي ذلك إشارة إلى تهوين شأنهم، وتصغير قدرهم، وإيماء إلى تفخيم شأن الرسول.
وقراءة الجمهور:﴿ إِِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً﴾، بنصب﴿ صَيْحَةً ﴾، على الخبر. أي: ما كان عذابهم إلا صيحة واحدة. وقرأ أبو جعفر، وشيبة، ومعاذ بن الحارث القارىء برفع ﴿ صَيْحَة، على أنها فاعل لفعل الكون. والمعنى: ما وقعت، أو حدثت إلا صيحة واحدة.
وضعَّف أبو حاتم، وكثير من النحويين هذه القراءة، بسبب لحوق تاء التأنيث ؛ إذ الأصل عندهم أن لا يلحق ﴿ كانَ تاء التأنيث ؛ لأن الفعل إذا كان مسندًا إلى مابعد ﴿إِلاّ من المؤنث، لم تلحق العلامة للتأنيث، فيقال: ما قام إلا هند. ولا يجوز: ما قامت إلا هند،عند البصريين إلا في الشعر، وجوزه بعضهم في الكلام على قلة. وقرأ ابن مسعود، وعبد الرحمن بن الأسود:﴿إِلاّ زقْيَةًواحِدَةً﴾، بدلاً من:﴿ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً﴾،من زقا الديك، أو الطائر، إذا صاح.
و﴿إِذا فيقوله تعالى:﴿فَإِذا هُمْ خامِدُونَ هي الفجائية. أي: فاجأهم الخمود إثر الصيحة مباشرة. و﴿خامِدُونَ ﴾: ساكنون موتى، لاطئون بالأرض.كنَّى به عن سكونهم بعد حياتهم تشبيهًا بالرمادالذي خمدت ناره وطفئت بعد توقُّدها ؛ كما قال لبيد:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ** يحور رمادًا بعد إذ هو طالع
ويسدل الستار على مشهد هؤلاء القوم البائس المهين الذليل.وفي هذه اللحظة الحاسمة التي يختار فيها الإنسان الضلالة على الهداية والباطل على الحقّ، يصِحُّ أن يخاطبهم الله سبحانه وتعالى بقوله:
﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون
وهو تذييل من كلام الله تعالى واقع موقع الرثاء للأقوام المكذبين للرسل، شامل لقوم هذا الرجل المقصودين بسَوْق المثل السابق، واطراد هذا السَنن القبيح فيهم. وقوله تعالى:﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ﴾ نداء للحسرة عليهم ؛ كأنما قيل لها: تعالَيْ يا حسرة ! فهذه من أحوالك التي حقُّك أن تحضري فيها، وهي حال استهزائهم بالرسل. والمعنى: أنهم أحقاء بأن يتحسَّر عليهم المتحسِّرون، ويتلهَّف على حالهم المتلهِّفون. وأجيز أن يكون ذلك من الله تعالى على سبيل الاستعارة، تعظيمًا للأمر وتهويلاً له. وحينئذٍ يكون كالألفاظ التي وردت في حق الله تعالى ؛ كالضحك والنسيان والسخر والتعجب والتمني. ويعضِّد ذلك قراءة من قرأ:﴿ يَا حَسْرَتَا ﴾ ؛ لأن المعنى عليها: يا حسرتي.
وقرأ ابن عباس، والضحاك، وعلي بن الحسين، ومجاهد، وأبي بن كعب:﴿ يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ ﴾، على الإضافة إليهم، لاختصاصها بهم، من حيث إنها موجهة إليهم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما:«يا ويلا العباد»، وهو قول حسن مع قراءته. وقرأ الأعرج بن جندب، وأبو الزناد:﴿ يَا حَسْرَهْ على الْعِبَادِ ﴾، بالوقف على الهاء، إجراء للوصل مجرى الوقف ؛ وذلك للحرص على بيان معنى التحسر، وتقريره للنفس. والنطق بالهاء في مثل هذا أبلغ في التشفيق وهز النفس ؛ كقولهم: أُوْه، ونحوه.
وتنكير الحسرة في قراءة الجمهور:﴿ يَا حَسْرَةًللتكثير. والألف واللام في ﴿ الْعِبَادِيحتمل وجهين: أحدهما: للمعهود،وهم الذين أخذتهم الصيحة، فيا حسرة عليهم. وثانيهما: لتعريف الجنس المستعمل في الاستغراق، وهو استغراق ادعائي، رُوعِيَ فيه حال الأغلب على الأمم التي يأتيها رسول لعدم الاعتداء في هذا المقام بقلة الذين صدَّقوا الرسل ونصروهم ؛ فكأنَّهم كلهم قد كذبوا.
والحسرة: التلهفات التي تترك صاحبها حسيرًا. أي: شديد الندم والتلهف على نفع فائت. وحرف النداء هنا لمجرد التنبيه على خطر ما بعده ؛ ليصغي إليه السامع. وكثُر دخوله في الجمل المقصود منها إنشاء معنى في نفس المتكلم دون الإِخبار، فيكون اقتران ذلك الإِنشاء بحرف التنبيه إعلانًا بما في نفس المتكلم من مدلول الإِنشاء ؛ كقولهم: يا خيبة. يا لعنة. يا ويلي. يا فرحي. يا ليتني، ونحو ذلك قوله تعالى:﴿ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً(النساء: 73). وقوله تعالى:﴿ يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً(الفرقان: 28).
و﴿ الْعِبَادِ اسم للناس، وهو جمع: عبد. والعبد هو الممْلوك. وجميع الناس عبيد لله تعالى ؛ لأنه خالقهم والمتصرف فيهم. قال تعالى:﴿ رزقاً للعباد ﴾. ويجمع على: عبيد، وعباد. وغلب الجمع الأول على عبد بمعنى مملوك، وغلب الجمع الثاني على عبد بمعنى آدمي، وهو تخصيص حسن من الاستعمال العربي. ومن الأول قول الله عز وجل:﴿ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (آل عمران: 182). ومن الثاني قوله تعالى:﴿وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ(البقرة: 207)، وقوله:﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا(الكهف: 65).
ثم قال عز وجل:﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ ﴾، فبين سبحانه وجه التحَسِّر عليهم، وسبب ندامتهم ؛ لأن قوله:﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ﴾، وإن كان قد وقع بعد ذكر أهل القرية، فإنه لما عُمِّم على جميع العباد، حدث إيهام في وجه العموم، فوقع بيانه بأن جميع العباد مساوون لمن ضُرِبَ بهم المثل، ومن ضُرِب لهم في تلك الحالة الممثل بها، ولم تنفعهم المواعظ والنذر البالغة إليهم من الرسول المرسل إلى كل أمة منهم، ومن مشاهدة القرون الذين كذبوا الرسل فهلكوا، فعُلم وجه الحسرة عليهم إجمالاً من هذه الآية، ثم تفصيلاً من قول الله تعالى بعد:﴿أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾(يس: 31).
والاستثناء في قوله: ﴿ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ مفرغ من أحوال عامة من الضمير في:﴿ مَا يَأْتِيهِمْ ﴾. أي: ما يأتيهم رسول في حال من أحوالهم إلا في حال استهزائهم به.وتقديم ﴿ بِهِ ﴾ على ﴿ يَسْتَهْزِءُونَ؛ للاهتمام بالرسول المشعر باستفظاع الاستهزاء به، مع تأتِّي الفاصلة بهذا التقديم،فحصل منه غرضان من المعاني، ومن البديع.
هذا هو المثل الذي ضربه الله عز وجل للمشركين الذين واجهوا دعوة الإسلام في بدايتها بالتكذيب، ضربه لهم في قصة أصحاب القرية المكذبين الذين انتهى أمرهم فجأة بصيحة واحدة أخمدت أنفاسهم، وجعلتهم نسيًا منسيًّا. ويبدأ الحديث بعدها بالتعميم في موقف المكذبين بكل ملة ودين، ويعرض صورة البشرية الضالة على مدار القرون، وينادي على العباد نداء الحسرة وهم لا يتعظون بمصارع الهالكين الذين يذهبون أمامهم، ولا يرجعون إلا يوم الدين.
يمكن مرسالة المؤلف على الإيميل التالي:
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.80 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.53%)]