محرقة الدار البيضاء....بذا قضت الأيام بين أهلها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
إن الفاجعة المهولة والكارثة العظمى التي وقعت بمدينة دار البيضاء صباح السبت الماضي بتاريخ 26 أبريل 2008 بسبب المحرقة الكبيرة التي راح ضحيتها ستة وخمسون عاملا من الفقراء والدراويش ، خليقا بأن تبعث القشعريرة في جسد كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ...
إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع إزاء ما شاهدناه وسمعناه وقرأناه عبر وسائل الإعلام من هول هذا المصاب الجلل.
ومما حز في قلبي وأثر في نفسي وكاد يستولي على أقطار أعصابي ... خبر مفاده أن المجرم الآثم صاحب المعمل كان [ يغلق على العمال أبواب المصنع بالمفاتيح حتى يضمن عدم خروج أحدهم خلال أوقات العمل ، ولذلك فالذين ماتوا لم يموتوا احتراقا فقط ، بل ماتوا بسبب الإختناق وبعد ذلك تفحموا بألسنة اللهب .] من مقال رشيد نيني جريدة المساء...هكذا كان هذا الأنوك الجشع يتعامل مع العمال وكأنهم بهائم في مربد أبيه !!! ألا قاتله الله وكل من كان على طريقته ...وهنا أتذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال [عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض]
هذه حال امرأة حبست وعذبت هرة وهي من جنس الحيوانات ، فكيف سيكون مصير من حبس وكان سببا رئيسيا في حرق وقتل من قال الله في حقهم (ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) سورة الاسراء:70 ؟؟؟؟؟؟؟؟
ولا حول ولا قوة إلا بالله
ولنتذكر قول الله عز وجل أيضا
(مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ) (32) المائدة
صاحب المصنع مسؤول أمام الله -عز وجل- ولكن ليس وحده بل يقاسمه المسؤولية كل من حصل على رشاوي كبيرة ليغض الطرف عن هذا المعمل الذي لا يتوفر على أدنى شروط السلامة الداخلية ...ولله ذر ذلك الكاتب في جريدة الصباحية الذي قال [إنها محرقة حقيقية ، و جريمة ضد الإنسانية والمسؤولون عنها يستحقون الشنق بلا محاكمة ، وليذهب المدافعون عن إلغاء عقوبة الإعدام إلى الجحيم ... إلى أن قال من يتحمل محرقة الدار البيضاء ؟ ليس صاحب المحرقة وحده ، هذا جلاد يستحق الرجم ، لكن الجميع يتحمل المسئوولية ويستحق العقاب ولكل أحد أن يفهم معنى الجميع على هواه....] الصباحية ص2
ولكم إخواني القراء أن تقارنوا بين هؤلاء المسئوولين وبين مقولة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه [ لو عثرث بغلة بالعراق لخشيت أن يسألني الله عز وجل لما لم أصلح لصاحبها الطريق ]
البون شاسع من طبيعة الحال ولا مجال للمقارنة بين رجل كان حريصا على رضى الله سبحانه وبين رجال لا هم لهم إلا جمع الأموال وملء الخزائن ولو كانت تلك الأموال مصدرها من أخبث السحت على الإطلاق ...
ألم ترى أن السيف ينقض قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
ومما يبعث أيضا على القرف والقلق والإشمئزاز ما قامت به تلك الإذاعة المغربية الأولى والثانية من بث للسهرات الخبيثة والماجنة وهز للبطون والصدور والأرداف في مساء ذلك اليوم الذي وقعت فيه الفاجعة ، بينما ما يفوق مائة عائلة تبكي قتلاها وتبكي معهم قلوب الأغلبية الساحقة من المغاربة،
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على الإستهزاء والإستهتار بالمغاربة المسلمين والفقراء المغلوبين على أمرهم ...حتى إن بني إسرائيل لا تجرؤا على هذا التصرف القبيح والفعل الشنيع إذا أصيب واحد من أفرادها فكيف بنا وقد فجعنا بما يزيد عن الخمسين خنقا وحرقا وحسبنا الله ونعم الوكيل
أشكو إلى الرحمن من علق يعيش على جراح
من جلدتي لكن أشد علي من طعن الرماح
أخذ الديانة عن مسيلمة الكذوب وعن سجاح
وعن كل تيس كلما كبرت بربر للنطاح
سجاح : امرأة ادعت النبوة في زمن خالد ابن الوليد
أخيرا أقول إن أصدق تعبير على واقع الإهمال والإحتقار الذي نعيشه ....هو ما قاله أبو الطيب المتنبي
بذا قضت الأيام بين أهلها مصائب قوم عند قوم فوائد
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدوا له ما من صداقته بد
فرحم الله إخواننا ورزق أهاليهم الصبر والسلوان في هذا المصاب الجلل ولله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بقدر
وإنا لله وإنا إليه راجعون