يتبــع موضوع .... النور البارد ـ التوهج الحيوي
ويحدث الضوء بهذه الطريقة 100 %، حيث إن الحشرة تنجز عملية ميكانيكية متكاملة التي تكرس كل ما لديها من طاقة في عمل نافع ( و يعنى العمل هنا، الحركة، الضوء، الحرارة )
ويقف الإنسان في هذا المجال بعيدا إلى الوراء، فان أكثر الطرق تقدما في الإضاءة الصناعية، هي مصابيح الفلوريسنت ذات الضغط المنخفض التي تعطى ناتجا حراريا بين 30-50 %.
و في تفسير قوله تعالى “ إنا كل شيء خلقناه بقدر "( القمر: 49)
ذكر ابن كثير يرحمه الله في تفسير قوله تعالى( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) كقوله ( وخلق كل شىء فقدره تقديرا" ( الفرقان:2) – و هدى الخلائق إليه، و لهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها، وكتابته لها قبل برئها.
ففي تفسير الطبري "فقدره تقديرا " يقول فسوى كل ما خلق و هيأه لما يصلح له فلا خلل فيه و لا تفاوت، و جاء في الجلالين..( إنا كل شيء ) منصوب بفعل يفسره ( خلقناه بقدر ) بتقدير حال من ( كل) أي مقدرا و قرىء ( كل ) بالرفع مبتدأ خبره ( خلقناه ).
أما صاحب الظلال فبعد أن استعرض عددا من جوانب الاتزان في بناء السماء وفي الأرض، وفى كل ما يحيط بنا و في أجساد كل من الإنسان و الحيوان و النبات خلص إلى أن حركة هذا الكون كلها بجميع أحداثها، ووقائعها و تياراتها مقدرة و مدبرة تقديرا دقيقا، و تدبيرا محكما صغيرها و كبيرها، و أضاف.....إن قدر الله وراء طرف الخيط البعيد لكل حادث، ولكل نشأة و لكل مصير، ووراء كل نقطة، وكل خطوة، وكل تبديل أو تغيير. انه قدر الله النافذ الشامل الدقيق العميق.
والله يعلم الإنسان في هذا القرآن إن كل شيء بقدر ليسلموا الأمر، لله سبحانه وتعال، وتطمئن قلوبهم و تستريح، ويسيروا مع قدر الله فى توافق و فى تناسق.
الاستخدامات المختلفة بواسطة الكائنات الحية للضوء البارد الذي تنتجه تتمثل في الآتي:
1 – إشارات للتزاوج
معروف أن الضوء يعمل كإشارات للتزاوج في حالة firefly ففي بعض الأنواع نجد ان الضوء البارد ( التوهج الحيوي bioluminescence ) يجذب الأفراد من نفس النوع بغرض التجمع و كطريقة غير مباشرة لتحسين فرص التزاوج، ففي بعض الأنواع من عائلة Lampyridae) نجد إن الأنثى غير مجنحة و لذلك كان إنتاج الأنثى للضوء عامل هام لجذب الذكور المجنحة، وتختلف أشكال الضوء فى هذه الحشرات بين الأنواع و بين الجنسين.
بعض الأنواع في الليالي الباردة تنتظر حوالي 5.5 ثانية ثم تبدأ في إرسال ومضة قصيرة، وأنواع أخرى ربما تنتظر دقيقة ثم ترسل وميض يظل ثانية كاملة، وبعض الأنواع الاستوائية تتجمع بأعداد كبيرة و تومض معا في انسجام تام.
2 – أمثلة للافتراس
المثال المتفرد للضوء الذي يعمل كمصيدة للفريسة يوجد فى نيوزيلندا للدودة المضيئة Arachnocampa luminosa حيث تطير الأنثى لوضع البيض على سقف الكهف المظلم و بمجرد فقس البيض فان اليرقات الفاقسة تتعلق لأسفل بواسطة خيط لاصق ينتج ضوءا و في الظلام نجد مدخل الكهف يضيء بهذا الضوء و يجذب حشرات من أنواع أخرى، وهذه الحشرات المنجذبة تدخل إلى داخل الخيط اللاصق و يتم افتراسها بواسطة يرقات الدودة المضيئة، وهذه الكهوف تشتهر باسم الكهوف المضيئة Luminous caves ) ( وهى مشهورة في نيوزيلندا ويتوافد السياح من جميع أنحاء العالم لمشاهدة هذه الحشرات المضيئة فى الكهوف المظلمة.
3 - أمثلة للدفاع
في ديدان railroad يكون الوميض مستمرا لمنطقة الرأس وعندما تمشى اليرقات اى تقوم بوظيفة ضوئية دفاعية حيث تصدر ومضات فجائية تعمل على طرد المفترسات، ومن الممكن أن يستخدم الضوء بواسطة الأنثى عند وضع البيض ليسهل عليها اختيار مكان وضع البيض البعيد عن الازدحام أو الذى يوجد عليه تنافس لمصادر الأطعمة.
استخدامات فكرة الضوء البارد
قام العلماء باقتباس فكرة الضوء البارد في كثير من التجارب البيولوجية مثل:
1- أبحاث الفضاء Space research :
نجد أن نظام Luciferin & Luciferase من الممكن أن يستعمل في مركبات الفضاء التي يتم إرسالها إلى كوكب المريخ و الكواكب الأخرى ، واكتشاف وجود أشكال للحياة على هذه الكواكب أم لا ، الفكرة تتلخص فيما يلي : -
يتم بواسطة جهاز الكتروني خاص Special electronic device أخذ عينات من التربة الموجودة على سطح الكوكب ثم يقوم بخلطها بالماء و الأكسجين، و اللوسيفيرين و اللوسيفيريز بعد ذلك إذا عاد وميض ضوئي إلى الأجهزة على الأرض، يستنتج العلماء من ذلك أن ATP ( و هو العامل الخامس اللازم لإنتاج الضوء البارد ) يوجد على هذا الكوكب مما يدل على وجود نوع من الحياة يشبه إلى حد ما أشكال الحياة على كوكب الأرض.
2- استخدامه في الأبحاث الطبية Medical Research
وجود ATP في كل الكائنات الحية يتم استغلاله في الأبحاث الطبية أيضا، حيث يتم حقن اللوسيفيرين و اللوسيفيريز فتظهر تفاعلات مختلفة فى الخلايا الطبيعية و الخلايا المسرطنة مما يمكننا و يساعد في تحديد المشاكل داخل خلايا الإنسان وهذا التكنيك يستخدم حاليا لدراسة الأمراض القلبية المزمنة و muscular dystiophy & urological problems وغيرها.
3- مكافحة الآفات Pest Management
إن التوهج الحيوي يستخدم كأداة في تحديد خرائط توزيع الكائنات الحية، ففي عام 2001 قام العلماء في أمريكا بعمل تعديلات في المادة الوراثية لدودة اللوز القرنفلية ( وهى آفة من آفات القطن حيث تصيب اللوز و تؤدى إلى خسائر اقتصادية فادحة في المحصول ) بواسطة مادة متوهجة وهى ( protein GFP Green fluorescent ) مستخلصة من السمك الهلامى Jelly fish فأصبحت يرقات الدودة القرنفلية المعدلة وراثيا لونها أخضر قوى.
4- كذلك نجد أن الكثير من الناس حاولت ان تستفيد من هذه الميزة التي تتميز بها هذه الكائنات و التي خلقها الله عز وجل في إتقان كامل. وعلى سبيل المثال نجد أن السكان الأصليون في أمريكا الوسطى و غرب الأنديز يصطادون عمالقة الدودة المضيئة، و يحتفظون بها فى الأقفاص، وتستخدم كمصابيح رائعة واقتصادية في نفس الوقت.
أوجه الإعجاز
1 - الإعجاز الأول:
إنتاج النور البارد بواسطة بعض الكائنات البحرية، وبعض الكائنات على سطح الأرض، وعمل التحورات اللازمة في الخلايا لإنتاج هذا النور الحيوي، و كذلك طريقة تنظيم اندفاع الأكسجين للخلايا المولدة للضوء للتحكم فى كمية الضوء المنبعثة من الكائن الحي على حسب الوظيفة التي سوف يقوم بها ( اى لا يحدث فقد في الطاقة الضوئية المنبعثة والمنعكسة في شكل نور) قال تعالى" انا كل شىء خلقناه بقدر " ( القمر: 49 ) و صدق الله تعالى في كتابه العظيم “ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) " سورة طـه.
2 - الإعجاز الثاني:
في أعماق البحار و المحيطات يوجد ظلام كامل عند عمق 200 متر فأكثر، أما على مسافة ألف متر فلا يوجد ضوء البتة.
قال الله تعالى في كتابه العظيم " أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ " سورة النور (40).
3 - الإعجاز الثالث:
وجود أنواع من الأسماك تنتج النور الأحمر وهى تعيش على عمق 600 متر، بينما الضوء الأحمر يتم امتصاصه على عمق من 10 – 15 متر. إن الله عز و جل يخلق الشيء و نقيضه
1 - إن عملية الإنارة الحيوية في الدودة المضيئة و الكائنات البحرية الشبيهة عبارة عن تحول بطيء في الطاقة الكيميائية بواسطة الأكسدة إلى طاقة مضيئة ( منيرة ) و الضوء الناتج بارد، حيث إن الحشرة أو الكائنات المختلفة تنجز ميكانيكية متكاملة، و الاعجاز المتكامل لله الخالق المبدع في تركيب جسم الكائنات المنتجة للنور.
حيث يتم التحكم فى انبعاث الضوء عن طريق تنظيم دخول الأكسجين بواسطة القصيبات الهوائية أثناء عملية التنفس إلى الخلايا المولدة للضوء photocytes، وهذه الميكانيكية تعمل بواسطة القصيبات الهوائية لإمداد الخلايا المولدة للضوء بالأكسجين الذي يدخل في التفاعل الكيميائي باتحاده مع اللوسيفرين و اللوسيفيريز و ATP و الماغنسيوم فينتج الضوء الذي يتم عكسه بواسطة طبقة الخلايا المشبعة باليوريا و مواد كيماوية أخرى ذات لون اصفر ( اى تعمل كمرآة ) و تعكس النور للخارج.
إن أكثر الطرق تقدما فى الاضاءة الصناعية هي مصابيح الفلورسنت ذات الضغط المنخفض تعطى حرارة تصل الى 30-50 % .
قال الله تعالى في كتابه العظيم" هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ “ يونس ( 5).
الدلالة العلمية للآية الكريمة
أولا: فى التفريق بين كل من الضياء و النور:
الضوء ( الضياء ) هو الجزء المرئي من الطاقة الكهرومغناطيسية ( الكهربية / المغناطيسية ) والتى تتكون من سلسلة متصلة من موجات الفوتونات التي لا تختلف عن بعضها البعض إلا في طول موجة كل منها ومعدل ترددها.
وتتفاوت موجات الطيف الكهرومغناطيسي في أطوالها بين جزء من مليون مليون جزء من المتر بالنسبة الى أقصرها و هى أشعة " جاما “ وبين عدة كيلومترات بالنسبة إلى أطوالها وهى موجات الراديو ( المذياع أو الموجات اللاسلكية ) و يأتي بين هذين الحدين عدد من الموجات التى تترتب حسب تزايد طول الموجة من أقصرها إلى أطولها: الأشعة السينية، و الأشعة فوق البنفسجية، والضوء المرئى، والأشعة تحت الحمراء
و الضوء الأبيض هو عبارة عن خليط من موجات ذات أطوال محددة عديدة ومتراكبة على بعضها البعض، ويمكن تحليلها بإمرارها في منشور زجاجي أو غير ذلك من أجهزة التحليل الطيفي، وقد أمكن التعرف على سبع من تلك الموجات أقصرها هو الطيف البنفسجي ( ويقترب طول موجته من 4000 انجستروم ) و أطولها هو الطيف الأحمر ( ويقترب طول موجته من 7000 أنجستروم ) وبينهما البرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق وغير ذلك من الألوان المتدرجة في التغير فيما بين تلك الألوان السبع، وان كانت عين الإنسان لا تستطيع أن تميز منها سوى هذه الألوان السبعة.
والطيف المرئي من مجموعة أطياف الطاقة الكهرومغناطيسية المنطلقة من الشمس هو المعروف باسم ضوء الشمس، وعلى ذلك فالضوء عبارة عن تيار من الفوتونات المنطلقة من جسم مشتعل، ملتهب، متوقد بذاته سواء كان ذلك بفعل عملية الاندماج النووي كما هو حادث في داخل الشمس، وفى داخل غيرها من نجوم السماء، أو من جسم مادي يستثار فيه الاليكترونات بعملية التسخين الكهربائي أو الحراري، فيقفز الاليكترون من مستوى عال في الطاقة إلى مستوى أقل، والفارق بين المستويين هو كمية الطاقة المنبعثة ( Quantum Energy ) على هيئة ضوء و حرارة، وتكون سرعة تردد موجات الضوء الناشئ مساوية لسرعة تحرك الشحنات المتذبذبة بين مستويات الذرة المختلفة من مثل الالكترونات.
وعلى ذلك فان مصادر الضوء هي أجسام مادية لها حشد هائل من الجسيمات الأولية المستثارة بواسطة رفع درجة الحرارة من مثل الالكترونات و غيرها من اللبنات الأولية للمادة، و أهم مصادر الضوء بالنسبة لنا ( أهل الأرض ) هي الشمس ووقودها هو عملية الاندماج النووي.
كذلك يتعرض ضوء الشمس للعديد من عمليات التشتت والانعكاس عندما يسقط على سطح القمر المكسو بالعديد من الطبقات الزجاجية الرقيقة و الناتجة عن ارتطام النيازك بهذا السطح، والانصهار الجزئي للصخور على سطح القمر بفعل ذلك الارتطام. فالقمر ( و غيره من أجرام مجموعتنا الشمسية ) هي أجسام معتمة باردة لا ضوء لها و لكنها يمكن أن ترى لقدرتها على عكس أشعة الشمس فيبدو منيرا، و هذا هو الفرق بين ضوء الشمس ونور القمر، فنور القمر ناتج عن تشتييت ضوء الشمس على سطحه بواسطة القوى التي يبذلها الحقل الكهرومغناطيسي على الشحنات الكهربية التي تحتويها كل صور المادة.
القرآن الكريم يفرق بين الضياء و النور
انطلاقا من هذه الحقائق العلمية التي تمايز بين الضوء الصادر من جسم مشتعل، ملتهب، مضيء بذاته في درجات حرارة عالية ( قد تصل إلى ملايين الدرجات المئوية كما هو الحال في قلب الشمس ) وبين الشعاع المنعكس من جسم بارد يتلقى شعاع الضوء فيعكسه نورا، ركز القرآن الكريم على التمييز الدقيق بين ضياء الشمس و نور القمر، وبين كون الشمس سراجا و كون القمر نورا فقال تعالى:
*" هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " ( يونس: 5 ).
* " وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا “ ( نوح: 16 ).
* ووصف الشمس بأنها سراج و بأنها سراج وهاج – فقال تعالى " وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا “ ( النبأ: 13).
تبدو عظمة الله الخالق حيث نجد أن الدودة المضيئة تنتج الضوء نتيجة للتنفس و الحشرات تتنفس عن طريق قنوات هوائية دقيقة تعرف بالقصيبات الهوائية التي تنظم دخول الأكسجين إلى الخلايا المولدة للضوء عن طريق جدول تنظيمي لعدة مستويات لاندفاع تيار الأكسجين الذي يدخل في التفاعل الكيماوي لإنتاج الضوء. قال الله تعالى في كتابه العظيم “ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) " سورة طـه.
يتبــــــــــــــــع