( 11 ) القارئ الشيخ
كامل يوسف البهتيمي
هو تلميذ الشيخ محمد الصيفي الذي تبناه واصطحبه في حفلاته وأخذ بيده من قريته التي نشأ بها واستضافه في بيته بالقاهرة فعرف طريق الشهرة حتى أصبح مقرئ القصر الجمهوري .
وهو من مواليد حي بهتيم بشبرا الخيمة محافظة القليوبية عام 1922 م. ألحقه أبوه الذي كان من قراء القرآن بكتاب القرية وعمره ستة سنوات وأتم حفظ القرآن قبل بلوغ العاشرة من عمره فكان يذهب إلى مسجد القرية بعزبة إبراهيم بك ليقرأ القرآن قبل صلاة العصر دون أن يأذن له أحد بذلك وكانت ثقته بنفسه كبيرة فكان يطلب من مؤذن المسجد أن يسمح له برفع الآذان بدلا منه ولما رفض مؤذن المسجد ظل الطفل محمد ذكي يوسف الشهير بكامل البهتيمي يقرأ القرآن بالمسجد وبصوت مرتفع ليجذب انتباه المصلين فكان له ما أراد إذ أن حلاوة صوته أخذت تجذب الانتباه فبدأ المصلون يلتفون حوله بعد صلاة العصر يستمعون إلى القرآن بصوته مبهورين به وبدءوا يسألون عنه وعن أهله فعرفوه وألفوه وزاد معجبوه في هذه السن الصغيرة فسمح له مؤذن المسجد أن يرفع الآذان مكانه تشجيعا له وأذن له بتلاوة القرآن بصفة دائمة قبل صلاة العصر فصار صيت الصبي كامل البهتيمي يملأ ربوع القرى المجاورة وأخذ الناس يدعونه لأحياء حفلاتهم وسهراتهم فكان أبوه يرافقه وظل على هذا الحال مدة طويلة حتى استقل عن أبيه وأصبح قارئ معروفا بالبلدة وكذلك قارئ للسورة يوم الجمعة بمسجد القرية, وكان أهل القرية يعتبرون ذلك اليوم عيدا لأنهم سيستمتعون بصوت ذلك الصبي وظل كذلك حتى أوائل الخمسينيات والتي شهدت شهرة الشيخ كامل يوسف البهتيمي.
كان الشيخ لا يتقاضى مليما واحدا إلا أنه كان يقول لنا أنه يذهب للمسجد ليدرب صوته على تلاوة القرآن ويقلد الشيخان محمد سلامة ومحمد رفعت ليثبت لمن يستمع إليه أنه موهبة فنال التشجيع الكبير والاستحسان وكان ذلك مبعث الثقة في نفسه وكانت أمه تدعو له فيقول لها : سيأتي اليوم الذي يصبح فيه ابنك من مشاهير القراء في مصر. فكانت أمه تفرح بهذا الكلام كثيرا وتدعو له فكان له ما سعى إليه بفضل الله تعالى.
مع بداية عام 1952 م استمع إليه الشيخ محمد الصيفي فكان ذلك فاتحة خير عليه قادته لطريق الشهرة ، كان الشيخ الصيفي قد علم بوجود قارئ جديد ببهتيم يتمتع بحلاوة الصوت فذهب إلى بهتيم واستمع إلى تلاوة الشيخ كامل دون علمه فأعجب به وطلب منه أن ينزل ضيفا عليه في القاهرة فأصطحبه ونزل ضيفا عليه في بيته بحي العباسية فمهد له الطريق ليلتقي بجمهور القاهرة وجعل بطانته له في الحفلات والسهرات وقدمه للناس على أنه اكتشافه وبعد فترة وجيزة بدأ جمهور القاهرة يتعرف عليه فأصبح يدعى بمفرده لأحياء الحفلات والسهرات فكان ذلك يسعد الشيخ محمد الصيفي فأخذ يشجعه مما زاد من ثقته حتى ذاع صيته في أحياء وضواحي القاهرة , وأصبح قارئا له مدرسة وأسلوبه في الأداء وأفاض الله عليه من الخير الكثير والمال الوفير فأشترى قطعة أرض بشارع نجيب بحي العباسية أقام عليه عمارة كبيرة واستأذن من الشيخ الصيفي أن يستقل بحياته شاكرا له حسن ضيافته وكريم صنيعه وما قدمه له من عون طوال فترة إقامته بالقاهرة حتى استطاع أن يثبت جدارته وأهليته لقراءة القرآن وسط كوكبة من مشاهير وعظام القراء بالقاهرة.
لم يلتحق الشيخ كامل يوسف بأي معهد لتعليم القراءات بل لم يدخل أي مدرسة لتعليم العلوم العادية ولكن بالممارسة والخبرة والاستماع الجيد إلى القراء مثل المشايخ محمد رفعت ومحمد سلامة والصيفي وعلى حزين تعلم أحكام التلاوة دون أن يشعر هو بذلك وقد اكتملت عناصر النجاح لديه بعد الاستماع إلى هؤلاء العمالقة في قراءة القرآن.
في عام 1953 م عرض عليه الشيخ محمد الصيفي أن يتقدم بطلب للإذاعة لعقد امتحان له أمام لجنة اختبار القراء إلا انه رفض خشية أن يتم إحراجه لعدم إلمامه بعلوم وأحكام القرآن وعلوم التجويد وأنه لم يدرس بأي معهد للقراءات ولكن المشايخ محمد الصيفي وعلي حزين أقنعاه بضرورة التقدم لهذا الامتحان وأن موهبة تفوق كثيرين تعلموا بمعاهد القراءات , فقهر ذلك الكلام خوفه وفك عقدته وتقدم للامتحان ونجح بامتياز فتعاقدت معه الإذاعة المصرية في أول نوفمبر عام 1953 م وتم تحديد مبلغ أربعة جنيهات شهريا مقابل التسجيلات التي يقوم بتسجيلها للإذاعة وتم تعيينه بعد ذلك قارئ للسورة يوم الجمعة بمسجد عمر مكرم بميدان التحرير بالقاهرة والذي ظل به حتى وفاته .
في عام 1967 م ذهب الشيخ كامل يوسف البهتيمي إلى مدينة بورسعيد تلبية لدعوة وجهت إليه لأحياء ليلة مأتم ...فتلعثم لسانه أثناء القراءة وعجز عن النطق فبينما كان الشيخ يقرأ في السرادق المقام فوجئ الحاضرون بعدم قدرته على مواصلة القراءة بل وعجزه عن النطق وقد شعر بأن شيئا يقف في حلقه فثقل لسانه وتم نقله إلي الفندق الذي كان ينزل به وتم إسعافه ونقله إلى القاهرة ولكن بعد تلك الحادثة بأسبوع واحد أصيب بشلل نصفي فتم علاجه واسترد عافيته وقد قيل فيما بعد أنها كانت محاولة لقتله في مدينة بور سعيد بعد أن وضع له مجهول مواد مخدرة في فنجان قهوة كان قد تناوله قبل بدء التلاوة بالمآتم ورغم أن الشيخ أسترد عافيته إلا أن صوته لم يعد بنفس القوة التي كان عليها عن ذي قبل, ومرت الشهور حتى عاد الشيخ إلي البيت ذات يوم بعد رجوعه من إحدى السهرات وهو في حالة إعياء شديد وتم استدعاء طبيبه الخاص الدكتور مصطفى الجنزوري الذي صرح بأنه مصاب بنزيف في المخ وبعدها بساعات قليلة فارق الشيخ كامل البهتيمي الحياة, وروي الدكتور فرحات عمر الفنان المعروف بالدكتور شديد أنه توفي مقتولا.
وقد كان أول أجر تقاضاه 25 قرشا ببلدته بهتيم ووضع هذا المبلغ على مخدة أمه قائلا لها أصبري يا أماه بكرة ربنا حيفتحها علينا وكان آخر أجر تقاضاه هو مبلغ 60 جنيها عن إحياء حفلة بالقاهرة و150 جنيها خارجا عن الليلة .و للأسف وافته المنية قبل أن يتم تسجيل القرآن مرتلا للإذاعة ولكنه سجله مجودا .
وقد كانت آخر أمانيه الرجوع إلى قريته والاستقرار بها ليرد الجميل لأهلها إلا أن المنية وافته عام 1969 م عن عمر يناهز 47 عاما فحال ذلك دون تحقيق حلمه . رحمه الله رحمة واسعة .